المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌48- محمد بن إبراهيم المتطبب صلاح الدين المعروف بابن البرهان الجرائحي - مسالك الأبصار في ممالك الأمصار - جـ ٩

[ابن فضل الله العمري]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء التاسع]

- ‌[تراجم الحكماء والفلاسفة]

- ‌مقدمة المحقق

- ‌[المقدمة]

- ‌[من الحكماء المشارق]

- ‌1- أما (هرمس الأول)

- ‌2- وأما (هرمس الثاني)

- ‌3- وأما (هرمس الثالث) :

- ‌4- فيثاغورس

- ‌5- سقراط

- ‌6- أفلاطون

- ‌7- أرسطوطاليس

- ‌8- يعقوب بن إسحاق الكنديّ

- ‌9- أحمد بن الطّيّب السّرخسيّ

- ‌10- كنكه الهندي

- ‌11- صنجهل الهندي

- ‌12- أبو نصر الفارابيّ

- ‌13- يحيى بن عدي

- ‌14- أبو بكر محمّد بن زكريّاء الرّازيّ

- ‌15- أبو سليمان السّجستاني

- ‌16- ابن الخمّار

- ‌17- أبو الفرج بن هندو

- ‌18- الشيخ الرئيس أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسين بن علي بن سينا

- ‌ومن رسائله:

- ‌[وصية ابن سينا]

- ‌ومن شعر الشيخ الرئيس قاله في النفس

- ‌19- أبو الفرج عبد الله بن الطيب

- ‌20- أبو المؤيد محمد بن محمد بن المجلي الجزري، المعروف بابن الصايغ

- ‌21- ابن الخطيب الرّازيّ، ابن خطيب الرّيّ، وهو: محمّد بن عمر بن الحسين، أبو عبد الله- الإمام فخر الدّين

- ‌22- القطب المصريّ وهو: إبراهيم بن عليّ بن محمّد السّلميّ أبو إسحاق

- ‌23- عبد اللّطيف البغدادي

- ‌24- ابن الخوييّ: أحمد بن الخليل بن سعادة بن جعفر بن عيسى، الشّافعيّ، شمس الدّين، أبو العبّاس

- ‌25- الرّفيع الجيليّ: أبو حامد، عبد العزيز بن عبد الواحد ابن إسماعيل بن عبد الهادي

- ‌26- الشّهاب السّهرورديّ المقتول: يحيى بن حبش بن أميرك

- ‌27- الخسرو شاهيّ: عبد الحميد بن عيسى، بن عمّويه، بن يونس، ابن خليل شمس الدّين، أبو محمّد، التبريزيّ، الشّافعيّ

- ‌29- البديع الاصطرلابيّ: وهو بديع الزّمان أبو القاسم هبة الله بن الحسين بن أحمد البغداديّ

- ‌31- النّصير الطّوسيّ: محمد بن محمد بن الحسن، نصير الدّين، أبو عبد الله، الطّوسيّ الفيلسوف

- ‌32- القطب الشّيرازيّ: [محمود بن مسعود بن مصلح الفارسيّ

- ‌33- الشّيخ صفيّ الدّين الهنديّ: [محمد بن عبد الرّحيم بن محمد الأرمويّ، أبو عبد الله، صفي الدين

- ‌34- علي بن إسماعيل بن يوسف الإمام العلامة القدوة العارف ذو الفنون الشيخ علاء الدين قاضي القضاة شيخ الشيوخ أبو الحسن القونوي التبريزي

- ‌35- القاضي جلال الدّين القزوينيّ، أبو المعالي محمد ابن القاضي سعد الدّين أبي القاسم عبد الرّحمن بن عمر بن أحمد الشّافعيّ الدّلفيّ

- ‌37- الشّيخ شمس الدّين الأصفهانيّ، وهو: محمود بن أبي القاسم بن أحمد، أبو الثّناء

- ‌ومن فلاسفة المغاربة، وحكمائها، ومتكلميها ممن كان بالأندلس:

- ‌38- يحيى بن يحيى، أبو بكر، المعروف بابن السّمينة

- ‌41- أبو الحكم الكرمانيّ: عمرو بن عبد الرّحمن بن أحمد بن عليّ

- ‌42- ابن واقد [الوزير، أبو المطرّف عبد الرّحمن بن محمّد بن عبد الكبير بن يحيى ابن واقد بن مهنّد اللّخميّ]

