الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
احْتِيَاطًا.
(وَذَكَاةُ سَرَطَانٍ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ مَا يُمَوِّتُهُ) بِأَنْ يُعْقَرَ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَمُلْتَوَى عُنُقِهِ
(وَيَحْرُمُ بَلْعُ سَمَكٍ حَيًّا وَكُرِهَ شَيُّهُ) ؛ أَيْ: السَّمَكِ (حَيًّا) لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ لَهُ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَمُوتُ بِسُرْعَةٍ، (لَا) شَيُّ (جَرَادٍ) حَيًّا؛ لِأَنَّهُ لَا دَمَ لَهُ وَلَا يَمُوتُ فِي الْحَالِ، وَفِي " مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ " أَنَّ كَعْبًا كَانَ مُحْرِمًا، فَمَرَّتْ بِهِ رَجْلُ جَرَادٍ فَنَسِيَ وَأَخَذَ جَرَادَتَيْنِ، فَأَلْقَاهُمَا فِي النَّارِ، فَشَوَاهُمَا وَذَكَرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ، فَلَمْ يُنْكِرْ عُمَرُ تَرْكَهُمَا فِي النَّارِ (وَيَجُوزُ أَكْلُ سَمَكٍ وَجَرَادٍ بِمَا فِيهِمَا) بِأَنْ يُقْلَى أَوْ يُشْوَى بِلَا شَقِّ بَطْنٍ كَدُودِ فَاكِهَةٍ تَبَعًا.
[شُرُوطُ صِحَّةِ الذَّكَاة]
(وَشُرُوطُ) صِحَّةِ (ذَكَاةٍ) ذَبْحًا كَانَتْ أَوْ نَحْرًا أَوْ عَقْرًا لِمُمْتَنِعٍ أَرْبَعَةٌ.
(أَحَدُهَا كَوْنُ فَاعِلٍ) لِذَبْحٍ أَوْ عَقْرٍ أَوْ نَحْرٍ (عَاقِلًا لِيَصِحَّ) مِنْهُ (قَصْدُ التَّذْكِيَةِ) فَلَا يُبَاحُ مَا ذَكَّاهُ مَجْنُونٌ أَوْ طِفْلٌ لَمْ يُمَيِّزْ؛ لِأَنَّهُمَا لَا قَصْدَ لَهُمَا كَمَا لَوْ ضَرَبَ إنْسَانٌ بِسَيْفٍ، فَقَطَعَ عُنُقَ شَاةٍ؛ وَلِأَنَّ الذَّكَاةَ أَمْرٌ يُعْتَبَرُ لَهُ الدِّينُ، فَاعْتُبِرَ فِيهِ الْعَقْلُ كَالْغُسْلِ، فَتَصِحُّ ذَكَاةُ عَاقِلٍ (وَلَوْ) كَانَ (مُتَعَدِّيًا بِهِ أَوْ) كَانَ (مُكْرَهًا) عَلَى ذَبْحٍ مِلْكَهُ أَوْ مِلْكِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ قَصْدًا صَحِيحًا (أَوْ مُمَيِّزًا) فَتَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ كَالْبَالِغِ، (أَوْ) كَانَ (أُنْثَى) وَلَوْ حَائِضًا، (أَوْ) كَانَ قِنًّا (أَوْ أَقْلَفَ) وَتُكْرَهُ ذَبِيحَتُهُ، وَتُؤْكَلُ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ، (أَوْ) كَانَ (جُنُبًا) لِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ:«أَنَّهُ كَانَتْ لَهُمْ غَنَمٌ تَرْعَى بِسَلْعٍ، فَأَبْصَرَتْ جَارِيَةٌ لَنَا بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا مَوْتًا، فَكَسَرَتْ حَجَرًا فَذَبَحَتْهَا بِهِ فَقَالَ لَهُمْ: لَا تَأْكُلُوا حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ أُرْسِلَ إلَيْهِ فَأَمَرَ مَنْ يَسْأَلُهُ وَأَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ فَأَمَرَهُ بِأَكْلِهَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.
فَفِيهِ إبَاحَةُ ذَبِيحَةِ الْمَرْأَةِ وَالْأَمَةِ وَالْحَائِضِ وَالْجُنُبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَفْصِلْ عَنْهَا.
