الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِيمَا دُونَهُمَا) ؛ أَيْ: الْأُصْبُعِ وَالْأُنْمُلَةِ.
وَلَا يُقَوَّمُ مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ حَتَّى يَبْرَأَ؛ لِيَسْتَقِرَّ الْأَرْشُ؛ (فَلَوْ لَمْ تُنْقِصْهُ الْجِنَايَةُ) حَالَ بُرْءٍ؛ (قُوِّمَ حَالَ جَرَيَانِ دَمٍ) ؛ لِئَلَّا تَذْهَبَ الْجِنَايَةُ عَلَى مَعْصُومٍ هَدْرًا (فَإِنْ لَمْ تُنْقِصْهُ) الْجِنَايَةُ (أَيْضًا) ؛ أَيْ: حَالَ جَرَيَانِ دَمٍ (أَوْ زَادَتْهُ) الْجِنَايَةُ (حُسْنًا) ؛ لِقَطْعِ سَلْعَةٍ أَوْ ثُؤْلُولٍ (فَلَا شَيْءَ فِيهِمَا) ؛ لِأَنَّهُ لَا نَقْصَ بِهَا.
[بَابُ الْعَاقِلَةِ وَمَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ مِنْ الدِّيَةِ]
(وَهِيَ) أَيْ: الْعَاقِلَةُ (مَنْ غَرِمَ ثُلُثَ دِيَةِ ذَكَرٍ مُسْلِمٍ فَأَكْثَرَ) مِنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ (بِسَبَبِ جِنَايَةِ غَيْرِهِ) ؛ أَيْ: الْغَارِمِ، سُمُّوا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْقِلُونَ، يُقَالُ: عَقَلْتُ فُلَانًا إذَا أَعْطَيْتُ دِيَتَهُ، وَعَقَلْتُ عَنْ فُلَانٍ إذَا غَرِمْت عَنْهُ دِيَةَ جِنَايَةٍ، وَأَصْلُهُ مِنْ عَقْلِ الْإِبِلِ وَهِيَ الْحِبَالُ الَّتِي تُثْنَى بِهَا أَيْدِيهَا ذَكَرَهُ الْأَزْهَرِيُّ، وَقِيلَ مِنْ الْعَقْلِ؛ أَيْ: الْمَنْعِ؛ لِأَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ عَنْ الْقَاتِلِ، أَوْ؛ لِأَنَّهَا تَعْقِلُ لِسَانَ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ، وَلَمَّا عَرَّفَ الْعَاقِلَةَ بِالْحُكْمِ الْمُنْتَقَدِ بِالدَّوْرِ؛ احْتَاجَ إلَى دَفْعِهِ فَقَالَ:(وَعَاقِلَةُ جَانٍ) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى (ذُكُورُ عَصَبَتِهِ نَسَبًا) كَالْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَالْإِخْوَةِ لِغَيْرِ أُمٍّ وَالْأَعْمَامُ كَذَلِكَ (وَوَلَاءً) كَالْمُعْتَقِ وَعَصَبَتِهِ الْمُتَعَصِّبِينَ بِأَنْفُسِهِمْ، قَرِيبِهِمْ وَبَعِيدِهِمْ، حَاضِرِهِمْ وَغَائِبِهِمْ، صَحِيحِهِمْ وَمَرِيضِهِمْ، وَلَوْ هَرَمًا وَزَمِنًا وَأَعْمَى (لَكِنْ يَعْقِلُ عَنْ مُعْتَقَةٍ عَصَبَتُهَا الذُّكُورُ) وَلِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ:«قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لِحْيَانَ سَقَطَ مَيِّتًا بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، ثُمَّ إنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ؛ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ مِيرَاثَهَا لَبِنْتَيْهَا وَزَوْجِهَا، وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى
أَنْ يَعْقِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ عَصَبَتُهَا مَنْ كَانُوا، وَلَا يَرِثُونَ مِنْهَا إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ وَرَثَتِهَا» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ.
