المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌148- الأمين سليمان الحكيم وهو سليمان بن داود - مسالك الأبصار في ممالك الأمصار - جـ ٩

[ابن فضل الله العمري]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء التاسع]

- ‌[تراجم الحكماء والفلاسفة]

- ‌مقدمة المحقق

- ‌[المقدمة]

- ‌[من الحكماء المشارق]

- ‌1- أما (هرمس الأول)

- ‌2- وأما (هرمس الثاني)

- ‌3- وأما (هرمس الثالث) :

- ‌4- فيثاغورس

- ‌5- سقراط

- ‌6- أفلاطون

- ‌7- أرسطوطاليس

- ‌8- يعقوب بن إسحاق الكنديّ

- ‌9- أحمد بن الطّيّب السّرخسيّ

- ‌10- كنكه الهندي

- ‌11- صنجهل الهندي

- ‌12- أبو نصر الفارابيّ

- ‌13- يحيى بن عدي

- ‌14- أبو بكر محمّد بن زكريّاء الرّازيّ

- ‌15- أبو سليمان السّجستاني

- ‌16- ابن الخمّار

- ‌17- أبو الفرج بن هندو

- ‌18- الشيخ الرئيس أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسين بن علي بن سينا

- ‌ومن رسائله:

- ‌[وصية ابن سينا]

- ‌ومن شعر الشيخ الرئيس قاله في النفس

- ‌19- أبو الفرج عبد الله بن الطيب

- ‌20- أبو المؤيد محمد بن محمد بن المجلي الجزري، المعروف بابن الصايغ

- ‌21- ابن الخطيب الرّازيّ، ابن خطيب الرّيّ، وهو: محمّد بن عمر بن الحسين، أبو عبد الله- الإمام فخر الدّين

- ‌22- القطب المصريّ وهو: إبراهيم بن عليّ بن محمّد السّلميّ أبو إسحاق

- ‌23- عبد اللّطيف البغدادي

- ‌24- ابن الخوييّ: أحمد بن الخليل بن سعادة بن جعفر بن عيسى، الشّافعيّ، شمس الدّين، أبو العبّاس

- ‌25- الرّفيع الجيليّ: أبو حامد، عبد العزيز بن عبد الواحد ابن إسماعيل بن عبد الهادي

- ‌26- الشّهاب السّهرورديّ المقتول: يحيى بن حبش بن أميرك

- ‌27- الخسرو شاهيّ: عبد الحميد بن عيسى، بن عمّويه، بن يونس، ابن خليل شمس الدّين، أبو محمّد، التبريزيّ، الشّافعيّ

- ‌29- البديع الاصطرلابيّ: وهو بديع الزّمان أبو القاسم هبة الله بن الحسين بن أحمد البغداديّ

- ‌31- النّصير الطّوسيّ: محمد بن محمد بن الحسن، نصير الدّين، أبو عبد الله، الطّوسيّ الفيلسوف

- ‌32- القطب الشّيرازيّ: [محمود بن مسعود بن مصلح الفارسيّ

- ‌33- الشّيخ صفيّ الدّين الهنديّ: [محمد بن عبد الرّحيم بن محمد الأرمويّ، أبو عبد الله، صفي الدين

- ‌34- علي بن إسماعيل بن يوسف الإمام العلامة القدوة العارف ذو الفنون الشيخ علاء الدين قاضي القضاة شيخ الشيوخ أبو الحسن القونوي التبريزي

- ‌35- القاضي جلال الدّين القزوينيّ، أبو المعالي محمد ابن القاضي سعد الدّين أبي القاسم عبد الرّحمن بن عمر بن أحمد الشّافعيّ الدّلفيّ

- ‌37- الشّيخ شمس الدّين الأصفهانيّ، وهو: محمود بن أبي القاسم بن أحمد، أبو الثّناء

- ‌ومن فلاسفة المغاربة، وحكمائها، ومتكلميها ممن كان بالأندلس:

