الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنهم:
25- الرّفيع الجيليّ: أبو حامد، عبد العزيز بن عبد الواحد ابن إسماعيل بن عبد الهادي
«13»
شجرة توقّدت نارا، وأوقدت شنارا، فحنظلت ثمراتها، وأبرت سمراتها، طلعها كأنه رؤوس الشياطين، وينعها كأنه تلف لنفوس السلاطين، وذلك أنه والى عدوّ الدين، وتبعه في بعض ما يدين، صحب السامرة، وسحب في أنديتهم أذيال المسامرة، ولم يكن بزّه بالرفيع، ولا زمنه بالربيع، فجدّ السامري في غيّه، ومدّ له من حبال بغيه، وكان قد اتخذ له منه عجلا جسدا واتّحد به حتى تفقّأ منه حسدا، حتى سقط في مهواته، وسقى دمه الجبل بل لهواته «1» .
قال ابن أبي أصيبعة «1» :" كان من الأكابر في الحكمة وأصول الدين، والفقه، والعلم الطبيعي، والطب. وكان فقيها بالعذراوية «2» ، يشتغل بها.
ثم ولي القضاء ببعلبك، وأقام بها مدة، وكان صديقا لأمين الدولة وزير الصالح إسماعيل، فلما ملك الصالح دمشق وتوفي قاضيها شمس الدين الخويي، ولي عوضه، وارتفعت منزلته [وأثرى] ، ووقع بينه وبين أمين الدولة، وكثر تظلّم الناس منه، وشكواهم من سوء سيرته، فانتهى إلى أن قبض عليه، وقتل. وبعث إلى هوّة عظيمة قريب بعلبك، لا يعرف لها قرار، تعرف بمغارة الدم، فكتّف ودفع فيها.
وقال بعض الذين كانوا معه: إنه لما دفع في تلك الهوّة تحطّم في نزوله، وكأنه تعلّق في بعض جوانبها. قال: فبقينا نسمع أنينه نحو ثلاثة أيام، وكلما مر يضعف ويخفى حتى تحققنا موته، ورجعنا عنه".
قلت: وقد حكى الثقات أنه كان يفتعل الحجة بشهود زور كان أعدّهم على الرجل ذي الجدة «3» واليسار، ويكتبها لمن يطلب الرجل إلى مجلسه، ويدّعي بالمبلغ عليه، فإذا أنكر أقام تلك البينة عليه، ثم يلزمه بالمال، فإذا قبض كان للسلطان النصف، وله ولأمين الدولة، وللشهود والمدعي النصف!. وجرى على هذا مدة، ثم كان لا ينصف أمين الدولة، ففسد ما بينهما وقالوا: إنه لما كثر فعل
مثل هذا من القاضي الرفيع، عرف عليه، فصار ذوو المال يأتونه قبل افتعال الحجج فيقدمون له ما يختص به، فيسكت عنهم، فإذا ذكرهم الأمين الخائن له دافع عنهم، فأوغر ذلك صدره، وكدّرله ورده وصدره، حتى حالت به الحال، وآل إلى ما آل".
وحكى لي شيخنا الإمام أبو الثناء محمود الحلبي الكاتب قال:" حدّثني شيخنا قاضي القضاة ابن خلكان قال: كان الرفيع ذا كرم وسخاء، وكان جاريه «1» لا يقوم ببعض كفايته، فكان يتجشم البلايا ولقد ألجأته الضرورة إلى أن باع مرة عمامته، وأنفق ثمنها؛ فلما أصبح وأراد الركوب إلى موكب السلطان، استعار ما لبسه وركب به.
قلت: وقد رأيت كتبا كثيرة من كتب الأملاك والأوقاف، وفيها إسجالات على القاضي الرفيع، فلما اتصلت تلك الكتب بمن بعده من القضاة وصلوها إليهم بمن كان قبل الرفيع، وأضربوا عنه، فلم ينفذ له حاكم جاء بعده حكما إلا كتابا واحدا كان في وقف مدرسة بالمدينة الشريفة النبوية- على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التحية-، وأظن أنه إنما سومح فيه لتيقن براءته من غرض في ذلك، إذ كان جهة بر، ولم يكن هو أول من حكم به، ولا أول من نفذ حكم من حكم به، ومع هذا لم أر من كبار أهل هذا الشان إلا من عجب منه، وأحببت التنبيه على ذلك ليعرف عند الحاجة لئلا ينسى بتطاول المدد.