الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنهم:
17- أبو الفرج بن هندو
«13»
منقب عن البيان، يكشف خباءه ويبعث له في كل معنى نشاءه، وينفث فيه روحا كأنه يحس لكل فكرة نباءه، ويفتق أكمام الأدب فقل كزرع أخرج شطأه، له سرّ دقيق فتن الناس، وخمر رحيق يذهب بالباس، لا كالتي تدخل بالالتباس على الحواس، وسحر يستلذه الذوق وينقطع عنده القياس، لو أن للدهر رقته لان قاسيه، أو للجافي ذكر العهد ناسيه، أو للأمل ألقى إلى قبضة اليد مراسيه، وما أعيره شهاده، ولا أميره الحسنى إلا امتاز بزياده.
وكانت بضاعته من الطب غير مزجاة، وصناعته تحقق للمتطبب ما يترجاه، لفضل تجلبب بشعاره، وجلب زيادة الحكمة إلى إشعاره، وعلو همته إلى علومها، وقراءة مادة كل علم على عليمها، إلى أن جنى ثمر الفنون، وجرّب كل شيء ولم يقدر على دفع المنون، وكان له في صناعة الكتابة ارتزاق، وبئست بضاعة أرزاق، إلا أنه لم يقدر عليه بها قوته، وما كان للمرء لا يفوته، وبقي على تعلّاته واختلاف علّاته، إلى أن أتاه هادم الأعمار، ووافاه قادم الموت مبسوط الأعذار.
قال ابن أبي أصيبعة:" هو الأستاذ السيد الجليل «1» أبو الفرج علي بن الحسين ابن هندو. من الأكابر المتميزين في علوم الحكمة، والأمور الطبية، والفنون
الأدبية. له الألفاظ الرائقة، والأشعار الفائقة، والتصانيف المشهورة، والفضائل المذكورة، وكان يخدم بالكتابة، واشتغل على ابن الخمّار، وكان من أفضل المشتغلين عليه".
وقال الثعالبي في" تتمة اليتيمة"«1»
فيه: هو من ضربه في الآداب والعلوم بالسهام الفائزة، وملكه رق البراعة في البلاغة، فرد الدهر في الشعر، وواحد أهل الفضل في صيد المعاني الشوارد، ونظم القلائد وترصيع الفرائد، مع تهذيب الألفاظ البليغة، وتقريب الأغراض البعيدة، تذكير الذين يسمعون ويروون: أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ.
وأنشد له قوله [الطويل]
يقولون لي: ما بال عينيك مذ رأت
…
محاسن هذا الظبي أدمعها مطل
فقلت زنت عيني بطلعة وجهه
…
فكان لها من صوب أدمعها غسل «2»
وقوله: [البسيط]
قوّض خيامك عن دار ظلمت بها
…
وجانب الذل إن الذل يجتنب
وارحل إذا كانت الأوطان منقصة
…
فالمندل الرطب في أوطانه حطب «3»
وقوله: [المنسرح]
إن رحت عن بلدة غدوت إلى أخ
…
رى فما تستقر أحمالي
كأنني فكرة الموسوس لا يبقى
…
مدى لحظة على حال
وقوله: [الكامل]
ما للمعيل «1» وللمعالي إنما
…
يسعى إليهنّ الوحيد الفارد
فالشمس تجتاب السماء وحيدة
…
وأبو بنات النعش فيها راكد «2»
وقوله: [البسيط]
قالوا اشتغل عنهم حينا بغيرهم
…
وخادع النفس إن النفس تنخدع
قد صيغ قلبي على مقدر حبهم
…
فما لحب سواهم فيه متسع «3»
وقوله: [المنسرح]
عارض ورد الغصون «4» وجنته
…
فاتفقا في الجمال واختلفا
يزداد بالقطف ورد وجنته
…
وينقص الورد كلما قطفا «5»
وقوله: [الطويل]
تمنيت من أهوى فلما لقيته
…
بهتّ فلم أملك لسانا ولا طرفا
وقد كان في قلبي أمور كثيرة
…
فلما التقينا ما نطقت ولا حرفا
وقوله: [مخلّع البسيط]
عابوه لما التحى فقلنا
…
عبتم وغبتم عن الجمال
هذا غزال وما عجيب
…
تولد المسك من الغزال «1»
وقوله: [البسيط]
لا يوحشنك «2» من مجد تباعده
…
فإن للمجد تدريجا وتدريبا
إن القناة التي شاهدت رفعتها
…
تني وتصعد أنبوبا فأنبوبا «3»
وقوله: [المنسرح]
تقول: لو كان عاشقا دنفا
…
إذا بدت صفرة بخديه
لا تنكريه فإن صفرته
…
غطّت عليها دماء عينيه «4»
وقوله [مخلع البسيط]
كم من ملحّ على أذاه
…
يسلّ من فكه حساما
صبّ قذى القول في صماخي
…
فصار حلمي له فداما «5»
وقوله [الطويل]
يسر زماني أن أناط «6» بأهله
…
وآنف أن أعزى إليه بجهله
ويعجبني أن أخّرتني صروفه
…
فتأخيرها الإنسان برهان فضله
فإنا رأينا قائم السيف كلما
…
تقلّده الأبطال قدام نصله «7»
وقوله: [الكامل المرفل]
أرخى لعارضه العذار فما
…
أبقى على ورعي ولا نسكي «1»
فكأن نملا قد دببن به
…
غمست أكارعهنّ في مسك
وقوله «2» : [المنسرح]
يا شعرات جميعها فتن
…
تتيه في وصف كنهها الفتن
ما عيّروا من عذاره سفها
…
قد كان غصنا فأورق الغصن
وقوله «3» : [الرمل]
ربّ روض خلت آذري
…
ونه «4» لما توقد
ذهبا أشعل مسكا
…
في كوانين زبرجد «5»