الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَحْرُمُ التِّرْيَاقُ وَهُوَ دَوَاءٌ يُعَالَجُ بِهِ مِنْ السُّمُوم يُجْعَلُ فِيهِ لُحُومُ الْحَيَّاتِ؛ لِأَنَّ لَحْمَ الْحَيَّةِ حَرَامٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَيَحْرُمُ أَيْضًا التَّدَاوِي بِأَلْبَانِ الْأُتُنِ وَكُلِّ مُحَرَّمٍ.
[فَصْلٌ فِي حُكْم الْمُضْطَرّ]
فَصْلٌ
(وَمَنْ اُضْطُرَّ بِأَنْ خَافَ التَّلَفَ) إنْ لَمْ يَأْكُلْ.
نَقَلَ حَنْبَلٌ إذَا عَلِمَ أَنَّ النَّفْسَ تَكَادُ تَتْلَفُ، وَفِي " الْمُنْتَخَبِ " أَوْ خَافَ مَرَضًا أَوْ انْقِطَاعًا عَنْ الرُّفْقَةِ؛ أَيْ: بِحَيْثُ يَنْقَطِعُ فَيَهْلَكُ، وَلَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِزَمَنٍ مَخْصُوصٍ؛ لِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ فِي ذَلِكَ (أَكَلَ وُجُوبًا مِنْهُ) نَصًّا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] قَالَ مَسْرُوقٌ: مَنْ اُضْطُرَّ فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ (مِنْ غَيْرِ سُمٍّ وَنَحْوِهِ) مِمَّا يَضُرُّ (مِنْ مُحَرَّمٍ) مِمَّا ذَكَرْنَا (مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ) ؛ أَيْ: بَقِيَّةَ رُوحِهِ أَوْ قُوتَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] وَقَوْلِهِ: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 3](فَقَطْ) ؛ أَيْ: لَا يَزِيدُ عَلَى مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ؛ فَلَيْسَ لَهُ الشِّبَعُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْمَيْتَةَ، وَاسْتَثْنَى مَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ، فَإِذَا انْدَفَعَتْ الضَّرُورَةُ لَمْ تَحِلَّ كَحَالَةِ الِابْتِدَاءِ (إنْ لَمْ يَكُنْ فِي سَفَرٍ مُحَرَّمٍ) كَسَفَرٍ لِقَطْعِ طَرِيقٍ أَوْ زِنًا أَوْ لِوَاطٍ وَنَحْوِهِ (فَإِنْ كَانَ فِيهِ) ؛ أَيْ: السَّفَرِ الْمُحَرَّمِ (وَلَمْ يَتُبْ فَلَا) يَحِلُّ لَهُ أَكْلُ مَيْتَةٍ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ أَكْلَهَا رُخْصَةٌ وَالْعَاصِي لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا.
{غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ} [البقرة: 173](وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) حُكْمُ مُقِيمِ إقَامَةَ مَعْصِيَةٍ كَإِقَامَتِهِ فِي نَحْوِ بَلْدَةٍ (لِزِنًا) أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ أَوْ تَعَلُّمِ اسْتِعْمَالِ آلَاتِ لَهْوٍ؛ فَيَمْتَنِعُ عَلَى مَنْ هَذَا حَالُهُ، وَاضْطُرَّ لِأَكْلِ مَيْتَةٍ الْأَكْلُ مِنْهَا لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ، وَلَا يَسْتَبِيحُهَا مَنْ كَانَ مُتَلَبِّسًا بِالْمَعْصِيَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَلَهُ) ؛ أَيْ: الْمُضْطَرِّ فِي غَيْرِ سَفَرٍ مُحَرَّمٍ (التَّزَوُّدُ إنْ خَافَ) الْحَاجَةَ إنْ لَمْ يَتَزَوَّدْ كَجَوَازِ التَّيَمُّمِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ إنْ خَافَ عَطَشًا بِاسْتِعْمَالِهِ (وَلَيْسَ لَهُ) ؛ أَيْ: الْمُضْطَرِّ (الشِّبَعُ) مِنْ الْمُحَرَّمِ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ، وَاسْتَثْنَى مَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ، فَإِذَا انْدَفَعَتْ الضَّرُورَةُ لَمْ يَحِلَّ الْأَكْلُ كَحَالَةِ الِابْتِدَاءِ، كَمَا يَحْرُمُ فَوْقَ الشِّبَعِ إجْمَاعًا ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "" وَالْمُبْدِعِ "(وَقَالَ الْمُوَفَّقُ وَجَمْعٌ) مِنْ عُلَمَائِنَا (إنْ كَانَتْ الضَّرُورَةُ مُسْتَمِرَّةً جَازَ الشِّبَعُ، وَإِنْ كَانَتْ) الْحَاجَةُ (مَرْجُوَّةَ الزَّوَالِ، فَلَا) يَشْبَعُ؛ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ.
