الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ - تَعَالَى - {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ} [الكهف: 10]، وَقَالَ:{وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ} [المؤمنون: 50] .
(وَمَنْ أَرَادَ بِلَفْظِهِ الْخَاصِّ الْعَامَّ) كَحَالِفٍ لَا يَشْرَبُ لِفُلَانٍ مَاءً، يُرِيدُ قَطْعُ مِنَّتِهِ، أَوْ كَانَ السَّبَبُ قَطْعَ الْمِنَّةِ (عُمِلَ بِهِ، فَيَحْنَثُ بِكُلِّ مَا لَهُ فِيهِ مِنَّةٌ كَهَدِيَّةٍ وَاسْتِعَارَةِ) دَابَّةٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى بِيَمِينِهِ مَا يَحْمِلُهُ، وَيُسَوَّغُ فِي اللُّغَةِ التَّعْبِيرُ بِهِ عَنْهُ، فَتَنْصَرِفُ يَمِينُهُ إلَيْهِ كَالْمَعَارِيضِ، قَالَ - تَعَالَى -:{مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} [فاطر: 13]، {وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا} [النساء: 49] {فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا} [النساء: 53] وَالْقِطْمِيرُ لِفَافَةُ النَّوَاةِ، وَالْفَتِيلُ مَا فِي شِقِّهَا، وَالنَّقِيرُ النَّقْرَةُ الَّتِي فِي ظَهْرِهَا، وَلَمْ يُرِدْ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ، بَلْ نَفَى كُلَّ شَيْءٍ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْحُطَيْئَةِ:
وَلَا يَظْلِمُوا النَّاسَ حَبَّةَ خَرْدَلٍ
، أَيْ: لَا يَظْلِمُونَهُمْ شَيْئًا.
(وَيَجُوزُ التَّعْرِيضُ فِي مُخَاطَبَةٍ لِغَيْرِ عَالِمٍ وَلَوْ بِلَا حَاجَةٍ. وَالتَّعْرِيضُ هُوَ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ) كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ لِمَ فَعَلْتَ (كَ) ذَا؟ فَقَالَ: (هَذَا مَا فَعَلْتُهُ وَيَنْوِي بِمَا الَّذِي) وَكَذَا لَوْ سُئِلَ عَنْ شَخْصٍ فَقَالَ: مَا هُوَ هُنَا مُشِيرًا إلَى نَحْوِ كَفِّهِ.
[فَصْلٌ إذَا عُدِمَتْ النِّيَّةُ تَرْجِعَ إلَى سَبَبِ الْيَمِينِ]
فَصْلٌ (فَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْحَالِفُ شَيْئًا رَجَعَ إلَى سَبَبِ الْيَمِينِ وَمَا هَيَّجَهَا) لِدَلَالَتِهِ عَلَى
النِّيَّةِ (فَمَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ زَيْدًا حَقَّهُ غَدًا فَقَضَاهُ قَبْلَهُ لَمْ يَحْنَثْ حَيْثُ كَانَ سَبَبُ يَمِينِهِ قَطْعَ الْمَطْلِ) أَوْ قَصْدَ عَدَمِ تَجَاوُزِ الْغَدِ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْيَمِينِ تَعْجِيلُ الْقَضَاءِ، وَلِأَنَّ السَّبَبَ يَدُلُّ عَلَى النِّيَّةِ، (وَإِلَّا) يَكُنْ سَبَبٌ يَقْتَضِي التَّعْجِيلَ، وَلَا قَصْدُ عَدَمِ التَّجَاوُزِ (حَنِثَ) بِقَضَائِهِ قَبْلَهُ، كَمَا لَوْ أَخَّرَهُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ تَرْكُ فِعْلِ مَا تَنَاوَلَهُ يَمِينُهُ لَفْظًا، وَلَمْ يَصْرِفْهَا عَنْهُ نِيَّةٌ وَلَا سَبَبٌ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَصُومَنَّ شَعْبَانَ فَصَامَ رَجَبَ (وَكَذَا) لَوْ حَلَفَ عَلَى (أَكْلِ شَيْءٍ وَبَيْعِهِ وَفِعْلِهِ غَدًا) فَإِنْ قَصَدَ عَدَمَ تَجَاوُزِهِ أَوْ اقْتَضَاهُ السَّبَبُ، فَفَعَلَهُ قَبْلَهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِلَّا حَنِثَ.