- ‌43- محمد بن يوسف المنجّم

- ‌45- المبشّر بن فاتك: وهو: الأمير محمود الدّولة أبو الوفاء الآمريّ

- ‌48- محمد بن إبراهيم المتطبب صلاح الدين المعروف بابن البرهان الجرائحي

- ‌49- ابن الأكفاني: محمد بن إبراهيم بن ساعد الأنصاريّ، شمس الدّين أبو عبد الله السّنجاريّ المولد والأصل، المصري الدار

- ‌فأما أول من استخرج الطب فرجلان:

- ‌50- اسقليبيوس بن ريوس

- ‌51- أيلق

- ‌أطباء العرب ممن كانوا في أول ظهور الإسلام ومن بعدهم

- ‌52- الحارث بن كلدة الثّقفيّ

- ‌53- النّضر بن الحارث بن كلدة

- ‌54- عبد الملك بن أبجر الكنانيّ

- ‌55- ابن أثال

- ‌56- أبو الحكم

- ‌57- حكم الدّمشقيّ

- ‌58- عيسى بن حكم الدّمشقيّ المعروف بالمسيح

- ‌59- تياذوق

- ‌60- زينب طبيبة بني أود

- ‌أطبّاء السّريان الكائنين في ابتداء الدولة العباسية:

- ‌61- جورجيس بن جبريل [بن يختيشوع]

- ‌63- جبريل بن بختيشوع بن جورجيس

- ‌64- بختيشوع بن جبريل بن بختيشوع

- ‌65- جبيرائيل بن عبيد الله بن بختيشوع

- ‌66- خصيب النصراني

- ‌67- عيسى المعروف بأبي قريش

- ‌68- ابن اللجلاج

- ‌69- عبد الله الطيفوري

- ‌70- إسرائيل بن زكريا الطيفوري

- ‌71- يزيد بن [زيد] بن يوحنّا

- ‌72- عبدوس بن زيد

- ‌73- ماسرجويه «طبيب البصرة»

- ‌74- سلمويه بن بنان «متطبّب المعتصم»

- ‌75- إبراهيم بن فزارون

- ‌76- إبراهيم بن أيوب الأبرش

- ‌78- يوحنّا بن ماسويه

- ‌79- ميخائيل بن ماسويه

- ‌80- حنين بن إسحاق العبادي

- ‌81- إسحاق بن حنين بن إسحاق العبادي أبو يعقوب

- ‌82- يوحنا بن بختيشوع

- ‌83- ثابت بن قرة الحرّاني، أبو الحسن

- ‌84- سنان بن ثابت بن قرة

- ‌85- ثابت بن إبراهيم بن زهرون الحراني

- ‌86- ابن وصيف الصابئ

- ‌87- غالب «طبيب المعتضد»

- ‌88- صاعد بن بشر بن عبدوس أبو منصور

- ‌89- ديلم

- ‌90- فنّون المتطبّب

- ‌91- نظيف- القسّ الرّومي

- ‌92- ابن بطلان، أبو الحسن المختار بن عبدون بن سعدون ابن بطلان النصراني

- ‌93- أحمد بن أبي الأشعث

- ‌94- أبو سهل النيلي. وهو: سعيد بن عبد العزيز

- ‌95- ابن الواسطي «طبيب المستظهر»

