المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌29- البديع الاصطرلابي: وهو بديع الزمان أبو القاسم هبة الله بن الحسين بن أحمد البغدادي - مسالك الأبصار في ممالك الأمصار - جـ ٩

[ابن فضل الله العمري]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء التاسع]

- ‌[تراجم الحكماء والفلاسفة]

- ‌مقدمة المحقق

- ‌[المقدمة]

- ‌[من الحكماء المشارق]

- ‌1- أما (هرمس الأول)

- ‌2- وأما (هرمس الثاني)

- ‌3- وأما (هرمس الثالث) :

- ‌4- فيثاغورس

- ‌5- سقراط

- ‌6- أفلاطون

- ‌7- أرسطوطاليس

- ‌8- يعقوب بن إسحاق الكنديّ

- ‌9- أحمد بن الطّيّب السّرخسيّ

- ‌10- كنكه الهندي

- ‌11- صنجهل الهندي

- ‌12- أبو نصر الفارابيّ

- ‌13- يحيى بن عدي

- ‌14- أبو بكر محمّد بن زكريّاء الرّازيّ

- ‌15- أبو سليمان السّجستاني

- ‌16- ابن الخمّار

- ‌17- أبو الفرج بن هندو

- ‌18- الشيخ الرئيس أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسين بن علي بن سينا

- ‌ومن رسائله:

- ‌[وصية ابن سينا]

- ‌ومن شعر الشيخ الرئيس قاله في النفس

- ‌19- أبو الفرج عبد الله بن الطيب

- ‌20- أبو المؤيد محمد بن محمد بن المجلي الجزري، المعروف بابن الصايغ

- ‌21- ابن الخطيب الرّازيّ، ابن خطيب الرّيّ، وهو: محمّد بن عمر بن الحسين، أبو عبد الله- الإمام فخر الدّين

- ‌22- القطب المصريّ وهو: إبراهيم بن عليّ بن محمّد السّلميّ أبو إسحاق

- ‌23- عبد اللّطيف البغدادي

- ‌24- ابن الخوييّ: أحمد بن الخليل بن سعادة بن جعفر بن عيسى، الشّافعيّ، شمس الدّين، أبو العبّاس

- ‌25- الرّفيع الجيليّ: أبو حامد، عبد العزيز بن عبد الواحد ابن إسماعيل بن عبد الهادي

- ‌26- الشّهاب السّهرورديّ المقتول: يحيى بن حبش بن أميرك

- ‌27- الخسرو شاهيّ: عبد الحميد بن عيسى، بن عمّويه، بن يونس، ابن خليل شمس الدّين، أبو محمّد، التبريزيّ، الشّافعيّ

- ‌29- البديع الاصطرلابيّ: وهو بديع الزّمان أبو القاسم هبة الله بن الحسين بن أحمد البغداديّ

- ‌31- النّصير الطّوسيّ: محمد بن محمد بن الحسن، نصير الدّين، أبو عبد الله، الطّوسيّ الفيلسوف

- ‌32- القطب الشّيرازيّ: [محمود بن مسعود بن مصلح الفارسيّ

- ‌33- الشّيخ صفيّ الدّين الهنديّ: [محمد بن عبد الرّحيم بن محمد الأرمويّ، أبو عبد الله، صفي الدين

- ‌34- علي بن إسماعيل بن يوسف الإمام العلامة القدوة العارف ذو الفنون الشيخ علاء الدين قاضي القضاة شيخ الشيوخ أبو الحسن القونوي التبريزي

- ‌35- القاضي جلال الدّين القزوينيّ، أبو المعالي محمد ابن القاضي سعد الدّين أبي القاسم عبد الرّحمن بن عمر بن أحمد الشّافعيّ الدّلفيّ

- ‌37- الشّيخ شمس الدّين الأصفهانيّ، وهو: محمود بن أبي القاسم بن أحمد، أبو الثّناء

- ‌ومن فلاسفة المغاربة، وحكمائها، ومتكلميها ممن كان بالأندلس:

- ‌38- يحيى بن يحيى، أبو بكر، المعروف بابن السّمينة

- ‌41- أبو الحكم الكرمانيّ: عمرو بن عبد الرّحمن بن أحمد بن عليّ

- ‌42- ابن واقد [الوزير، أبو المطرّف عبد الرّحمن بن محمّد بن عبد الكبير بن يحيى ابن واقد بن مهنّد اللّخميّ]

