الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنهم:
31- النّصير الطّوسيّ: محمد بن محمد بن الحسن، نصير الدّين، أبو عبد الله، الطّوسيّ الفيلسوف
«13»
رجل ما عرف أياما، ولا تبرقع بالحياء لثاما، أقدم على خالقه، وحصل من السعي على خافقه، وتجاهر بالفسوق، وتظاهر بالتبضّع من السوق، ولم يخف عاقبة التهور، ولا التدلي على الشريعة والتسوّر، فلم يزل في قبح أحدوثة، وطريق سبيل عهود منكوثة، على توسّعه في العلم، ومعرفته بما به يستهم، فقد كان ذا فضائل غزيرة، وفواضل غريرة، واستيلاء على عقول السلاطين، واستخفاء في كيد ولا تبلغه الشياطين، مع كرم عميم، وكرّ على مال لا يبقي معه عديم،
وتظاهر بفراغ، وطلب فصل رام مثله وراغ، ولكن الله إذا أراد لامرء أمرا يسّره لفعله وقدّره على فعله، ليمضي سابق إرادته، ويقضي بشقاء العبد أو سعادته، ولهذا لجّ في عمهه، ولم يبصر، ودام على غيّه ولم يقصر، فما أقبل على اعتذار، ولا أسمعه المشيب الإنذار.
كان رأسا في علم الأوائل، لا سيما في الأرصاد، والمجسطي، فإنه فاق الكبار.
قرأ على المعين سالم بن بدران المصري المعتزلي الرافضي، وغيره. وكان ذا حرمة وافرة، ومنزلة عالية عند هولاكو، وكان يطيعه فيما يشير به عليه، والأموال في تصريفه، فابتنى في مدينة مراغة «1» قبة، ورصدا عظيما. واتخذ في ذلك خزانة عظيمة فسيحة الأرجاء، وملأها من الكتب التي نهبت من بغداد والشام والجزيرة حتى تجمّع فيها زيادة على أربعمائة ألف مجلد!!. وقرر بالرصد المنجمين والفلاسفة، والفضلاء، وجعل لهم الجامكية «2» .
وكان سمحا كريما، جوادا حليما، حسن العشرة، غزير الفضائل، جليل القدر، داهية.
حكى لي شيخنا الأصفهاني أنه أراد العمل للرصد، فرأى هولاكو كثرة ما ينصرف عليه، فقال: هذا العلم المتعلق بالنجوم ما فائدته؟ أيدفع ما قدّر أن يكون؟.
فقال: أنا أضرب لمنفعته مثالا: [يأمر]«3» القان «4» يأمر من يطلع إلى أعلى
هذا المكان، ويدع يرمي من أعلاه طست نحاس كبيرا، من غير أن يعلم به أحد، ففعل ذلك.
فلما وقع كانت له وقعة عظيمة هائلة روّعت [كلّ] من هناك، وكاد بعضهم يصعق. وأما هو وهولاكو فإنهما ما تغير عليهما شيء، لعلمهما بأن ذلك واقع.
فقال له: هذا العلم النجومي له هذه الفائدة. يعلم المتحدّث فيه ما يحدث، فلا يحصل له من الروعة والاكتراث ما يحصل للذاهل الغافل عنه. فقال [له] لا بأس بهذا، وأمره بالشروع فيه، أو كما قيل «1» .
ومن دهائه: ما حكى لي شيخنا الأصفهاني أيضا قال: إنه حصل له «2» غضب على الجويني «3» صاحب الديوان، وأظنه قال: علاء الدين. فأمر بقتله فجاء أخوه إليه، وذكر له ذلك، وطلب منه إبطال ذلك. فقال: هذا القان، وهؤلاء القوم إذا أمروا بأمر ما يمكن رده، خصوصا إذا برز إلى الخارج، فقال [له] لا بدّ من الحيلة في ذلك.
فتوجّه إلى هولاكو، وبيده عكاز، وسبحة، واصطرلاب، وخلفه من يحمل مبخرة، والبخور يضرم. فرآه خاصة هولاكو الذين على باب المخيم، فلما وصل أخذ يزيد في البخور، ويرفع الاصطرلاب، ينظر فيه ويضعه، ويسأل عن هولاكو ويقول: هو سالم هو سالم. يكرر ذلك ويقولون: نعم. فيحمد الله ويسجد؛ فلما رأوه يفعل ذلك دخلوا إلى هولاكو، وأعلموه، وخرجوا إليه. فقالوا: ما الذي أوجب هذا؟. فقال: القان، أين هو؟. قالوا له: جوّا «1» .