- ‌96- أبو طاهر البرخشي، أحمد بن محمد بن العباس

- ‌97- أبو غالب ابن صفية

- ‌98- أمين الدولة ابن التلميذ

- ‌99- معتمد الملك أبو الفرج يحيى بن صاعد بن يحيى بن التلميذ

- ‌100- أوحد الزمان وهو أبو البركات هبة الله بن علي بن ملكا البلدي ثم البغدادي

- ‌101- أبو القاسم هبة الله بن الفضل البغدادي

- ‌102- فخر الدين المارديني

- ‌103- أبو نصر المسيحي

- ‌104- أبو الفرج ابن توما

- ‌طبقات الأطباء ببلاد العجم

- ‌105- تياذورس

- ‌106- ربن الطبري

- ‌107- علي بن سهل بن ربن الطبري أبو الحسين

- ‌108- أحمد بن محمد الطبري

- ‌109- أبو منصور: الحسن بن نوح القمريّ

- ‌110- أبو سهل عيسى بن يحيى المسيحي الجرجاني

- ‌111- السيد أبو عبد الله محمد بن [يوسف] الإيلاقي

- ‌112- أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني

- ‌113- أحمد بن عبد الرحمن بن مندويه الأصبهاني، أبو علي

- ‌114- أبو القاسم عبد الرحمن بن علي ابن أحمد بن أبي صادق النيسابوري

- ‌115- السّموأل بن يحيى بن عباس

- ‌116- الشريف شرف الدين إسماعيل

- ‌أطبّاء الهند

- ‌117- شاناق الهندي

- ‌118- منكه الهندي

- ‌119- صالح بن بهلة الهندي

- ‌أطبّاء الشّام

- ‌120- أبو الفرج جرجس بن توما بن سهل بن إبراهيم اليبرودي

- ‌121- ظافر بن جابر السكري أبو حكيم

- ‌122- أبو الحكم عبيد الله بن المظفر بن عبد الله الباهلي

- ‌123- ابنه: أبو المجد [محمد] بن أبي الحكم؛ أفضل الدولة

- ‌124- ابن البذوخ: أبو جعفر بن موسى بن علي القلعي

- ‌125- حكيم الزمان أبو الفضل عبد المنعم بن عمر بن عبد الله بن حسان الغساني الجلياني

- ‌126- المهذّب ابن النقاش

- ‌127- سكرة اليهودي الحلبي

- ‌129- ابن اللبّودي: يحيى بن محمد بن عبدان بن عبد الواحد

- ‌130- الرضي الرحبي، يوسف بن حيدرة بن الحسن أبو الحجاج

- ‌131- الشرف علي شرف الدين أبو الحسن

- ‌132- عمران [بن صدقة] الإسرائيلي

- ‌133-[موفق الدين] يعقوب بن صقلاب النصراني

- ‌134- رشيد الدين الصوري أبو المنصور ابن أبي الفضل بن علي

- ‌136- صدقة بن منجا بن صدقة السامري

- ‌137- المهذب يوسف بن أبي سعيد بن خلف السامري

- ‌138- أمين الدولة أبو الحسن بن غزال بن أبي سعيد السامري

- ‌139- المهذّب الدّخوار: أبو محمد عبد الرحيم بن علي بن حامد

- ‌140- الرشيد علي بن حليقة بن يونس بن أبي القاسم بن خليقة الأنصاري الخزرجي

- ‌141- ابن قاضي بعلبك: المظفر بن عبد الرحمن بن إبراهيم

- ‌142- العماد الدّنيسري: محمد بن العباس بن أحمد بن عبيد الربعي أبو عبد الله

- ‌143- العز السويدي: إبراهيم بن محمد الأنصاري الأوسي، عز الدين أبو إسحاق

- ‌144- موفق الدين يعقوب السامري أبو يوسف يعقوب بن غنائم

- ‌145- أبو الفرج يعقوب بن إسحاق بن القف النصراني

- ‌146- المهذب يوسف كاتب الزردكاش

- ‌147- النفيس أبو الفرج ابن إسحاق بن أبي الخير السامري

- ‌148- الأمين سليمان الحكيم وهو سليمان بن داود

- ‌149- أحمد بن شهاب الدين أبو محمد الكحال الجرائحي

- ‌150- الفتح السامري: هو ابن يوسف بن إسحاق بن مسلم

- ‌151- غنائم السامري، وهو ابن المهذب يوسف كاتب الزردكاش

- ‌فأما أطباء الغرب بما وقع في جانبه من مصر والاسكندرية

- ‌152- إسحاق بن عمران

- ‌153- إسحاق بن سليمان الإسرائيلي أبو يعقوب

- ‌154- أحمد بن إبراهيم بن أبي خالد المعروف: بابن الجزار القيرواني أبو جعفر

- ‌155- حمدون أثا

- ‌156- يحيى بن إسحاق

- ‌157- أبو داود بن جلجل: وهو سليمان بن حسان المعروف بابن جلجل الحكيم

- ‌159- الغافقي: وهو أبو جعفر أحمد بن محمد بن سند

- ‌161- أبو محمد المصري

- ‌162- أبو الصلت أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت الداني

- ‌163- أبو مروان عبد الملك بن محمد بن مروان بن زهر الإيادي الإشبيلي

- ‌164- أبو العلاء زهر بن عبد الملك

- ‌165- ابنه أبو مروان ابن أبي العلاء، واسمه عبد الملك

- ‌166- أبو محمد ابن الحفيد أبي بكر بن زهر

- ‌167- أبو جعفر ابن الغزال

- ‌168- أبو العباس ابن الرومية، وهو أحمد بن محمد بن مفرّج النباتي

- ‌169- ابن الأصم

- ‌أما أطباء مصر:

