المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌63- جبريل بن بختيشوع بن جورجيس - مسالك الأبصار في ممالك الأمصار - جـ ٩

[ابن فضل الله العمري]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء التاسع]

- ‌[تراجم الحكماء والفلاسفة]

- ‌مقدمة المحقق

- ‌[المقدمة]

- ‌[من الحكماء المشارق]

- ‌1- أما (هرمس الأول)

- ‌2- وأما (هرمس الثاني)

- ‌3- وأما (هرمس الثالث) :

- ‌4- فيثاغورس

- ‌5- سقراط

- ‌6- أفلاطون

- ‌7- أرسطوطاليس

- ‌8- يعقوب بن إسحاق الكنديّ

- ‌9- أحمد بن الطّيّب السّرخسيّ

- ‌10- كنكه الهندي

- ‌11- صنجهل الهندي

- ‌12- أبو نصر الفارابيّ

- ‌13- يحيى بن عدي

- ‌14- أبو بكر محمّد بن زكريّاء الرّازيّ

- ‌15- أبو سليمان السّجستاني

- ‌16- ابن الخمّار

- ‌17- أبو الفرج بن هندو

- ‌18- الشيخ الرئيس أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسين بن علي بن سينا

- ‌ومن رسائله:

- ‌[وصية ابن سينا]

- ‌ومن شعر الشيخ الرئيس قاله في النفس

- ‌19- أبو الفرج عبد الله بن الطيب

- ‌20- أبو المؤيد محمد بن محمد بن المجلي الجزري، المعروف بابن الصايغ

- ‌21- ابن الخطيب الرّازيّ، ابن خطيب الرّيّ، وهو: محمّد بن عمر بن الحسين، أبو عبد الله- الإمام فخر الدّين

- ‌22- القطب المصريّ وهو: إبراهيم بن عليّ بن محمّد السّلميّ أبو إسحاق

- ‌23- عبد اللّطيف البغدادي

- ‌24- ابن الخوييّ: أحمد بن الخليل بن سعادة بن جعفر بن عيسى، الشّافعيّ، شمس الدّين، أبو العبّاس

- ‌25- الرّفيع الجيليّ: أبو حامد، عبد العزيز بن عبد الواحد ابن إسماعيل بن عبد الهادي

- ‌26- الشّهاب السّهرورديّ المقتول: يحيى بن حبش بن أميرك

- ‌27- الخسرو شاهيّ: عبد الحميد بن عيسى، بن عمّويه، بن يونس، ابن خليل شمس الدّين، أبو محمّد، التبريزيّ، الشّافعيّ

- ‌29- البديع الاصطرلابيّ: وهو بديع الزّمان أبو القاسم هبة الله بن الحسين بن أحمد البغداديّ

- ‌31- النّصير الطّوسيّ: محمد بن محمد بن الحسن، نصير الدّين، أبو عبد الله، الطّوسيّ الفيلسوف

- ‌32- القطب الشّيرازيّ: [محمود بن مسعود بن مصلح الفارسيّ

- ‌33- الشّيخ صفيّ الدّين الهنديّ: [محمد بن عبد الرّحيم بن محمد الأرمويّ، أبو عبد الله، صفي الدين

- ‌34- علي بن إسماعيل بن يوسف الإمام العلامة القدوة العارف ذو الفنون الشيخ علاء الدين قاضي القضاة شيخ الشيوخ أبو الحسن القونوي التبريزي

- ‌35- القاضي جلال الدّين القزوينيّ، أبو المعالي محمد ابن القاضي سعد الدّين أبي القاسم عبد الرّحمن بن عمر بن أحمد الشّافعيّ الدّلفيّ

- ‌37- الشّيخ شمس الدّين الأصفهانيّ، وهو: محمود بن أبي القاسم بن أحمد، أبو الثّناء

- ‌ومن فلاسفة المغاربة، وحكمائها، ومتكلميها ممن كان بالأندلس:

- ‌38- يحيى بن يحيى، أبو بكر، المعروف بابن السّمينة

- ‌41- أبو الحكم الكرمانيّ: عمرو بن عبد الرّحمن بن أحمد بن عليّ

- ‌42- ابن واقد [الوزير، أبو المطرّف عبد الرّحمن بن محمّد بن عبد الكبير بن يحيى ابن واقد بن مهنّد اللّخميّ]

- ‌43- محمد بن يوسف المنجّم

- ‌45- المبشّر بن فاتك: وهو: الأمير محمود الدّولة أبو الوفاء الآمريّ

- ‌48- محمد بن إبراهيم المتطبب صلاح الدين المعروف بابن البرهان الجرائحي

- ‌49- ابن الأكفاني: محمد بن إبراهيم بن ساعد الأنصاريّ، شمس الدّين أبو عبد الله السّنجاريّ المولد والأصل، المصري الدار

- ‌فأما أول من استخرج الطب فرجلان:

- ‌50- اسقليبيوس بن ريوس

- ‌51- أيلق

- ‌أطباء العرب ممن كانوا في أول ظهور الإسلام ومن بعدهم

- ‌52- الحارث بن كلدة الثّقفيّ

- ‌53- النّضر بن الحارث بن كلدة

- ‌54- عبد الملك بن أبجر الكنانيّ

- ‌55- ابن أثال

- ‌56- أبو الحكم

- ‌57- حكم الدّمشقيّ

- ‌58- عيسى بن حكم الدّمشقيّ المعروف بالمسيح

- ‌59- تياذوق

- ‌60- زينب طبيبة بني أود

- ‌أطبّاء السّريان الكائنين في ابتداء الدولة العباسية:

- ‌61- جورجيس بن جبريل [بن يختيشوع]

- ‌63- جبريل بن بختيشوع بن جورجيس

- ‌64- بختيشوع بن جبريل بن بختيشوع

- ‌65- جبيرائيل بن عبيد الله بن بختيشوع

- ‌66- خصيب النصراني

- ‌67- عيسى المعروف بأبي قريش

- ‌68- ابن اللجلاج

- ‌69- عبد الله الطيفوري

- ‌70- إسرائيل بن زكريا الطيفوري

- ‌71- يزيد بن [زيد] بن يوحنّا

- ‌72- عبدوس بن زيد

- ‌73- ماسرجويه «طبيب البصرة»

- ‌74- سلمويه بن بنان «متطبّب المعتصم»

- ‌75- إبراهيم بن فزارون

- ‌76- إبراهيم بن أيوب الأبرش

- ‌78- يوحنّا بن ماسويه

- ‌79- ميخائيل بن ماسويه

- ‌80- حنين بن إسحاق العبادي

- ‌81- إسحاق بن حنين بن إسحاق العبادي أبو يعقوب

- ‌82- يوحنا بن بختيشوع

- ‌83- ثابت بن قرة الحرّاني، أبو الحسن

- ‌84- سنان بن ثابت بن قرة

- ‌85- ثابت بن إبراهيم بن زهرون الحراني

- ‌86- ابن وصيف الصابئ

- ‌87- غالب «طبيب المعتضد»

- ‌88- صاعد بن بشر بن عبدوس أبو منصور

- ‌89- ديلم

- ‌90- فنّون المتطبّب

- ‌91- نظيف- القسّ الرّومي

- ‌92- ابن بطلان، أبو الحسن المختار بن عبدون بن سعدون ابن بطلان النصراني

- ‌93- أحمد بن أبي الأشعث

- ‌94- أبو سهل النيلي. وهو: سعيد بن عبد العزيز

- ‌95- ابن الواسطي «طبيب المستظهر»

