الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنهم:
29- البديع الاصطرلابيّ: وهو بديع الزّمان أبو القاسم هبة الله بن الحسين بن أحمد البغداديّ
«13»
حكيم فاق بتفنّن علمه الحكماء، ولم يكفّ نظره فسيح الأرجاء حتى شق السماء، ولم يقنع باستقصاء أمزجة البشر حتى سأل عن أمزجة النجوم، وميّز ذوات البشر منها والوجوم. وأتقن عمل الاصطرلاب «1» ليقوم تحريكه للعضادة
مقام جسّه للنبض، ونظره لما بين المشارق والمغارب بمحيط ما يجمع الأرض. هذا مع إتقان بقية فنون الحكمة، وما في غضون ذلك من الأمور المهمّة. على أنه لم يخل الأدب من لطيف نظر، وشريف ذكاء وقف به على ما لا تنافر من محاسن كل نفر.
قال ابن أبي أصيبعة فيه «1» :" من الحكماء الفضلاء، والأدباء النبلاء، [طبيب] عالم، وفيلسوف متكلم، غلبت عليه الحكمة وعلم الكلام، والرياضي، وكان متقنا لعلم النجوم والرصد". وكان أوحد أهل زمانه في علم الاصطرلاب، وعمله، فعرف به «2» .
ومن بديع شعر البديع قوله: [السريع]
قام إلى الشمس بآلاته
…
لينظر السعد من النحس
فقلت: أين الشمس؟، قال الفتى:
…
في الثور، قلت: الثور في الشمس
وقوله [الخفيف]
قيل لي: قد عشقته أمرد الخد
…
وقد قيل: إنه نكريش «3»
وقوله [أيضا في غلام معذّر- أي طلع عذاره [مجزوء الكامل]
كن كيف شئت فإنني
…
قد صغت قلبا من حديد
وقعدت أنتظر الكسو
…
ف وليس ذلك بالبعيد
وقوله في جرع دان «1» - وهو الذي يوضع في مجالس الكبراء لصبّ تكعيب القدح: [المنسرح]
إني إذا ما قعدت في ملأ
…
عددت من بعض آلة الفرح
إذا تصدّرت في مجالسهم
…
تنغّصوا لي بفاضل القدح
وقوله [السريع]
هل عثرت أقلام خط العذار
…
في مشقها «2» ، فالخال نقط العثار؟
أم استدار الخط لما غدت
…
نقطته مركز ذاك المدار؟ «3»
ومنهم:
30-
ابن الشّبل البغداديّ: [محمّد بن «4» ] الحسين بن عبد الله بن يوسف أبو عليّ، بن أسامة السّاميّ «5» ، البغداديّ الحريميّ «13»
حكيم رأى الدنيا بعين الاحتقار، ونظر كل ما فيها بذلّ الافتقار، وزخرت له بحار الحكم، فخاض لججها الغمار، وأذكت له سرجها فجني له من غصونها المهل له الثمار، وتناهى نظره في المآل فلم يزد بصيرة في الاعتبار، ولم يرد زيادة للاختبار، إلا أنه كان جريء اللسان، مسيء الإحسان، خرجت به الفلسفة إلى مهامهها «1» العريضة، فضلّ في فجاجها «2» الفيح «3» ، وضلّ في ذيل انفراجها الفسيح، ودام يخبط في سماء سماواتها، ويخطب ولا يلج خطبه أسماع أهل مداواتها، وأغرب مساع نطقه، ومسالك باطله المموّه بحقه، تأدب بأدب الحياء في الوجنات، وذو الإغفاء في المقل السّنات، ولكنه لم يجد أذنا ولم يلق من يعير بصيرته فطنا.
قال ابن أبي أصيبعة «4» :" مولده ومنشؤه ببغداد، وكان حكيما فيلسوفا، متكلما فاضلا، وأديبا بارعا، وشاعرا مجيدا".