- ‌170- بليطيان

- ‌171- سعيد بن توفيل

- ‌172- سعيد بن البطريق

- ‌173- التميمي: وهو أبو عبد الله محمد بن سعيد التميمي

- ‌174- ابن الهيثم: وهو أبو علي محمد بن الحسن بن الهيثم البصري ثم المصري

- ‌175- علي بن رضوان

- ‌176- افرائيم [بن الزفّان] الإسرائيلي

- ‌177- سلامة بن رحمون أبو الخير

- ‌178- بلمظفر ابن معرف: وهو نصر بن محمود بن المعرّف

- ‌179- أبو عمر وعثمان بن هبة الله بن أحمد بن عقيل القيسي جمال الدين

- ‌180- ابنه الفتح [فتح الدين بن جمال الدين بن أبي الحفائر]

- ‌181- ابنه المهذب [شهاب الدين ابن فتح الدين]

- ‌182- الخونجي: محمد بن ناماور أفضل الدين أبو عبد الله

- ‌183- أبو سليمان داود بن أبي المنى ابن فانة

- ‌184- ابنه: الموفق أبو شاكر موفق الدين

- ‌185- الرشيد أبو حليقة: وهو أبو الوحش ابن الفارس ابن أبي الخير بن أبي سليمان داود ابن أبي المنى ابن فانة

- ‌186- ابنه المهذب: أبو سعيد محمد بن أبي حليقة

- ‌187- أبو سعيد بن موفق الدين يعقوب

- ‌188- ابن البيطار: عبد الله بن أحمد المالقي النباتي، ضياء الدين أبو محمد

- ‌189- علي بن أبي الحزم: علاء الدين ابن النفيس القرشي الدمشقي

- ‌190- أحمد المغربي

- ‌191- السديد الدمياطي

- ‌192- فرج الله بن صغير

- ‌193- محمد بن صغير، ناصر الدين

- ‌مصادر التحقيق

- ‌الفهرست

الفصل: ‌48- محمد بن إبراهيم المتطبب صلاح الدين المعروف بابن البرهان الجرائحي

سنة أربع وستين «1» ، بتونس «2» .

وله من التصانيف التي دوّنها:" تفسير سورة ق"، في مجلّدة «3» . ولما تولى الإعادة في المدرسة الناصرية عمل درسا في قوله تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً

«4» ، وعلّق عليه ما أملاه في ذلك.

وكان- رحمه الله تعالى- قد قرأ النحو: على يحيى بن الفرج بن زيتون. والأصول: على محمد بن عبد الرحمن قاضي تونس.

وقدم مصر عام تسعين وسمع بدمشق من ابن الواسطي، وابن القواس، وبحماة من [المحدّث] ابن مزيز «5» .

ومنهم:

‌48- محمد بن إبراهيم المتطبب صلاح الدين المعروف بابن البرهان الجرائحي

عالم لا يحصر بأمد، ولا يجيء البحر عنده غير ثمد «6» ، نظر في علوم الأوائل ووجهه ما تلثم بعذاره «7» ، ولا بعد عهده بزمان إعذاره، ففتح أطباق تلك النواويس، حتى استل علومها وسأل عليمها، ونقل إلى حفظه خبايا

ص: 282

أسرارها، وخفايا أسفارها، وحيي به ما مات في لحود رممها، وفات بجمود هممها، واستقل بتلك الأعباء، فحصّل ما كان طالبا، وحسّن بإنفاقه ما جاء جالبا.

قرأ الطب على ابن النفيس، وغيره. وقرأ الحكمة، وآخر ما قرأ كتاب" الشفاء" لابن سينا على شيخنا الأصفهاني. كان يتردد إليه من القاهرة إلى الخانقاه القوصونية بالقرافة، لا يعنيه إلا القراءة عليه، ولم يزل حتى أكمله قراءة وبحثا، واستشراحا.

وكان طبيبا حكيما، فاضلا، متفلسفا، قائلا بالروحانيات، له ميل إلى النجامة، ومخاطبات الكواكب، وتطلع إلى الكيمياء، يتحدّث فيه، ويصحح قول المتقدمين في صحتها. وحكي لي أنه كان يصحب ابن أمير يعرف بابن سنقر الرومي، وأنه كان يعملها، وصحّت معه طرف منها.