- ‌96- أبو طاهر البرخشي، أحمد بن محمد بن العباس

- ‌97- أبو غالب ابن صفية

- ‌98- أمين الدولة ابن التلميذ

- ‌99- معتمد الملك أبو الفرج يحيى بن صاعد بن يحيى بن التلميذ

- ‌100- أوحد الزمان وهو أبو البركات هبة الله بن علي بن ملكا البلدي ثم البغدادي

- ‌101- أبو القاسم هبة الله بن الفضل البغدادي

- ‌102- فخر الدين المارديني

- ‌103- أبو نصر المسيحي

- ‌104- أبو الفرج ابن توما

- ‌طبقات الأطباء ببلاد العجم

- ‌105- تياذورس

- ‌106- ربن الطبري

- ‌107- علي بن سهل بن ربن الطبري أبو الحسين

- ‌108- أحمد بن محمد الطبري

- ‌109- أبو منصور: الحسن بن نوح القمريّ

- ‌110- أبو سهل عيسى بن يحيى المسيحي الجرجاني

- ‌111- السيد أبو عبد الله محمد بن [يوسف] الإيلاقي

- ‌112- أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني

- ‌113- أحمد بن عبد الرحمن بن مندويه الأصبهاني، أبو علي

- ‌114- أبو القاسم عبد الرحمن بن علي ابن أحمد بن أبي صادق النيسابوري

- ‌115- السّموأل بن يحيى بن عباس

- ‌116- الشريف شرف الدين إسماعيل

- ‌أطبّاء الهند

- ‌117- شاناق الهندي

- ‌118- منكه الهندي

- ‌119- صالح بن بهلة الهندي

- ‌أطبّاء الشّام

- ‌120- أبو الفرج جرجس بن توما بن سهل بن إبراهيم اليبرودي

- ‌121- ظافر بن جابر السكري أبو حكيم

- ‌122- أبو الحكم عبيد الله بن المظفر بن عبد الله الباهلي

- ‌123- ابنه: أبو المجد [محمد] بن أبي الحكم؛ أفضل الدولة

- ‌124- ابن البذوخ: أبو جعفر بن موسى بن علي القلعي

- ‌125- حكيم الزمان أبو الفضل عبد المنعم بن عمر بن عبد الله بن حسان الغساني الجلياني

