الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنهم:
134- رشيد الدين الصوري أبو المنصور ابن أبي الفضل بن علي
«13»
رجل تهادته الملوك، وهادنته الأيام لحسن السلوك، وكان الحظّ معه حيثما خيم، والسعد قرينه أينما يمّم، وهو من بيت تعد معه رجال، وتمتع الدهر بهم إلى آجال، وطالما زهت بهم الأيام الخوالي، وحسنت بهم الليالي الحوالي، وكان هو آخرهم، الذي كان لمسكهم ختاما، وضرب لهم حول قباب الجوزاء خياما.
قال ابن أبي أصيبعة:" اشتمل على جملة من الصناعة الطبية، واطلع على محاسنها الجلية والخفية، وكان فريدا في الأدوية المفردة وماهياتها، واختلاف أسمائها وصفاتها، وتحقيق خواصّها وتأثيراتها. اشتغل على عبد اللطيف البغدادي بالقدس سنتين، وصحب الجياني، وكان عارفا بالأدوية المفردة، فانتفع به، واشتغل بها مع ما هو عليه من المروءة التي لا مزيد عليها، والعصبية التي لم يسبق إليها، والمعرفة المذكورة، والشجاعة المشهورة. وخدم بالطب: العادل «1» ، ثم صار إلى المعظّم «2» ، وحضر معه دمياط. ثم صار إلى الناصر داود، فلما توجه إلى الكرك أقام الرشيد بدمشق، وكان يشتغل بها.
ولأبي نصر المهذب الحلبي «3» فيه مديح، منه:[الطويل]
سرى طيفها والكاشحون «1» هجود «2»
…
فبات قريبا والمزار بعيد
وتالله ما عاد الخيال وإنما
…
تخيله الأفكار لي فيعود
فيا لائمي كف الملام ولا تزد
…
فما فوق وجدي والغرام مزيد
ألا في سبيل الحب من مات صبوة
…
ومن قتلته الغيد فهو شهيد
ولم تر عيني مثل أسماء حلة
…
تضنّ بوصلي والخيال يجود
وبتّ وجنح الليل مرخ سدوله
…
أضمّ غصون البان وهي تذود
إلى أن تبدّى الصبح غير مذمّم
…
وزال ظلام الليل وهو خميد
وكيف أذم الصبح أو لا أودّه
…
وإن ريع مودود به وودود
وكل صباح فيه للعين حظوة
…
بوجه رشيد الدين وهو سعيد
فقل لبني الصوري قد سدتم الورى
…
وما الناس إلا سيد ومسود
وما حزتم إرث العلى عن كلالة
…
كذلك آباء لكم وجدود
ومن بأبي المنصور أصبح لائذا
…
فقد قاربته بالنجاح سعود
فيا كعبة الآمال يا ديمة الندى
…
ويا من به روض الرجاء مجود
ومن عنده يوم السماحة حاتم
…
كما عند مدحي في علاه عبيد
أياديك عندي لا أقوم بشكرها
…
فما فوق ما أولت يداك مزيد
ولد سنة: ثلاث وتسعين وخمسمائة بصور، ونشأ بها، وتوفي بدمشق يوم الأحد غرة رجب سنة تسع وثلاثين وستمائة «3» .
ومنهم:
135-
سديد الدين بن رقيقة «1» ، أبو الثناء، محمود بن عمر بن محمد بن إبراهيم، ابن شجاع الحانوي، الشيباني «13»
طبيب كان كالنسيم في لطف العلاج، والصباح الوسيم عند الانبلاج، وكان لا يبارى في خفة يد، ولعب أنامل في جد، مهما تقدم له مما تقدم به في ذوي الحظوظ، فما قاوى جدول تياره، ولا طاولت الحباحب «2» ناره، وكان يستحق هذا من أيامه الذاهبة، وفي زمانه وعطايا إنعامه الواهبة.
ذكره ابن أبي أصيبعة فقال:" ذو النفس الفاضلة، والمروءة الكاملة، جمع من الطب ما فاق به أقوال المتقدمين، وتميز على جميع نظرائه من الحكماء والمتطبّبين، هذا مع الفطرة الفائقة، والألفاظ الرائقة، والنظم البليغ، والترسل البديع.
ولازم ابن عبد السلام المارديني «3» ، وأخذ عنه الطب والحكمة، وكانت لابن
رقيقة يد طولى في الكحل والجراح، وعمل الحديد، وداوى أمراض العين، وقدح الماء النازل، وأنجب عمله، وكان المقدح الذي له مجوّفا، وله عطفة ليتمكن وقت القدح من امتصاص الماء، ويكون العلاج به أبلغ.
واشتغل بعلم النجوم، ونظر في حيل بني موسى، وعمل فيها أشياء مستظرفة.
ولد الحانوي «1» سنة أربع وستين وخمس مائة، وعالج صاحبها الأرتقي «2» من مرض في عينيه، فرأى سريعا، وكان إذ ذاك دون العشرين، فاستخدمه عنده. ثم خدم المنصور صاحب" حماه" مدة، ثم سافر إلى" خلاط"«3» ، وكان صاحبها الأوحد أيوب ابن العادل «4» ، فخدمه، وخدم صهره صلاح الدين ابن باغيسان «5» ، وكان زوج ابنة الأوحد، وكانت بنت الأوحد محسنة إليه، ثم خدم بعده الأشرف ملكشاه أرمن، ثم أتى إليه إلى دمشق، فأكرمه، واستخدمه لحرم، وفي البيمارستان، ولم يزل بها إلى أن توفي سنة خمس وثلاثين وست مائة.
وله شعر منه: [الكامل]
يا ملبسي بالنطق ثوب كرامة
…
ومكمّلي ودا به ومقوّمي
خذني إذا أجلي تناهى وانقضى
…
عمري على خطّ إليك مقوم
فقد اجتويت ثواي ثم ومن يكن
…
دار الغرور له محلا يسأم
دار يغادر بؤسها وشقاءها
…
من حلّها وكأنه لم ينعم
لا ترتضي الدنيا الدنية موطنا
…
تعلى على رتب السواري الأنجم
فتشاهدي ما ليس تدرك كنهه
…
بالفكر أو يتوهم المتوهم
وتجاوري الأبرار في مستوطن
…
لا داثر البقيا ولا متهدم
يا أيها المغرور شبت ولم تعد
…
عما لهجت به ولم تتندّم
لا تحسبنّ الشيب فيك لعلّة
…
عرضت ولا لتلزج في البلغم
لكن شبابك كان شيطانا ومن
…
يك ماردا بالشهب حقا يرجم
والشيب إشراق الحجا وضياؤه
…
فأهن هواك وإن شيبك يكرم
يا جابر العظم الكسير وغافر
…
الجرم الكبير لكل عبد مجرم
ما لي إليك وسيلة وذريعة
…
أنجو بها إلا اعتقاد المسلم
وقوله: [الخفيف]
لا تكن ناظرا إلى قائل القو
…
ل بل انظر إليه ماذا يقول
وخذ القول حين تلقيه معقو
…
لا ولو قاله غبي جهول
فنباح الكلاب مع خسة فيها
…
على منزل الكريم دليل
وكذاك النضار معدنه الأر
…
ض ولكنه الخطير الجليل