الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نادى الحداة دنا الرحيل فودعوا
…
ففجعت في قلبي وفي خلاني
وبكيت وجدا بعد ذاك فلم يفد
…
أني وقد صار اللقاء أماني
وقوله: [الكامل]
أرأيتما يا صاحبي فتى تذل
…
له الأسود تذلة الغزلان
ما كنت ممن يسترق فؤاده
…
عشق ولكن الهوى سلطان
ومنهم:
141- ابن قاضي بعلبك: المظفر بن عبد الرحمن بن إبراهيم
«13»
الحكيم الفاضل الملاطف بدر الدين أبو التأييد.
فاق في علم وقراءة، وفهم تقدم به والناس وراءه، قدّمه فضله واستحقاقه، ونبله الذي ضرب على ربى المجرّة رواقه، ولحق في أوانه بجلّة الرؤساء، وحلّ من أئمة زمانه محلة الجلساء، وسبق أهل جيله حيث لا يلحقه إحضار، وخلق مع أبناء جنسه إلا أن طينته جبلت من معدن النضار «1» ، ولم يعالج عليلا ثم أصبح ببقائه ليس ينتفع، ولا دافع مطل إلا ثم أضحى بملاطفته لا ينتفع، وكان لا يطبّب إلا بالأهون على العليل، والأحب إليه وإن كان النفع به من القليل، على أنه البحر الذي لا يشق له عباب، والوقوف عليه إذا لم يوجد باب. وألقيت عليه من الله محبة لم يره إلا من شغف بحبه، وشغل بطبه، وفضله على كل نكرة
ومعروف، وكل ذي طب يسرح نظرا بإحسان ويمسك يدا بمعروف، ولم ألحق أحدا من الكبراء وأهل العلم إلا من كان يحسن عليه الثناء، ويحلو بأوصافه الحسناء.
قال لي عمي الصاحب شرف الدين أبو محمد عبد الوهاب- رحمه الله تعالى-: هو آخر الأطباء الذين رأتهم عيني.
وسألت عنه شيخنا شهاب الدين أبا الثناء الحلبي فقال: كان يقال هو جالينوس وقته. ثم أخذ في وصفه، وذكر ما كان عليه من حسن الملاطفة وإحسان العلاج.
قال ابن أبي أصيبعة «1» :" كان أبو مجد الدين قاضيا ببعلبك، ونشأ هو بدمشق، واشتغل بها في الطب على المهذب عبد الرحيم بن علي، وجمع له العلم الغزير، والذكاء المفرط، والمروءة التامة، وكانت له همة عالية في الاشتغال، ونفس جامعة لمحاسن الخلال، وكان لا يخلو له وقت من التزيد في العلم، والعناية بالمطالعة والفهم، وكان قد توجه صحبة المهذب لما طلبه الملك الأشرف، وخدم بالمارستان بالرقة، وصنّف مقالة حسنة في" الرقة"، واشتغل بها في الحكمة على الزين الأعمى رحمه الله، وكان إماما في العلوم الحكمية.
ثم عاد ابن قاضي بعلبك إلى دمشق، فلما طلبها الجواد يونس «2» ، حظي عنده وتمكن في دولته، واعتمد عليه في صناعته، وولّاه، الرياسة على الأطباء والكحالين، والجرائحية، وكتب له توقيعا «3» بذلك، فجدّد من محاسن الطب
مادرس، وأعاد من الفضائل ما دثر، ولم يزل مجتهدا حتى اشترى أدرارا كثيرة جوار المارستان النوري، وهدمها وبناها، وأضافها إليه.
ثم خدم الصالح أيوب، وأرصد لمعالجة الحرم، وجدد له توقيعا بالرئاسة على أطباء الشام، ثم خدم من بعده من الملوك ولم يغير عليه عادة مستمرة له، ثم تجرّد لعلم الفقه، وسكن بيتا بمدرسة ابن قليج «1» ، وكانت جوار داره، وتصدى لحفظ القرآن الكريم، ومعرفة القراءات والتفسير، وقراءة الفقه، وفنون الأدب، ولازم أبا شامة، ودأب في العبادة والدين.
قلت: قال لي والدي رحمه الله: كان ابن قاضي بعلبك مختصا بصحبتنا، وكان يعود من مرض منا، ويتولى معالجته، وكان لا يرى التعمق في الوصف ولا المداواة بالكريه.
ويقول: ما ينتفع المريض بالكريه بقدر ما يتضرر به، لكراهيته له.
ويقول: ما لم يكن من المريض إقبال على الدواء لا تقبله أعضاؤه.
ويقول: ربما صار الدرياق سما والدواء داء بإفراط كراهية المريض.
قال والدي رحمه الله تعالى، وقد ذكره يوما: رحم الله ابن قاضي بعلبك، لم يكن في زمانه مثله في حسن شكله وسمته، وحسن حديثه وصحة صحبته، ولطف علاجه، وتبرّك الأعلّاء «2» بمقدمه لرفقه بهم، وعدم إكراهه لهم على الكريه.
وقال: دخل علينا يوما ونحن نأكل طعاما فيه باذنجان قد قلي بدهن