الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنهم:
27- الخسرو شاهيّ: عبد الحميد بن عيسى، بن عمّويه، بن يونس، ابن خليل شمس الدّين، أبو محمّد، التبريزيّ، الشّافعيّ
«13»
نسبة إلى قرية تعرف ب:" خسرو شاه"«1» ، من قرى تبريز.
سمر حديث مغرب، وقمر مشرق ومغرّب، قدم الشام فكان أزين له من
هشام، وحلّ في أم بلدانه حلول ابن ذي يزن في غمدانه، ونزل بالكرك.
وأناخ نزوله بالشاذياخ «1» فأسعف وأعان، وذكر المنازل أهلها بين البلقاء «2» ومعان «3» ، وأفاض في تلك المعالم الإحسان فوق آل غسان.
استقدمه الناصر داود، وقدّمه تقديم الودود، فنشر علم علمه، وشرّع مورد يمّه، وجعل حوضه لمن يمتاح «4» ، وروضه لمن يرتاح، فغدت حضرته محطّا للركائب، ومحلا للرغائب، فكثر من عنده الممتار «5» ، ورجع يشهده
المشتار «1» ، ونمى عدد الفضلاء، وطمي «2» مدد الفضل في ذلك الفضاء، وتزاحمت الملوك على خطبته، واستزارته من خطته، وهو بذروة ذلك الجبل ممتنع، وبيسير ذلك البلل مقتنع، ودأبه في زيادة علوم، وإفادة خصوص وعموم، وأيامه بالفضائل مشحونة، ولياليه من الرذائل مصونة.
ثم أتاه أجله، وحل عليه من دين البقاء مؤجّله، فاتّصلت تلك الروم الزكية بعالمها، وخلصت من ظلم الدنيا ومظالمها.
قال ابن أبي أصيبعة «3» :" هو إمام العلماء، وسيد الحكماء، قدوة الأنام، شرف الإسلام. قد تميّز في العلوم الحكمية، وحرّر الأصول الطبية، وأتقن الأحكام الشرعية، ولم يزل دائم الاشتغال، جامعا للفضل والإفضال.
وكان شيخه الإمام فخر الدين ابن خطيب الري «4» ، وهو من أجلّ تلامذته، ومن حين وصل الشام اتصل بخدمة الملك الناصر [صلاح الدين] داود بن المعظّم «5» ، وأقام عنده بالكرك، وكان عظيم المنزلة عنده، وله من الإحسان
الغزير، والإنعام الكثير.
ثم أتى دمشق وتوفي بها في شوّال سنة اثنتين وخمسين وستمائة، ودفن بجبل قاسيون".
قال:" رأيته يوما وقد أتاه بعض فقهاء العجم بكتاب دقيق الخط، ثمن البغدادي، معتزلي التقطيع.
فلما نظر فيه صار يقبّله ويضعه على رأسه، فسألته عن ذلك فقال: هذا خطّ شيخنا الإمام فخر الدين ابن الخطيب- رحمه الله تعالى-".
قلت «1» : ولما كان الشيخ شمس الدين الخسرو شاهي عند الملك الناصر داود بالكرك، كان جدّي الصاحب جمال الدين أبو المآثر فضل الله وزيرا عنده.
واتحدت له صحبة بالشيخ، فأخذ معه ولده عمّي الصاحب شرف الدين أبا محمد عبد الوهاب- رحمه الله تعالى- وقدّمه للشيخ، وقال هذا ولدي، وأعزّ ما أقدر عليه، وقد قدّمته لك. فقبله منه قبولا حسنا، وأقرأه:" الأربعين في أصول الدين"«2» ، وانتفع به.
ثم لما أتى الأمير الكبير الكافل جمال الدين أبو الفتح موسى بن يغمور لزيارة الشيخ طلب منه عمي أن يكون عنده، فآثره به. ثم اتصل بالملك الصالح أيوب بسببه على ما ذكرت ذلك في ترجمة عمي في" فواصل السمر"«3» .
