المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌18- الشيخ الرئيس أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسين بن علي بن سينا - مسالك الأبصار في ممالك الأمصار - جـ ٩

[ابن فضل الله العمري]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء التاسع]

- ‌[تراجم الحكماء والفلاسفة]

- ‌مقدمة المحقق

- ‌[المقدمة]

- ‌[من الحكماء المشارق]

- ‌1- أما (هرمس الأول)

- ‌2- وأما (هرمس الثاني)

- ‌3- وأما (هرمس الثالث) :

- ‌4- فيثاغورس

- ‌5- سقراط

- ‌6- أفلاطون

- ‌7- أرسطوطاليس

- ‌8- يعقوب بن إسحاق الكنديّ

- ‌9- أحمد بن الطّيّب السّرخسيّ

- ‌10- كنكه الهندي

- ‌11- صنجهل الهندي

- ‌12- أبو نصر الفارابيّ

- ‌13- يحيى بن عدي

- ‌14- أبو بكر محمّد بن زكريّاء الرّازيّ

- ‌15- أبو سليمان السّجستاني

- ‌16- ابن الخمّار

- ‌17- أبو الفرج بن هندو

- ‌18- الشيخ الرئيس أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسين بن علي بن سينا

- ‌ومن رسائله:

- ‌[وصية ابن سينا]

- ‌ومن شعر الشيخ الرئيس قاله في النفس

- ‌19- أبو الفرج عبد الله بن الطيب

- ‌20- أبو المؤيد محمد بن محمد بن المجلي الجزري، المعروف بابن الصايغ

- ‌21- ابن الخطيب الرّازيّ، ابن خطيب الرّيّ، وهو: محمّد بن عمر بن الحسين، أبو عبد الله- الإمام فخر الدّين

- ‌22- القطب المصريّ وهو: إبراهيم بن عليّ بن محمّد السّلميّ أبو إسحاق

- ‌23- عبد اللّطيف البغدادي

- ‌24- ابن الخوييّ: أحمد بن الخليل بن سعادة بن جعفر بن عيسى، الشّافعيّ، شمس الدّين، أبو العبّاس

- ‌25- الرّفيع الجيليّ: أبو حامد، عبد العزيز بن عبد الواحد ابن إسماعيل بن عبد الهادي

- ‌26- الشّهاب السّهرورديّ المقتول: يحيى بن حبش بن أميرك

- ‌27- الخسرو شاهيّ: عبد الحميد بن عيسى، بن عمّويه، بن يونس، ابن خليل شمس الدّين، أبو محمّد، التبريزيّ، الشّافعيّ

- ‌29- البديع الاصطرلابيّ: وهو بديع الزّمان أبو القاسم هبة الله بن الحسين بن أحمد البغداديّ

- ‌31- النّصير الطّوسيّ: محمد بن محمد بن الحسن، نصير الدّين، أبو عبد الله، الطّوسيّ الفيلسوف

- ‌32- القطب الشّيرازيّ: [محمود بن مسعود بن مصلح الفارسيّ

- ‌33- الشّيخ صفيّ الدّين الهنديّ: [محمد بن عبد الرّحيم بن محمد الأرمويّ، أبو عبد الله، صفي الدين

- ‌34- علي بن إسماعيل بن يوسف الإمام العلامة القدوة العارف ذو الفنون الشيخ علاء الدين قاضي القضاة شيخ الشيوخ أبو الحسن القونوي التبريزي

- ‌35- القاضي جلال الدّين القزوينيّ، أبو المعالي محمد ابن القاضي سعد الدّين أبي القاسم عبد الرّحمن بن عمر بن أحمد الشّافعيّ الدّلفيّ

- ‌37- الشّيخ شمس الدّين الأصفهانيّ، وهو: محمود بن أبي القاسم بن أحمد، أبو الثّناء

- ‌ومن فلاسفة المغاربة، وحكمائها، ومتكلميها ممن كان بالأندلس:

- ‌38- يحيى بن يحيى، أبو بكر، المعروف بابن السّمينة

- ‌41- أبو الحكم الكرمانيّ: عمرو بن عبد الرّحمن بن أحمد بن عليّ

- ‌42- ابن واقد [الوزير، أبو المطرّف عبد الرّحمن بن محمّد بن عبد الكبير بن يحيى ابن واقد بن مهنّد اللّخميّ]

- ‌43- محمد بن يوسف المنجّم

- ‌45- المبشّر بن فاتك: وهو: الأمير محمود الدّولة أبو الوفاء الآمريّ

- ‌48- محمد بن إبراهيم المتطبب صلاح الدين المعروف بابن البرهان الجرائحي

- ‌49- ابن الأكفاني: محمد بن إبراهيم بن ساعد الأنصاريّ، شمس الدّين أبو عبد الله السّنجاريّ المولد والأصل، المصري الدار

- ‌فأما أول من استخرج الطب فرجلان:

- ‌50- اسقليبيوس بن ريوس

- ‌51- أيلق

- ‌أطباء العرب ممن كانوا في أول ظهور الإسلام ومن بعدهم

- ‌52- الحارث بن كلدة الثّقفيّ

- ‌53- النّضر بن الحارث بن كلدة

- ‌54- عبد الملك بن أبجر الكنانيّ

- ‌55- ابن أثال

- ‌56- أبو الحكم

- ‌57- حكم الدّمشقيّ

- ‌58- عيسى بن حكم الدّمشقيّ المعروف بالمسيح

- ‌59- تياذوق

- ‌60- زينب طبيبة بني أود

- ‌أطبّاء السّريان الكائنين في ابتداء الدولة العباسية:

- ‌61- جورجيس بن جبريل [بن يختيشوع]

- ‌63- جبريل بن بختيشوع بن جورجيس

- ‌64- بختيشوع بن جبريل بن بختيشوع

- ‌65- جبيرائيل بن عبيد الله بن بختيشوع

- ‌66- خصيب النصراني

- ‌67- عيسى المعروف بأبي قريش

- ‌68- ابن اللجلاج

- ‌69- عبد الله الطيفوري

- ‌70- إسرائيل بن زكريا الطيفوري

- ‌71- يزيد بن [زيد] بن يوحنّا

- ‌72- عبدوس بن زيد

- ‌73- ماسرجويه «طبيب البصرة»

- ‌74- سلمويه بن بنان «متطبّب المعتصم»

- ‌75- إبراهيم بن فزارون

- ‌76- إبراهيم بن أيوب الأبرش

- ‌78- يوحنّا بن ماسويه

- ‌79- ميخائيل بن ماسويه

- ‌80- حنين بن إسحاق العبادي

- ‌81- إسحاق بن حنين بن إسحاق العبادي أبو يعقوب

- ‌82- يوحنا بن بختيشوع

- ‌83- ثابت بن قرة الحرّاني، أبو الحسن

- ‌84- سنان بن ثابت بن قرة

- ‌85- ثابت بن إبراهيم بن زهرون الحراني

- ‌86- ابن وصيف الصابئ

- ‌87- غالب «طبيب المعتضد»

- ‌88- صاعد بن بشر بن عبدوس أبو منصور

- ‌89- ديلم

- ‌90- فنّون المتطبّب

- ‌91- نظيف- القسّ الرّومي

- ‌92- ابن بطلان، أبو الحسن المختار بن عبدون بن سعدون ابن بطلان النصراني

- ‌93- أحمد بن أبي الأشعث

- ‌94- أبو سهل النيلي. وهو: سعيد بن عبد العزيز

- ‌95- ابن الواسطي «طبيب المستظهر»