قال: طيب معافى موجود في صحة؟. قالوا: نعم. فسجد شكرا لله تعالى، وقال لهم: هو طيب في نفسه؟. قالوا: نعم. وكرر هذا ومثله، وقال: أريد أرى وجهه بعيني، إلى أن دخلوا إليه وأعلموه بذلك. وكان [في] وقت لا يجتمع فيه [به] أحد، فأمر بإدخاله، فلما رآه سجد وأطال السجود فقال له: ما خبرك؟ قال:
اقتضى الطالع في هذا الوقت أن يكون على القان قطع عظيم إلى الغاية «2» ؛ فقمت وعملت هذا، وبخّرت هذا البخور، ودعوت بأدعية أعرفها، أسأل الله صرف ذلك عن القان. والطالع يقتضي أن يحقن القان دماء كثيرة، ويفرج عن نفوس كثيرة ليحقن دمه، ويفرج عنه، ويتعين الآن أن القان يكتب إلى [سائر] ممالكه، ويجهز الألجية في هذه الساعة إليها بإطلاق من في الحبوس «3» والاعتقال، والعفو عمن له جناية أو أمر بقتله. لعل الله أن يصرف هذا الحادث العظيم، ولو لم أر وجه القان ما صدّقت. فأمر هولاكو في ذلك الوقت بما قال، وأطلق صاحب الديوان في جملة الناس، ولم يذكره النصير الطوسي. وهذا غاية في الدهاء بلغ به مقصده ودفع عن الناس أذاهم، وعن بعض الناس إزهاق
أرواحهم.
قال أبو الصفاء: ومن حلمه ما وقفت على ورقة حضرت إليه من شخص من جملة ما يقول فيها: يا كلب!، يا ابن الكلب!!.
فكان الجواب: وأما قوله كذا وكذا، فليس بصحيح. لأن الكلب من ذوات الأربع، وهو نابح طويل الأظفار، وأنا فمنتصب القامة، بادي البشرة، عريض الأظفار، ناطق، ضاحك، فهذه الفصول والخواص غير تلك الفصول والخواص!.
وأطال في نقض كل ما قاله، هكذا برطوبة «1» وتأنّ غير منزعج، ولم يقل في الجواب كلمة قبيحة!.
ومن تصانيفه: كتاب" المتوسطات بين الهندسة والهيئة" وهو جيد إلى الغاية. و" مقدمة في الهيئة". وكتاب وضعه للنصيرية، وأنا أعتقد أنه ما يعتقده، لأن هذا فيلسوف وأولئك يعتقدون ألوهية علي. واختصر" المحصّل" للإمام فخر الدين، وهذّبه، وزاد فيه. وشرح" الإشارات" ورد فيه على الإمام فخر الدين في شرحه، وقال: هذا جرح وما هو شرح!. وقال فيه: إني حرّرته في عشرين سنة، وناقض فخر الدين كثيرا. ولقد ذكره قاضي القضاة جلال الدين القزويني «2» رحمه الله يوما وأنا حاضر وعظّمه- أعني الشرح-، فقلت:
يا مولانا! ما عمل شيئا لأنه أخذ شرح الإمام وكلام سيف الدين الآمدي «3» ، وجمع بينهما، وزاده يسيرا. فقال: ما أعرف للآمدي في الإشارات شيئا. قلت:
نعم. كتاب صنفه وسماه:" كشف التمويهات عن الإشارات والتنبيهات".
فقال: هذا ما رأيته.
ومن تصانيفه:" التجريد" في المنطق. و" أوصاف الأشراف"«1» ، و" قواعد العقائد"، و" التلخيص في علم الكلام". و" العروض" بالفارسية. و" شرح الثمرة" لبطليموس. و" كتاب مجسطي". و" جامع الحساب في التخت والتراب". و" الكرة والأسطوانة «2» ". و" المغطيات «3» " و" الظاهرات".
و" المناظر". و" الليل والنهار". و" الكرة المتحركة". و" الطلوع والغروب".
و" تسطيح الكرة". و" المطالع". و" تربيع الدائرة". و" المخروطات". و" الشكل المعروف بالقطائع". و" الجواهر". و" الأسطوانة". و" الفرائض على مذهب أهل البيت". و" تعديل المعيار في نقد «4» تنزيل الأفكار". و" بقاء النفس بعد بوار البدن". و" الجبر والمقابلة". و" إثبات العقل الفعّال". و" شرح مسألة العالم".