(وَ) مَنْ حَلَفَ (لَأَقْضِيَنه) حَقَّهُ غَدًا (أَوْ لَأَقْضِيَنه غَدًا، وَقَصَدَ مَطْلَهُ فَقَضَاهُ قَبْلَهُ، حَنِثَ) لِفِعْلِهِ خِلَافَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ لَفْظًا وَنِيَّةً.
(وَ) مَنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ (لَا يَبِيعُهُ إلَّا بِمِائَةٍ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا إنْ بَاعَهُ بِأَقَلَّ) مِنْهَا فَ (لَا) يَحْنَثُ إنْ لَمْ يَبِعْهُ أَوْ بَاعَهُ بِمِائَةٍ (أَوْ بِأَكْثَرَ) مِنْهَا، لِدَلَالَةِ الْقَرِينَةِ (وَ) لَوْ حَلَفَ (لَا يَبِيعُهُ بِهَا) أَيْ: الْمِائَةِ (حَنِثَ) بِبَيْعِهِ (بِهَا)، أَيْ: الْمِائَةِ (وَبِأَقَلَّ) مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ فِي هَذَا، بِدَلِيلِ مَا لَوْ كَانَ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِهِ بِمِائَةٍ فَبَاعَهُ بِأَقَلَّ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ بَيِّنَةٌ عَلَى امْتِنَاعِهِ مِنْ بَيْعِهِ بِدُونِ الْمِائَةِ، وَإِنْ قَالَ أَخَذْتُهُ بِالْمِائَةِ، لَكِنْ هَبْ لِي كَذَا، فَقَالَ أَحْمَدُ: هَذَا حِيلَةٌ، قِيلَ لَهُ: فَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ أَبِيعُكَ بِكَذَا وَهَبْ لِفُلَانٍ شَيْئًا، قَالَ: هَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَكَرِهَهُ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا اشْتَرَيْتُهُ بِمِائَةٍ، فَاشْتَرَاهُ بِهَا أَوْ بِأَكْثَرَ حَنِثَ (لَا) بِأَقَلَّ.
(وَمَنْ دُعِيَ لِغَدَاءٍ فَحَلَفَ لَا يَتَغَدَّى، لَمْ يَحْنَثْ) إنْ تَغَدَّى (بِغَدَاءٍ غَيْرِهِ مَعَ سَبَبٍ) أَوْ قَصْدٍ (وَ) مَنْ حَلَفَ (لَا يَشْرَبُ لَهُ)، أَيْ: لِفُلَانٍ الْمَاءَ مِنْ عَطَشٍ، (وَنِيَّتُهُ أَوْ السَّبَبُ قَطْعُ مِنَّتِهِ، حَنِثَ بِأَكْلِ خُبْزِهِ وَاسْتِعَارَةِ دَابَّتِهِ وَكُلِّ مَا فِيهِ مِنَّةٌ) ؛ لِأَنَّهُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى مَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ، وَ (لَا) يَحْنَثُ (بِأَقَلَّ) مِنْهُ (كَقُعُودِهِ فِي ضَوْءِ نَارِهِ) وَظِلِّ حَائِطِهِ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ لَا يَتَنَاوَلُهُ وَلَا نِيَّتُهُ (وَ) إنْ حَلَفَ عَلَى نَحْوِ امْرَأَتِهِ (لَا تَخْرُجُ لِتَهْنِئَةٍ وَلَا تَعْزِيَةٍ، وَنِيَّتُهُ
بِيَمِينِهِ قَطْعًا لِخُرُوجِهَا، فَخَرَجَتْ لِغَيْرِهِمَا) حَنِثَ لِلْمُخَالِفِ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا قَطْعًا لِلْمِنَّةِ الْحَاصِلَةِ مِنْهُ) ، أَيْ الثَّوْبِ (فَبَاعَهُ، وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ ثَوْبًا) وَلَبِسَهُ (أَوْ انْتَفَعَ بِهِ)، أَيْ: بِثَمَنِهِ (حَنِثَ) ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ انْتِفَاعٍ تَلْحَقُ فِيهِ الْمِنَّةُ، وَكَذَا لَوْ امْتَنَّ عَلَيْهِ بِثَوْبٍ فَحَلَفَ لَا يَلْبَسُهُ قَطْعًا لِمِنَّةٍ بِهِ، وَلَوْ قَطَعَهُ، وَانْتَفَعَ بِهِ بِغَيْرِ اللُّبْسِ، حَنِثَ، وَ (لَا) حِنْثَ (إنْ انْتَفَعَ) مِنْ مَالِهَا (بِغَيْرِ الْغَزْلِ) وَثَمَنِهِ؛ لِأَنَّهُ يَمِينُهُ لَمْ تَتَنَاوَلْهُ (لَا إنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ قَطْعًا لِلْمِنَّةِ، فَانْتَفَعَ بِهِ هُوَ)، أَيْ: الْحَالِفُ، (أَوْ) انْتَفَعَ بِهِ (أَحَدٌ مِمَّنْ هُوَ فِي كَنَفِهِ)، أَيْ: حِيَازَتِهِ وَتَحْتَ نَفَقَتِهِ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ وَلَدٍ صَغِيرٍ (حَنِثَ) ؛ لِأَنَّهُمْ فِي حُكْمِهِ.