- ‌96- أبو طاهر البرخشي، أحمد بن محمد بن العباس

- ‌97- أبو غالب ابن صفية

- ‌98- أمين الدولة ابن التلميذ

- ‌99- معتمد الملك أبو الفرج يحيى بن صاعد بن يحيى بن التلميذ

- ‌100- أوحد الزمان وهو أبو البركات هبة الله بن علي بن ملكا البلدي ثم البغدادي

- ‌101- أبو القاسم هبة الله بن الفضل البغدادي

- ‌102- فخر الدين المارديني

- ‌103- أبو نصر المسيحي

- ‌104- أبو الفرج ابن توما

- ‌طبقات الأطباء ببلاد العجم

- ‌105- تياذورس

- ‌106- ربن الطبري

- ‌107- علي بن سهل بن ربن الطبري أبو الحسين

- ‌108- أحمد بن محمد الطبري

- ‌109- أبو منصور: الحسن بن نوح القمريّ

- ‌110- أبو سهل عيسى بن يحيى المسيحي الجرجاني

- ‌111- السيد أبو عبد الله محمد بن [يوسف] الإيلاقي

- ‌112- أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني

- ‌113- أحمد بن عبد الرحمن بن مندويه الأصبهاني، أبو علي

- ‌114- أبو القاسم عبد الرحمن بن علي ابن أحمد بن أبي صادق النيسابوري

- ‌115- السّموأل بن يحيى بن عباس

- ‌116- الشريف شرف الدين إسماعيل

- ‌أطبّاء الهند

- ‌117- شاناق الهندي

- ‌118- منكه الهندي

- ‌119- صالح بن بهلة الهندي

- ‌أطبّاء الشّام

- ‌120- أبو الفرج جرجس بن توما بن سهل بن إبراهيم اليبرودي

- ‌121- ظافر بن جابر السكري أبو حكيم

- ‌122- أبو الحكم عبيد الله بن المظفر بن عبد الله الباهلي

- ‌123- ابنه: أبو المجد [محمد] بن أبي الحكم؛ أفضل الدولة

- ‌124- ابن البذوخ: أبو جعفر بن موسى بن علي القلعي

- ‌125- حكيم الزمان أبو الفضل عبد المنعم بن عمر بن عبد الله بن حسان الغساني الجلياني