وَفِيهِ أَيْضًا إبَاحَةُ الذَّبْحِ بِالْحَجِرِ عِنْدَ خَوْفِهِ عَلَيْهِ الْمَوْتَ، وَكَذَا حِلُّ ذَكَاةِ الْأَقْلَفِ وَالْفَاسِقِ (أَوْ) كَانَ (كِتَابِيًّا وَلَوْ حَرْبِيًّا)
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5]، قَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: طَعَامُهُمْ ذَبَائِحُهُمْ وَمَعْنَاهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، (أَوْ) كَانَ الْكِتَابِيُّ (مِنْ نَصَارَى بَنِي تَغْلِب) لِعُمُومِ الْآيَةِ.
وَ (لَا) تَحِلُّ (مِنْ أَحَدِ أَبَوَيْهِ غَيْرِ كِتَابِيٍّ) تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ، (وَلَا) ذَبِيحَةُ (وَثَنِيٍّ وَ) لَا (مَجُوسِيٍّ وَلَا زِنْدِيقٍ وَلَا مُرْتَدٍّ) لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] وَإِنَّمَا (أُخِذَتْ) مِنْ الْمَجُوسِ الْجِزْيَةُ؛ لِأَنَّ لَهُمْ شُبْهَةَ كِتَابٍ تَقْضِي تَحْرِيمَ دِمَائِهِمْ، فَكَمَا غَلَبَ التَّحْرِيمُ فِيهَا غَلَبَ عَدَمُ الْكِتَابِ فِي تَحْرِيمِ ذَبَائِحِهِمْ وَنِسَائِهِمْ احْتِيَاطًا لِلتَّحْرِيمِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
(وَ) لَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ (سَكْرَانَ) ؛ لِأَنَّهُ لَا قَصْدَ لَهُ (وَ) لَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ (دُرْزِيٍّ وَإِسْمَاعِيلِيٍّ) لِمَفْهُومِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ (فَلَوْ احْتَكَّ) حَيَوَانٌ (مَأْكُولٌ بِمُحَدَّدٍ بِيَدِهِ) ؛ أَيْ: السَّكْرَانِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ، أَوْ مَنْ لَمْ يَقْصِدْ التَّذْكِيَةَ فَانْقَطَعَ بِاحْتِكَاكِهِ حُلْقُومُهُ وَمَرِيئُهُ (لَمْ يَحِلَّ) لِعَدَمِ قَصْدِ التَّذْكِيَةِ.
(وَلَا يُعْتَبَرُ) فِي التَّذْكِيَةِ (قَصْدُ الْأَكْلِ) اكْتِفَاءً بِنِيَّةِ التَّذْكِيَةِ؛ لِتَضَمُّنِهَا إيَّاهَا.
الشَّرْطُ (الثَّانِي الْآلَةُ) بِأَنْ يَذْبَحَ أَوْ يَنْحَرَ بِمُحَدَّدٍ يَقْطَعُ؛ أَيْ: يَنْهَرُ الدَّمَ بِحَدِّهِ (فَتَحِلُّ) الذَّكَاةُ (بِكُلِّ مُحَدَّدٍ حَتَّى حَجَرٍ وَقَصَبٍ وَفِضَةٍ [وَعَظْمٍ غَيْرِ] سِنٍّ وَظُفُرٍ) نَصًّا؛ لِحَدِيثِ: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ فَكُلْ، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ رَافِعٍ
(وَلَوْ) كَانَ الْمَحْدُودُ (مَغْصُوبًا) لِعُمُومِ الْخَبَرِ.
الشَّرْطُ (الثَّالِثُ قَطْعُ حُلْقُومٍ) ؛ أَيْ: مَجْرَى النَّفَسِ (وَمَرِيئِهِ) بِالْمَدِّ، (وَهُوَ الْبُلْعُومُ) مَجْرَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، سَوَاءٌ كَانَ الْقَطْعُ فَوْقَ الْغَلْصَمَةِ، وَهِيَ الْمَوْضِعُ النَّاتِئُ مِنْ الْحَلْقِ أَوْ دُونَهَا وَ (لَا) يُعْتَبَرُ قَطْعُ (شَيْءٍ غَيْرِهِمَا
كَالْوَدَجَيْنِ وَالْأَوْلَى قَطْعُهُمَا) ؛ أَيْ: الْوَدَجَيْنِ احْتِيَاطًا.