(وَيَجِبُ عَلَى) مَنْ تَزَوَّدَ لَحْمَ مَيْتَةٍ وَهُوَ (غَيْرُ مُضْطَرٍّ) إلَيْهِ فِي الْحَالِ (بَذْلُهُ لِمُضْطَرٍّ) طَلَبَهُ مِنْهُ (بِلَا عِوَضٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ (وَيَجِبُ) عَلَى الْمُضْطَرِّ (تَقْدِيمُ السُّؤَالِ عَلَى أَكْلِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ لِلسَّائِلِ: قُمْ قَائِمًا لِيَكُونَ لَك عُذْرٌ عِنْدَ اللَّهِ.
قَالَ الْقَاضِي يَأْثَمُ إذَا لَمْ يَسْأَلْ. وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: إنْ اُضْطُرَّ إلَى الْمَسْأَلَةِ.
فَهِيَ مُبَاحَةٌ
قِيلَ فَإِنْ تَوَقَّفَ؟ قَالَ مَا أَظُنُّ أَحَدًا يَمُوتُ مِنْ الْجُوعِ، اللَّهُ يَأْتِيه بِرِزْقِهِ (خِلَافًا لِلشَّيْخِ) تَقِيِّ الدِّينِ، فَإِنَّهُ: قَالَ لَا يَجِبُ؛ أَيْ: تَقْدِيمُ السُّؤَالِ وَلَا يَأْثَمُ أَيْ: بِعَدَمِهِ.
تَنْبِيهٌ: فَإِنْ وَجَدَ الْمُضْطَرُّ مَنْ يُطْعِمُهُ وَيَسْقِيه لَمْ يَحِلَّ لَهُ الِامْتِنَاعُ؛ لِأَنَّهُ
إلْقَاءٌ بِنَفْسِهِ إلَى الْهَلَاكِ، وَلَيْسَ لَهُ الْعُدُولُ إلَى الْمَيْتَةِ، لِعَدَمِ اضْطِرَارِهِ إلَيْهَا إلَّا أَنْ يَخَافَ أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ مَسْمُومًا، أَوْ يَكُونَ مِنْ الْأَطْعِمَةِ الْمُضِرَّةِ وَيَخَافُ مَعَهُ الْهَلَاكَ فَيَمْتَنِعُ مِنْهُ، وَيَعْدِلُ إلَى الْمَيْتَةِ، لِاضْطِرَارِهِ إلَيْهَا، وَإِنْ وَجَدَ طَعَامًا مَعَ صَاحِبِهِ، وَامْتَنَعَ مِنْ بَذْلِهِ أَوْ بَيْعِهِ مِنْهُ، وَوَجَدَ الْمُضْطَرُّ ثَمَنَهُ، لَمْ يَجُزْ لَهُ مُكَابَرَتُهُ عَلَيْهِ وَأَخْذُهُ مِنْهُ، وَيَعْدِلُ إلَى الْمَيْتَةِ سَوَاءٌ كَانَ قَوِيًّا يَخَافُ مُكَابَرَتُهُ التَّلَفَ أَوْ لَمْ يَخَفْ، وَإِنْ بَذَلَهُ رَبُّهُ لِلْمُضْطَرِّ بِثَمَنِ مِثْلِهِ، وَقَدَرَ عَلَى الثَّمَنِ؛ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ؛ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهَا بِالْمُبَاحِ، وَإِنْ بَذَلَهُ بِزِيَادَةٍ لَا تُجْحِفُ؛ لَزِمَهُ شِرَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الثَّمَنِ؛ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْعَادِمِ، فَتَحِلُّ لَهُ الْمَيْتَةُ.