- ‌43- محمد بن يوسف المنجّم

- ‌45- المبشّر بن فاتك: وهو: الأمير محمود الدّولة أبو الوفاء الآمريّ

- ‌48- محمد بن إبراهيم المتطبب صلاح الدين المعروف بابن البرهان الجرائحي

- ‌49- ابن الأكفاني: محمد بن إبراهيم بن ساعد الأنصاريّ، شمس الدّين أبو عبد الله السّنجاريّ المولد والأصل، المصري الدار

- ‌فأما أول من استخرج الطب فرجلان:

- ‌50- اسقليبيوس بن ريوس

- ‌51- أيلق

- ‌أطباء العرب ممن كانوا في أول ظهور الإسلام ومن بعدهم

- ‌52- الحارث بن كلدة الثّقفيّ

- ‌53- النّضر بن الحارث بن كلدة

- ‌54- عبد الملك بن أبجر الكنانيّ

- ‌55- ابن أثال

- ‌56- أبو الحكم

- ‌57- حكم الدّمشقيّ

- ‌58- عيسى بن حكم الدّمشقيّ المعروف بالمسيح

- ‌59- تياذوق

- ‌60- زينب طبيبة بني أود

- ‌أطبّاء السّريان الكائنين في ابتداء الدولة العباسية:

- ‌61- جورجيس بن جبريل [بن يختيشوع]

- ‌63- جبريل بن بختيشوع بن جورجيس

- ‌64- بختيشوع بن جبريل بن بختيشوع

- ‌65- جبيرائيل بن عبيد الله بن بختيشوع

- ‌66- خصيب النصراني

- ‌67- عيسى المعروف بأبي قريش

- ‌68- ابن اللجلاج

- ‌69- عبد الله الطيفوري

- ‌70- إسرائيل بن زكريا الطيفوري

- ‌71- يزيد بن [زيد] بن يوحنّا

- ‌72- عبدوس بن زيد

- ‌73- ماسرجويه «طبيب البصرة»

- ‌74- سلمويه بن بنان «متطبّب المعتصم»

- ‌75- إبراهيم بن فزارون

- ‌76- إبراهيم بن أيوب الأبرش

- ‌78- يوحنّا بن ماسويه

- ‌79- ميخائيل بن ماسويه

- ‌80- حنين بن إسحاق العبادي

- ‌81- إسحاق بن حنين بن إسحاق العبادي أبو يعقوب

- ‌82- يوحنا بن بختيشوع

- ‌83- ثابت بن قرة الحرّاني، أبو الحسن

- ‌84- سنان بن ثابت بن قرة

- ‌85- ثابت بن إبراهيم بن زهرون الحراني

- ‌86- ابن وصيف الصابئ

- ‌87- غالب «طبيب المعتضد»

- ‌88- صاعد بن بشر بن عبدوس أبو منصور

- ‌89- ديلم

- ‌90- فنّون المتطبّب

- ‌91- نظيف- القسّ الرّومي

- ‌92- ابن بطلان، أبو الحسن المختار بن عبدون بن سعدون ابن بطلان النصراني

- ‌93- أحمد بن أبي الأشعث

- ‌94- أبو سهل النيلي. وهو: سعيد بن عبد العزيز

- ‌95- ابن الواسطي «طبيب المستظهر»