قَالَ عُمَرُ النَّحْرُ فِي اللَّبَّةِ وَالْحَلْقِ لِمَنْ قَدَرَ.
احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ.
وَرَوَى سَعِيدٌ وَالْأَثْرَمُ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:«بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بُدَيْلَ بْنَ وَرْقَاءَ يَصِيحُ فِي فِجَاجِ مِنًى أَلَا إنَّ الذَّكَاةَ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ.
(وَلَا) يُشْتَرَطُ (إبَانَتُهُمَا) ؛ أَيْ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ (وَلَا يَضُرُّ رَفْعُ يَدِهِ) ؛ أَيْ الذَّابِحِ (إنْ أَتَمَّ الذَّكَاةَ مِنْ الْفَوْرِ) كَمَا لَوْ لَمْ يَرْفَعْهَا؛ فَإِنْ تَرَاخَى وَوَصَلَ الْحَيَوَانُ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ وَأَتَمَّهَا؛ لَمْ يَحِلَّ.
(وَمَحَلُّ الذَّكَاةِ الْحَلْقُ وَاللَّبَّةُ وَهِيَ الْوَهْدَةُ الَّتِي بَيْنَ أَصْلِ الْعُنُقِ وَالصَّدْرِ) لِمَا تَقَدَّمَ، فَيَذْبَحُ، فِي الْحَلْقِ، وَيَنْحَرُ فِي اللَّبَّةِ، وَاخْتَصَّ الذَّبْحُ بِالْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْعُرُوقِ، فَيُخْرِجُ الذَّبْحُ فِيهِ الدِّمَاءَ السَّيَّالَةَ، وَيُسْرِعُ زَهُوقَ الرُّوحِ؛ فَيَكُونُ أَطْيَبَ لِلَّحْمِ، وَأَخَفَّ عَلَى الْحَيَوَانِ (وَسُنَّ نَحْرُ إبِلٍ بِطَعْنٍ بِمُحَدَّدٍ فِي لَبَّتِهَا) وَتَقَدَّمَتْ (وَ) السُّنَّةُ (ذَبْحُ غَيْرِهَا) ؛ أَيْ: الْإِبِلِ، قَالَ تَعَالَى:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2]
قَالَ: " {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] وَثَبَتَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذَبَحَ بَدَنَةً، وَضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(وَمَنْ عَكَسَ) ؛ أَيْ: ذَبَحَ الْإِبِلَ وَنَحَرَ غَيْرَهَا (أَجْزَأَهُ) ذَلِكَ؛ لِحَدِيثِ: «أَنْهِرْ الدَّمَ بِمَا شِئْت» وَقَالَتْ أَسْمَاءُ: «نَحَرْنَا فَرَسًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَكَلْنَاهُ وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ» .
وَعَنْ عَائِشَةَ «نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بَقَرَةً وَاحِدَةً» .
(وَذَكَاةُ مَا عَجَزَ عَنْهُ كَوَاقِعٍ فِي بِئْرٍ وَمُتَوَحِّشٍ يَجْرَحُهُ حَيْثُ كَانَ) ؛ أَيْ: فِي أَيِّ مَوْضِعٍ أَمْكَنَ جَرْحُهُ فِيهِ مِنْ بَدَنِهِ.
رَوَى عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ؛ لِحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ. قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم -
فَنَدَّ بَعِيرٌ، وَكَانَ فِي الْقَوْمِ خَيْلٌ يَسِيرٌ، فَطَلَبُوهُ فَأَعْيَاهُمْ، فَأَهْوَى إلَيْهِ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ اللَّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ كَذَا.» وَفِي لَفْظٍ:«فَمَا نَدَّ عَلَيْكُمْ فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَاعْتِبَارًا لِلْحَيَوَانِ بِحَالِ الذَّكَاةِ لَا بِأَصْلِهِ بِدَلِيلِ الْوَحْشِيِّ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَالْمُتَرَدِّي إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَذْكِيَتِهِ يُشْبِهُ الْوَحْشِيَّ فِي الْعَجْزِ عَنْ تَذْكِيَتِهِ (فَإِنْ أَعَانَهُ) ؛ أَيْ: الْجُرْحَ عَلَى قَتْلِهِ (غَيْرُهُ كَكَوْنِ رَأْسِهِ) ؛ أَيْ: الْوَاقِعِ فِي نَحْوِ بِئْرٍ (بِمَاءٍ وَنَحْوِهِ) مِمَّا يُقْتَلُ لَوْ انْفَرَدَ (لَمْ يَحِلَّ) لِحُصُولِ قَتْلِهِ بِمُبِيحٍ وَحَاظِرٍ، فَغَلَبَ الْحَظْرُ كَمَا لَوْ اشْتَرَكَ مُسْلِمٌ وَمَجُوسِيٌّ فِي ذَبْحِهِ.