- ‌126- المهذّب ابن النقاش

- ‌127- سكرة اليهودي الحلبي

- ‌129- ابن اللبّودي: يحيى بن محمد بن عبدان بن عبد الواحد

- ‌130- الرضي الرحبي، يوسف بن حيدرة بن الحسن أبو الحجاج

- ‌131- الشرف علي شرف الدين أبو الحسن

- ‌132- عمران [بن صدقة] الإسرائيلي

- ‌133-[موفق الدين] يعقوب بن صقلاب النصراني

- ‌134- رشيد الدين الصوري أبو المنصور ابن أبي الفضل بن علي

- ‌136- صدقة بن منجا بن صدقة السامري

- ‌137- المهذب يوسف بن أبي سعيد بن خلف السامري

- ‌138- أمين الدولة أبو الحسن بن غزال بن أبي سعيد السامري

- ‌139- المهذّب الدّخوار: أبو محمد عبد الرحيم بن علي بن حامد

- ‌140- الرشيد علي بن حليقة بن يونس بن أبي القاسم بن خليقة الأنصاري الخزرجي

- ‌141- ابن قاضي بعلبك: المظفر بن عبد الرحمن بن إبراهيم

- ‌142- العماد الدّنيسري: محمد بن العباس بن أحمد بن عبيد الربعي أبو عبد الله

- ‌143- العز السويدي: إبراهيم بن محمد الأنصاري الأوسي، عز الدين أبو إسحاق

- ‌144- موفق الدين يعقوب السامري أبو يوسف يعقوب بن غنائم

- ‌145- أبو الفرج يعقوب بن إسحاق بن القف النصراني

- ‌146- المهذب يوسف كاتب الزردكاش

- ‌147- النفيس أبو الفرج ابن إسحاق بن أبي الخير السامري

- ‌148- الأمين سليمان الحكيم وهو سليمان بن داود

- ‌149- أحمد بن شهاب الدين أبو محمد الكحال الجرائحي

- ‌150- الفتح السامري: هو ابن يوسف بن إسحاق بن مسلم

- ‌151- غنائم السامري، وهو ابن المهذب يوسف كاتب الزردكاش

- ‌فأما أطباء الغرب بما وقع في جانبه من مصر والاسكندرية

- ‌152- إسحاق بن عمران

- ‌153- إسحاق بن سليمان الإسرائيلي أبو يعقوب

- ‌154- أحمد بن إبراهيم بن أبي خالد المعروف: بابن الجزار القيرواني أبو جعفر

- ‌155- حمدون أثا

- ‌156- يحيى بن إسحاق

- ‌157- أبو داود بن جلجل: وهو سليمان بن حسان المعروف بابن جلجل الحكيم

- ‌159- الغافقي: وهو أبو جعفر أحمد بن محمد بن سند

- ‌161- أبو محمد المصري

- ‌162- أبو الصلت أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت الداني

- ‌163- أبو مروان عبد الملك بن محمد بن مروان بن زهر الإيادي الإشبيلي

- ‌164- أبو العلاء زهر بن عبد الملك

- ‌165- ابنه أبو مروان ابن أبي العلاء، واسمه عبد الملك

- ‌166- أبو محمد ابن الحفيد أبي بكر بن زهر

- ‌167- أبو جعفر ابن الغزال

- ‌168- أبو العباس ابن الرومية، وهو أحمد بن محمد بن مفرّج النباتي

- ‌169- ابن الأصم

- ‌أما أطباء مصر:

- ‌170- بليطيان

- ‌171- سعيد بن توفيل

- ‌172- سعيد بن البطريق

- ‌173- التميمي: وهو أبو عبد الله محمد بن سعيد التميمي

- ‌174- ابن الهيثم: وهو أبو علي محمد بن الحسن بن الهيثم البصري ثم المصري

- ‌175- علي بن رضوان

- ‌176- افرائيم [بن الزفّان] الإسرائيلي

- ‌177- سلامة بن رحمون أبو الخير

- ‌178- بلمظفر ابن معرف: وهو نصر بن محمود بن المعرّف

- ‌179- أبو عمر وعثمان بن هبة الله بن أحمد بن عقيل القيسي جمال الدين

- ‌180- ابنه الفتح [فتح الدين بن جمال الدين بن أبي الحفائر]

- ‌181- ابنه المهذب [شهاب الدين ابن فتح الدين]

- ‌182- الخونجي: محمد بن ناماور أفضل الدين أبو عبد الله

- ‌183- أبو سليمان داود بن أبي المنى ابن فانة

- ‌184- ابنه: الموفق أبو شاكر موفق الدين

- ‌185- الرشيد أبو حليقة: وهو أبو الوحش ابن الفارس ابن أبي الخير بن أبي سليمان داود ابن أبي المنى ابن فانة

- ‌186- ابنه المهذب: أبو سعيد محمد بن أبي حليقة

- ‌187- أبو سعيد بن موفق الدين يعقوب

- ‌188- ابن البيطار: عبد الله بن أحمد المالقي النباتي، ضياء الدين أبو محمد

- ‌189- علي بن أبي الحزم: علاء الدين ابن النفيس القرشي الدمشقي

- ‌190- أحمد المغربي

- ‌191- السديد الدمياطي

- ‌192- فرج الله بن صغير

- ‌193- محمد بن صغير، ناصر الدين

- ‌مصادر التحقيق

- ‌الفهرست

الفصل: ‌18- الشيخ الرئيس أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسين بن علي بن سينا

وقوله «1» : [المتقارب]

عجبت لقولنج هذا الوزي

رأنى ومن أين قد جاءه؟

وفي كل يوم له حقنة

تنظف بالزيت أمعاءه

ومنهم:

‌18- الشيخ الرئيس أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسين بن علي بن سينا

«13»