وكان يحكى عن هذا ابن سنقر الرومي عجائب وغرائب منها أنه عمل له فسقية «1» معقودة في تربة له بالقرافة، لها منافس للهواء. فلما نجزت اتخذ له غذاء مركّبا مما يخف مقداره، وتكثر تغذيته، ونزل إلى تلك الفسقية، وأمره بتعهّده في كل أسبوع، ويجدّد له الماء، وأنه بقي يتعهّده كذلك. ولكّما أتاه بعد أسبوع، وجده قد تزايد ضعفه عما فارقه عليه، حتى كان رابع أسبوع- قال:

أو خامسه، الشك مني- أتيته فوجدته قد غارت عيناه، وخفت حسّه، حتى ظننت أنه قد مات، فحملته أنا وآخر كان قد أطلعه على حاله معي، وأخرجناه،

ص: 283

ونقّطنا في فمه نقطا من الشراب، وأذكينا عنده [

] «1» لنغذوه بها، ثم لم نزل نتعهّده إلى أن نقطنا مرقة فرّوج في فمه، فأفاق ولم يكلّمنا، ودمنا على هذا حتى كلّمنا، وقال لي: لا جزاك الله خيرا!، حلت بيني وبين ما حاولته من الانتقال إلى ما كنت أريد الانتقال إليه إلى خير من هذا العالم، ثم قال: أدركني بفاصد «2» . فقلت: والله لا أفعل. فقال: يا أخي! لا تفعل، أدركني به، ولا تدع ينزل من دمي إلا ما قلّ لترى العجب.

فأتيته بفاصد، ففصده، ولم أدعه ينزل من دمه إلا ما قلّ، ثم شددت يده.

فقال: احفظ هذا الدم في زجاجة، وسدّ رأسها لا يفسد بالهواء. ففعلت، ثم قال: ائتني بقرعة وإنبيق، فأتيته به، فأداره ثم سكب ذلك الماء عليه، فاستحال فضة بيضاء! فتركه عندي إلى أن عاد إلى معهود صحته، وقويت قواه، ثم خرجنا إلى جهة الخارقانية، وكان له بها تعلق، ثم أمرني أن أذهب إلى بلبيس «3» لأبيع تلك الفضة، وآتيه من عرضها بمأكل، فذهبت بها إلى صائغ فأريته إياها وأنا خائف وجل، لا يظهر له منها عيب، فأخذها واعتبرها، فلما صحّت معه سارع إلى مشتراها مني، فأخذت من الثمن شواء وحلوا وفاكهة، وغير ذلك، وفضل معي ثمان مائة وثلاثون درهما- أو كما قال-، فأتيته بذلك فأكلنا، ثم قال:

خذ الدراهم، ولا جزاك الله خيرا لكونك تسببت في عودتي إلى تعب هذا العالم!.

قلت: وكان هذا الطبيب عارفا بالطبّ علما لا عملا، لا يحسن العلاج، ولا

ص: 284

يطول روحه على العليل، كثير النزاقة «1» ، عديم التلطّف، كارها لأطباء زمانه، لا يذكر أحدا منهم ولا يذكر له إلا وذمّه، وأطلق لسانه في معايبه. وكان يقول:

هؤلاء اليهود قد ارتفع رأسهم، وامتلئوا فوق وسعهم على جهلهم، وقلة حاصلهم، يعني:" السديد الدمياطي" و" فرج الله ابن صغير" ولا يزال يتوقّد منهما غيظا وحسدا لرغبة السلطان والأمراء والكبراء فيهما أكثر منه، وما كان يحصل لهما من الخلع والإطلاقات «2» ، ويصل إليهما من دور السلطان والأمراء لإفراط ميل النساء إلى طبهما، وملاطفتهما. ثم كان إذ ذمّهما يقول لمن يثق به:

" وهذا إبراهيم ابن المغربي هو مادّة عزّ هؤلاء اليهود، وكنز غناهم، وبه طاروا وحلّقوا". وهذه ألفاظه بعينها.

وكان لا يأكل في اليوم والليلة إلا أكلة واحدة، مؤقتة من الظهر إلى الظهر.

وكان يحب لبن الضأن، ويكثر أكله. صحبناه مرة في بلاد الصعيد وكان هو قد تقدم مع" طقزدمر"«3» ، وأخبرني أنه لم يأتدم في تلك السفرة على طول أيامها بشيء غير اللبن إلا مرّات يسيرة، وقال: هو غذاء صالح، وللجسم به إلف من أول زمان الرضاع. وكان أنه ينشّفه ويلقي فيه طاقات من النعنع والملح ويأكله.