(وَمَا ذُبِحَ مِنْ قَفَاهُ وَلَوْ عَمْدًا إنْ [أَتَتْ الْآلَةُ] ) الَّتِي ذَبَحَ بِهَا مِنْ نَحْوِ سِكِّينٍ (عَلَى مَحَلِّ ذَبْحِهِ) ؛ أَيْ: الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ (وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ) لِبَقَاءِ الْحَيَاةِ مَعَ الْجُرْحِ فِي الْقَفَا وَإِنْ كَانَ غَائِرًا مَا لَمْ يُقْطَعْ الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ وَكَأَكِيلَةِ السَّبُعِ إذَا أُدْرِكَتْ وَفِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، فَذُبِحَتْ؛ حَلَّتْ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَعِيشُ مَعَ ذَلِكَ غَالِبًا (وَإِلَّا) تَأْتِ الْآلَةُ عَلَى مَحَلِّ الذَّبْحِ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ (فَلَا) ، وَتُعْتَبَرُ الْحَيَاةُ الْمُسْتَقِرَّةُ بِالْحَرَكَةِ الْقَوِيَّةِ، فَإِنْ شَكَّ هَلْ فِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ قَبْلَ قَطْعِ حُلْقُومٍ وَمَرِيءٍ؛ فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ بَقَاءَ ذَلِكَ لِحِدَةِ الْآلَةِ وَسُرْعَةِ الْقَطْعِ؛ حَلَّ، وَإِنْ كَانَتْ الْآلَةُ كَالَّةً، وَأَبْطَأَ فِعْلُهُ، وَطَالَ تَعْذِيبُهُ؛ لَمْ يُبَحْ (وَلَوْ أَبَانَ رَأْسَهُ) ؛ أَيْ: الْمَأْكُولِ مُرِيدًا بِذَلِكَ تَذْكِيَتَهُ (حَلَّ مُطْلَقًا) ؛ أَيْ؛ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِهَةِ وَجْهِهِ أَوْ قَفَاهُ أَوْ غَيْرِهِمَا؛ لِقَوْلِ عَلِيٍّ فِيمَنْ ضَرَبَ وَجْهَ ثَوْرٍ بِالسَّيْفِ: تِلْكَ ذَكَاةٌ.
وَأَفْتَى بِأَكْلِهَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا، وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ قَطْعُ مَا لَا تَبْقَى الْحَيَاةُ مَعَهُ مَعَ الذَّبْحِ.
(وَ) حَيَوَانٌ (مُلْتَوٍ عُنُقُهُ كَمَعْجُوزٍ عَنْهُ) لِلْعَجْزِ عَنْ الذَّبْحِ فِي مَحَلِّهِ كَالْمُتَرَدِّيَةِ فِي بِئْرٍ (وَمَا أَصَابَهُ سَبَبُ مَوْتٍ) مِنْ حَيَوَانٍ مَأْكُولٍ (مِنْ مُنْخَنِقَةٍ) الَّتِي تَخْنُقُ حَلْقَهَا (وَمَوْقُوذَةٍ) ؛ أَيْ: مَضْرُوبَةٍ حَتَّى تُشْرِفَ عَلَى الْمَوْتِ (وَمُتَرَدِّيَةٍ)
أَيْ: وَاقِعَةٍ مِنْ عُلُوٍّ كَجَبَلٍ وَحَائِطٍ وَسَاقِطَةٍ فِي نَحْوِ بِئْرٍ (وَنَطِيحَةٍ) ؛ بِأَنْ نَطَحَتْهَا نَحْوُ بَقَرَةٍ (وَأَكِيلَةِ سَبُعٍ) أَيْ: حَيَوَانٍ مُفْتَرِسٍ؛ بِأَنْ أَكَلَ بَعْضَهَا نَحْوُ ذِئْبٍ أَوْ نَمِرٍ (وَمَرِيضَةٍ وَمَا صِيدَ بِشَبَكَةٍ أَوْ شَرَكٍ أَوْ أُحْبُولَةٍ أَوْ فَخٍّ) فَأَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَصِلْ إلَى حَدٍّ لَا يَعِيشُ مَعَهُ.