(وَإِنْ وَجَدَ مَيْتَةً وَطَعَامًا وَيَجْهَلُ مَالِكَهُ) قَدَّمَ الْمَيْتَةَ، لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا فِي غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَةِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي " الِاخْتِيَارَاتِ " إنْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ إلَى رَبِّهِ بِعَيْنِهِ كَالْمَغْصُوبِ وَالْأَمَانَاتِ الَّتِي لَا يُعْرَفُ أَرْبَابُهَا، قَدَّمَ أَكْلَهُ عَلَى الْمَيْتَةِ
(أَوْ) وَجَدَ مُضْطَرٌّ (خِنْزِيرًا) أَوْ كَانَ الْمُضْطَرُّ مُحْرِمًا، وَوَجَدَ (صَيْدًا حَيًّا)، أَوْ وَجَدَ مَيْتَةً وَ (بَيْضَ صَيْدٍ سَلِيمًا) ؛ أَيْ: الْبَيْضَ (وَهُوَ مُحْرِمٌ، قَدَّمَ الْمَيْتَةَ) لِأَنَّ ذَبْحَ الصَّيْدِ جِنَايَةٌ لَا تَجُوزُ لَهُ حَالَ الْإِحْرَامِ.
(وَيُقَدِّمُ) مُضْطَرٌّ (عَلَيْهَا) ؛ أَيْ: الْمَيْتَةِ (لَحْمَ صَيْدٍ ذَبَحَهُ مُحْرِمٌ) قَالَهُ الْقَاضِي، وَاسْتَظْهَرَهُ فِي " التَّنْقِيحِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى " لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَيَتَمَيَّزُ ذَبْحُ الْمُحْرِمِ بِالِاخْتِلَافِ فِي كَوْنِهِ مُذَكًّى، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمُحْرِمُ الْمُضْطَرُّ إلَّا صَيْدًا ذَبَحَهُ، وَكَانَ ذَكِيًّا طَاهِرًا؛ وَلَيْسَ بِنَجِسٍ وَلَا مَيْتَةٍ فِي حَقِّهِ؛ لِإِبَاحَتِهِ لَهُ إذَنْ، وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ ذَبْحُهُ، وَتُعْتَبَرُ شُرُوطُ الذَّكَاةِ فِيهِ (وَلَهُ الشِّبَعُ مِنْهُ) لِأَنَّهُ ذَكِيٌّ لَا مَيْتَةٌ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ إذَنْ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ ذَكَاتِهِ كَالْأَهْلِيِّ الْمَأْكُولِ، وَهُوَ مَيْتَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، فَلَا يُبَاحُ إلَّا لِمَنْ تُبَاحُ لَهُ الْمَيْتَةُ
(وَيُقَدِّمُ) مُضْطَرٌّ مُحْرِمٌ (عَلَى صَيْدٍ حَيٍّ طَعَامًا يَجْهَلُ مَالِكَهُ) لِأَنَّهُ أَكَلَ مَالَ غَيْرِهِ لِلضَّرُورَةِ، فَجَازَ بِشَرْطِ الضَّمَانِ؛ كَمَا لَوْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، وَلَا يَأْكُلُ الصَّيْدَ،
لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ، بِخِلَافِ طَعَامِ الْغَيْرِ؛ فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُ فِي حَالِ بَيْعِ مَالِكِهِ لَهُ وَهِبَتِهِ، فَكَانَ أَخَفَّ حُكْمًا لِذَلِكَ (وَلَمْ أَقِفْ) فِي كَلَامِهِمْ (عَلَى مَفْهُومِ) قَوْلِهِمْ (يَجْهَلُ مَالِكَهُ) وَلَعَلَّ مَفْهُومَهُ إذَا كَانَ مَالِكُ الطَّعَامِ مَعْلُومًا، وَاضْطُرَّ إلَيْهِ، أَوْ خَافَ أَنْ يَضْطَرَّ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ؛ لِحَدِيثِ:«ابْدَأْ بِنَفْسِك» .
وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُضْطَرٍّ وَلَا خَائِفَ الِاضْطِرَارِ؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ لِلْمُضْطَرِّ مَا يَسُدُّ مَعَهُ رَمَقَهُ كَمَا يَأْتِي بِخِلَافِ الْمَجْهُولِ مَالِكُهُ؛ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ هَذَا التَّفْصِيلُ، بَلْ هُوَ كَمَا ذَكَرَهُ.
(وَتُقَدَّمُ مَيْتَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا) ؛ أَيْ: فِي إبَاحَتِهَا (عَلَى) مَيْتَةٍ (مُجْمَعٍ عَلَيْهَا) أَيْ: عَلَى تَحْرِيمِهَا؛ لِأَنَّ الْمُخْتَلَفَ فِيهَا مُبَاحَةٌ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا وَجَدَهَا كَانَ وَاجِدًا لِلْمُبَاحِ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ؛ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْأُخْرَى.
(وَيَتَّجِهُ) تَقْدِيمُ مَيْتَةٍ مُخْتَلَفٍ فِيهَا عَلَى مُجْمَعٍ عَلَيْهَا (وُجُوبًا) لِأَنَّهَا أَخَفُّ مِنْ غَيْرِهَا (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّ الْكَلْبَ يُقَدَّمُ) عِنْدَ الِاضْطِرَارِ إلَى أَكْلِهِ (عَلَى الْخِنْزِيرِ) لِقَوْلِ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ بِإِبَاحَتِهِ، (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ يُقَدَّمُ نَحْوُ شَحْمِ) وَكُلْيَةِ (وَكَبِدِ) وَطِحَالِ (خِنْزِيرٍ عَلَى مَيْتَةٍ) لِأَنَّ الْمَيْتَةَ يَحْرُمُ تَنَاوُلُهَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ كَذَلِكَ بِخِلَافِ شَحْمِهِ (لِقَوْلِ) الْإِمَامِ (دَاوُد) الظَّاهِرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (بِحِلِّهِ) أَيْ: الشَّحْمِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ صَرِيحٌ فِي اللَّحْمِ فَقَطْ؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا، فَأَكَلَ نَحْوَ الشَّحْمِ؛ لَا يَحْنَثُ وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَيَتَحَرَّى) مُضْطَرٌّ (فِي مُذَكَّاةٍ اشْتَبَهَتْ بِمَيْتَةٍ) لِأَنَّهَا غَايَةُ مَقْدُورِهِ حَيْثُ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا حَتَّى يَعْلَمَ الْمُذَكَّاةَ.
(وَمَنْ لَمْ يَجِدْ) مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ (إلَّا طَعَامَ غَيْرِهِ [فَرَبُّهُ] الْمُضْطَرُّ أَوْ الْخَائِفُ يُضْطَرُّ أَحَقُّ بِهِ) مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ سَاوَاهُ فِي الِاضْطِرَارِ، وَانْفَرَدَ عَنْهُ بِالْمِلْكِ؛ أَشْبَهَ غَيْرَ حَالَةِ الِاضْطِرَارِ (وَلَيْسَ لَهُ) ؛ أَيْ: رَبِّ الطَّعَامِ إذَا كَانَ كَذَلِكَ (إيثَارُ غَيْرِهِ بِهِ) لِأَنَّهُ إذَا آثَرَ غَيْرَهُ بِهِ، فَهَلَكَ جُوعًا كَانَ كَالْمُلْقِي بِيَدِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ، وَفِي " الْهَدْيِ " فِي غَزْوَةِ الطَّائِفِ يَجُوزُ، وَإِنَّهُ غَايَةُ الْجُودِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] .
وَلِقَوْلِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي فُتُوحِ الشَّامِ، وَعُدَّ ذَلِكَ فِي مَنَاقِبِهِمْ.
ذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَلَعَلَّهُ لِعِلْمِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ حُسْنَ التَّوَكُّلِ وَالصَّبْرِ.
(وَإِلَّا) يَكُنْ رَبُّ الطَّعَامِ مُضْطَرًّا وَلَا خَائِفًا أَنْ يَضْطَرَّ (لَزِمَهُ) ؛ أَيْ: رَبَّ الطَّعَامِ (بَذْلُ مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ) ؛ أَيْ: الْمُضْطَرِّ (فَقَطْ) لِأَنَّهُ إنْقَاذٌ لِمَعْصُومٍ مِنْ الْهَلَكَةِ كَإِنْقَاذِ الْغَرِيقِ وَالْحَرِيقِ (بِقِيمَتِهِ) ؛ أَيْ: الطَّعَامِ نَصًّا لَا مَجَّانًا (وَلَوْ فِي ذِمَّةِ مُعْسِرٍ) لِوُجُودِ الضَّرُورَةِ، (فَإِذَا أَبَى) رَبُّ الطَّعَامِ بَذْلَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْهُ بِقِيمَتِهِ (أَخَذَهُ) مِنْهُ مُضْطَرٌّ (بِالْأَسْهَلِ) فَالْأَسْهَلِ (ثُمَّ) إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ (قَهْرًا) ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ مَالِكِهِ؛ لِاضْطِرَارِهِ إلَيْهِ (وَيُعْطِيه عِوَضَهُ مِنْ مِثْلِ مِثْلِيٍّ وَقِيمَةِ مُتَقَوِّمٍ) لِئَلَّا يَجْتَمِعَ عَلَى رَبِّ الْعَيْنِ فَوَاتُ الْمَالِ وَالْبَدَلِ، وَيَعْتَبِرُ قِيمَةُ مُتَقَوِّمٍ (يَوْمَ أَخْذِهِ) لِأَنَّهُ وَقْتُ تَلَفِهِ (فَإِنْ مَنَعَهُ) رَبُّ الطَّعَامِ أَخْذَهُ بِعِوَضِهِ (فَلَهُ) ؛ أَيْ: الْمُضْطَرِّ (قِتَالُهُ عَلَيْهِ) لِكَوْنِهِ صَارَ أَحَقَّ بِهِ مِنْهُ؛ لِاضْطِرَارِهِ إلَيْهِ وَهُوَ مَنَعَهُ (فَإِنْ قُتِلَ الْمُضْطَرُّ؛ ضَمِنَهُ رَبُّ الطَّعَامِ) لِقَتْلِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ (لَا عَكْسُهُ) بِأَنْ قُتِلَ رَبُّ الطَّعَامِ؛ فَلَا يَضْمَنُهُ الْمُضْطَرُّ، وَيَذْهَبُ هَدَرًا؛ لِظُلْمِهِ بِقِتَالِهِ لِلْمُضْطَرِّ؛ أَشْبَهَ الصَّائِلَ (وَإِنْ مَنَعَهُ) أَيْ الطَّعَامَ مِنْ الْمُضْطَرِّ رَبُّهُ (إلَّا بِمَا فَوْقَ الْقِيمَةِ، فَاشْتَرَاهُ) الْمُضْطَرُّ مِنْهُ (بِذَلِكَ) الَّذِي طَلَبَهُ لِاضْطِرَارِهِ
إلَيْهِ (كَرَاهَةَ أَنْ يَجْرِيَ بَيْنَهُمَا دَمٌ؛ أَوْ عَجَزَ عَنْ قِتَالِهِ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ) ؛ أَيْ: الْمُضْطَرَّ (إلَّا الْقِيمَةُ) لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ بِالْبَدَلِ لَهُ، وَالزَّائِدُ أُكْرِهَ عَلَى الْتِزَامِهِ؛ فَلَا يَلْزَمُهُ فَإِنْ أَخَذَهُ مِنْهُ؛ رَجَعَ بِهِ (وَكَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْذُ الْمَاءِ مِنْ الْعَطْشَانِ وَيَتَّجِهُ) وَكَذَا