الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ فِي " الِانْتِصَارِ " فِي إعَادَةِ فَاسِقٍ شَهَادَتُهُ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ رَدَّهُ لَهَا حُكْمٌ بِالرَّدِّ، فَقَبُولُهَا نَقْضٌ لَهُ؛ فَلَا يَجُوزُ، بِخِلَافِ صَبِيٍّ وَعَبْدٍ لِإِلْغَاءِ قَوْلِهِمَا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رَدِّ عَبْدٍ: لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ مَضَى، وَالْمُخَالَفَةُ فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ نَقْضٌ مَعَ الْعِلْمِ، وَأَمَّا إذَا ثَبَتَ شَيْءٌ عِنْدَ الْقَاضِي كَوَقْفٍ وَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ؛ فَثُبُوتُهُ لَيْسَ حُكْمًا بِهِ، بِخِلَافِ إثْبَاتِ صِفَةٍ كَعَدَالَةٍ وَأَهْلِيَّةِ وَصِيَّةٍ، فَهُوَ حُكْمٌ، وَكَذَا ثُبُوتُ سَبَبِ الْمُطَالَبَةِ كَفَرْضِهِ مَهْرَ مِثْلٍ أَوْ نَفَقَةً أَوْ أُجْرَةً كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَيُتَّجَهُ فَحُكْمُهُ) أَيْ الْقَاضِي (بِصِحَّةِ نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ) حَيْثُ رَآهُ (حُكْمٌ بِلَازِمِهِ) أَيْ: النِّكَاحِ (مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَمَهْرٍ) وَهَذَا مِمَّا لَا رَيْبَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقَوَاعِدَ تَقْتَضِيهِ (وَإِقْرَارُهُ) أَيْ: الْقَاضِي مُكَلِّفٌ غَيْرَهُ (عَلَى فِعْلٍ مُخْتَلِفٍ فِيهِ) كَتَزْوِيجٍ بِلَا وَلِيٍّ فُعِلَ بِحَضْرَتِهِ، أَوْ بَلَغَهُ وَسَكَتَ لَيْسَ حُكْمًا بِصِحَّتِهِ أَوْ حِلِّهِ إذْ الْإِقْرَارُ عَدَمُ التَّعَرُّضِ لَهُ (وَبِثُبُوتِ شَيْءٍ عِنْدَهُ) أَيْ: الْقَاضِي كَوَقْفٍ وَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ (لَيْسَ حُكْمًا بِهِ) .
[فَصْلٌ تَنْفِيذُ الْحُكْمِ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ الْحُكْمِ الْمُنَفَّذِ]
فَصْلٌ (وَتَنْفِيذُ الْحُكْمِ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ الْحُكْمِ الْمُنَفَّذِ) قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: لَا أَنَّهُ أَيْ: التَّنْفِيذُ (حُكْمٌ) بِالْمَحْكُومِ بِهِ (إذْ الْحُكْمُ بِالْمَحْكُومِ بِهِ تَحْصِيلٌ لِلْحَاصِلِ، وَفِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ) أَيْ: التَّنْفِيذُ (حُكْمٌ) أَيْ: إذَا كَانَ التَّرَافُعُ عَنْ خُصُومَةٍ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّرْحِ " وَشَرْحُ الْمُحَرَّرِ "(لِأَنَّ الْحَادِثَةَ) الشَّخْصِيَّةَ الْوَاحِدَةَ (يَجُوزُ شَرْعًا تَوَارُدُ أَحْكَامٍ
مُتَعَدِّدَةٍ) مُتَّفِقَةٍ فِي الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ (عَلَيْهَا) وَالتَّنْفِيذُ الْمُتَعَارَفُ الْآنَ الْمُسْتَعْمَلُ غَالِبًا مَعْنَاهُ إحَاطَةُ الْقَاضِي عِلْمًا بِحُكْمِ الْقَاضِي الْأَوَّلِ عَلَى وَجْهِ التَّسْلِيمِ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَرَضٍ عِنْدَهُ، وَيُسَمَّى اتِّصَالًا وَيَتَجَوَّزُ بِذِكْرِ الثُّبُوتِ وَالتَّنْفِيذِ فِيهِ.