- ‌38- يحيى بن يحيى، أبو بكر، المعروف بابن السّمينة

- ‌41- أبو الحكم الكرمانيّ: عمرو بن عبد الرّحمن بن أحمد بن عليّ

- ‌42- ابن واقد [الوزير، أبو المطرّف عبد الرّحمن بن محمّد بن عبد الكبير بن يحيى ابن واقد بن مهنّد اللّخميّ]

- ‌43- محمد بن يوسف المنجّم

- ‌45- المبشّر بن فاتك: وهو: الأمير محمود الدّولة أبو الوفاء الآمريّ

- ‌48- محمد بن إبراهيم المتطبب صلاح الدين المعروف بابن البرهان الجرائحي

- ‌49- ابن الأكفاني: محمد بن إبراهيم بن ساعد الأنصاريّ، شمس الدّين أبو عبد الله السّنجاريّ المولد والأصل، المصري الدار

- ‌فأما أول من استخرج الطب فرجلان:

- ‌50- اسقليبيوس بن ريوس

- ‌51- أيلق

- ‌أطباء العرب ممن كانوا في أول ظهور الإسلام ومن بعدهم

- ‌52- الحارث بن كلدة الثّقفيّ

- ‌53- النّضر بن الحارث بن كلدة

- ‌54- عبد الملك بن أبجر الكنانيّ

- ‌55- ابن أثال

- ‌56- أبو الحكم

- ‌57- حكم الدّمشقيّ

- ‌58- عيسى بن حكم الدّمشقيّ المعروف بالمسيح

- ‌59- تياذوق

- ‌60- زينب طبيبة بني أود

- ‌أطبّاء السّريان الكائنين في ابتداء الدولة العباسية:

- ‌61- جورجيس بن جبريل [بن يختيشوع]

- ‌63- جبريل بن بختيشوع بن جورجيس

- ‌64- بختيشوع بن جبريل بن بختيشوع

- ‌65- جبيرائيل بن عبيد الله بن بختيشوع

- ‌66- خصيب النصراني

- ‌67- عيسى المعروف بأبي قريش

- ‌68- ابن اللجلاج

- ‌69- عبد الله الطيفوري

- ‌70- إسرائيل بن زكريا الطيفوري

- ‌71- يزيد بن [زيد] بن يوحنّا

- ‌72- عبدوس بن زيد

- ‌73- ماسرجويه «طبيب البصرة»

- ‌74- سلمويه بن بنان «متطبّب المعتصم»

- ‌75- إبراهيم بن فزارون

- ‌76- إبراهيم بن أيوب الأبرش

- ‌78- يوحنّا بن ماسويه

- ‌79- ميخائيل بن ماسويه

- ‌80- حنين بن إسحاق العبادي

- ‌81- إسحاق بن حنين بن إسحاق العبادي أبو يعقوب

- ‌82- يوحنا بن بختيشوع

- ‌83- ثابت بن قرة الحرّاني، أبو الحسن

- ‌84- سنان بن ثابت بن قرة

- ‌85- ثابت بن إبراهيم بن زهرون الحراني

- ‌86- ابن وصيف الصابئ

- ‌87- غالب «طبيب المعتضد»

- ‌88- صاعد بن بشر بن عبدوس أبو منصور

- ‌89- ديلم

- ‌90- فنّون المتطبّب

- ‌91- نظيف- القسّ الرّومي

- ‌92- ابن بطلان، أبو الحسن المختار بن عبدون بن سعدون ابن بطلان النصراني

- ‌93- أحمد بن أبي الأشعث

- ‌94- أبو سهل النيلي. وهو: سعيد بن عبد العزيز

- ‌95- ابن الواسطي «طبيب المستظهر»

