الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنهم:
119- صالح بن بهلة الهندي
«13»
طبيب بيّن الانحراف والاعتدال، والصحة والاعتلال، حدس ما حدث، وبرّ وما حنث، اطّلع على كل سبب من الأسباب، وجمع بين طرفي الإيجاز والإسهاب، ورتّب لكلّ ذي سنّ ما يليق به من المداواة وما لا يطيق معرفته سواه، وشفع هذا بفضائل أخرى جتال بها فخرا، فحوى محاسن لا تعدّ كثره، ولا يزول لها أثره، وطالما حكيت عن طبّه عجائب ومحاسن ما فيها قول لعائب.
قال ابن أبي أصيبعة:" كان من علماء الهند، خبيرا بالمعالجات التي لهم، وله قوة وإنذارات في تقدم المعرفة، وكان بالعراق على عهد الرشيد.
قال يوسف الحاسب المعروف بابن الداية «1» ، عن مولى سلام الأبرش: أن مولاه حدّثه أن الموائد قدمت بين يدي الرشيد يوما، وابن بختيشوع غائب، فطلبه في كل مكان فلم يجده، فطفق يلعنه، وإذا به قد دخل والرشيد يلعنه، فقال: لو اشتغل أمير المؤمنين بالبكاء على ابن عمه إبراهيم بن صالح كان أشبه به من تناولي «2» .
فقال له: وما خبره؟. فأعلمه أنه خلفه ومعه رمق ينقضي آخره وقت صلاة العتمة» .
فاشتدّ جزع الرشيد عليه، وأمر برفع الموائد. فقال جعفر بن يحيى: إن طبّ بختيشوع رومي، وطب ابن بهلة هندي؛ فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر بإحضاره ليعرف ما عنده؟. فأمر بمصيره إليه، فجسّ عرقه، ثم قال: لا أخبر الخبر إلا أمير المؤمنين. فأخبر الرشيد، فأدخل عليه ابن بهلة، فلما مثل بين يديه قال: يا أمير المؤمنين! أنت الإمام وعاقد ألوية القضاء للحكام، ومهما حكمت به لم يجز لحاكم فسخه، ولا لمعقّب بعدك نسخه، وأنا أشهدك عليّ، وأشهد من حضرك أن إبراهيم بن صالح إن مات في هذه الليلة بل في هذه العلّة يكون كل مملوك لصالح بن بهلة حرّا لوجه الله، وكل دابّة له تكون حبسا «1» في سبيل الله، ويكون كل ما يملكه صدقة على الفقراء، وتكون كل امرأة له طالقا ثلاثا بتاتا.
فقال الرشيد: حلفت ويلك! يا صالح على غيب.
فقال صالح: كلا يا أمير المؤمنين!. إنما الغيب ما لا علم لأحد به، ولا دليل عليه، ولم أقل ما قلت إلا بدليل واضح، وعلامات بينة.
قال: فسرّ الرشيد بقوله، وأحضر الطعام، فأكل وشرب، فلما كان وقت صلاة العتمة أتى الخبر بوفاة إبراهيم بن صالح!؛ فاستقبل الرشيد ورجع يلعن ابن بهلة وطب الهند، ثم بكّر إلى دار إبراهيم فأتى ابن بهلة فوقف بين يديه، فلم يناطقه إلى أن سطعت روائح المجامر وقد غسل إبراهيم وكفّن، فصاح به ابن بهلة عند ذلك: يا أمير المؤمنين! الله الله أن تحكم عليّ بطلاق زوجتي وخروجي من نعمتي، وتدفن ابن عمك حيا، فو الله ما مات!. فأطلق له الدخول عليه، والنظر إليه، ثم خرج وهو يكبّر، ثم قال: قم يا أمير المؤمنين حتى أريك عجبا.
فقام معه، ثم أخرج ابن بهلة إبرة كانت معه، فأدخلها بين ظفر إبهام يد
إبراهيم اليسرى ولحمه، فجذب إبراهيم يده!، فقال ابن بهلة: يا أمير المؤمنين! هل يحسّ الميت بالوجع؟. فقال له: لا. فقال ابن بهلة: لو شئت أن أعده يكلم أمير المؤمنين الساعة لفعلت، ولكن أخاف إن عالجته وأفاق وهو في كفن فيه رائحة الحنوط أن ينصدع قلبه فيموت موتا حقيقيا، ولكن يأمر أمير المؤمنين بتجريده من الكفن، وردّه إلى المغتسل، وإعادة الغسل عليه حتى تزول رائحة الحنوط عنه، ثم يلبس مثل ثيابه التي كانت عليه، ويحوّل إلى فراش من فرشه التي كان يجلس عليها حت أعالجه، فيكلّمه من ساعته.
فأمر بذلك، ففعل، ثم دعا ابن بهلة بكندس «1» ومنفحة، ونفخ الكندس في أنفه، فمكث قدر سدس ساعة ثم اضطرب جسده وعطس، وجلس قدّام الرشيد، وقبّل يده، فسأله الرشيد عن حاله؟ فذكر أنه كان نائما نوما لا يذكر أنه نام مثله قط طيبا، إلا أنه رأى في منامه كلبا عضّ إبهام يده اليسرى عضّة يجد وجعها، وأراه إبهامه الذي أدخل فيه الإبرة، وعاش بعد ذلك دهرا طويلا، ثم تزوّج بالعباسة بنت المهدي، وولي مصر وفلسطين، وتوفي بمصر وقبر بها.