الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الماليخوليا، لم يسبق إليه، ثم توحّش له ابن الأغلب، وكان نهما، وكان إسحاق يمنعه من كثير من المآكل، فقدم عليه حدث يهودي من الأندلس، فكان يخالف إسحاق فيما يشير به على ابن الأغلب، فقدّم إليه يوما لبن، وكان يشكو ضيق نفس، فنهاه إسحاق عن أكله، وهوّنه اليهودي عليه، فأكله، فعرض له في الليل ما أشرف منه على الهلاك، فأرسل يقول لإسحاق: هل عندك علاج؟. فقال: لا.
فقيل له: هذه خمس مائة دينار، وعالجه. فأبى، فلم يزل حتى أوصل إلى ألف دينار، فأخذها، وأطعمه الثلج حتى امتلأ، ثم قيّأه، فخرج جميع اللبن، وقد تجبّن ببرد الثلج، فقال له إسحاق: أيها الأمير، لو دخل هذا اللبن أنابيب رئتيك ولج فيها أهلكك بضيق النفس، لكنني أجهدته وأخرجته قبل وصوله، فقال ابن الأغلب: باع والله إسحاق روحي في البدء اقطعوا رزقه. فخرج إسحاق إلى مكان من رحاب القيروان، وصار يكتب الصفات «1» كل يوم بدنانير كثيرة، فقيل لابن الأغلب: طردت إسحاق أو دللته على الغنى؟ فسجنه، فتبعه الناس إلى السجن يستوصفونه، فأخرجه ليلا ثم كانت له معه حكايات ومعاتبات أحنقته عليه، ففصده في ذراعيه حتى مات، ومكث حتى عشّش في جوفه الطير.
ومنهم:
153- إسحاق بن سليمان الإسرائيلي أبو يعقوب
«13»
المعروف المشهور، والمألوف طبه المشكور، طالما وهب الكواكب أيقاظ نومه،
ومنح الغياهب «1» أنقاض يومه، ودانى العلياء لو حفظ لسانه، ولفظ إلا إحسانه، لم يسلم من عثرات لا تقال، وتحفظ ولا تقال «2» ، لعجلة كانت له خلقا، وكالت بالمكاييل عليه الشقا، فلم يخل من ملام، وكلام مثل كلام «3» .
قال ابن أبي أصيبعة:" كان طبيبا فاضلا، بليغا عالما، مشهورا بالحذق والمعرفة، جيد التصنيف، عالي الهمة، وهو الذي شاع ذكره وانتشرت معرفته بالإسرائيلي، وهو من أهل مصر، وكان يكحّل في أوليته، ثم سكن القيروان، ولازم إسحاق بن عمرن، وتتلمذ له، وخدم المهدي عبيد الله «4» بالطب، وعمّر إلى أن نيّف على مائة سنة، ولم يتزوج امرأة، ولا ولد ولدا، وقيل له: أيسرك أن تخلف ولدا؟.
فقال: أما إذا بقي بعدي كتاب" الحميّات" فلا!. يعني: أن بقاء ذكره بهذا الكتاب الذي صنفه أكثر من بقاء ذكره بالولد.
ويروى أنه قال: لي أربعة كتب تحيي ذكري أكثر من الولد «5» .
وحكى قال: لما قدمت من مصر على ابن الأغلب، بعث إليّ بخمس مائة دينار، قويت بها على السفر، فلما وصلت أدخلت عليه ساعة وصولي، فسلمت عليه بالإمرة، وفعلت ما يجب أن يفعل للملوك من التعبد، فرأيت
مجلسه قليل الوقار، والغالب عليه حب اللهو، فابتدأني بالكلام، فقال ابن حبيش «1» المعروف باليوناني: تقول: إن الملوحة تحلو؟. قلت: نعم. قال:
فالحلاوة إذا هي الملوحة، والملوحة هي الحلاوة، فقلت: إن الحلاوة تحلو بلطف وملائمة، والملوحة تحلو بعنف. وتمادى على المكابرة، وأحب المغالطة، فلما رأيت ذلك منه قلت له: أنت حيّ؟. قال: نعم. قلت: والكلب حي. قال: نعم.
قلت: فأنت الكلب، والكلب أنت!. فضحك ضحكا شديدا، فعلمت أن رغبته في الهزل أكثر من الجد.
قال: فلما وصل داعي المهدي «2» إلى" رقادة"«3» أدناني وقرّبني، وكانت به حصاة في الكلى، فعالجته بدواء فيه العقارب المحرقة، فجلست ذات يوم مع قوم من كنانة، فسألوني عن صنوف من العلل، وبقيت كلما أجبتهم لا يفقهون قولي، فقلت لهم: إنما أنتم بقر!، فبلغ الخبر داعي المهدي، فقال لي: أتقابل إخواننا المؤمنين بما لا يجب! وتالله الكريم لولا أنني أعذرك بأنك جاهل بحقهم، وبما صار إليهم من معرفة الحق وأهله لأضربنّ عنقك.