- ‌96- أبو طاهر البرخشي، أحمد بن محمد بن العباس

- ‌97- أبو غالب ابن صفية

- ‌98- أمين الدولة ابن التلميذ

- ‌99- معتمد الملك أبو الفرج يحيى بن صاعد بن يحيى بن التلميذ

- ‌100- أوحد الزمان وهو أبو البركات هبة الله بن علي بن ملكا البلدي ثم البغدادي

- ‌101- أبو القاسم هبة الله بن الفضل البغدادي

- ‌102- فخر الدين المارديني

- ‌103- أبو نصر المسيحي

- ‌104- أبو الفرج ابن توما

- ‌طبقات الأطباء ببلاد العجم

- ‌105- تياذورس

- ‌106- ربن الطبري

- ‌107- علي بن سهل بن ربن الطبري أبو الحسين

- ‌108- أحمد بن محمد الطبري

- ‌109- أبو منصور: الحسن بن نوح القمريّ

- ‌110- أبو سهل عيسى بن يحيى المسيحي الجرجاني

- ‌111- السيد أبو عبد الله محمد بن [يوسف] الإيلاقي

- ‌112- أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني

- ‌113- أحمد بن عبد الرحمن بن مندويه الأصبهاني، أبو علي

- ‌114- أبو القاسم عبد الرحمن بن علي ابن أحمد بن أبي صادق النيسابوري

- ‌115- السّموأل بن يحيى بن عباس

- ‌116- الشريف شرف الدين إسماعيل

- ‌أطبّاء الهند

- ‌117- شاناق الهندي

- ‌118- منكه الهندي

- ‌119- صالح بن بهلة الهندي

- ‌أطبّاء الشّام

- ‌120- أبو الفرج جرجس بن توما بن سهل بن إبراهيم اليبرودي

- ‌121- ظافر بن جابر السكري أبو حكيم

- ‌122- أبو الحكم عبيد الله بن المظفر بن عبد الله الباهلي

- ‌123- ابنه: أبو المجد [محمد] بن أبي الحكم؛ أفضل الدولة

- ‌124- ابن البذوخ: أبو جعفر بن موسى بن علي القلعي

- ‌125- حكيم الزمان أبو الفضل عبد المنعم بن عمر بن عبد الله بن حسان الغساني الجلياني

- ‌126- المهذّب ابن النقاش

- ‌127- سكرة اليهودي الحلبي

- ‌129- ابن اللبّودي: يحيى بن محمد بن عبدان بن عبد الواحد

- ‌130- الرضي الرحبي، يوسف بن حيدرة بن الحسن أبو الحجاج

- ‌131- الشرف علي شرف الدين أبو الحسن

- ‌132- عمران [بن صدقة] الإسرائيلي

- ‌133-[موفق الدين] يعقوب بن صقلاب النصراني

- ‌134- رشيد الدين الصوري أبو المنصور ابن أبي الفضل بن علي

- ‌136- صدقة بن منجا بن صدقة السامري

- ‌137- المهذب يوسف بن أبي سعيد بن خلف السامري

- ‌138- أمين الدولة أبو الحسن بن غزال بن أبي سعيد السامري

- ‌139- المهذّب الدّخوار: أبو محمد عبد الرحيم بن علي بن حامد

- ‌140- الرشيد علي بن حليقة بن يونس بن أبي القاسم بن خليقة الأنصاري الخزرجي

- ‌141- ابن قاضي بعلبك: المظفر بن عبد الرحمن بن إبراهيم

- ‌142- العماد الدّنيسري: محمد بن العباس بن أحمد بن عبيد الربعي أبو عبد الله

- ‌143- العز السويدي: إبراهيم بن محمد الأنصاري الأوسي، عز الدين أبو إسحاق

- ‌144- موفق الدين يعقوب السامري أبو يوسف يعقوب بن غنائم

- ‌145- أبو الفرج يعقوب بن إسحاق بن القف النصراني

- ‌146- المهذب يوسف كاتب الزردكاش

- ‌147- النفيس أبو الفرج ابن إسحاق بن أبي الخير السامري

- ‌148- الأمين سليمان الحكيم وهو سليمان بن داود

- ‌149- أحمد بن شهاب الدين أبو محمد الكحال الجرائحي

- ‌150- الفتح السامري: هو ابن يوسف بن إسحاق بن مسلم

- ‌151- غنائم السامري، وهو ابن المهذب يوسف كاتب الزردكاش

- ‌فأما أطباء الغرب بما وقع في جانبه من مصر والاسكندرية

- ‌152- إسحاق بن عمران

- ‌153- إسحاق بن سليمان الإسرائيلي أبو يعقوب

- ‌154- أحمد بن إبراهيم بن أبي خالد المعروف: بابن الجزار القيرواني أبو جعفر

- ‌155- حمدون أثا

- ‌156- يحيى بن إسحاق

- ‌157- أبو داود بن جلجل: وهو سليمان بن حسان المعروف بابن جلجل الحكيم

- ‌159- الغافقي: وهو أبو جعفر أحمد بن محمد بن سند

- ‌161- أبو محمد المصري

- ‌162- أبو الصلت أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت الداني

- ‌163- أبو مروان عبد الملك بن محمد بن مروان بن زهر الإيادي الإشبيلي

- ‌164- أبو العلاء زهر بن عبد الملك

- ‌165- ابنه أبو مروان ابن أبي العلاء، واسمه عبد الملك

- ‌166- أبو محمد ابن الحفيد أبي بكر بن زهر

- ‌167- أبو جعفر ابن الغزال

- ‌168- أبو العباس ابن الرومية، وهو أحمد بن محمد بن مفرّج النباتي

- ‌169- ابن الأصم

- ‌أما أطباء مصر:

- ‌170- بليطيان

- ‌171- سعيد بن توفيل

- ‌172- سعيد بن البطريق

- ‌173- التميمي: وهو أبو عبد الله محمد بن سعيد التميمي

- ‌174- ابن الهيثم: وهو أبو علي محمد بن الحسن بن الهيثم البصري ثم المصري

- ‌175- علي بن رضوان

- ‌176- افرائيم [بن الزفّان] الإسرائيلي

- ‌177- سلامة بن رحمون أبو الخير

- ‌178- بلمظفر ابن معرف: وهو نصر بن محمود بن المعرّف

- ‌179- أبو عمر وعثمان بن هبة الله بن أحمد بن عقيل القيسي جمال الدين

- ‌180- ابنه الفتح [فتح الدين بن جمال الدين بن أبي الحفائر]

- ‌181- ابنه المهذب [شهاب الدين ابن فتح الدين]

- ‌182- الخونجي: محمد بن ناماور أفضل الدين أبو عبد الله

- ‌183- أبو سليمان داود بن أبي المنى ابن فانة

- ‌184- ابنه: الموفق أبو شاكر موفق الدين

- ‌185- الرشيد أبو حليقة: وهو أبو الوحش ابن الفارس ابن أبي الخير بن أبي سليمان داود ابن أبي المنى ابن فانة

- ‌186- ابنه المهذب: أبو سعيد محمد بن أبي حليقة

- ‌187- أبو سعيد بن موفق الدين يعقوب

- ‌188- ابن البيطار: عبد الله بن أحمد المالقي النباتي، ضياء الدين أبو محمد

- ‌189- علي بن أبي الحزم: علاء الدين ابن النفيس القرشي الدمشقي

- ‌190- أحمد المغربي

- ‌191- السديد الدمياطي

- ‌192- فرج الله بن صغير

- ‌193- محمد بن صغير، ناصر الدين

- ‌مصادر التحقيق

- ‌الفهرست

الفصل: ‌29- البديع الاصطرلابي: وهو بديع الزمان أبو القاسم هبة الله بن الحسين بن أحمد البغدادي

ومنهم:

‌29- البديع الاصطرلابيّ: وهو بديع الزّمان أبو القاسم هبة الله بن الحسين بن أحمد البغداديّ

«13»

حكيم فاق بتفنّن علمه الحكماء، ولم يكفّ نظره فسيح الأرجاء حتى شق السماء، ولم يقنع باستقصاء أمزجة البشر حتى سأل عن أمزجة النجوم، وميّز ذوات البشر منها والوجوم. وأتقن عمل الاصطرلاب «1» ليقوم تحريكه للعضادة

ص: 183

مقام جسّه للنبض، ونظره لما بين المشارق والمغارب بمحيط ما يجمع الأرض. هذا مع إتقان بقية فنون الحكمة، وما في غضون ذلك من الأمور المهمّة. على أنه لم يخل الأدب من لطيف نظر، وشريف ذكاء وقف به على ما لا تنافر من محاسن كل نفر.

قال ابن أبي أصيبعة فيه «1» :" من الحكماء الفضلاء، والأدباء النبلاء، [طبيب] عالم، وفيلسوف متكلم، غلبت عليه الحكمة وعلم الكلام، والرياضي، وكان متقنا لعلم النجوم والرصد". وكان أوحد أهل زمانه في علم الاصطرلاب، وعمله، فعرف به «2» .