رجل الدنيا وواحدها، وعديم النظراء وواجدها، ولّد المعاني وولدها، وعقم

ص: 69

القرائح ووأدها، لا يجيء أرسطو منه سينه، ولا أفلاطون في جبلته طينه، لو أنه في زمن اليونان لجلس في صدر الرواق، ولا ستقلت طرائف المشائين حوله المشي على الأحداق، لعلم جمع بين علوم الإسلام واليونان، ووقع على ما يلقط مثله من الأفنان، ولم يقنع إلا بكل عباب، ولا رضي من جنات التصانيف حتى دعي إليها من كل باب، لو قرن به الفارابي لفر، أو الكندي لما كدّ نفسه ولا كر، بل لو تقدم في عصور الأوائل لتكلم وسكت كل قائل، وأقرّ كل طائر الصيت بأنه ما هو عنده طائل.

علم أعلام، ومملي كلام، ومالئ طروس «1» وأقلام. شعلة ذكاء، لم يبق شرق ولا غرب حتى أضاء فيه شعاعها، وامتدّ إليه شراعها، وأشرقت عليه شمسها، وانبسطت به شمسها، وغلب عليه صيتها، وغلّ به عفريتها، ومشت فيها الحكماء على قانونه «2» ، ورأت الشفاء بمضمونه، وعرفت الحكماء بإشاراته،

ص: 70

وسلكت مثل النحل سبلها ذللا بعباراته، وعلمت أنه فيلسوف الإسلام، والمسلّم إليه في كل علم بسلام، والمقدم في سائر الطبقات، والمعظّم على الأوقات، والمحرّم من العلم المحرم إليه في الميقات.

كان ندرة في العالم، وزهرة في بني آدم، والمفاض عليه من العلوم ما تزجر بحاره، ولا يزخر إلا لج فوائد فرائده، وصدره محاره، منبع العلم، وموضع الحلم، ومرتع الفضائل، ومربع الكرم، ووسمي «1» الربيع متضائل، أعجوبة الزمان وغريبة آل سامان «2» .

فخرت دولة ما وراء النهر منه بوزير شرف دستها «3» ، وصرف بجمعه لجهات

ص: 71

الممالك شتها، وتقلد أمورها، وقلد المنة بولايته أميرها، وتزيّا بزيّ أرباب الدول، وأصبح في أصحاب الخول «1» ، واقتنى الغلمان الأتراك، ووقع بالحب في الأشراك، وكان غلمانه يلبسون الديباج المنسوج بالذهب، ويشدون مناطق الذهب المرصعة بالجواهر، ويزهر بهم جلوته، وتعمر خلوته، يبيت معهم الليالي في الحمام، ويبادر بتنعمه بهم صروف الحمام «2» ، حتى قال له ملكه: كيف تنهانا عن الإتيان في الحمام؟ فقال: لأن الملك يحب أن يعيش طويلا، وأنا أحب أن أعيش طيبا. وكان لا يملك صبرا عن غلمانه، ولا يشغل إلا بهم فراغ زمانه، حتى كانوا سبب حمامه، وجلب سمامه. وكان السبب في فعلتهم، ومرشدهم في هذا إلى ضلّتهم، أنهم سرقوا له مالا جليلا، ثم خافوه، وسئموا فعله الطويل بهم وعافوه، فشابوا له درياق «3» مثرود يطوس، كان يستعمله بسمّ أبى إلا أن يقتله، فتعلّل «4» به عامه حتى ساق الأجل إليه حمامه. وكانت الوزارة نقصا عيب به، وأطلقت الحكماء ألسنتها فيه بسببها، وقالوا: أذلّ العلم، ورضي من الفانية بالاستكثار!. فقال: لي أسوة بأرسطو في صحبة الاسكندر. وفيما قاله نظر، لأن أرسطو كان معلما للاسكندر ومشيرا، وابن سينا كان مكلّفا ووزيرا.