وكان واسع النعمة كثير المال، ومات أخوه وورث منه مالا كثيرا، فازداد ماله

ص: 285

ضعفا على ضعفه، وكانت له متاجر إلى إخميم «1» ، وقوص «2» ، وأسوان، وسائر بلاد الصعيد. وكان يرى في نفسه الغضاضة لتقدم ابن المغربي عليه في رياسة الطب، ويتشكّى هذا إلى أصحابه، وسأل السلطان في الإعفاء من قطعه الخدمة فقال: لا، ما نعفيك، أنت عندنا عزيز كريم، ونعرف أنه أفضل من إبراهيم- يعني: ابن المغربي-، وأحق، ولكن إبراهيم صاحبنا، وله علينا حق خدمة، وطيّب قلبه، فاستمرّ، ورأى أنه لم يبق له إلا مصافاة ابن المغربي، فخطب إليه أخته فتزوّج بها لقصد الاستصلاح له، لا للزواج.

وكان رجلا مسّيكا، مفرط البخل، مقتّرا على نفسه، مضيّقا عليها مع عظيم القدرة والإمكان، وكان لا يأكل إلا من الظهر إلى الظهر، كما ذكرناه، أسوأ أكل، ويلبس أردأ ملبوس، ويركب حمير الكراء، ومع هذا كان من المعدّلين، يجلس مع الشهود الموقعين تحشّما لا تكسّبا، وله وجاهة عند الأمراء والوزراء والكبراء، والحكّام، معظّما في الصدور ويشار إليه بالأنامل، ولم يصنّف مصنّفا، ولا طلع له تلميذ، ولا عرف بغرابة في طبّه. وعرّف الدولة بما له قبل موته، وخلّف أموالا جمّة ورثها السلطان عنه.

قلت: وقد كان- رحمه الله لنا صديقا صدوقا، وصاحبا ملاطفا، وكان يحدّثني بدقيق أمره وجليله، ويطلعني على ما عنده من تقديم الرئيس جمال الدين إبراهيم ابن المغربي عليه، وينسبه إلى أنه يتقصّد قتله واغتياله بالسم، والأمر خلاف ما ظنه، وضدّ ما توهّمه.

ولم يكن جمال الدين ممن يخافه لمكانة جمال الدين المكينة عند السلطان،

ص: 286

ولكرم خلائقه وبعده من تقلّد دم حرام لا سيما دم مثله. وقد كنت أقول له ليرجع عن سوء رأيه فيه وأوهامه فلا يرجع، ولا يفيد القول، ثم تزوج في آخر عمره بأخت جمال الدين على عدم حاجته بالنساء- كما يقال-، وأظهر الصفاء وباطنه على كدره. وأعتقد أنه لم يزل على هذا إلى انتهاء عمره.

قلت: وحكي لي أنه جلس يوما على حانوت العطار الذي كان يجلس عنده، وطلب منه شرابا يشربه، فناوله شرابا مسموما. قال: فلما شربته أحسست بالسم، وبدت فيّ علاماته، فأسرعت القيام إلى داري، وأخذت خرزة بازهر «1» حيواني كانت عندي، وسحلتها، ثم أذبت السحالة بماء ورد على مسنّ ثم لعقتها، فزالت تلك الأعراض لوقتها، ولم يمض بياض ذلك النهار حتى أكلت طعامي، ولم يعيّن من دسّ ذلك عليه، وما أراد- والله أعلم- إلا جمال الدين ابن المغربي. وقد تقدم القول في بعد جمال الدين من ذلك.

قلت: وقد كان ابن البرهان دخل اليمن، واتصل بصاحبها الملك المؤيد داود- رحمه الله وخدمه مدة، وحصّل من جهته مالا طائلا، كان منه أصل نعمته، ورأس ماليته، ثم فارقه وعاد إلى مصر، وكانت كتبه لا تنقطع عنه، وصلاته تصل إليه، وكان يعرض الكتب التي ترد عليه على السلطان فيأمره بقضاء حوائجه، وكانت الكتب تتضمن طلب كتب طبية، وعقاقير مصرية ومغربية، مما يجل السلطان عن طلب ذلك منه، ويجهّز إلى ابن البرهان ذهبا لمشتراه، فكان يتولى ذلك ويقوم في هذه الخدمة بنفسه.

قلت: ولقد قرأت كتابا منها كله بالخط المؤيدي، ومضمونه بعد البسملة:

ص: 287