ذَكَرَهُ ابْنُ الْفَرَسِ الْحَنَفِيُّ (وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ) أَيْ: الْأَصْحَابِ (أَنَّهُ) أَيْ: التَّنْفِيذُ (عَمَلٌ بِالْحُكْمِ) الْمُنَفَّذِ (وَإِجَازَةٌ لَهُ وَإِمْضَاءٌ كَتَنْفِيذِ) الْوَارِثِ (الْوَصِيَّةَ) حَيْثُ تَوَقَّفَتْ عَلَى الْإِجَازَةِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ التَّنْفِيذَ لَيْسَ بِحُكْمٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَلِأَنَّ الْحُكْمَ الْمَحْكُومَ بِهِ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ، وَهُوَ مُحَالٌ، وَإِنَّمَا هُوَ عَمَلٌ بِالْحُكْمِ وَإِمْضَاءٌ لَهُ كَتَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ وَإِجَازَةٌ لَهُ، فَكَأَنَّهُ يُجِيزُ هَذَا الْمَحْكُومَ بِهِ بِعَيْنِهِ، - لِحُرْمَةِ الْحُكْمِ، وَإِنْ كَانَ حَبْسُ ذَلِكَ الْمَحْكُومِ بِهِ غَيْرَهُ، وَمَعْنَى التَّنْفِيذِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَحْصُلَ مِنْ الْخَصْمِ مُنَازَعَةٌ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ وَيُرْفَعُ إلَيْهِ حُكْمُ الْأَوَّلِ، فَيُمْضِيهِ وَيُنْفِذُهُ، وَيَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ.
(وَالْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ وَالْحِيَازَةِ قَطْعًا) فَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ ابْتَاعَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَيْنًا، وَاعْتَرَفَ لَهُ بِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِلْحَاكِمِ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ حَتَّى يَدَّعِيَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ بَاعَهُ الْعَيْنَ الْمَذْكُورَةَ وَهُوَ مَالِكٌ أَوْ مَأْذُونٌ لَهُ، وَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ بِذَلِكَ، فَأَمَّا لَوْ اعْتَرَفَ لَهُ الْبَائِعُ بِذَلِكَ فَلَا يَكْفِي فِي جَوَازِ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ اعْتِرَافَهُ يَقْتَضِي ادِّعَاءَهُ مِلْكَ الْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ وَقْتَ الْبَيْعِ، وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، فَلَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِمِلْكِهِ وَحِيَازَتِهِ حَالَةَ الْبَيْعِ حَتَّى يُسَوَّغَ لِلْحَاكِمِ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ.
(وَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ - بِفَتْحِ الْجِيمِ - حُكْمٌ بِمُوجَبِ الدَّعْوَى الثَّابِتَةِ بَيِّنَتُهُ أَوْ غَيْرِهَا) أَيْ: بِمَا تَرَتَّبَ عَلَى الدَّعْوَةِ الثَّابِتَةِ بِذَلِكَ (كَ: بِإِقْرَارٍ) وَنُكُولٍ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ الشَّيْءِ هُوَ أَثَرُهُ الَّذِي تَرَتَّبَ عَلَيْهِ (فَالدَّعْوَى الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى مَا يَقْتَضِي صِحَّةَ الْعَقْدِ الْمُدَّعَى بِهِ) مِنْ بَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِمَا (الْحُكْمُ فِيهَا بِالْمُوجَبِ حُكْمٌ بِالصِّحَّةِ) لِأَنَّ الصِّحَّةَ مِنْ مُوجَبِهِ كَسَائِرِ آثَارِهِ. قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: فَيَكُونُ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ حِينَئِذٍ أَقْوَى مُطْلَقًا لِسِعَتِهِ وَتَنَاوُلِهِ الصِّحَّةَ.
