الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أطبّاء السّريان الكائنين في ابتداء الدولة العباسية:
منهم:
61- جورجيس بن جبريل [بن يختيشوع]
«13»
طبيب طالما أصلح بين الصحة والمزاج، وأصبح وعليله لا يحتاج إلى العلاج، رزق من أبي جعفر المنصور إقبال على تجهّمه، وصادف علاجه منه قبول على توهّمه، وحظي منه بحظوة على قلة من حظي بطائل، وحبي منه بالجزيل- على بخله- بالنائل، وحمي من نزغات «1» غضبه، وما قال هذا عنه سواه قائل.
قال ابن أبي أصيبعة «2» :" كانت له خبرة بصناعة الطب، ومعرفة بالمداواة وأنواع العلاج، وخدم [بصناعة الطب] المنصور، وكان حظيّا عنده، ونال من جهته أموالا جزيلة، ونقل له كثيرا من كتب اليونان إلى العربي".
قال فثيون «3» الترجمان: كان المنصور قد فسدت معدته، وانقطعت شهوته،
وبقي كلما عول ازداد مرضا، فتقدّم إلى الربيع «1» بأن يجمع الأطباء لمشاورتهم، فجمعهم، فسألهم عن طبيب ماهر؟. فقالوا: ليس أحد مثل جورجيس رئيس أطباء" جندي سابور"«2» ، فأنفذ لإحضاره، فاستمهله، فاعتقله، فأتاه المطران، ورؤساء المدينة، وأشاروا عليه بالخروج بعد أن أوصى ابنه بختيشوع بأمر البيمارستان، وسائر أموره.
فلما أتى حضرة المنصور، أجلسه، وسأله عن أشياء أجابه عنها بسكون.
فقال له: قد ظفرت منك بما كنت أحبه، وخلع عليه، وأمر له بمنزل ونفقة، وحدّثه بعلّته، ثم نظر إلى قارورة الماء، وأشار عليه بتخفيف الغذاء، ولاطفه حتى عوفي.
ثم لما دنا أجله مرض مرضا مثقلا، وأمر به المنصور فحمل إليه حتى رآه، وعرض عليه الإسلام، فأبي!! «3» ، وسأل أن يحمل إلى بلده ليدفن عند آبائه،
فأعطاه عشرة آلاف دينار، وردّه بعد أن استخلف لديه تلميذه عيسى بن سهل؛ فأساء السيرة، وبسط يده في المطارنة «1» ، والأساقفة «2» ، يأخذ أموالهم لنفسه، حتى إنه كتب لمطران نصيبي «3» يلتمس منه من آلات البيعة أشياء جليلة المقدار. وقال في كتابه إلى المطران: ألست تعلم أن أمر الملك بيدي إن شئت أمرضته وإن شئت عافيته؟!.
فتلطّف المطران في الصلة بالربيع، وأقرأه كتاب عيسى بن سهل، فأعلم الربيع المنصور به، فسلبه ما كان حصّله، ثم أمر بنفيه وكتب:" إن كان جرجس حيا يحضر، وإن كان قد مات يحضر ابنه"، فصادف جرجيوس وقد وقع من السطح، وضعف ضعفا عظيما، فقيل له، فأبى أن يجهّز إلا إبراهيم تلميذه، فلما أتى المنصور استخلصه، ولم يزل معه حتى مات المنصور «4» .
ومنهم:
62-
بختيشوع «1» بن جرجس النّصرانيّ «13»
كان لا يكفّف له ألمعية «2» ، ولا تلوذ بعيّ له لوذعية «3» ، ولا تزال إلى نهاره مبصرة، وسحائب مدده معصره، ودنا من الخلفاء بحيث لا ترفع الستور، ولا ترتع اللحظات في غابة الليث الهصور «4» ، ورأس على أقرانه، وانبجس «5» نهرا لا يضرب الليل دونه بجرانه «6» .
وناظر الكبراء، ونافر «1» حتى الأمراء، وسار إماما في الأطباء، ولولاه لما ركبوا وراء.
قال ابن أبي أصيبعة:" كان يلحق بأبيه في معرفته بالطب، وخدم الرشيد، وتميز في أيامه".
قال فثيون الترجمان: لما مرض الرشيد أحضر بختيشوع من" جندي سابور" وأحضر الأطباء لمناظرته، فقال أبو قريش- وكان رأس الأطباء ببغداد-: يا أمير المؤمنين! ليس في الجماعة من يقدر على الكلام مع هذا، لأنه هو وأبوه وأهل جنسه فلاسفة!.
فقال الرشيد لبعض الخدم: أحضر له ماء دابة لنختبره؛ فأتاه به.
فقال: ليس هذا بول إنسان!.
فقال له أبو قريش: كذبت، هذا بول حظيّة الخليفة.
فقال له بختيشوع: أيها الشيخ الكريم! إنه لم يبل هذا إنسان البتة! وإن كان على ما قلت، فلعلها قد صارت بهيمة!.
فقال له الرشيد: من أين علمت هذا؟.
قال: لأنه ليس فيه قوام بول الإنسان، ولا لونه، ولا ريحه.
فقال له: فما ترى أن يطعم صاحب هذا الماء؟.
قال: الشعير!.
فضحك الرشيد ضحكا شديدا، وخلع عليه، ووهبه مالا وافرا، وقال: ليكن