قال ابن أبي أصيبعة:" هو [إن كان] أشهر من أن يذكر، وفضائله أعظم من أن تسطر، ونحن نقتصر من وصفه على قدر ما ذكره عن نفسه. ووصفه أبو عبيد الجوزجاني «5» صاحبه من أحواله والذي ذكره هو قال: كان أبي رجلا من أهل

ص: 72

بلخ «1» ، وانتقل إلى بخارى «2» ، في أيام نوح بن منصور «3» ، واشتغل بالتصرف، وتولى العمل في أثناء أيامه بقرية يقال لها" خرميثن" من ضياع بخارى، وهي من أمهات القرى، وبقربها قرية يقال لها" أفشنة" وتزوج منها بوالدتي، وقطن بها، وسكن، وولدت منها بها، ثم أولدت أخي بها، ثم انتقلنا إلى بخارى، وأحضرت معلم القرآن والأدب، وأكملت العشرة من العمر، وقد أتيت على القرآن وعلى كثير من الأدب، حتى كان يقتضي مني العجب «4» .

وكان أبي ممن أجاب داعي المصريين، ويعدّ من الإسماعيلية، وقد سمع منهم

ص: 73

ذكر النفس والعقل على الوجه الذي يقولونه ويعرفونه هم، وكذلك أخي، وربما كانوا يذكرونه بينهم وأنا أسمع وأدرك ما يقولونه، ولا تقبله نفسي، وابتدؤوا يدعونني إليه ويجرون على ألسنتهم ذكر الفلسفة والهندسة، وحساب الهند، وأخذ يوجهني إلى رجل كان يبيع البقل ويقوم بحساب الهند حتى أتعلمه منه، ثم جاء إلى بخارى أبو عبد الله الناتليّ «1» وكان يدعى المتفلسف، وأنزله أبي إلى دارنا، رجاء تعليمي منه، وقبل قدومه كنت أشتغل بالفقه والتردد إلى إسماعيل الزاهد «2» ، وكنت من أجود السالكين، وقد ألفت طرق المطالبة «3» ، ووجوه الاعتراض على المجيب على الوجه الذي جرت عادة القوم به.

ثم ابتدأت بكتاب" إيساغوجي" على البابلي. ولما ذكر لي أن حد الجنس هو المقول على كثيرين مختلفين بالنوع في جواب ما هو، فأخذت في تحقيق هذا الحد بما لم يسمع بمثله، وتعجّب مني كل التعجب، وحذّر والدي من شغلي بغير العلم «4» .

وكان أي مسألة قالها لي أتصورها خيرا منه، حتى قرأت ظواهر المنطق عليه،

ص: 74

وأما دقائقه فلم يكن عنده منها خبر «1» .

ثم أخذت أقرأ الكتب على نفسي وأطالع الشروح حتى أحكمت علم المنطق، وكذلك كتاب" أقليدس"«2» ، فقرأت من أوله إلى خمسة أشكال أو ستة عليه، ثم توليت بنفسي حلّ بقية الكتاب بأسره.

ثم انتقلت إلى" المجسطي"»

ولما فرغت من مقدماته، وانتهيت إلى الأشكال الهندسية قال الناتلي: تولّ قراءتها وحلها بنفسك ثم اعرضها عليّ لأبين لك صوابه من خطئه، وما كان الرجل يقوم بالكتاب، فأخذت أحل ذلك الكتاب فكم من شكل ما عرفه إلا وقت ما عرضته عليه، وفهّمته إياه «4» .

ثم فارقني الناتلي متوجها إلى كركانج، واشتغلت أنا بتحصيل الكتب في الفصوص والشروح، من الطبيعي والإلهي، وصارت أبواب العلم تنفتح عليّ.