و" رسالة الإمامة" و" رسالة إلى النجم الدين الكاتبي «5» في إثبات واجب الوجود". و" حواشي على كليات القانون". و" رسالة ثلاثون فصلا في معرفة التقويم". وله شعر كثير بالفارسية.
وقال الشمس ابن المؤيد العرضي: أخذ النصير العلم عن الشيخ كمال الدين ابن يونس الموصلي «6» ، والمعين سالم بن بدران المصري، المعتزلي، وغيرهما.
قال: وكان منجما لأبغا «1» بعد أبيه، وكان يعمل الوزارة لهولاكو من غير أن يدخل يديه في الأموال، واحتوى على عقله حتى إنه لا يركب ولا يسافر إلا في وقت يأمره به. ودخل عليه مرة ومعه كتاب مصور في عمل الدرياق «2» الفاروق، فقرأه عليه وعظّمه عنده، وذكر منافعه. وقال: إنّ كمال منفعته أن تسحق مفرداته في هاون «3» ذهب، فأمر له بثلاثة آلاف دينار لعمل الهاون، وولاه هولاكو جميع الأوقاف في سائر بلاده، وكان له في كل بلد نائب يستغل الأوقاف، ويأخذ عشرها، ويحمله إليه ليصرفه في جامكيات المقيمين بالرصد، ولما يحتاج إليه من الأعمال بسبب الأرصاد، وكان للمسلمين به نفع خصوصا الشيعة والعلويين «4» ، والحكماء وغيرهم. وكان يبرّهم، ويقضي أشغالهم، ويحمي أوقافهم، وكان مع هذا كله فيه تواضع وحسن ملتقى «5» قال حسن بن أحمد الحكيم «6» : سافرت إلى مراغة، وتفرّجت في هذا الرصد، ومتوليه صدر
الدين علي بن خواجا نصير «1» ، وكان شابا فاضلا في التنجيم، والشعر بالفارسية، وصادفت الشمس ابن المؤيد العرضي، والشمس الشرواني، وكمال الدين الأيكي، وحسام الدين الشامي، فرأيت فيه من آلات الرصد شيئا كثيرا، منها: ذات الحلق، وهي خمس دوائر متخذة من نحاس: الأول دائرة نصف النهار، وهي مركوزة على الأرض، ودائرة معدّل النهار، ودائرة منطقة البروج، ودائرة العرض، ودائرة الميل، رأيت الدائرة الشمسية [التي] يعرف بها سمت الكواكب، [واصطرلابا يكون سعة قطره ذراعا، واصطرلابات كثيرة، وكتبا كثيرة]«2»
قال: وأخبرني شمس الدين ابن العرضي أن النصير أخذ من هولاكو بسبب عمارة هذا الرصد ما لا يحصيه إلا الله، وأقل ما كان يأخذ بعد فراغ الرصد لأجل الآلات وإفراغها وإصلاحها عشرون ألف دينار، خارجا عن الجوامك «3» للحكماء والقومة «4» .
وقال الخواجا نصير الدين في" الزيج الإيلخاني»
": إني جمعت لبناء الرصد جماعة من الحكماء، منهم المؤيد العرضي من دمشق، والفخر المراغي
الذي كان بالموصل، والفخر الخلاطي الذي كان بتفليس «1» ، والنجم دبيران القزويني، وابتدأنا ببنائه في سنة سبع وخمسين وستمائة، في جمادى الأولى بمراغة، والأرصاد التي بنيت قبلي وعليها كان الاعتماد دون غيرها هو رصد برجيس «2» ، وله مبنيّ ألف وأربعمائة سنة، وبعده رصد بطليموس، وله ألف ومائتا سنة، وخمس وثمانون سنة. وبعده في ملة الإسلام رصد المأمون ببغداد، وله: أربعمائة سنة، وثلاثون سنة. والرصد البناني في حدود الشام، والرصد الحاكمي بمصر، ورصد بني الأعلم، ببغداد. وأوفقها الرصد الحاكمي ورصد ابن الأعلم، ولهما مائتان وخمسون سنة.
وقال الأستاذون: إن أرصاد الكواكب السبعة لا يتم في أقل من ثلاثين سنة «3» ، لأن فيها يتم دور هذه السبعة. فقال هولاكو: اجتهد أن يتم رصد هذه السبعة في اثنتي عشرة سنة. فقلت له: أجهد في ذلك.
وكان النصير قد قدم من مراغة إلى بغداد ومعه جماعة كثيرة من تلامذته، وأصحابه. فأقام بها مدة أشهر ومات، وخلف من أولاده: صدر الدين علي،