(وَ) إنْ حَلَفَ عَلَى امْرَأَتِهِ (لَا يَأْوِي مَعَهَا فِي هَذَا الْعِيدِ، حَنِثَ بِدُخُولِهِ مَعَهَا قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ لَا بِدُخُولِهِ بَعْدَهَا) لِانْقِضَائِهِ بِصَلَاتِهِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ حَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إذَا رَأَوْا هِلَالَ شَوَّالٍ أَنْ يُكَبِّرُوا حَتَّى يَفْرُغُوا مِنْ عِيدِهِمْ، أَيْ: مِنْ صَلَاتِهِمْ (وَإِنْ قَالَ) وَاَللَّهِ لَا أَوَيْتُ مَعَهَا (أَيَّامَ الْعِيدِ، أُخِذَ) الْحَالِفُ بِالْعُرْفِ فَيَحْنَثُ بِدُخُولِهِ مَعَهَا فِي يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الْعِيدِ عُرْفًا فِي كُلِّ بَلَدٍ بِحَسَبِهِ، لَا بَعْدَ ذَلِكَ (وَ) وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ (لَا عُدْت رَأَيْتُكِ تَدْخُلِينَهَا)، أَيْ: دَارَ كَذَا (وَالسَّبَبُ) الْمُقْتَضِي لِحَلِفِهِ (مَنْعُهَا) مِنْ دُخُولِهَا (فَدَخَلَتْ: حَنِثَ وَلَوْ لَمْ يَرَهَا) دَاخَلَتْهَا إلْغَاءً لِقَوْلِهِ رَأَيْتُكِ، لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَ) إنْ قَالَ لَهَا وَاَللَّهِ (لَا تَرَكْت هَذَا) الصَّبِيَّ وَنَحْوَهُ (يَخْرُجُ، فَأَفْلَتَ، أَوْ قَامَتْ تُصَلِّي) فَخَرَجَ (أَوْ) قَامَتْ (لِحَاجَةٍ، فَخَرَجَ وَنِيَّتُهُ أَوْ السَّبَبُ أَنْ لَا يَخْرُجَ أَصْلًا، حَنِثَ) بِخُرُوجِهِ إلْغَاءً لِقَوْلِهِ تَرَكْتِ، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ نَوَى أَنْ لَا تَدَعَهُ يَخْرُجُ، فَلَا) حِنْثَ عَلَيْهِ، لِعَدَمِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (إلَّا إنْ خَرَجَ بِفِعْلِهَا أَوْ تَفْرِيطِهَا) فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِتَرْكِهَا لَهُ وَعَدَمِ مُبَالَاتِهَا بِخُرُوجِهِ.
(وَإِنْ) جُنَّ الْحَالِفُ أَوْ مَاتَ وَ (لَمْ تُعْلَمْ نِيَّتُهُ، انْصَرَفَتْ يَمِينُهُ إلَى فِعْلِهَا)، أَيْ: الزَّوْجَةِ دُونَ تَفْرِيطِهَا، وَإِنْ عُدِمَتْ بِهِ النِّيَّةُ وَالسَّبَبُ، فَلَا حِنْثَ.