- ‌126- المهذّب ابن النقاش

- ‌127- سكرة اليهودي الحلبي

- ‌129- ابن اللبّودي: يحيى بن محمد بن عبدان بن عبد الواحد

- ‌130- الرضي الرحبي، يوسف بن حيدرة بن الحسن أبو الحجاج

- ‌131- الشرف علي شرف الدين أبو الحسن

- ‌132- عمران [بن صدقة] الإسرائيلي

- ‌133-[موفق الدين] يعقوب بن صقلاب النصراني

- ‌134- رشيد الدين الصوري أبو المنصور ابن أبي الفضل بن علي

- ‌136- صدقة بن منجا بن صدقة السامري

- ‌137- المهذب يوسف بن أبي سعيد بن خلف السامري

- ‌138- أمين الدولة أبو الحسن بن غزال بن أبي سعيد السامري

- ‌139- المهذّب الدّخوار: أبو محمد عبد الرحيم بن علي بن حامد

- ‌140- الرشيد علي بن حليقة بن يونس بن أبي القاسم بن خليقة الأنصاري الخزرجي

- ‌141- ابن قاضي بعلبك: المظفر بن عبد الرحمن بن إبراهيم

- ‌142- العماد الدّنيسري: محمد بن العباس بن أحمد بن عبيد الربعي أبو عبد الله

- ‌143- العز السويدي: إبراهيم بن محمد الأنصاري الأوسي، عز الدين أبو إسحاق

- ‌144- موفق الدين يعقوب السامري أبو يوسف يعقوب بن غنائم

- ‌145- أبو الفرج يعقوب بن إسحاق بن القف النصراني

- ‌146- المهذب يوسف كاتب الزردكاش

- ‌147- النفيس أبو الفرج ابن إسحاق بن أبي الخير السامري

- ‌148- الأمين سليمان الحكيم وهو سليمان بن داود

- ‌149- أحمد بن شهاب الدين أبو محمد الكحال الجرائحي

- ‌150- الفتح السامري: هو ابن يوسف بن إسحاق بن مسلم

- ‌151- غنائم السامري، وهو ابن المهذب يوسف كاتب الزردكاش

- ‌فأما أطباء الغرب بما وقع في جانبه من مصر والاسكندرية

- ‌152- إسحاق بن عمران

- ‌153- إسحاق بن سليمان الإسرائيلي أبو يعقوب

- ‌154- أحمد بن إبراهيم بن أبي خالد المعروف: بابن الجزار القيرواني أبو جعفر

- ‌155- حمدون أثا

- ‌156- يحيى بن إسحاق

- ‌157- أبو داود بن جلجل: وهو سليمان بن حسان المعروف بابن جلجل الحكيم

- ‌159- الغافقي: وهو أبو جعفر أحمد بن محمد بن سند

- ‌161- أبو محمد المصري

- ‌162- أبو الصلت أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت الداني

- ‌163- أبو مروان عبد الملك بن محمد بن مروان بن زهر الإيادي الإشبيلي

- ‌164- أبو العلاء زهر بن عبد الملك

- ‌165- ابنه أبو مروان ابن أبي العلاء، واسمه عبد الملك

- ‌166- أبو محمد ابن الحفيد أبي بكر بن زهر

- ‌167- أبو جعفر ابن الغزال

- ‌168- أبو العباس ابن الرومية، وهو أحمد بن محمد بن مفرّج النباتي

- ‌169- ابن الأصم

- ‌أما أطباء مصر:

- ‌170- بليطيان

- ‌171- سعيد بن توفيل

- ‌172- سعيد بن البطريق

- ‌173- التميمي: وهو أبو عبد الله محمد بن سعيد التميمي

- ‌174- ابن الهيثم: وهو أبو علي محمد بن الحسن بن الهيثم البصري ثم المصري

- ‌175- علي بن رضوان

- ‌176- افرائيم [بن الزفّان] الإسرائيلي

- ‌177- سلامة بن رحمون أبو الخير

- ‌178- بلمظفر ابن معرف: وهو نصر بن محمود بن المعرّف

- ‌179- أبو عمر وعثمان بن هبة الله بن أحمد بن عقيل القيسي جمال الدين

- ‌180- ابنه الفتح [فتح الدين بن جمال الدين بن أبي الحفائر]

- ‌181- ابنه المهذب [شهاب الدين ابن فتح الدين]

- ‌182- الخونجي: محمد بن ناماور أفضل الدين أبو عبد الله

- ‌183- أبو سليمان داود بن أبي المنى ابن فانة

- ‌184- ابنه: الموفق أبو شاكر موفق الدين

- ‌185- الرشيد أبو حليقة: وهو أبو الوحش ابن الفارس ابن أبي الخير بن أبي سليمان داود ابن أبي المنى ابن فانة

- ‌186- ابنه المهذب: أبو سعيد محمد بن أبي حليقة

- ‌187- أبو سعيد بن موفق الدين يعقوب

- ‌188- ابن البيطار: عبد الله بن أحمد المالقي النباتي، ضياء الدين أبو محمد

- ‌189- علي بن أبي الحزم: علاء الدين ابن النفيس القرشي الدمشقي

- ‌190- أحمد المغربي

- ‌191- السديد الدمياطي

- ‌192- فرج الله بن صغير

- ‌193- محمد بن صغير، ناصر الدين

- ‌مصادر التحقيق

- ‌الفهرست

الفصل: ‌63- جبريل بن بختيشوع بن جورجيس

رئيس الأطباء، ومروهم فليسمعوا له ويطيعوا" «1» .

