الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن طومار: كان الموفّق إذا جلس للشرب تقدم بين يديه صينية من ذهب، ومغسل من ذهب، و" خرداذي" بلّور، وكوز بلّور، ويجلس يوحنا بن بختيشوع عن يمينه، ويقدم إليه مثل ذلك، وكذلك بين يدي أبي غالب الطبيب، ويقدم إلى جميع الجلساء صواني مدهون، وقناني زجاج، وغير ذلك. وكان ابنه بختيشوع بمكانة من المقتدر بالله، وإقطاعات، ثم كان عند الراضي «1» كذلك «2» .
ومنهم:
83- ثابت بن قرة الحرّاني، أبو الحسن
«13»
سماء لا تصدأ مرآتها، وورقاء لا تزال تطرب ملهاتها، وكوكب ذري كيف تسير الثواقب، وتصير المناقب، وتسوّر خود الثريا بالهلال، ويخسأ رقيب العوّاء المراقب.
ظهر له من قوة الحدس ما كاد يعدّ كرامة، ويرد به البقاء وقد كان الهلك رامه.
قال ابن أبي أصيبعة «1» :" كان من الصابئين المقيمين بحرّان، وتعلم على محمد بن موسى بن شاكر فوصله بالمعتضد، فأدخله في جملة المنجّمين، وهو أصل من كان ببغداد من الصابئة، ولم يكن في زمانه من يماثله في الطب، ولا في غيره من أجزاء الفلسفة، وله تصانيف مشهورة بالجودة، وكذلك جاء جماعة من ذريته، وله أرصاد حسان للشمس، تولّاها ببغداد، وكان يدخل إلى المعتضد إلى الحبس في كل يوم ثلاث مرات يحدّثه، ويؤنسه، ويسليه، فشغف به، فلما خرج من معتقله قال لغلامه بدر: يا بدر! أي رجل أفدنا بعدك؟. فقال: من هو يا سيدي؟. قال: ثابت بن قرة.
ثم أقطعه إقطاعا «2» جليلا، وكان يجلسه بين يديه، [كثيرا بحضرة العام والخاص، ويكون بدر غلام الأمير قائما والوزير، وهو جالس بين يدي الخليفة] .
وحكى أبو إسحاق الصابئ أن ثابت بن قرّة بينما هو ماش مع المعتضد في الفردوس «3» ، وقد اتكأ المعتضد على يده، إذ نتر يده بشدة!، ففزع ثابت لأن
المعتضد كان مهيبا، ثم لما نترها قال له: يا أبا الحسن! وكان يكنّيه في الخلوة [وفي الملأ يسميه]- سهوت ووضعت يدي على يدك وما هكذا يجب، لأن العلماء يعلون ولا يعلون.
وحكي أنه اجتاز يوما إلى دار الخلافة، فسمع صياحا وعويلا، فقال: من هذا؟ قالوا: مات القصّاب الذي كان هنا فجأة. فأتى إليه وأمر النساء بالسكوت وأن يعملوا مزوّرة «1» ، وأمر بعض غلمانه أن يضرب القصّاب على كعبه بالعصا.
وجعل يده مجسّة، وما زال ذلك يضرب كعبه إلى أن قال: حسبك. ثم استدعى بقدح وأخرج من كمّه دواء، فذافه «2» في القدح بقليل ماء، وفتح فم القصّاب وسقاه إياه فأساغه، ووقعت الصيحة في الدار والشارع بأن الطبيب قد أحيا الميّت!. فتقدّم ثابت يغلق الباب، وفتح القصاب عينه، وأطعمه المزوّرة، وأجلسه، وقعد عنده ساعة، وإذا برسل الخليفة يدعونه. فلما مثل بين يديه قال له: يا ثابت! ما هذه المسيحية التي بلغتنا عنك؟.
فقال: يا مولاي! كنت أجتاز بهذا القصاب وأراه يشرّح الكبد، ويطرح عليها الملح، ويأكلها. وكنت أعلم أن سيلحقه سكتة. فأعددت له هذا الدواء، فلما قيل لي اليوم إنه مات فجأة البارحة، علمت أن السكتة قد لحقته، فدخلت إليه فلم أجد له نبضا، فضربته إلى أن حركت نبضه، وسقيته الدواء ففتح عينيه، وأطعمته مزوّرة، والليلة يأكل رغيفا بدرّاج، وفي غد يخرج من بيته.
ومن كلامه:" ليس على الشيخ أضرّ من أن يكون له طبّاخ حاذق، وجارية حسناء، فيستكثر من الطعام، فيسقم، ومن الجماع فيهرم".
ولما مات ابن قرّة «1» رثاه ابن المنجم النديم «2» بقصيدة منها: [الطويل]
نعينا العلوم الفلسفيات كلها
…
خبا نورها إذ قيل قد مات ثابت
ولما أتاه الموت لم يغن طبّه
…
ولا ناطق مما حواه وصامت
فلو أنه يسطاع للموت مدفع
…
لدافعه عنه حماة مصالت «3»
أآمل أن تجلى عن الحق شبهة
…
وشخصك مقبور وصوتك خافت
وقد كان يجلو حسن تبيينك العمى
…
وكلّ قؤول حين تنطق ساكت
كأنك مسئول غارف
…
ومستبدئا نطقا من الصخر ناحت
فلم يتفقّني من العلم واحد
…
هراق «4» إناء العلم بعدك كائت
عجبت لأرض غيّبتك ولم يكن
…
ليثبت فيها مثلك الدهر ثابت
ولا يك لما اغتالك الموت شامت
…
وأحسنت حتى لم يكن لك مبغض