(وَيَعْقِلُ عَمُودُ نَسَبِهِ) آبَاؤُهُ وَإِنْ عَلَوْا بِمَحْضِ الذُّكُورِ، وَأَبْنَاؤُهُ وَإِنْ نَزَلُوا بِمَحْضِ الذُّكُورِ؛ لِأَنَّهُمْ أَحَقُّ الْعَصَبَاتِ بِمِيرَاثِهِ، فَكَانُوا أَوْلَى بِتَحَمُّلِ عَقْلِهِ (وَ) يَعْقِلُ عَنْهُ الْجَانِي (مَنْ بَعُدَ) مِنْ ذُكُورِ عَصَبَتِهِ كَابْنِ ابْنِ ابْنِ عَمِّ جَدِّهِ؛ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْعَاقِلَةِ كَوْنُهُمْ وَارِثِينَ حَالَ الْعَقْلِ بَلْ مَتَى كَانُوا يَرِثُونَ لَوْلَا الْحَجْبُ عَقَلُوا؛ لِأَنَّهُمْ عَصَبَةٌ أَشْبَهَ سَائِرَ الْعَصَبَاتِ، يُحَقِّقُهُ: أَنَّ الْعَقْلَ مَوْضُوعٌ عَلَى التَّنَاصُرِ وَهُمْ مِنْ أَهْلِهِ، فَاسْتَوَى قَرِيبُهُمْ وَبَعِيدُهُمْ فِي الْعَقْلِ، وَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ بَعْدَهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُهُ: «لَا يَجْنِي عَلَيْك وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ» ؛ أَيْ: إثْمُ جِنَايَتِك لَا يَتَخَطَّاك إلَيْهِ، وَإِثْمُ جِنَايَتِهِ لَا يَتَخَطَّاهُ إلَيْك؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى.
{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] وَلَيْسَ مِنْ الْعَاقِلَةِ الزَّوْجُ وَلَا الْمَوْلَى مِنْ أَسْفَلَ وَهُوَ الْعَتِيقُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ، وَلَا مَوْلَى الْمُوَالَاةِ وَهُوَ الَّذِي يُوَالِي رَجُلًا يَجْعَلُ لَهُ وَلَاءَهُ وَنُصْرَتَهُ؛ لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَلَا الْحَلِيفُ الَّذِي يُحَالِفُ آخَرَ عَلَى التَّنَاصُرِ، وَلَا الْعَدِيدُ وَهُوَ الَّذِي لَا عَشِيرَةَ لَهُ يَنْضَمُّ إلَى عَشِيرَةٍ فَيُعَدُّ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِي ذَلِكَ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ
(لَكِنْ لَوْ عُرِفَ نَسَبُهُ) ؛ أَيْ: الْقَاتِلِ (مِنْ قَبِيلَتِهِ، وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْ أَيْ بُطُونِهَا) هُوَ (لَمْ يَعْقِلُوا) ؛ أَيْ: رِجَالُ الْقَبِيلَةِ (عَنْهُ) فَلَوْ قَتَلَ قُرَشِيٌّ، وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْ أَيِّ بُطُونِ قُرَيْشٍ لَمْ تَعْقِلْ قُرَيْشٌ عَنْهُ، كَمَا لَا يَرِثُونَهُ؛ لِتَفَرُّقِهِمْ وَصَيْرُورَةِ كُلِّ قَوْمٍ مِنْهُمْ يُنْسَبُونَ إلَى أَبٍ أَدْنَى يَتَمَيَّزُونَ بِهِ، وَلَا مَدْخَلَ لِأَهْلِ الدِّيوَانِ فِي الْمُعَاقَلَةِ، فَإِذَا قَتَلَ وَاحِدٌ مِنْ دِيوَانٍ لَهُمْ لَمْ يَعْقِلُوا عَنْهُ كَأَهْلِ مَحَلَّتِهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ.
(وَيَعْقِلُ) عَصَبَةُ (هَرِمٍ) غَنِيٍّ (وَزَمِنٍ) غَنِيٍّ (وَأَعْمَى) غَنِيٍّ (وَغَائِبٍ)
غَنِيٍّ (كَضِدِّهِمْ) ؛ أَيْ: كَشَابٍّ وَصَحِيحٍ وَبَصِيرٍ وَحَاضِرٍ؛ لِاسْتِوَائِهِمْ فِي التَّعْصِيبِ؛ وَكَوْنِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمُسَاوَاةِ.