(أَوْ أَنْقَذَهُ) ؛ أَيْ: الْحَيَوَانَ (مِنْ مَهْلَكَةٍ) وَلَمْ يَصِلْ إلَى مَا لَمْ تَبْقَ الْحَيَاةُ مَعَهُ (فَذَكَّاهُ وَحَيَاتُهُ تُمْكِنُ زِيَادَتُهَا عَلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ؛ وَلَوْ انْتَهَى إلَى حَالٍ لَا يَعِيشُ مَعَهُ؛ حَلَّ أَكْلُهُ وَلَوْ مَعَ عَدَمِ تَحَرُّكِهِ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ طَرْفِ عَيْنٍ أَوْ مَصْعِ ذَنَبٍ) ؛ أَيْ: تَحَرُّكِهِ وَضَرْبِ الْأَرْضِ بِهِ (وَالِاحْتِيَاطُ ذَلِكَ) ؛ أَيْ: أَنْ لَا يُؤْكَلَ مَا ذُبِحَ مِمَّا ذُكِرَ إلَّا مَعَ تَحَرُّكٍ وَلَوْ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ طَرْفِ عَيْنٍ أَوْ مَصْعِ ذَنَبٍ وَتَحْرِيكِ أُذُنٍ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ صَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " وَغَيْرِهِ.
(وَسُئِلَ) الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ شَاةٍ مَرِيضَةٍ ذُبِحَتْ، فَلَمْ يُعْلَمْ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّهَا طَرَفَتْ بِعَيْنِهَا أَوْ تَحَرَّكَتْ يَدُهَا أَوْ رِجْلُهَا أَوْ ذَنَبُهَا بِضَعْفٍ، فَنَهَرَ الدَّمُ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ وَمَا وُجِدَ مِنْهُ مَا يُقَارِبُ الْحَرَكَةَ الْمَعْهُودَةَ فِي الذَّبْحِ الْمُعْتَادِ بَعْدَ ذَبْحِهِ دَلَّ عَلَى إمْكَانِ الزِّيَادَةِ قَبْلَهُ؛ فَيَحِلُّ نَصًّا، وَمَا لَمْ يَبْقَ فِيهِ إلَّا حَرَكَةُ الْمَذْبُوحِ لَمْ يَحِلَّ بِالذَّبْحِ (وَمَا قُطِعَ حُلْقُومُهُ أَوْ أُبِينَتْ حَشْوَتُهُ وَنَحْوُهُ) مِمَّا لَا تَبْقَى مَعَهُ حَيَاةٌ (فَوُجُودُ حَيَاتِهِ كَعَدَمِهَا) فَلَا يَحِلُّ بِذَكَاةٍ.
الشَّرْطُ (الرَّابِعُ قَوْلُ بِسْمِ اللَّهِ عِنْدَ حَرَكَةِ يَدِهِ) ؛ أَيْ: الذَّابِحِ (لَا يَقُومُ مَقَامَهَا غَيْرُهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] وَالْفِسْقُ الْحَرَامُ (وَلَا يَضُرُّ فَصْلُهُ) ؛ أَيْ الذَّبْحِ (بِنَحْوِ أَكْلِ) لُقْمَةٍ (وَشُرْبِ) مَاءٍ.
قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَإِنْ أَضْجَعَ شَاةً لِيَذْبَحَهَا، وَسَمَّى، ثُمَّ أَلْقَى السِّكِّينَ وَأَخَذَ أُخْرَى، أَوْ رَدَّ سَلَامًا، أَوْ كَلَّمَ إنْسَانًا أَوْ اسْتَسْقَى مَاءً وَذَبَحَ؛ حَلَّ لِأَنَّهُ سَمَّى
عَلَى تِلْكَ الشَّاةِ بِعَيْنِهَا وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا إلَّا بِفَصْلٍ يَسِيرٍ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَتَكَلَّمْ. انْتَهَى.