- ‌96- أبو طاهر البرخشي، أحمد بن محمد بن العباس

- ‌97- أبو غالب ابن صفية

- ‌98- أمين الدولة ابن التلميذ

- ‌99- معتمد الملك أبو الفرج يحيى بن صاعد بن يحيى بن التلميذ

- ‌100- أوحد الزمان وهو أبو البركات هبة الله بن علي بن ملكا البلدي ثم البغدادي

- ‌101- أبو القاسم هبة الله بن الفضل البغدادي

- ‌102- فخر الدين المارديني

- ‌103- أبو نصر المسيحي

- ‌104- أبو الفرج ابن توما

- ‌طبقات الأطباء ببلاد العجم

- ‌105- تياذورس

- ‌106- ربن الطبري

- ‌107- علي بن سهل بن ربن الطبري أبو الحسين

- ‌108- أحمد بن محمد الطبري

- ‌109- أبو منصور: الحسن بن نوح القمريّ

- ‌110- أبو سهل عيسى بن يحيى المسيحي الجرجاني

- ‌111- السيد أبو عبد الله محمد بن [يوسف] الإيلاقي

- ‌112- أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني

- ‌113- أحمد بن عبد الرحمن بن مندويه الأصبهاني، أبو علي

- ‌114- أبو القاسم عبد الرحمن بن علي ابن أحمد بن أبي صادق النيسابوري

- ‌115- السّموأل بن يحيى بن عباس

- ‌116- الشريف شرف الدين إسماعيل

- ‌أطبّاء الهند

- ‌117- شاناق الهندي

- ‌118- منكه الهندي

- ‌119- صالح بن بهلة الهندي

- ‌أطبّاء الشّام

- ‌120- أبو الفرج جرجس بن توما بن سهل بن إبراهيم اليبرودي

- ‌121- ظافر بن جابر السكري أبو حكيم

- ‌122- أبو الحكم عبيد الله بن المظفر بن عبد الله الباهلي

- ‌123- ابنه: أبو المجد [محمد] بن أبي الحكم؛ أفضل الدولة

- ‌124- ابن البذوخ: أبو جعفر بن موسى بن علي القلعي

- ‌125- حكيم الزمان أبو الفضل عبد المنعم بن عمر بن عبد الله بن حسان الغساني الجلياني