كَانَ لَهُ أَخْذُ (الطَّعَامِ) مِنْ الْجَائِعِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) كَانَ (عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَقِيَهُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، وَكَانَ لَهُ طَلَبُ ذَلِكَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا اشْتَدَّتْ الْمَخْمَصَةُ فِي سَنَةِ الْمَجَاعَةِ، وَكَانَ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ قَدْرُ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ فَقَطْ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُ شَيْءٍ مِنْهُ لِلْمُضْطَرِّينَ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَخْذُهُ مِنْهُ كُرْهًا لِأَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى وُقُوعِ الضَّرُورَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَنْدَفِعَ عَنْ الْمُضْطَرِّينَ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِي سَفَرٍ وَمَعَهُ قَدْرُ كِفَايَتِهِ مِنْ غَيْرِ فَضْلَةٍ؛ فَلَا يَلْزَمُهُ دَفْعُ مَا مَعَهُ لِلْمُضْطَرِّينَ، كَمَا لَوْ أَمْكَنَهُ إنْجَاءُ غَرِيقٍ بِتَغْرِيقِ نَفْسِهِ.
(وَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى نَفْعِ مَالِ الْغَيْرِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ) ؛ أَيْ: الْمَالِ كَثِيَابٍ لِدَفْعِ بَرْدٍ وَمِقْدَحَةٍ وَنَحْوِهِ وَدَلْوٍ وَحَبْلٍ لِاسْتِقَاءِ مَاءٍ (وَجَبَ) عَلَى رَبِّ الْمَالِ (بَذْلُهُ) لِمَنْ اُضْطُرَّ لِنَفْعِهِ (مَجَّانًا) بِلَا عِوَضٍ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى ذَمَّ عَلَى مَنْعِهِ بِقَوْلِهِ: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 7] وَمَا لَا يَجِبُ بَذْلُهُ لَا يُذَمُّ عَلَى مَنْعِهِ، وَمَا وَجَبَ فِعْلُهُ لَا يَقِفُ عَلَى بَذْلِهِ الْعِوَضُ، بِخِلَافِ الْأَعْيَانِ فَلِرَبِّهَا مَنْعُهَا بِدُونِ عِوَضٍ وَلَا يُذَمُّ عَلَى ذَلِكَ، وَمَحَلُّ وُجُوبِ بَذْلِ نَحْوِ مَاعُونٍ (مَعَ عَدَمِ حَاجَتِهِ) ؛ أَيْ: رَبِّهِ (إلَيْهِ) فَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِتَمَيُّزِهِ بِالْمِلْكِ.
(وَمَنْ لَمْ يَجِدْ) مِنْ مُضْطَرِّينَ (إلَّا آدَمِيًّا مُبَاحَ الدَّمِ كَحَرْبِيٍّ وَزَانٍ مُحْصِنٍ) وَمُرْتَدٍّ (فَلَهُ قَتْلُهُ وَأَكْلُهُ) لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ؛ أَشْبَهَ السِّبَاعَ، وَكَذَا إنْ وَجَدَهُ مَيِّتًا، و (لَا) يَجُوزُ لِمُضْطَرٍّ (أَكْلُ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ نَفْسِهِ) لِأَنَّهُ إتْلَافُ مَوْجُودٍ لِتَحْصِيلِ مَوْهُومٍ