وَإِنَّمَا اخْتَصَّ بِلَفْظِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ التَّسْمِيَةِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ (وَتُجْزِئُ) التَّسْمِيَةُ بِغَيْرِ عَرَبِيَّةٍ (وَلَوْ أَحْسَنَهَا) ؛ أَيْ: الْعَرَبِيَّةَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى، وَقِيَاسُهُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ وَالتَّيَمُّمُ، بِخِلَافِ التَّكْبِيرِ وَالسَّلَامِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ لَفْظُهُ (وَ) يُجْزِئُ (أَنْ يُشِيرَ أَخْرَسُ) بِالتَّسْمِيَةِ بِرَأْسِهِ أَوْ طَرْفِهِ إلَى السَّمَاءِ لِقِيَامِهَا مَقَامَ النُّطْقِ (وَسُنَّ مَعَ تَسْمِيَةٍ تَكْبِيرٌ) لِمَا ثَبَتَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام:«كَانَ إذَا ذَبَحَ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُ أَكْبَرُ» وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولهُ وَلَا خِلَافَ أَنَّ قَوْلَ بِسْمِ اللَّهِ يُجْزِئُهُ.
وَ (لَا) يُسَنُّ (صَلَاةٌ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) عِنْدَ الذَّبْحِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَرِدْ وَلَا تَلِيقُ بِالْمَقَامِ كَزِيَادَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
(وَمَنْ بَدَا لَهُ ذَبْحٌ غَيْرُ مَا سُمِّيَ عَلَيْهِ) بِأَنْ سَمَّى عَلَى شَاةٍ مَثَلًا، ثُمَّ أَرَادَ ذَبْحَ غَيْرِهَا (أَعَادَ التَّسْمِيَةَ وُجُوبًا) فَإِنْ ذَبَحَ الثَّانِيَةَ بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا، لَمْ تَحِلَّ سَوَاءٌ أَرْسَلَ الْأُولَى أَوْ ذَبَحَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الثَّانِيَةَ بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ.
(وَتَسْقُطُ) التَّسْمِيَةُ (بِسَهْوٍ لَا جَهْلٍ) فَلَوْ ذَكَرَ التَّسْمِيَةَ فِي الثَّانِيَةِ أَتَى بِهَا وُجُوبًا؛ لِحَدِيثِ شَدَّادِ بْنِ سَعْدٍ مَرْفُوعًا: «ذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ حَلَالٌ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ» أَخْرَجَهُ سَعِيدٌ.
وَلِحَدِيثِ: «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ» وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْعَمْدِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ (وَيَضْمَنُ أَجِيرٌ تَرْكَهَا) ؛ أَيْ: التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ (إنْ حُرِّمَتْ) بِأَنْ تَرَكَهَا عَمْدًا قَالَ فِي " النَّوَادِرِ " لِغَيْرِ شَافِعِيٍّ لِحِلِّهَا لَهُ.
وَفِي " الْفُرُوعِ " يَتَوَجَّهُ تَضْمِينُهُ النَّقْصَ إنْ حَلَّتْ عَلَيْهِ.
(وَمَنْ ذَكَرَ) عِنْدَ الذَّبْحِ (مَعَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى اسْمَ غَيْرِهِ؛ حُرِّمَ) عَلَيْهِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ شِرْكٌ (وَلَمْ يَحِلَّ) الْمَذْبُوحُ، رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ
(وَإِنْ جَهِلَ تَسْمِيَةً ذَابِحٌ) بِأَنْ لَمْ يُعْلَمْ أَسَمَّى الذَّابِحُ (أَمْ) لَا وَلَمْ يُعْلَمْ (هَلْ ذَكَرَ مَعَ اسْمِ اللَّهِ غَيْرَهُ أَمْ لَا فَحَلَالٌ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ «قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ قَوْمًا حَدِيثُو عَهْدٍ بِشِرْكٍ