- ‌126- المهذّب ابن النقاش

- ‌127- سكرة اليهودي الحلبي

- ‌129- ابن اللبّودي: يحيى بن محمد بن عبدان بن عبد الواحد

- ‌130- الرضي الرحبي، يوسف بن حيدرة بن الحسن أبو الحجاج

- ‌131- الشرف علي شرف الدين أبو الحسن

- ‌132- عمران [بن صدقة] الإسرائيلي

- ‌133-[موفق الدين] يعقوب بن صقلاب النصراني

- ‌134- رشيد الدين الصوري أبو المنصور ابن أبي الفضل بن علي

- ‌136- صدقة بن منجا بن صدقة السامري

- ‌137- المهذب يوسف بن أبي سعيد بن خلف السامري

- ‌138- أمين الدولة أبو الحسن بن غزال بن أبي سعيد السامري

- ‌139- المهذّب الدّخوار: أبو محمد عبد الرحيم بن علي بن حامد

- ‌140- الرشيد علي بن حليقة بن يونس بن أبي القاسم بن خليقة الأنصاري الخزرجي

- ‌141- ابن قاضي بعلبك: المظفر بن عبد الرحمن بن إبراهيم

- ‌142- العماد الدّنيسري: محمد بن العباس بن أحمد بن عبيد الربعي أبو عبد الله

- ‌143- العز السويدي: إبراهيم بن محمد الأنصاري الأوسي، عز الدين أبو إسحاق

- ‌144- موفق الدين يعقوب السامري أبو يوسف يعقوب بن غنائم

- ‌145- أبو الفرج يعقوب بن إسحاق بن القف النصراني

- ‌146- المهذب يوسف كاتب الزردكاش

- ‌147- النفيس أبو الفرج ابن إسحاق بن أبي الخير السامري

- ‌148- الأمين سليمان الحكيم وهو سليمان بن داود

- ‌149- أحمد بن شهاب الدين أبو محمد الكحال الجرائحي

- ‌150- الفتح السامري: هو ابن يوسف بن إسحاق بن مسلم

- ‌151- غنائم السامري، وهو ابن المهذب يوسف كاتب الزردكاش

- ‌فأما أطباء الغرب بما وقع في جانبه من مصر والاسكندرية

- ‌152- إسحاق بن عمران

- ‌153- إسحاق بن سليمان الإسرائيلي أبو يعقوب

- ‌154- أحمد بن إبراهيم بن أبي خالد المعروف: بابن الجزار القيرواني أبو جعفر

- ‌155- حمدون أثا

- ‌156- يحيى بن إسحاق

- ‌157- أبو داود بن جلجل: وهو سليمان بن حسان المعروف بابن جلجل الحكيم

- ‌159- الغافقي: وهو أبو جعفر أحمد بن محمد بن سند

- ‌161- أبو محمد المصري

- ‌162- أبو الصلت أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت الداني

- ‌163- أبو مروان عبد الملك بن محمد بن مروان بن زهر الإيادي الإشبيلي

- ‌164- أبو العلاء زهر بن عبد الملك

- ‌165- ابنه أبو مروان ابن أبي العلاء، واسمه عبد الملك

- ‌166- أبو محمد ابن الحفيد أبي بكر بن زهر

- ‌167- أبو جعفر ابن الغزال

- ‌168- أبو العباس ابن الرومية، وهو أحمد بن محمد بن مفرّج النباتي

- ‌169- ابن الأصم

- ‌أما أطباء مصر:

- ‌170- بليطيان

- ‌171- سعيد بن توفيل

- ‌172- سعيد بن البطريق

- ‌173- التميمي: وهو أبو عبد الله محمد بن سعيد التميمي

- ‌174- ابن الهيثم: وهو أبو علي محمد بن الحسن بن الهيثم البصري ثم المصري

- ‌175- علي بن رضوان

- ‌176- افرائيم [بن الزفّان] الإسرائيلي

- ‌177- سلامة بن رحمون أبو الخير

- ‌178- بلمظفر ابن معرف: وهو نصر بن محمود بن المعرّف

- ‌179- أبو عمر وعثمان بن هبة الله بن أحمد بن عقيل القيسي جمال الدين

- ‌180- ابنه الفتح [فتح الدين بن جمال الدين بن أبي الحفائر]

- ‌181- ابنه المهذب [شهاب الدين ابن فتح الدين]

- ‌182- الخونجي: محمد بن ناماور أفضل الدين أبو عبد الله

- ‌183- أبو سليمان داود بن أبي المنى ابن فانة

- ‌184- ابنه: الموفق أبو شاكر موفق الدين

- ‌185- الرشيد أبو حليقة: وهو أبو الوحش ابن الفارس ابن أبي الخير بن أبي سليمان داود ابن أبي المنى ابن فانة

- ‌186- ابنه المهذب: أبو سعيد محمد بن أبي حليقة

- ‌187- أبو سعيد بن موفق الدين يعقوب

- ‌188- ابن البيطار: عبد الله بن أحمد المالقي النباتي، ضياء الدين أبو محمد

- ‌189- علي بن أبي الحزم: علاء الدين ابن النفيس القرشي الدمشقي

- ‌190- أحمد المغربي

- ‌191- السديد الدمياطي

- ‌192- فرج الله بن صغير

- ‌193- محمد بن صغير، ناصر الدين

- ‌مصادر التحقيق

- ‌الفهرست

الفصل: ‌148- الأمين سليمان الحكيم وهو سليمان بن داود

على خلاف قول الأمين سليمان فيه، ويصفه بالفضل كل طبيب فاضل وفقيه، ولما كبر انحنى ظهره، وتأطّر رمحه، فلما احدودب، كان يقال له: صندوق العلم، يسميه بهذا عامة الناس، ويعتقد فيه الفضل ويشهد له جمهور الخلق من عرفه منهم ومن لم يعرفه بالتقدم في الطب، والتبريز على كل معاصر، وكان له تفقّه في الطب، وآراء في المداواة، وتفنّن في العلاج، ولم يزل مشارا إليه إلى أن هلك، ومتبوعا في الطب أين سلك.