ومن شعره «1» : [الوافر]
بربك أيها الفلك المدار
…
أقصد ذا المسير أم اضطرار
مدارك قل لنا في أي شيء
…
ففي أفهامنا عنك انبهار «2»
وفيك نرى الفضاء فهل فضاء
…
سوى هذا الفضاء به تدار؟
وعنك ترفع الأرواح أم هل
…
مع الأجسام يدركها البوار» ؟
وموج، ذي المجرة أم فرند «4»
…
على لجج الدروع «5» له أوار «6»
وفيك الشمس رافعة شعاعا
…
بأجنحة قوادمها «7» قصار
وطوق للنجوم إذا تبدّى «8»
…
هلالك أم يد فيها سوار؟
وشهب ذا الخواطف أم ذبال «1»
…
عليها المرخ «2» يقدح والعفار «3»
وترصيع نجومك أم حباب «4»
…
يؤلف بينه اللجج الغزار؟
تمدّ رقومها ليلا وتطوي «5»
…
نهارا، مثلما طوي الإزار
فكم بصقالها «6» صدئ البرايا
…
وما يصدا لها أبدا غرار «7»
تباري ثم تخنس «8» راجعات
…
وتكنس «9» مثلما كنس الصّوار «10»
فبينا الشرق يقذفها صعودا
…
تلقّاها من الغرب انحدار
على ذا ما مضى وعليه يمضي
…
طوال منى وآجال «11» قصار
وأيام تفرّقنا مداها «12»
…
لها أنفاسنا أبدا شفار «13»
ودهر ينثر الأعمار نثرا
…
كما للورد في الروض انتثار «14»
ودنيا كلما وضعت جنينا
…
غذاه من نوائبها ظؤار «1»
هي العشواء «2» ما خبطت هشيم
…
هي العجماء «3» ما جرحت جبار «4»
فمن يوم بلا أمس ويوم
…
بغير غد إليه بنا «5» يسار
ومن نفسين في أخذ وردّ
…
لروح المرء في الجسم انتشار
وكم من بعد ما ألفت نفوس
…
جسوما عن مجاثمها تطار
وتنتظر الرزايا «6» والبلايا
…
وبعد، فبالوعيد لنا انتظار
ونخرج كارهين كما دخلنا
…
خروج الضّبّ أخرجه الوجار «7»
ألم تك بالجوارح آنسات
…
فأعقب ذلك الأنس النفار «8»
فإن يك آدم أشقى بنيه
…
بذنب ما له منه اعتذار «9»
ولم ينفعه بالأسماء علم
…
وما نفع السجود ولا الجؤار «10»
فأخرج ثم أهبط ثم أودى
…
فترب السافيات «1» له شعار «2»
فأدركه بعلم الله فيه
…
من الكلمات للذنب اغتفار
ولكن بعد غفران وعفو
…
يعيّر ما تلا ليلا نهار «3»
لقد بلغ العدو «4» بنا مناه
…
وحلّ بآدم وبنا الصّغار
وقفنا تائهين كقوم موسى
…
ولا عجل أضلّ ولا خوار
فيالك لقمة «5» قد كان منها
…
علينا نقمة وعليه عار
نعاقب في الظهور وما ولدنا
…
ويذبح في حشا الأم الحوار «6»
فماذا الامتنان على وجود
…
لغير الموجدين به الخيار؟
وكان وجودنا خيرا لو انّا «7»
…
نخيّر قبله أو نستشار
أهذا الداء ليس له دواء
…
وهذا الكسر ليس له انجبار؟
تحيّر فيه كلّ دقيق فهم
…
وليس لعميق جرحهم انسبار «8»
إذا التكوير غال «9» الشمس عنا
…
وغال كواكب الأفق انتشار «10»
وبدّلنا بهذي الأرض أرضا
…
وطوّح بالسماوات انفطار «1»
وأذهلت المراضع عن بنيها
…
لدهشتها وعطّلت العشار «2»
وغشّى البدر من فرق وذعر
…
خسوف ليس يجلى أو سرار «3»
وسيّرت الجبال فكنّ كثبا «4»
…
مهيلات وسجّرت البحار «5»
فأين ثبات ذي الألباب منا
…
وأين مع الرجوم «6» لنا اصطبار؟
وأين عقول ذي الأفهام مما
…
يراد بنا وأين الاعتبار؟
وأين يغيب لبّ كان فينا
…
ضياؤك من سناه مستعار؟
وما أرض عصته ولا سماء
…
ففيم يغول «7» أنجمها انكدار؟
وقد وافته طائعة «8» وكانت
…
دخانا ما لقاتره «9» شرار
قضاها سبعة والأرض مهدا
…
دحاها فهي للأموات دار
فما لسموّ ما أعلى انتهاء
…
ولا لسمو ما أرسى قرار
ولكن كل ذا التهويل فيه
…
لذي الألباب وعظ وازدجار «1»
ومنه قوله: [الكامل]
وكأنما الإنسان فيه عبرة
…
متلونا والحسن فيه معار
متصرفا وله القضاء مصرّف
…
ومكلّفا وكأنه مختار
وقوله [الكامل]
ثقلت زجاجات أتتنا فرّغا
…
حتى إذا ملئت بصرف الرّاح
خفّت فكادت أن تطير بما حوت
…
وكذا الجسوم تخف بالأرواح «2»
وقوله [البسيط]
قالوا: القناعة عزّ والكفاف «3» غنى
…
والذل والعار حرص المرء والطمع
صدقتم، من رضاه سد جوعته
…
إن لم يصبه بماذا عنه يقتنع؟ «4»
وقوله: [البسيط]
تلقّ بالصبر ضيف الهمّ حيث أتى
…
إن الهموم ضيوف أكلها المهج
فالخطب ما زاد إلا وهو منتقص
…
والأمر ما ضاق إلا وهو منفرج «5»
فروح النفس بالتعليل ترض به
…
عسى إلى ساعة من ساعة فرج «1»
وقوله: [البسيط]
بنا إلى الدير من درتا صبابات
…
فلا تلمني فما تغني ملامات
فكم قضيت لبانات «2» الشباب بها
…
غنما وكم بقيت عندي بقيات «3»
ما أمكنت دولة الأفراح مقبلة
…
فانعم ولذّ فإن العيش تارات
قم فاجل في فلك الظلماء «4» شمس ضحى
…
بروجها الدهر «5» طاسات «6» وكاسات
تلوح في أذرع الساقين أسورة
…
تبرا وفوق نحور الشرب جامات «7»
قد وقّع الدهر سطرا في صحيفته
…
لا فارقت شارب الخمر المسرات «8»
خذ ما تعجّل واترك ما وعدت به
…
وكن لبيبا فللتأخير آفات»