ومنهم:

‌63- جبريل بن بختيشوع بن جورجيس

«13»

يجلّ أن يقاس بالألفاء، وأن يقال اسمه إلا مع الخلفاء، عظم ثراؤه، وعمّ جداه أن يماثل به أرسطو ونظراؤه، وخلف ما يتجاوز الحد، ويداني العد، مع نفقاته الموسّعة، وصدقاته التي رفلت «2» الأيام في حللها الموشّعة «3» ، حتى شرقت «4» دونه النفوس بحسراتها، واختنقت القلوب بزفراتها، حتى كانت الخلفاء تركب إلى منزله، وترغب في إكرام نزله، وهو بشمم لا يخضع عرنينه «5» ، ولا يخشع أنينه، ولا يطلع زهر الروض الجني إلا جنينه.

قال ابن أبي أصيبعة «6» :" كان مشهورا بالفضل، جيّد التصرّف في المداواة،

ص: 342

عالي الهمّة، سعيد الجد، حظيّا عند الخلفاء، وحصّل بهم من الأموال ما لم يحصّله أحد من الأطباء".

قال الترجمان:" إن أباه أفرده لجعفر بن يحيى «1» ، وكان قد اعتلّ؛ فعالجه، فبرئ في ثلاثة أيام، فأحبّه جعفر مثل حب نفسه، وكان لا يصبر عنه.

ثم تمطّت «2» حظية «3» الرشيد [ورفعت يدها، فبقيت منبسطة لا يمكنها ردها] ، ولم يفد فيها طب الأطباء، فدلّ جعفر الرشيد على ابن بختيشوع، فأحضره وقال له: ما تعرف من الطب؟.

قال: أبرّد الحارّ، وأسخّن البارد، وأرطّب اليابس، وأيبس الرطب.

فضحك الرشيد وقال: هذا غاية ما تحتاج إليه [..]«4» الجارية.

فقال جبرائيل: لها عندي حيلة إن لم يسخط عليّ أمير المؤمنين.

قال: وما هي؟.

قال: تخرج الجارية إلى ههنا بحضرة الجمع، حتى أعمل ما أريده، ويمهل عليّ ولا يعجل بالسخط.

ص: 343

فأمر بها، فأخرجت، فحين رآها جبرائيل مشى إليها ونكس رأسها، وأمسك ذيلها، كأنه يريد سراويلها. فانزعجت الجارية؛ فاسترسلت أعضاؤها، وبسطت يدها إلى أسفل، وأمسكت ذيلها.

فقال جبرائيل: قد برئت يا أمير المؤمنين!.

فقال الرشيد للجارية: ابسطي يديك يمنة ويسرة؛ ففعلت.

فعجب الرشيد ومن حضر، وأمر له بخمس مائة ألف درهم، وعظمت منزلته عنده، وجعله رئيسا على سائر الأطباء.

وسئل عن سبب العلة؟. فقال: هذه الجارية انصبّ على أعضائها وقت الحركة خلط رقيق بالحركة وانتشار الحرارة، ولأجل سكون الجماع تكون بغتة جمدت الفضلة في بطون جميع الأعصاب، وما كان يحلّها إلا حركة مثلها؛ فاحتلت حتى انبسطت حرارتها، وانحلّت الفضلة.

ولم يزدد مكانه من الرشيد إلى أن مرض الرشيد ب" طوس"«1» مرض موته، حبسه، واستطبّ أسقف فارس، فقال له: مرضك كان من خطأ طبيبك- كذبا عليه-.

فأمر الرشيد بقتل جبرائيل؛ فلم يقبل منه الفضل بن الربيع، لأنه كان يئس من حياته.

وأصاب تلك الأيام الفضل قولنج شديد، فكان جبرائيل يعالجه، فأفاق. ثم لما صار الأمر إلى الأمين زاد تقريبه، وضاعف مواهبه، وكان لا يأكل ولا يشرب إلا بإذنه.

ص: 344

ثم لما ملك المأمون كتب إلى الحسن بن سهل «1» بأن يقبض عليه لكونه بعد الرشيد أتى الأمين ببغداد، ولم يأته بخراسان، فحبسه ابن سهل. ثم لما مرض ابن سهل فعالجه الأطباء، فلم ينتفع بذلك، فأخرج جبرائيل من الحبس؛ فعالجه في أيام يسيرة، فبريء، فوهب له مالا وافرا، وتلطّف له مع المأمون، فصفح عنه، واتخذ ميخائيل صهر جبرائيل بدلا منه، وأكرمه كيادا لجبرائيل.