ومنهم:

‌148- الأمين سليمان الحكيم وهو سليمان بن داود

«13»

أمين الدين أبو الربيع، رئيس الأطباء بالشام. لحق بالأوائل، وعرف العلم بالدلائل، لو عالج المعتذر لأزاح علله، أو شاء إصلاح ما بين الأفقين لسدّ خلله، لم يتقدّمه جالينوس إلا بالزمان، ولا ابن سينا إلا بكثرة الإدمان، نسي به كل من تقدّم، ونسب إليهم من الفضل ما قدّم.

قرأ على العماد الدنيسري، والعز السويدي، والموفق السامري «1» ، وأخذ عن تلك الطبقة، إلا أنه كان إلى الدنيسري أشدّ انقطاعا، وإليه صارت كتبه وعليه وقف أملاكه، وكان وارث علمه وماله، وخلفه في كل أحواله، وكان منه أصل ثروته، وما حصّله وأثره وأثله.

وحكى لي من رآه في حال صباه، وغصنه رطيب، ومفرقه كله مسك

ص: 548

وطيب، وخده مصقول السوالف، وطرفه إما ساحر أو سائف، ولأهل بلده به فتون، وفي كمده فتون، والدنيسري قد اعتلقه، وخيل إليه دوام الحياة بقربه، فاعتنقه. قال: وكان على هذا لا يخلو منه للحكماء ملعب، ولا للعلماء ندي فضل به يستوعب، فلما صارت إليه الرياسة وسارت به النفاسة قال بعض حسّاده:[الكامل]

يا معشر الحكماء لا تتسخّطوا

لعظيم ما قد تمّ في ذا العالم

هذا سليمان بن داود الذي

نال الرياسة دونكم بالخاتم

قلت: وإنما نيح القمر وعارض أدنى البحر، وهيهات أن تغطي السماء بالسحاء، أو يضارّ في رؤيته ذو نظر، فلقد كان فردا في الزمان منقطع القرين، معدوم النظير، شارك في الحكمة، وبرّز في علم الطب، وصار علما فيه، وتقدّم باستحقاق وألقي عليه القبول، ومال إليه الحقير والجليل، واقتصرت على طبه الأكابر، ومالت إليه العلماء وأثنى عيه شيخنا ابن الزملكاني، وحصلت بينه وبين ابن الوكيل منافرة، ثم اتفق لابن الوكيل أن ركّب للأفرم نائب الشام سفوفا «1» يعينه على الهضم، ويسهله، فلما أخذ منه الأفرم أفرط به الإسهال، ووثب مماليك الأفرم بابن الوكيل ليقتلوه، فأتى الأمين سليمان وكفهم عنه ثم دخل على الأفرم، واعتبر إعراضه، ثم أعطاه أمراق الفراريج، وشرع في إعطاء المسهلات له، واستفرغه حتى كمل إخراج تلك المادة التي اندفعت، ثم أعطاه المقبّضات والممسكات، فبرأ وأفاق.

قلت: إنما أعطاه أولا المسهّلات مع وجود الإسهال، لأنه رأى السفوف قد هيج مادّة رديّة، ولم يتم اندفاعها، وإن انحباس بقيتها مفسد للبدن، فاستعمل

ص: 549

استفراغ تلك المادة الردية، ثم أمسك ما سواها، وهذا من محاسن العلاج، وله غير هذا من الغرائب والعجائب في صناعة الطب. منها: أن بعض بني صصري كان يشكو نزلة متقدمة به، لا تزال تعاوده، ويلتاث جسمه ببقاياها، فشكا إليه ما يجده منها، فأمره بالحمية، وتعهّد الحمّام، حتى لطف أخلاطه، ثم أخرجه من الحمام وكشف رأسه عقيب خروجه منه حتى نزلت به نزلة أخرى، ثم استمر به على الحمية، وشرع في معالجته، وأعطاه المسهلات حتى استفرغ مواد تلك النزلة، واندفعت معها مواد النزلة القديمة، وبرأ الرجل وأفاق.