ثم رغبت في علم الطب وصرت أقرأ الكتب الصعبة فيه، وعلم الطب ليس من العلوم الصعبة، فلا جرم أني برّزت فيه في أقل مدة، حتى بدأ فضلاء الطب يقرءون عليّ علم الطب. وتعاهدت المرضى فانفتح عليّ من أبواب المعالجات

ص: 75

المقتبسة من التجربة ما لا يوصف «1» ، وأنا مع ذلك أختلف إلى الفقه، وأناظر فيه، وأنا في هذا الوقت من أبناء ست عشرة سنة، ثم توفرت على العلم والقراءات سنة ونصف، فأعدت قراءة المنطق، وسائر أجزاء الفلسفة، وفي هذه المدة ما نمت ليلة واحدة بطولها، ولا اشتغلت في النهار بغيره، وجمعت بين يدي ظهورا فكل حجة أنظر فيها أثبت مقدمات قياسية «2» ، ورتبتها في تلك الظهور، ثم نظرت فيما عساها تنتج، وراعيت شروط مقدماته حتى تحقق لي حقيقة الحق في تلك المسألة، وكلما كنت أتحير في مسألة ولم أكن أظفر بالحد الأوسط في قياس ترددت إلى الجامع، وصليت، وابتهلت إلى مبدع الكل، حتى فتح لي المنغلق، وتيسر المتعسر «3» .

وكنت أرجع بالليل إلى داري، وأضع السراج بين يدي، وأشتغل بالقراءة والدرس، والكتابة، فمهما غلبني النوم، أو شعرت بضعف، عدلت إلى شرب قدح من الشراب، ريثما تعود إليّ قوّتي، ثم أرجع إلى القراءة، ومهما أخذني أدنى نوم، أحلم بتلك المسائل [بأعيانها] اتضح لي وجوهها في المنام «4» .

وكذلك حتى استحكم معي جميع العلوم، ووقفت عليها بحسب الإمكان الإنساني. وكل ما علمته في ذلك الوقت فهو كما علمته الآن ولم أزدد فيه إلى اليوم، حتى أحكمت علم المنطق والطبيعي، والرياضي، ثم عدلت إلى الإلهي، وقرأت كتاب" ما بعد الطبيعة" فما كنت أفهم ما فيه، والتبس عليّ غرض

ص: 76

واضعه، حتى أعدت قراءته أربعين مرة «1» ، وصار لي محفوظا. وأنا مع ذلك لا أفهم المقصود به، وأيست من نفسي، وقلت: هذا كتاب لا سبيل إلى فهمه.

وإذا أنا في يوم من الأيام حضرت وقت العصر في الورّاقين وبيد دلّال مجلّد ينادي عليه، فعرضه عليّ، فرددته [ردّ] متبرّم!، معتقد أن لا فائدة في هذا العلم. فقال لي: اشتر مني هذا فإنه رخيص! أبيعكه بثلاثة دراهم!، وصاحبه محتاج إلى ثمنه «2» .

فاشتريته؛ وإذا هو كتاب لأبي نصر الفارابي في:" أغراض كتاب ما بعد الطبيعة"!. فرجعت إلى بيتي، فأسرعت قراءته، فانفتح علي في الوقت أغراض ذلك الكتاب بسبب أنه كان لي محفوظا على ظهر القلب. وفرحت بذلك، وتصدقت في ثاني يوم بشيء كثير على الفقراء، شكر الله عز وجل.

وكان سلطان بخارى في ذلك الوقت نوح بن منصور، واتفق له مرض [أتلج]«3» الأطباء فيه، وكان اسمي اشتهر بينهم بالتوفر على العلم والقراءة، فأجروا ذكري بين يديه، وسألوه إحضاري، فحضرت وشاركتهم في مداواته، وتوسمت بخدمته، فسألته يوما الإذن لي في دخول دار كتبهم، ومطالعتها، وقراءة ما فيها من كتب الطب. فأذن لي؛ فدخلت دارا ذات بيوت كثيرة «4» ، في كل بيت صناديق من الكتب منضّدة بعضها على بعض، في بيت منها كتب العربية والشعر، وفي آخر الفقه، وكذلك في كل بيت كتب علم مفرد.