فمرض المأمون مرضا صعبا، أعيا الأطباء علاجه، فقال أبو عيسى- ابن الرشيد- للمأمون: يا أمير المؤمنين! أحضر جبرائيل، فإنه يعرف أمزجتنا منذ الصّبا.

فتغافل عنه، وأحضر يوحنّا بن ماسويه «2» ، فلما ضعفت قوة المأمون ذكّر بجبرائيل، فأمر بإحضاره، فلما حضر غيّر تدبيره كله. فانصلح بعد يوم، واستقل بعد ثلاثة أيام، ثم بعد أيام يسيرة صلح صلاحا تاما، فسرّ به المأمون، وأمر له بألف ألف درهم، وألف كرّ «3» حنطة، وردّ عليه ما كان قبض له، وصار إذا خاطبه يكنّيه. ثم انتهى إلى أن كان لا يخرج عامل إلى عمله إلا بعد أن يلقى

ص: 345

جبرائيل ويكرمه. وعلا محلّه، وانحطّ من سواه.

وقال إسحاق بن علي الرهاوي «1» : إن يوحنا بن ماسويه أخبر أن الرشيد قال لجبرائيل بن بختيشوع وهو حاجّ بمكة: يا جبرائيل! أعلمت أني دعوت لك- والله- في الموقف دعاء كثيرا؟.

ثم التفت إلى بني هاشم «2» فقال: هل أنكرتم قولي؟.

فقالوا: ذمّيّ هو!. فقال: نعم، ولكن صلاح بدني وقوامه به، وصلاح المسلمين بصلاحي.

فقالوا: صدقت يا أمير المؤمنين" «3»

وقال ابن بختيشوع: اشتريت ضيعة بسبعمائة ألف درهم، فنقدت بعض الثمن، وتعذّر عليّ بعضه، فدخلت على يحيى بن خالد، وعنده ولده، وأنا أفكر. فقال: ما لي أراك مفكّرا؟.

فأخبرته. فدعا بالدواة، وكتب:" يعطى جبرائيل سبعمائة ألف درهم". ثم دفع إلى كل واحد من ولده، فوقّع فيه ثلاثمائة ألف درهم. قال: فقلت: جعلت فداك! قد أدّيت عامّة الثمن، وإنما بقي أقلّه.

قال: اصرف ذلك فيما ينوبك.

ثم صرت إلى دار الرشيد، فلما رآني قال: ما أبطأ بك؟.

فقلت: كنت يا أمير المؤمنين عند أبيك وإخوتك، ففعلوا بي كذا وكذا

ص: 346

لخدمتي لك.

قال: فما حالي أنا؟. ثم دعا بدابّته، فركب إلى يحيى، ثم قال: يا أبه! أخبرني جبرائيل بما كان، فما كان حالي أنا من بين ولدك؟.

فقال: مر له يا أمير المؤمنين بما شئت يحمل إليه.

فأمر لي بخمسمائة ألف درهم.

وحكى سعيد بن إسحاق النصراني قال: كنت مع الرشيد بالرقة «1» ، ومعه ولداه: الأمين والمأمون، وكان رجلا كثير الأكل والشرب، فأكل في بعض الأيام أشياء خلط فيها ودخل المستراح، فغشي عليه، وأخرج، فقوي عليه الغشي، حتى لم يشكّ في موته. وأرسل إليّ، فحضرت، وجسست عرقه، فوجدت نبضه خفيا، وكان قبل ذلك بأيام يشكو امتلاء، وحركة الدم.

فقلت لهم: يموت! إن لم يحتجم الساعة.

فأجاب المأمون إليه، وتقدّم الحجّام، وتقدّمت بإقعاده، فلما وضع المحاجم عليه ومصّها، رأيت الموضع قد احمرّ.