ومنها: ما حكاه لي الشيخ أحمد بن براق قال: كنت عند الأمين سليمان فأتى رجل قد حصل له ورم في وجهه، وقد تلوّن بالحمرة والزرقة، فلما رمى عمامته عن رأسه، وكانت عمامة كبيرة، وبقي الرجل يخاف من البرد، وسليمان يقول له ارمها بلا فشار، ثم أمر بسطل من الماء البارد فصبّه على رأسه، وكان الفصل شتاء، ثم نقله إلى المارستان، وشرع في معالجته، وسئل عن هذا فقال:

كانت قد تحركت مادة في دماغه أردت أن أجمّدها قبل أن تنصبّ جملة واحدة.

قلت: وقد تقدم مثل هذا عمن تقدم، وله كل معالجة طائلة، وحدس صحيح، وتجربة محققة. ولما مرض الكرجي وهو في نيابة طرابلس، حارت فيه الأطباء فاستدعاه واستطبّه، فبرأ بقدرة الله على يده، فغمره بالإحسان، وحصل له منه ومن حاشيته نحو أربعين ألف درهم، ما هو دراهم وقماش وغير ذلك، ثم عاوده المرض فاستدعاه وطبّبه، وبرأ فحصل له منه نحو عشرين ألف درهم.

وحكي لي: أنه كان أقل ما يدّخر في كل يوم دينار من الذهب، بعد كلفه وسائر نفقته، وإنه على هذا منذ بلغ عشرين سنة من العمر، وإلى آخر وقت.

وكان صحيح الإسلام، حسن المعتقد، جميل اليقين، وحجّ مرات إلى البيت

ص: 550

الحرام، وزار النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وكان إذا أتى المدينة الشريفة لزم المسجد وأكثر الصلاة.

ولم يزل على رتبته ومكانته حتى سعي عليه عند تنكيز نائب الشام، وغير عليه خاطره، هذا إلى ما كرهه منه من قوة النفس، وكثرة الجرأة والإقدام، فعزله عن الرياسة، وحطّه عن رتبته، وأغري بذمته، والتنقّص به، وقام عبد المولى اليهودي لعناده ورماه سليمان بالبرص، وكشف فلم يصح قوله فيه، وولي عوضه جمال الدين محمد ابن الشهاب الكحال، فجرت بينهم عواصف، وتمت بينهم مع تعمّد الظلم مناصف ونامت على بغضاء تنكز له الأيام والليالي، ثم عطفته عليه عاطفة الرضا، فأقبل عليه كل الإقبال، واستصحبه في سفرة كنت فيها إلى جهة غزة، وأتينا بأنواع من الطعام فيها من السمك واللبن، فقلنا له من أيهما نأكل؟. فقال: أنا طبيبكم وكلوا مما آكل. ثم أكل من السمك، وأكلنا معه حتى كاد يشبع، ثم ترّد خبزا في اللبن، وأكل منه بالملاعق، وأكلنا معه، ثم قال: علينا بالمصلح. فقلنا: ما هو؟. فقال: العسل. فأتينا به، فلعق منه لعقا كثيرا، ولعقنا معه، ثم مكث ساعات، ثم أمر فعملنا شرابا من السكر والليمون، فشرب وشربنا معه، ثم قال: علمنا اليوم بطب الهند. قالوا: أما أن يكون أحدهما أبرد من الآخر أو هما سواء في الدرجة، فإن كان أحدهما أبرد من الآخر فالآخر مصلح له، فإن كانا سواء في الدرجة كنا كمن أكل من شيء واحد، واستكثر منه.... ثم طلب الأمين سليمان إلى باب السلطان ولحق به لتطبيب القاضي علاء الدين ابن الأثير كاتب السر- رحمه الله تعالى- من فالج أصابه، فجاء وطبّبه فلم ينجع، وسعى لأمر فما أنجع، ولم يقع من السلطان بموقع، ولا لقي أطباء الحضرة، بما يجب، فتقهقر وذمّ وأعيد إلى دمشق مبرقع الوجه بالخجل، خائب الظنة والأمل. ثم عقد له مجلس بحضرة تنكز لدواء وصفه

ص: 551