(وَ) آثَارُهَا
وَالدَّعْوَى (غَيْرُ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ: مَا يَقْتَضِي صِحَّةَ الْعَقْدِ الْمُدَّعَى بِهِ كَأَنْ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَهُ الْعَيْنَ فَقَطْ (الْحُكْمُ فِيهَا بِالْمُوجَبِ لَيْسَ حُكْمًا بِهَا) أَيْ: الصِّحَّةِ، إذْ مُوجَبُ الدَّعْوَى حِينَئِذٍ حُصُولُ صُورَةِ بَيْعٍ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ تَشْتَمِلْ الدَّعْوَى عَلَى مَا يَقْتَضِي صِحَّتَهُ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّ الْعَيْنَ كَانَتْ لِلْبَائِعِ مِلْكًا؛ وَلَمْ تَقُمْ بِهِ بَيِّنَتُهُ وَصِحَّةُ الْعَقْدِ يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ. لَا يُقَالُ هُوَ أَيْضًا فِي الْأُولَى لَمْ يَدَعْ الصِّحَّةَ فَكَيْفَ يُحْكَمُ لَهُ بِهَا؟ لِأَنَّ دَعْوَاهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ صَرِيحَةً فَهِيَ وَاقِعَةٌ ضِمْنًا؛ لِأَنَّهَا مَقْصُودُ الْمُشْتَرِي (وَقَالَ التَّقِيُّ السُّبْكِيُّ) وَتَبِعَهُ ابْنُ قُنْدُسٍ (الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ يَسْتَدْعِي صِحَّةَ الصِّيغَةِ) أَيْ: الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ قَوْلَيْنِ كَانَا أَوْ فِعْلَيْنِ أَوْ صِيغَةَ الْوَقْفِ أَوْ الْعِتْقِ كَذَلِكَ (وَأَهْلِيَّةَ التَّصَرُّفِ) مِنْ بَائِعٍ وَوَاقِفٍ وَنَحْوِهِمَا (وَيَزِيدُ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ كَوْنُ تَصَرُّفِهِ فِي مَحَلِّهِ) بِأَنْ يَكُونَ تَصَرُّفُهُ فِيمَا يَمْلِكُهُ وَلَا مَانِعَ مِنْهُ.
(وَقَالَ السُّبْكِيُّ أَيْضًا، الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ هُوَ الْأَثَرُ) أَيْ: الْحُكْمُ بِالْأَثَرِ (الَّذِي يُوجِبُهُ اللَّفْظُ) أَيْ: يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ صِيغَةُ الْعَاقِدِ (وَالْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ كَوْنُ اللَّفْظِ) أَيْ: الصِّيغَةِ (بِحَيْثُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْأَثَرُ) مِنْ انْتِقَالِ الْمِلْكِ وَنَحْوِهِ؛ فَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ حُكْمٌ عَلَى الْعَاقِدِ بِمُقْتَضَى عَقْدِهِ، لَا حُكْمٌ بِالْعَقْدِ، بِخِلَافِ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ، وَهُمَا أَيْ: الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ وَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ (مُخْتَلِفَانِ فَلَا يُحْكَمُ بِالصِّحَّةِ إلَّا بِاجْتِمَاعِ الشُّرُوطِ) أَيْ: شُرُوطِ الْعَقْدِ الْمَحْكُومِ بِصِحَّتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَجْتَمِعْ فَهُوَ حُكْمٌ بِالْمُوجَبِ (وَالْحُكْمُ بِالْإِقْرَارِ) وَنَحْوِهِ كَالنُّكُولِ (كَالْحُكْمِ بِمُوجَبِهِ) إذْ مَعْنَاهُ إلْزَامُ الْمُقِرِّ بِمَا أَقَرَّ بِهِ، وَهُوَ أَثَرُ إقْرَارِهِ وَلَا يُحْكَمُ بِالصِّحَّةِ. نَقَلَهُ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ عَنْ شَيْخِهِ الْبُلْقِينِيِّ، وَقَالَ: وَلَا يَظْهَرُ لِهَذَا مَعْنًى، فَلْيُتَأَمَّلْ.
وَقَدْ رَجَعَ الشَّيْخُ إلَى مَا ذُكِرَ أَوَّلًا مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ (وَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ لَا يَشْمَلُ الْفَسَادَ انْتَهَى) هَذَا رَدٌّ لِقَوْلِ الْقَائِلِ إنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ لَا فَائِدَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ حَكَمْتُ بِصِحَّتِهِ إنْ كَانَ صَحِيحًا، وَبِفَسَادِهِ إنْ كَانَ فَاسِدًا، فَهُوَ تَحْصِيلٌ لِلْحَاصِلِ، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ
أَنَّ مُوجَبَهُ هِيَ آثَارُهُ الَّتِي تَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ وَالْفَسَادُ لَيْسَ مِنْهَا؛ فَلَا يَشْمَلُهُ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ (قَالَ الْمُنَقَّحُ: وَالْعَمَلُ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالُوا أَيْ:) الْأَصْحَابُ (الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ) لِأَنَّهُ حُكْمٌ عَلَى الْعَاقِدِ بِمُقْتَضَى مَا ثَبَتَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَقْدِ، فَلَوْ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ، وَحَكَمَ بِمُوجَبِهِ مَنْ يَرَاهُ؛ فَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ سَمَاعُ دَعْوَى الْوَاقِفِ فِي إبْطَالِ الْوَقْفِ بِمُقْتَضَى مَا ثَبَتَ كَوْنُهُ وَقْفًا عَلَى النَّفْسِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ مُوجَبُهُ؛ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْوَقْفِ، كَكَوْنِ الْمَوْقُوفِ مَرْهُونًا.