ومن بديع شعر البديع قوله: [السريع]

قام إلى الشمس بآلاته

لينظر السعد من النحس

فقلت: أين الشمس؟، قال الفتى:

في الثور، قلت: الثور في الشمس

وقوله [الخفيف]

قيل لي: قد عشقته أمرد الخد

وقد قيل: إنه نكريش «3»

وقوله [أيضا في غلام معذّر- أي طلع عذاره [مجزوء الكامل]

كن كيف شئت فإنني

قد صغت قلبا من حديد

ص: 184

وقعدت أنتظر الكسو

ف وليس ذلك بالبعيد

وقوله في جرع دان «1» - وهو الذي يوضع في مجالس الكبراء لصبّ تكعيب القدح: [المنسرح]

إني إذا ما قعدت في ملأ

عددت من بعض آلة الفرح

إذا تصدّرت في مجالسهم

تنغّصوا لي بفاضل القدح

وقوله [السريع]

هل عثرت أقلام خط العذار

في مشقها «2» ، فالخال نقط العثار؟

أم استدار الخط لما غدت

نقطته مركز ذاك المدار؟ «3»

ومنهم:

30-

ابن الشّبل البغداديّ: [محمّد بن «4» ] الحسين بن عبد الله بن يوسف أبو عليّ، بن أسامة السّاميّ «5» ، البغداديّ الحريميّ «13»

ص: 185

حكيم رأى الدنيا بعين الاحتقار، ونظر كل ما فيها بذلّ الافتقار، وزخرت له بحار الحكم، فخاض لججها الغمار، وأذكت له سرجها فجني له من غصونها المهل له الثمار، وتناهى نظره في المآل فلم يزد بصيرة في الاعتبار، ولم يرد زيادة للاختبار، إلا أنه كان جريء اللسان، مسيء الإحسان، خرجت به الفلسفة إلى مهامهها «1» العريضة، فضلّ في فجاجها «2» الفيح «3» ، وضلّ في ذيل انفراجها الفسيح، ودام يخبط في سماء سماواتها، ويخطب ولا يلج خطبه أسماع أهل مداواتها، وأغرب مساع نطقه، ومسالك باطله المموّه بحقه، تأدب بأدب الحياء في الوجنات، وذو الإغفاء في المقل السّنات، ولكنه لم يجد أذنا ولم يلق من يعير بصيرته فطنا.

قال ابن أبي أصيبعة «4» :" مولده ومنشؤه ببغداد، وكان حكيما فيلسوفا، متكلما فاضلا، وأديبا بارعا، وشاعرا مجيدا".

ص: 186

ومن شعره «1» : [الوافر]

بربك أيها الفلك المدار

أقصد ذا المسير أم اضطرار

مدارك قل لنا في أي شيء

ففي أفهامنا عنك انبهار «2»

وفيك نرى الفضاء فهل فضاء

سوى هذا الفضاء به تدار؟

وعنك ترفع الأرواح أم هل

مع الأجسام يدركها البوار» ؟

وموج، ذي المجرة أم فرند «4»

على لجج الدروع «5» له أوار «6»

وفيك الشمس رافعة شعاعا

بأجنحة قوادمها «7» قصار

وطوق للنجوم إذا تبدّى «8»

هلالك أم يد فيها سوار؟

ص: 187

وشهب ذا الخواطف أم ذبال «1»

عليها المرخ «2» يقدح والعفار «3»

وترصيع نجومك أم حباب «4»

يؤلف بينه اللجج الغزار؟

تمدّ رقومها ليلا وتطوي «5»

نهارا، مثلما طوي الإزار

فكم بصقالها «6» صدئ البرايا

وما يصدا لها أبدا غرار «7»

تباري ثم تخنس «8» راجعات

وتكنس «9» مثلما كنس الصّوار «10»

فبينا الشرق يقذفها صعودا

تلقّاها من الغرب انحدار

على ذا ما مضى وعليه يمضي

طوال منى وآجال «11» قصار

وأيام تفرّقنا مداها «12»

لها أنفاسنا أبدا شفار «13»

ودهر ينثر الأعمار نثرا

كما للورد في الروض انتثار «14»

ص: 188

ودنيا كلما وضعت جنينا

غذاه من نوائبها ظؤار «1»

هي العشواء «2» ما خبطت هشيم

هي العجماء «3» ما جرحت جبار «4»

فمن يوم بلا أمس ويوم

بغير غد إليه بنا «5» يسار

ومن نفسين في أخذ وردّ

لروح المرء في الجسم انتشار

وكم من بعد ما ألفت نفوس

جسوما عن مجاثمها تطار

وتنتظر الرزايا «6» والبلايا

وبعد، فبالوعيد لنا انتظار

ونخرج كارهين كما دخلنا

خروج الضّبّ أخرجه الوجار «7»