ورثى الخسرو شاهي جماعة منهم العز الضرير، منها:[الطويل]
بموتك شمس الدين مات الفضائل «1»
…
وأردى ببدر الفضل والبدر كامل
فتى بزّ كل القائلين «2» بصمته
…
فكيف إذا وافيته وهو قائل
أتدري المنايا من رمت بسهامها
…
وأي فتى أودى وغال الغوائل
رمت أوحد «3» الدنيا وبحر علومها
…
ومن قصرت في الفضل عنه الأوائل
ولو كان بالفضل الفتى يدفع الردى
…
لما غيّبت عبد الحميد الجنادل «4»
فبعدك شمس الدين أعوز عالم
…
وأبدى الدعاوى في المحافل «5» جاهل «6»
ومنهم:
28-
السّيف الآمديّ: عليّ بن [أبي «7» ] عليّ بن محمّد بن سالم، سيف الدّين أبو الحسن التّغلبيّ الآمديّ «13»
سيف لا يعرف التقليد، وسيل يشيب لهو له الوليد، توقّى كل مناظر حدّ
مضربه، وعاد كل صادر بريق مشربه، ساحل قطع غمار اللجج، وجادل فقطع حجاج الحجج، ولم يخل منهله من زحام، ولا تصرّفه من زمام، فكم جاءت إليه الأفواج، وتزاحمت في بحره الأمواج، ونداه يسع، وجداه لا يدع.
وجعل مدينة حماه سوقا لفوائده، ومعدنا لفرائده، وكان قصدها لا يعدّ إلا في معالي الرتب، ولا يزال يرحل إليه على كور «1» وقتب «2» ، وهو على هذا الازدحام، وكثرة من حلّق عليه وحام، لا يودع الحكم غير أهلها، ولا يدع للشّفة إلا قدر نهلها «3» ، فكان لا يزال لديه شفيع لطالب، ومتوسل بخلائقه الأطايب، فلم يكن مثله سيف لا يزال يخدمه القلم، وينشر لعلمه على جناح الجوزاء العلم.
وكانت ملوك زمانه تجلّه، ولو قدرت عرفت من نجاد ممالكها أين تحلّه، فقد كان سيفا مشرفيا، ومثقّفا «1» سمهريّا «2» ، طالما طال المفارق والطلاء «3» ، وطاب معدنه فلم يحتج إلى تنميق الحمائل «4» والحلى، هذا
…
وليس به فلول من قراع الكتائب «5» ، ولا ذهول وبحره جمّ العجائب.
قال ابن أبي أصيبعة «6» :" كان أذكى أهل زمانه، وأكثرهم معرفة بالحكمة والشريعة، والمبادئ الطبية. بهيّ الصورة، فصيح اللسان، جيّد التصنيف.
خدم الملك المنصور «7» صاحب حماة، وأقام عنده سنين، ورتّب له الرواتب السنيّة، [والإنعام الكثير. وكان من أكابر الخواص عنده، ولم يزل في خدمته] ،
فلما توفي أتى الملك المعظم عيسى «1» فبالغ في الإنعام عليه وإكرامه، وولاه التدريس.
وكانت الناس تتعجب له في المناظرة والبحث، وقلّ أن كان يشتغل في العلوم الحكمية، وتشفّع العماد السلماسي بابن بصاقة «2» ليقرئه، فكتب إليه:[البسيط]
يا سيدا جمّل الله الزمان به
…
وأهله من جميع العجم والعرب
العبد يذكر مولاه بما سبقت
…
وعوده لعماد الدين عن كثب
ومثل مولاي من جاءت مواهبه
…
من غير وعد وجدواه بلا طلب
فأصف من بحرك الفيّاض مورده
…
وأغنه من كنوز العلم، لا الذهب!
واجعل له نسبا يدلي إليك به
…
فلحمة العلم تعلو لحمة «3» النسب
ولا تكله إلى كتب تنبئه
…
ف:" السيف أصدق أنباء من الكتب «4»