فطابت نفسي، وعلمت أنه حيّ. فقلت للحجّام: اشرط. فشرط، فخرج الدم؛ فسجدت شكرا لله. وجعل كلّما خرج الدم يحرّك رأسه ويسفر «2» لونه.

إلى أن تكلّم، وقال: أين أنا؟. فطيّبنا نفسه، وغذّيناه بصدر درّاج «3» ، وسقيناه

ص: 347

شرابا، وما زلنا نشمّه الروائح الطيبة، ونجعل في أنفه الطيب حتى تراجعت قوّته، ودخل الناس عليه، ثم وهب الله له عافيته.

فلما كان بعد أيام، دعا صاحب حرسه، فسأله عن غلّته في السنة، فعرّفه أنها ثلاث مائة ألف درهم. فسأل صاحب شرطته؟، فقال: خمسمائة ألف درهم. فسأل حاجبه؟. فقال: ألف ألف درهم.

فقال لي: ما أنصفناك، حيث غلّات هؤلاء وهم يحرسونني من الناس على ما ذكروا، وأنت تحرسني من الأمراض، وتكون غلّتك دونهم!. ثم أمر بإقطاعي ألف ألف درهم.

فقلت: يا سيدي! ما لي حاجة إلى الإقطاع، ولكن تهب لي ما أشتري لي به ضياعا غلّتها ألف ألف درهم؛ فجميع ضياعي أملاك لي، لا إقطاع.

والذي صار إليه في أيام خدمته للخلفاء وهي نحو ثلاثين سنة، جمل كثيرة، وجدته مدرجا بخط كاتبه، وفيه إصلاحات بخطّه.

فأما ما صرفه منه في مدة حياته في نفقاته تقريا، فهو: سبعة وعشرون ألف ألف درهم، وستمائة ألف درهم.

وفي ثمن دور وبساتين ومنتزهات، ورقيق، ودوابّ: سبعون ألف ألف درهم.

وفي عمائر: ثمانية آلاف ألف درهم.

وفي ثمن ضياع: اثنا عشر ألف ألف درهم.

وفي ثمن جواهر، وما أعدّه للذخائر: خمسمائة ألف دينار، وخمسون ألف ألف درهم.

وفي وجوه القرب وما كفله عن المصادرين: ثلاثة آلاف ألف درهم.

ص: 348

وما جحده أرباب الودائع له: ثلاثة آلاف ألف درهم.

ثم الذي خلّفه بعد هذا عند وفاته لابنه بختيشوع، وجعل المأمون الوصيّ فيه فسلّمه إليه عن آخره، ولم يتعرّض إلى شيء منه: فتسعمائة ألف دينار.

وهذا جبرائيل هو الذي عناه أبو نواس بقوله: [مجزوء الوافر]

سألت أخي أبا عيسى

وجبريل له عقل

فقلت الراح تعجبني

فقال: كثيرها قتل

فقلت له: فقدّر لي

فقال، وقوله فصل

وجدت طبائع الإنسا

ن أربعة هي الأصل

فأربعة لأربعة

لكل طبيعة رطل «1»

وذكر أبو الفرج الأصفهاني «2» في المأمون شعرا قاله في جبرائيل، هو: على الإسلام والملّه [الهزج]

ألا قل للذي ليس

على الإسلام والملّه

لجبريل أبي عيسى

أخي الأنذال والسفله

أفي طبك يا جبري

ل ما يشفي دوا العله

غزال قد سبى عقلي

بلا جرم ولا زلّه

قال [أبو الفرج: والشعر للمأمون في جبرائيل بن بختيشوع المتطبب] ، والغناء لمتيّم، خفيف الرمل.

ومن كلام جبرائيل:" أربعة تهدم العمر: إدخال الطعام على الطعام قبل الانهضام، والشرب على الريق، ونكاح العجوز، والتمتع في الحمّام"«3»

ص: 349