الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يصيح، فخرج إليه وقال له: ما بالك يا هذا؟ فقال: أيها الوزير، ورم في إحليلي منعني من النوم منذ أيام كثيرة، فقال له: اكشف عنه. فكشف فإذا هو وارم، فقال لرجل كان مع العليل: اطلب له حجرا أملس، فأتاه به، فقال: ضعه على كفك، وضع عليه الإحليل، ففعل، فلما تمكن إحليل الرجل من الحجر، جمع الوزير يده وضرب على الإحليل ضربة غشي على الرجل منها، وجرى من الإحليل صديد الدم إلى أن نزف، ثم فتح عينيه، وبال البول، فقال له: اذهب فقد برئت، وأنت كنت قد عيّثت فأتيت بهيمة في دبرها! فصادفت شعيرة من علفها، فلجّت في عين الإحليل، فورم لها، وقد خرجت الآن في الصديد!!.
فقال الرجل: قد كان ذلك مني، وأقرّ بفعلته.
ومنهم:
157- أبو داود بن جلجل: وهو سليمان بن حسان المعروف بابن جلجل الحكيم
«13»
فاض بحره التيار، وفات سرى الكواكب ذكره السيّار، وحام على المجرّة ووردها، وجفا بطبه بنات نعش ووأدها، ولجّ على عارض الحرارة وأطفأ موقدها، وحلّ مجالس الملوك وحل عقدها، وخزي به المرض واكتأب، وحصّل بصناعته الأموال واكتسب، ولم يكن ممن يتهوّر في إقدام، ولا يتصور أن ينقل إلى ذي سفالة أقدام، فكان مدة حياته موقرا، لا يطأ أخمصه إلا حريرا وعبقرا.
قال ابن أبي أصيبعة:" كان خبيرا بالمعالجات، جيد الصرف في صناعة الطب، وكان في أيام هشام المؤيد، وخدمه، وله اعتناء بقوى الأدوية، وفسّر أسماء الأدوية المفردة من كتاب ديسقوريدس العين زربي، وأفصح عن مكنونها، وأوضح مستغلق مضمونها، وهذا الكتاب ترجمه اسطفان «1» أيام المتوكل، وفسّر من مفرداته ما عرف له اسم في اللغة العربية، وأبقى اسم ما لم يعرف له اسم.
قال: وأهدى أومانون صاحب القسطنطينية إلى عبد الرحمن الناصر هدايا جليلة عظيمة المقدار، منها كتاب ديسقوريدس مكتوبا بالإغريقي، وهو اليوناني، مصورا بالتصوير الرومي العجيب، وكتب إلى الناصر يقول له: إن هذا الكتاب لا يجتنى فائدته إلا برجل يحسن العبارة باللسان اليوناني، ويعرف أشخاص الأدوية. فإن كان في بلدك من يحسن هذا، فزت بفائدة هذا الكتاب؛ فبقي في خزانة الناصر، ثم بعث أرمانوس إلى الناصر راهبا اسمه نقولا، ففسّر من أسماء عقاقير ما كان مجهولا، وهو أول من عمل بقرطبة درياق الفاروق.
قال ابن جلجل: واجتمع أطباء قرطبة مع نقولا على معرفة أشخاص الأدوية المذكورة في كتاب ديسقوريدس قال: وأدركت نقولا الراهب ومن اجتمع معه في أيام المستنصر الحكم، في صدر دولته، وصحبتهم فصحّ ببحث هؤلاء الوقوف على أشخاص هذه العقاقير بمدينة قرطبة، وتصحيح أسمائها إلا القليل الذي لا بال به ولا خطر له، وذلك يكون في مثل عشرة أدوية.
ومنهم:
158-
أبو جعفر يوسف بن أحمد «1» بن حسداي «13»
حكيم جلّ قدره، وجلا الظلماء بدره، تصدى طبه للأدواء فحسمها، وشدّ بها بناء الأعضاء وقد حطمها، وسرى علاجه في العلل الجسام، سريا لأرواح في الأجسام، وبهذا ثبت زلزالها وردّها إلى مصاحبة الجسوم وقد نوت اعتزالها، وفعل في هذا الغاية بلطف مداراته، وكف ما لم يقدر الثوب على مواراته، ثم لم يغن عنه طبه إذ حان حينه «2» ، وقرب ما بينه وبين الموت بينه.
قال ابن أبي أصيبعة فيه:" من الفضلاء في صناعة الطب، وله اعتناء بالغ بالاطلاع على كتب أبقراط، وجالينوس، وفهمهما، وكان قد سافر من الأندلس إلى مصر، واشتهر بها ذكره في أيام الآمر «3» ، وكان خصيصا بالمأمون الآمري الوزير، وكان قد أمره المأمون بشرح كتاب الإيمان لأبقراط، فشرحه. وكان مدمنا للشراب، وعنده دعابة ونوادر. حكي أنه كان قد رافق بعض الصوفية في سفرة سافرها من الإسكندرية إلى القاهرة، فقال له الصوفي: أين تنزل في القاهرة حتى أكون أراك؟.
فقال: ما في نيّتي أنزل إلا في الخمارة، وأشرب!. فغضب الصوفي عليه. فلما أتيا القاهرة تفرّقا، فلما كان في بعض الأيام مر ابن حسداي في السوق، وإذا بأفواج