الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنهم:
132- عمران [بن صدقة] الإسرائيلي
«13»
واسم أبيه: صدقة، ويلقّب بالأوحد.
حكيم حكم له على نظرائه، وحتم بصواب آرائه، لنظر كان له أثقب من نظر الغراب، وأحدّ من السيف عند الضراب، حتى ظهر ظهور الشمس، واشتهر اشتهار ما كان في أمس، فاستدعته الملوك إلى مجالسها، وأدنته إدناء مجالسها، فأخذ منها بحظ أزلف له الغدف «1» ، وأشرف له على أبعد مشترف، وقدّمه لديهم لفضل طار به محلّقا، وأطال باعه محقّقا، وعرف بحسن التدريب، وصحة التجريب، فأجزلت له الجوائز حتى كان يأخذها آلافا، ويعجل لها إتلافا وإخلافا، وهلك بعد السرف، وكثرة ما صرف، وأمواله قد زادت على القياس.
قال ابن أبي أصيبعة:" كان أبوه طبيبا مشهورا، واشتغل هو على الرضي الرحبي، وتميّز في الطب، وحظي عند الملوك، واعتمدوا عليه في المداواة والمعالجة، ونال من جهتهم الأموال الجسيمة والنعم ما يفوق الوصف، وحصّل من الكتب الطبية وغيرها ما لا يكاد يوجد عند غيره، ولم يخدم عند أحد من الملوك في الصحبة، ولا تقيّد معهم في سفر، وإنما كان كل منهم إذا عرض له مرض أو لم يعز عليه طلبه، ولم يزل يعالجه ويطبّبه بألطف علاج وأحسن تدبير إلى أن يفرغ من مداواته، ولقد حرص به الملك العادل أبو بكر بن أيوب بأن
يستخدمه في الصحبة فأبى، وكذلك غيره من الملوك.
وحدّثني الأمير صارم الدين التبنيني رحمه الله: أنه لما كان بالكرك وصاحبه الملك الناصر داود بن الملك المعظم، وكان الملك الناصر قد توعّك «1» مزاجه، واستدعى الحكيم عمران إليه من دمشق، فأقام عنده مديدة، وعالجه، حتى صلح، فخلع عليه، ووهب له مالا كثيرا، ورتب له جامكية «2» في كل شهر ألف وخمسمائة درهم ناصرية، ويكون في خدمته، وأن يسلف منها عن سنة ونصف: سبعة وعشرين ألف درهم.
أقول «3» : وكان السلطان الملك العادل لا يزال يصله بالأنعام الكثير، وله منه الجامكية الوافرة، والجراية، وهو مقيم بدمشق، ويتردّد إلى خدمة الدور السلطانية، والقلعة، وكذلك في أيام الملك المعظم، وكان قد أطلق له أيضا جامكية وجراية تصل إليه، ويتردّد إلى البيمارستان الكبير، ويعالج المرضى به، وكان به أيضا في ذلك الوقت شيخنا مهذّب الدين عبد الرحيم بن علي رحمه الله، وكان يظهر من اجتماعهما كل فضيلة ويتهيّأ للمرضى من المداواة كل خير، وكنت في ذلك الوقت أتدرب معهما في أعمال الطب، ولقد رأيت من حسن تأتّي عمران في المعالجة وتحقيقه للأمراض ما يتعجّب منه، ومن ذلك أنه كان يوما قد أتى إلى البيمارستان وبه مفلوج، والأطباء قد ألحّوا عليه باستعمال المغالي وغيرها من صفاتهم، فلما رآه وصف له في ذلك اليوم تدبيرا يستعمله، ثم بعد ذلك أمر بفصده، ولما فصد، وعالجه، صلح وبرئ برءا تامّا، وكذلك