(وَتَلْخِيصُهُ) أَيْ: مَا ذُكِرَ (عَلَى مَا أَفَادَهُ) الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ وَشَيْخُهُ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ إنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ بِاسْتِيفَاءِ شُرُوطِ عَقْدٍ يُرَادُ الْحُكْمُ بِهِ؛ (حُكِمَ بِصِحَّتِهِ، وَإِلَّا) تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِاسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ (حُكِمَ بِمُوجَبِهِ) كَمَا تَقَدَّمَ، إذَا تَقَرَّرَ هَذَا؛ فَالْحُكْمُ (بِالْمُوجَبِ) عِنْدَهُمَا (أَحَطُّ رُتْبَةً) مِنْ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ.
(وَقَدْ يَسْتَوِيَانِ) أَيْ: الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ وَالْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ (فِي مَسَائِلَ كَحُكْمِ حَنَفِيٍّ بِصِحَّةِ نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ أَوْ بِمُوجَبِهِ أَوْ بِشُفْعَةِ جَارٍ أَوْ وَقْفٍ عَلَى نَفْسٍ؛ فَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ نَقْضُهُ) سَوَاءٌ حَكَمَ بِصِحَّةِ ذَلِكَ أَوْ بِمُوجَبِهِ (وَكَحُكْمِ شَافِعِيٍّ بِصِحَّةِ أَوْ مُوجَبِ إجَارَةِ) جُزْءٍ مُشَاعٍ مِنْ دَارٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ نَحْوِهِمَا (فَلَيْسَ لِلْحَنَفِيِّ نَقْضُهُ) سَوَاءٌ حَكَمَ بِالصِّحَّةِ أَوْ بِالْمُوجَبِ (وَقَدْ يَخْتَلِفَانِ) فِي مَسَائِلَ يَكُونُ فِي بَعْضِهَا الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ أَقْوَى، وَفِي بَعْضِهَا الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ أَقْوَى.
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (كَحُكْمِ حَنَفِيٍّ بِصِحَّةِ تَدْبِيرٍ، فَيُسَوَّغُ لِلشَّافِعِيِّ الْحُكْمُ بِبَيْعِهِ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ صَحِيحٌ، وَلَكِنْ يُبَاعُ، فَلَوْ حَكَمَ حَنَفِيٌّ بِمُوجَبِهِ) ؛ أَيْ: التَّدْبِيرِ (لَمْ يَكُنْ لِلشَّافِعِيِّ الْحُكْمُ بِبَيْعِهِ؛ لِأَنَّ مِنْ مُوجَبِ التَّدْبِيرِ عِنْدَهُ عَدَمُ بَيْعِهِ، وَ) مِنْهُ أَيْضًا (لَوْ حَكَمَ شَافِعِيٌّ بِصِحَّةِ شِرَاءِ دَارٍ لَهَا جَارٌ؛ سَاغَ لِلْحَنَفِيِّ الْحُكْمُ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ عِنْدَهُ صَحِيحٌ مُسَلَّطٌ لِأَخْذِ الْجَارِ) كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ فِي بَيْعِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ (وَلَوْ حَكَمَ الشَّافِعِيُّ بِمُوجَبِ الشِّرَاءِ) لِلدَّارِ الْمَذْكُورَةِ (لَمْ يَكُنْ لِلْحَنَفِيِّ الْحُكْمُ بِهَا) أَيْ: بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ (لِأَنَّ مِنْ مُوجَبِهِ عِنْدَهُ) أَيْ:
الشَّافِعِيِّ (دَوَامَهُ) أَيْ: دَوَامَ الْحُكْمِ (وَاسْتِمْرَارَهُ. وَالْقَضِيَّةُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا فَمَا كَانَ مِنْهَا قَدْ جَاءَ وَقْتُ الْحُكْمِ فِيهَا؛ نَفَذَ، وَمَا لَا) يَكُونُ قَدْ جَاءَ وَقْتُ الْحُكْمِ فِيهِ (فَلَا يَنْفُذُ، فَالْأَوَّلُ كَحُكْمِ حَنَفِيٍّ بِمُوجَبِ التَّدْبِيرِ بَعْدَ صُدُورِهِ؛ فَحُكْمُهُ بِهِ فِي وَقْتِهِ) بَعْدَ وُجُودِهِ (فَلَا يُسَوَّغُ نَقْضُهُ، وَصَارَ الْمُدَبَّرُ كَأُمِّ الْوَلَدِ) فِي الْحُكْمِ (وَالثَّانِي أَنْ يُعَلِّقَ شَخْصٌ طَلَاقَ أَجْنَبِيَّةٍ. بِتَزْوِيجِهَا؛ فَيَحْكُمُ مَالِكِيٌّ أَوْ حَنَفِيٌّ بِمُوجَبِهِ، فَإِذَا تَزَوَّجَ بِهَا، وَبَادَرَ شَافِعِيٌّ، وَحَكَمَ بِاسْتِمْرَارِ الْعِصْمَةِ؛ نَفَذَ حُكْمُهُ، وَلَمْ يَكُنْ)
حُكْمُ الشَّافِعِيِّ (نَقْضًا لِلْحُكْمِ وَحُكْمِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ) أَيْ الْحَنَفِيِّ وَالْمَالِكِيِّ بِمُوجَبِ تَعْلِيقِ طَلَاقِ امْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ عَلَى التَّزْوِيجِ بِهَا قَبْلَ التَّزَوُّجِ بِهَا (لَمْ يَتَنَاوَلْ الطَّلَاقَ) وَلَا دَخَلَ فِي مُوجَبِ وُقُوعِهِ بَعْدَ التَّزَوُّجِ (لِأَنَّهُ أَيْ:) الطَّلَاقُ (أَمْرٌ لَمْ يَقَعْ) لِعَدَمِ مُصَادَفَتِهِ عِصْمَةً (حِينَ الْحُكْمِ) الصَّادِرِ مِنْ الْحَنَفِيِّ أَوْ الْمَالِكِيِّ، فَإِنَّ التَّزَوُّجَ إلَى الْآنَ لَمْ يَقَعْ، وَقَدْ لَا يُوجَدُ (فَكَيْفَ يُحْكَمُ عَلَى مَا لَمْ يَقَعْ) وَلَا يَدْرِي هَلْ يَقَعُ أَوْ لَا (فَمَا هَذَا الصَّادِرُ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ ذَلِكَ الْحُكْمِ (إلَّا مُجَرَّدُ فَتْوَى لَا حُكْمَ) ؛ إذْ لَوْ كَانَ حُكْمًا لَرُفِعَ الْخِلَافُ، وَامْتَنَعَ عَلَى مَنْ لَا يَرَاهُ نَقْضُهُ (وَتَسْمِيَتُهُ حُكْمًا إمَّا جَهْلٌ أَوْ تَجَوُّزٌ) . انْتَهَى.
وَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ حُكْمٌ عَلَى الْعَاقِدِ بِمُقْتَضَى عَقْدِهِ، لَا حُكْمٌ بِالْعَقْدِ، وَتَقَدَّمَ، وَلَا يَخْفَى مَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّفَاوُتِ قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ، وَذَكَرَ الْغَزِّيِّ فُرُوقًا بَيْنَ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَبَيْنَ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ مِنْهَا مَا سَبَقَ، وَمِنْهَا أَنَّ كُلَّ دَعْوَى كَانَ الْمَطْلُوبُ فِيهَا إلْزَامُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ فِيهَا بِالْإِلْزَامِ هُوَ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ، وَلَا يَكُونُ بِالصِّحَّةِ، لَكِنْ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ، إقْرَارًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَمِنْهَا الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ، وَمِنْهَا أَنَّ الْحُكْمَ يَتَضَمَّنُ أَشْيَاءَ لَا يَتَضَمَّنُهَا الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ؛ فَلَوْ حَكَمَ بِصِحَّةِ عَقْدِ الْبَيْعِ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ إثْبَاتَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ، وَلَا فَسْخَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا، وَلَوْ حَكَمَ بِمُوجَبِهِ وَالْإِلْزَامِ بِمُقْتَضَاهُ؛ امْتَنَعَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْفَسْخِ. انْتَهَى.