ألم تك بالجوارح آنسات

فأعقب ذلك الأنس النفار «8»

فإن يك آدم أشقى بنيه

بذنب ما له منه اعتذار «9»

ولم ينفعه بالأسماء علم

وما نفع السجود ولا الجؤار «10»

ص: 189

فأخرج ثم أهبط ثم أودى

فترب السافيات «1» له شعار «2»

فأدركه بعلم الله فيه

من الكلمات للذنب اغتفار

ولكن بعد غفران وعفو

يعيّر ما تلا ليلا نهار «3»

لقد بلغ العدو «4» بنا مناه

وحلّ بآدم وبنا الصّغار

وقفنا تائهين كقوم موسى

ولا عجل أضلّ ولا خوار

فيالك لقمة «5» قد كان منها

علينا نقمة وعليه عار

نعاقب في الظهور وما ولدنا

ويذبح في حشا الأم الحوار «6»

فماذا الامتنان على وجود

لغير الموجدين به الخيار؟

وكان وجودنا خيرا لو انّا «7»

نخيّر قبله أو نستشار

أهذا الداء ليس له دواء

وهذا الكسر ليس له انجبار؟

تحيّر فيه كلّ دقيق فهم

وليس لعميق جرحهم انسبار «8»

إذا التكوير غال «9» الشمس عنا

وغال كواكب الأفق انتشار «10»

ص: 190

وبدّلنا بهذي الأرض أرضا

وطوّح بالسماوات انفطار «1»

وأذهلت المراضع عن بنيها

لدهشتها وعطّلت العشار «2»

وغشّى البدر من فرق وذعر

خسوف ليس يجلى أو سرار «3»

وسيّرت الجبال فكنّ كثبا «4»

مهيلات وسجّرت البحار «5»

فأين ثبات ذي الألباب منا

وأين مع الرجوم «6» لنا اصطبار؟

وأين عقول ذي الأفهام مما

يراد بنا وأين الاعتبار؟

وأين يغيب لبّ كان فينا

ضياؤك من سناه مستعار؟

وما أرض عصته ولا سماء

ففيم يغول «7» أنجمها انكدار؟

وقد وافته طائعة «8» وكانت

دخانا ما لقاتره «9» شرار

ص: 191

قضاها سبعة والأرض مهدا

دحاها فهي للأموات دار

فما لسموّ ما أعلى انتهاء

ولا لسمو ما أرسى قرار

ولكن كل ذا التهويل فيه

لذي الألباب وعظ وازدجار «1»

ومنه قوله: [الكامل]

وكأنما الإنسان فيه عبرة

متلونا والحسن فيه معار

متصرفا وله القضاء مصرّف

ومكلّفا وكأنه مختار

وقوله [الكامل]

ثقلت زجاجات أتتنا فرّغا

حتى إذا ملئت بصرف الرّاح

خفّت فكادت أن تطير بما حوت

وكذا الجسوم تخف بالأرواح «2»

وقوله [البسيط]

قالوا: القناعة عزّ والكفاف «3» غنى

والذل والعار حرص المرء والطمع

صدقتم، من رضاه سد جوعته

إن لم يصبه بماذا عنه يقتنع؟ «4»

وقوله: [البسيط]

تلقّ بالصبر ضيف الهمّ حيث أتى

إن الهموم ضيوف أكلها المهج

فالخطب ما زاد إلا وهو منتقص

والأمر ما ضاق إلا وهو منفرج «5»

ص: 192

فروح النفس بالتعليل ترض به

عسى إلى ساعة من ساعة فرج «1»

وقوله: [البسيط]

بنا إلى الدير من درتا صبابات

فلا تلمني فما تغني ملامات

فكم قضيت لبانات «2» الشباب بها

غنما وكم بقيت عندي بقيات «3»

ما أمكنت دولة الأفراح مقبلة

فانعم ولذّ فإن العيش تارات

قم فاجل في فلك الظلماء «4» شمس ضحى

بروجها الدهر «5» طاسات «6» وكاسات

تلوح في أذرع الساقين أسورة

تبرا وفوق نحور الشرب جامات «7»

قد وقّع الدهر سطرا في صحيفته

لا فارقت شارب الخمر المسرات «8»

خذ ما تعجّل واترك ما وعدت به

وكن لبيبا فللتأخير آفات»

ص: 193