الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتح فاه للالتقام، على لطف في علاجه، وتسكين لثوائر المرض وعجاجه، ورفق زانه في تأنّيه، وزاده في تأتّيه، فكان يعد فردا، ويعد من أم مشربه وردا، ثم لم يخلف له موعد، ولا يخاف معه من سحابه مرض مرعد، لكنه لم تغن عنه حيله، ولم يكن له بدّ أن يأتيه أجله.
قال صاعد:" إنه دخل القيروان ومصر، وتطبّب بها زمانا طويلا، ثم رجع إلى الأندلس، وقصد مدينة دانية، واتصل بمجاهد ملكها، وأمره أن يقيم عنده فحظي واشتهر بالتقدم في الطب، وشاع ذكره منها في الأقطار، وله في صناعته إرشاد منه منعه من الحمّام لاعتقاده فيه أنه يعفّن الأجسام، ويفسد تركيب الأمزجة". قال: وهذا رأي يخالفه فيه الأوائل، ويشهد بخطئه فيه الخواص والعوام، بل إذا استعمل على الترتيب الذي يجب بالتدريج الذي ينبغي كان رياضة فاضلة، ومهنة نافعة، لتفتيحه للمسام وتطريقه للفضول، وتلطيفه لما غلظ من الكيموسات" «1» .
قال ابن أبي أصيبعة:" وأقول إنه انتقل إلى إشبيلية ولم يزل بها إلى أن مات، وخلّف أموالا جزيلة، ونظيرها من الرياع والضياع".
ومنهم:
164- أبو العلاء زهر بن عبد الملك
«13»
فرد في بني آدم، وواحد ما أتى بمثله وقد تقادم، ابن أبيه وفوق كل من يليه، لم يقف سيف ذهنه عند حده، ولا جارى البرق وقد أضمر له نار حقده، وأمسى وهو أبو العلاء، وأخو النجم في الاعتلاء. ربّي في حجر العلم ربيبا، وأصبح منذ
كان في سن الوليد حبيبا، فطلع بدرا كامل الأنوار، وطء بحرا يتمسك له بجوار حتى استهل سحابا، واستقل انسكابا، وكان لبيته تقف عليه زمر، وركبا يحج إليه ويعتمر.
قال ابن أبي أصيبعة فيه:" مشهور بالحذق والمعرفة، وله علاجات مختارة تدل على قوته في الصناعة، واطّلاعه على دقائقها، وكانت له في هذا نوادر، ومعرفة بأحوال المرضى من غير أن يستخبرهم، بل لمجرّد جسه لعروقهم ونظره إلى قواريرهم، وحظي في دولة المرابطين".
وقال ابن جميع «1» أن رجلا من التجار جلب نسخة فائقة من كتاب القانون إلى الأندلس، فأتحف أبا العلاء بن زهر بن تقرّبا إليه، ولم يكن وقف عليه، فلما تأمّله ذمّه واطّرحه ولم يدخله خزانة كتبه، ثم جعل يقطع من طرره «2» ويكتب فيها نسخ الأدوية للمرضى.
وقال أبو يحيى اليسع بن حزم «3»
أن أبا العلاء زهرا كان مع صغر سنه تصرخ النجابة بذكره، وتخطب المعارف بشكره، ولم يزل يطالع كتب الأوائل متفهما، ويلقى جلة الشيوخ متعلما، حتى برز في الطب إلى غاية عجز الطلب عن مرامها، وصرف الفهم عن إبرامها، إلى أن خرجت عن قانون الصناعة إلى ضروب الشناعة، يخبر فيصيب، ويضرب في كل ما ينتحله بأوفى نصيب، ويستغرف المدى ويغبر في وجوه سوابق الفضلاء علما ومحتدا، ويفوق الجلة سماحة لا توصف، وندى لولا بذاذة لسان وعجلة ركب عليها الإنسان، وأي الرجال تكمل