. وَ (لَا) يَعْقِلُ (فَقِيرٌ وَلَوْ) كَانَ (مُعْتَمِلًا) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمُوَاسَاةِ كَالزَّكَاةِ؛ وَلِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ تَخْفِيفٌ عَنْ الْقَاتِلِ، فَلَا يَجُوزُ التَّثْقِيلُ عَلَى الْفَقِيرِ؛ لِأَنَّهُ كُلْفَةٌ وَمَشَقَّةٌ (بَلْ) يَعْقِلُ (الْمُوسِرُ وَهُوَ هُنَا مَنْ مَلَكَ نِصَابًا عِنْدَ حُلُولِ حَوْلٍ فَاضِلًا عَنْهُ كَحَجٍّ وَكَفَّارَةِ ظِهَارٍ)
(وَلَا) يَعْقِلُ (صَغِيرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ وَالْمُعَاضَدَةِ (أَوْ امْرَأَةٌ) وَلَوْ مُعْتَقَةً (أَوْ خُنْثَى مُشْكِلٌ) ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ امْرَأَةً (أَوْ قِنٌّ) ؛ لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ (أَوْ مُبَايِنٌ لِدِينِ جَانٍ) ؛ لِأَنَّ حَمْلَهَا لِلنُّصْرَةِ، وَلَا نُصْرَةَ لِمُخَالِفٍ فِي دِينِهِ (وَإِخْوَةٌ لِأُمٍّ أَوْ ذُو رَحِمٍ) ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ.
(وَلَا تَعَاقُلَ بَيْنَ ذِمِّيٍّ وَحَرْبِيٍّ) ؛ لِانْقِطَاعِ التَّنَاصُرِ بَيْنَهُمَا (وَيَتَعَاقَلُ أَهْلُ ذِمَّةٍ اتَّحَدَتْ مِلَلُهُمْ) كَمَا يَتَوَارَثُونَ؛ وَلِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ كَالْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَلُهُمْ؛ فَلَا تَعَاقُلَ كَمَا لَا تَوَارُثَ وَلَا يَعْقِلُ عَنْ الْمُرْتَدِّ أَحَدٌ لَا مُسْلِمٌ وَلَا ذِمِّيٌّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ فَخَطَؤُهُ فِي مَالِهِ.
(وَخَطَأُ إمَامٍ وَ) خَطَأُ (حَاكِمٍ فِي حُكْمِهِمَا فِي بَيْتِ الْمَالِ) لَا تَحْمِلُهُ عَاقِلَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَكْثُرُ فَيُجْحِفُ بِالْعَاقِلَةِ؛ وَلِأَنَّ الْإِمَامَ وَالْحَاكِمَ نَائِبَانِ عَنْ اللَّهِ، فَيَكُونُ أَرْشُ خَطَئِهِمَا فِي مَالِ اللَّهِ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ؛ فَعَلَى الْمَذْهَبِ لِلْإِمَامِ عَزْلُ نَفْسِهِ.
ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَ " الْمُبْدِعِ " وَ " التَّنْقِيحِ " وَكَذَا الْحُكْمُ إنْ زَادَ سَوْطًا كَخَطَأٍ فِي حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ أَوْ جَهْلِ الْإِمَامِ أَوْ الْحَاكِمِ حَمْلًا أَوْ بَانَ مَنْ حَكَمَا بِشَهَادَتِهِ غَيْرَ أَهْلٍ، فَإِنَّهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْخَطَأِ فِي الْحُكْمِ كَخَطَأِ وَكِيلٍ، فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا تَلِفَ مِنْهُ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ، بَلْ يَضَعُ عَلَى مُوَكِّلِهِ، أَوْ كَخَطَأِ وَكِيلٍ يَتَصَرَّفُ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ كَالْوُزَرَاءِ، فَخَطَؤُهُ فِي حُكْمِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَخَطَؤُهُمَا) ؛ أَيْ:
الْإِمَامِ وَالْحَاكِمِ (فِي غَيْرِ حُكْمٍ) كَرَمْيِهِمَا صَيْدًا فَيُصِيبَا آدَمِيًّا (عَلَى عَاقِلَتِهِمَا) كَخَطَأِ غَيْرِهِمَا.
(وَمَنْ لَا عَاقِلَةَ لَهُ كَلَقِيطٍ أَوْ لَهُ) عَاقِلَةٌ (وَعَجَزَتْ عَنْ الْجَمِيعِ) أَيْ: جَمِيعِ مَا وَجَبَ بِجِنَايَتِهِ خَطَأً (فَالْوَاجِبُ) مِنْ الدِّيَةِ إنْ لَمْ تَكُنْ عَاقِلَةً أَوْ كَانَتْ وَعَجَزَتْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا (أَوْ تَتِمَّتِهِ) إنْ عَجَزَتْ عَنْ بَعْضِهِ وَقَدَرَتْ عَلَى الْبَعْضِ (مَعَ كُفْرِ جَانٍ عَلَيْهِ) فِي مَالِهِ حَالًّا (وَمَعَ إسْلَامِهِ) ؛ أَيْ: الْجَانِي؛ الْوَاجِبُ أَوْ تَتِمَّتُهُ (فِي بَيْتِ الْمَالِ حَالًّا) .
«؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام وَدَى الْأَنْصَارِيَّ الَّذِي قُتِلَ بِخَيْبَرَ فِي بَيْتِ الْمَالِ» ، وَلِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَرِثُونَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ؛ فَيَعْقِلُونَ عَنْهُ عِنْدَ عَدَمَ عَاقِلَتِهِ.
(وَتَسْقُطُ) الدِّيَةُ (بِتَعَذُّرِ أَخْذٍ مِنْهُ) ؛ أَيْ: مِنْ بَيْتِ الْمَالِ حَيْثُ وَجَبَتْ فِيهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاتِلِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَعْرُوفُ عَنْدَ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيِّ وَصَاحِبُ " الْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ " وَغَيْرُهُمْ.
قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ ": هَذَا الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ ابْتِدَاءً بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِهَا غَيْرُهُمْ، وَلَا يُعْتَبَرُ تَحَمُّلُهُمْ وَلَا رِضَاهُمْ بِهَا، فَلَا تُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ عَدِمَ الْقَاتِلُ، وَحَيْثُ سَقَطَتْ الدِّيَةُ بِتَعَذُّرِ أَخْذِهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَ (لَا شَيْءَ عَلَى الْعَاقِلَةِ) أَيْضًا؛ لِعَجْزِهَا عَنْ أَدَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهَا مِنْ الدِّيَةِ؛ وَهُوَ رِوَايَةٌ حَكَاهَا صَاحِبُ الْفُرُوعِ ".
(وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ أَنَّهَا (لَوْ أَيْسَرَتْ) الْعَاقِلَةُ (بَعْدَ ذَلِكَ) ؛ أَيْ: بَعْدَ عَجْزِهَا؛ وَسُقُوطِ الدِّيَةِ عَنْهَا بِالْعَجْزِ (أُخِذَتْ) الدِّيَةُ (مِنْهَا) كَامِلَةً لِئَلَّا
يَضِيعَ دَمُ الْمُسْلِمِ هَدْرًا، وَهَذَا (مُتَّجِهٌ) .
وَيَتَّجِهُ أَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ أَخْذُ الدِّيَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَتَجِبُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ (وَلَا يَسْقُطُ مَا وَجَبَ عَلَى جَانٍ وَلَوْ عَجَزَ عَنْهُ) فِي رِوَايَةٍ.
قَالَ: فِي " الْمُقْنِعِ ": وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إهْدَارِ دَمِ الْأَحْرَارِ فِي أَغْلَبِ الْأَحْوَالِ؛ فَإِنَّهُ لَا تَكَادُ تُوجَدُ عَاقِلَةٌ تَحْمِلُ الدِّيَةَ كُلَّهَا، وَلَا سَبِيلَ إلَى الْأَخْذِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ فَتَضِيعُ الدِّمَاءُ، وَالدِّيَةُ تَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ، ثُمَّ تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ، وَإِنْ سَلَّمْنَا وُجُوبَهَا عَلَيْهِمْ ابْتِدَاءً لَكِنْ مَعَ وُجُودِهِمْ كَمَا قَالُوا فِي الْمُرْتَدِّ: يَجِبُ أَرْشُ خَطَئِهِ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا عَاقِلَةَ لَهُ تَحْمِلُهَا وَعَجَزَ، هَذَا الِاتِّجَاهُ فِيهِ مَا فِيهِ وَالْمَذْهَبُ مَا تَقَدَّمَ
(وَمَنْ تَغَيَّرَ دِينُهُ) بِأَنْ كَانَ كَافِرًا فَأَسْلَمَ (أَوْ انْجَرَّ وَلَاؤُهُ) عَنْ مَوَالِي أُمِّهِ لِمُعْتِقِ أَبِيهِ (وَقَدْ رَمَى) صَيْدًا (ثُمَّ أَصَابَ) آدَمِيًّا، فَقَتَلَهُ (بَعْدَ تَغْيِيرِ دِينِهِ أَوْ) بَعْدَ (انْجِرَارِ وَلَائِهِ) بِعِتْقِ أَبِيهِ (فَالْوَاجِبُ) مِنْ الدِّيَةِ (فِي مَالِهِ) ؛ لِأَنَّهُ