ص: 77

وطالعت فهرست «1» كتب الأوائل، وطلبت ما احتجت إليه منها، ورأيت من الكتب ما لم يقع اسمه إلى كثير من الناس قط. وما كنت رأيته من قبل، ولا رأيته أيضا من بعد. فقرأت تلك الكتب، وظفرت بفوائدها، وعرفت مرتبة كل رجل في علمه «2» .

فلما بلغت ثماني عشرة سنة من عمري فرغت من هذه العلوم كلها، وكنت إذ ذاك للعلم أحفظ، ولكنه اليوم معي أنضج، وإلا فالعلم واحد لم يتجدّد لي بعده شيء! «3» .

وكان في جواري رجل يقال له: أبو الحسن العروضي «4» ، فسألني أن أصنف له كتابا جامعا في هذا العلم، فصنّفت له: المجموع، وسميته به، وأتيت فيه على سائر العلوم، سوى الرياضي، ولي إذ ذاك إحدى وعشرون سنة من عمري!.

ص: 78

وكان في جواري أيضا رجل يقال له: أبو بكر البرقي «1» الخوارزمي «2» ، فقيه النفس، متوجه في الفقه والتفسير، والزهد، مائل إلى هذه العلوم، فسألني شرح الكتب [له]، فصنفت له كتاب:" الحاصل والمحصول" في قريب من عشرين مجلدا، وصنفت له في الأخلاق كتابا سميته:" كتاب البر والإثم" وهذان الكتابان لا يوجدان إلا عنده، ولم يعر أحدا أن ينسخ منه «3» .

ثم مات والدي، وتصرّفت بي الأحوال، وتقلدت شيئا من أعمال السلطان، ودعتني الضرورة إلى الإحلال ببخارى «4» ، والانتقال إلى" كركانج"«5» ، وكان أبو الحسن السهلي، المحب لهذه العلوم بها وزيرا. وقدمت على الأمير بها وهو علي بن المأمون، وكنت على زي الفقهاء، إذ ذاك بطيلسان «6» تحت الحنك، وأثبتوا

ص: 79

لي مشاهرة «1» دارّة تقوم بكفاية مثلي.

ثم دعت الضرورة إلى الانتقال إلى" نسا"«2» ومنها إلى" باورد"«3» ، ومنها إلى" طوس"«4» ، ومنها إلى" سمنيقان" ومنها إلى" جاجرم"«5» ، رأس حد خراسان، ومنها إلى جرجان، وكان قصدي الأمير قابوس. فاتفق في أثناء هذا أخذ قابوس وحبسه في بعض القلاع، وموته هناك.

ثم مضيت إلى" دهستان"«6» ، ومرضت به مرضا صعبا، وعدت إلى جرجان، فاتصل [بي] أبو عبيد الجوزجاني «7» .

ص: 80

وأنشدت في حالي قصيدة فيها بيت القائل: [الكامل]

لمّا عظمت فليس مصرّ واسعي

لمّا غلا ثمني عدمت المشتري

قال أبو عبيد «1» الجوزجاني: فهذا ما حكاه لي الشيخ من لفظه «2»

ومن هاهنا شاهدت أنا من أحواله كان بجرجان رجل يقال له: أبو محمد الشيرازي، يحب هذا العلم، وقد اشترى للشيخ دارا في جواره، أنزله بها، وأنا أختلف إليه في كل يوم، أقرأ" المجسطي" واستملي المنطق.

وصنف لأبي محمد الشيرازي كتاب:" المبدأ والمعاد"، وكتاب" الأرصاد الكلية".

وصنف هناك كتبا كثيرة: كأول القانون، و" مختصر المجسطي"، وكثيرا من الرسائل. ثم صنف في أرض الجبل بقية كتبه «3» .

كتاب:" المجموع" مجلد،" الحاصل والمحصول" عشرون مجلدا،" الإنصاف" عشرون مجلدا،" البر والإثم" مجلدان،" الشفاء" ثمانية عشر مجلدا،"

ص: 81