الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَيَّاتٍ وَأَشْبَاهِ الذُّبَابِ؛ فَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ فَضْلًا عَنْ وُجُوبِ اتِّبَاعِهِ.
[فَصْلٌ لِلْمُفْتِي تَخْيِيرُ مَنْ اسْتَفْتَاهُ بَيْنَ قَوْلِهِ وَقَوْلِ مُخَالِفِهِ]
فَصْلٌ (وَلِلْمُفْتِي تَخْيِيرُ مَنْ اسْتَفْتَاهُ بَيْنَ قَوْلِهِ وَقَوْلِ مُخَالِفِهِ، وَاسْتَحَبَّهُ ابْنُ عَقِيلٍ كَمَا هُوَ فِي الْخُلْعِ وَيَتَخَيَّرُ) مُسْتَفْتٍ (وَإِنْ لَمْ يُخَيِّرْهُ مُفْتٍ) لِأَنَّ فِي إلْزَامِهِ بِالْأَخْذِ بِقَوْلٍ مُعَيَّنٍ تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ (وَلُزُومُ الْمُتَمَذْهِبِ بِمَذْهَبٍ وَامْتِنَاعُ الِانْتِقَالِ إلَى غَيْرِهِ الْأَشْهَرُ عَدَمُهُ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْعَامِّيُّ هَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَلْتَزِمَ مَذْهَبًا مُعَيَّنًا يَأْخُذُ بِعَزَائِمِهِ وَرُخَصِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَالْجُمْهُورُ مِنْ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ لَا يُوجِبُونَ ذَلِكَ، وَاَلَّذِينَ يُوجِبُونَ يَقُولُونَ إذَا الْتَزَمَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْهُ مَا دَامَ مُلْتَزِمًا لَهُ، أَوْ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ أَنَّ غَيْرَهُ أَوْلَى بِالِالْتِزَامِ مِنْهُ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْتِزَامَ الْمَذَاهِبِ وَالْخُرُوجَ عَنْهَا إنْ كَانَ لِغَيْرِ أَمْرٍ دِينِيٍّ مِثْلُ أَنْ يَلْتَمِسَ مَذْهَبًا لِحُصُولِ غَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ مِنْ مَالٍ أَوْ جَاهٍ وَنَحْوِهِ ذَلِكَ، فَهَذَا مِمَّا لَا يُحْمَدُ عَلَيْهِ، بَلْ يُذَمُّ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَوْ كَانَ مَا انْتَقَلَ إلَيْهِ خَيْرًا مِمَّا انْتَقَلَ مِنْهُ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يُسْلِمُ لَا يُسْلِمُ إلَّا لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ، أَوْ يُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ لِامْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا أَوْ دُنْيَا يُصِيبُهَا.
قَالَ: وَأَمَّا إنْ كَانَ انْتِقَالُهُ مِنْ مَذْهَبٍ إلَى مَذْهَبٍ لِأَمْرٍ دِينِيٍّ فَهُوَ مُثَابٌ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ إذَا تَبَيَّنَ لَهُ حُكْمُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي أَمْرٍ أَنْ لَا يَعْدِلَ عَنْهُ، وَلَا يَتَّبِعَ أَحَدًا فِي مُخَالَفَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ فَرَضَ طَاعَةَ رَسُولِهِ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حَالٍ. انْتَهَى.
وَفِي " الرِّعَايَةِ " مَنْ الْتَزَمَ مَذْهَبًا أُنْكِرَ عَلَيْهِ مُخَالَفَتُهُ بِلَا دَلِيلٍ وَلَا تَقْلِيدٍ سَائِغٍ وَلَا عُذْرٍ، وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ بِلَا دَلِيلٍ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ، وَقَوْلُهُ وَلَا تَقْلِيدٍ سَائِغٍ، أَيْ: لِعَالِمٍ أَفْتَاهُ إذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلِاجْتِهَادِ وَقَوْلُهُ وَلَا عُذْرٍ أَيْ: يُبِيحُ لَهُ مَا فَعَلَهُ، فَيُنْكِرُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُتَّبِعًا لِهَوَاهُ.
(وَلَا يَلْزَمُ الْعَامِّيَّ أَنْ يَتَمَذْهَبَ بِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ كَمَا لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ فِي عَصْرِ أَوَائِلِ الْأُمَّةِ) كَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَإِنَّ مَذَاهِبَهُمْ كَانَتْ كَثِيرَةً مُتَبَايِنَةً، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ قَالَ لِمَنْ اسْتَفْتَاهُ: الْوَاجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تُرَاعِيَ أَحْكَامَ مَذْهَبِ مَنْ قَلَّدْتَهُ؛ لِئَلَّا تُلَفِّقَ فِي عِبَادَتِكَ بَيْنَ مَذْهَبَيْنِ فَأَكْثَرَ، بَلْ كَانَ مَنْ سَأَلَ مِنْهُمْ عَنْ مَسْأَلَةٍ أَفْتَاهُ فِيهَا بِمَا يَرَاهُ مَذْهَبُهُ مُجِيزًا لَهُ الْعَمَلَ مِنْ غَيْرِ فَحْصٍ وَلَا تَفْصِيلٍ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَازِمًا لَمَا أَهْمَلُوهُ، خُصُوصًا مَعَ كَثْرَةِ تَبَايُنِ أَقْوَالِهِمْ.
وَقَالَ الْمُوَفَّقُ (فِي " الْمُغْنِي " النِّسْبَةُ إلَى إمَامٍ فِي الْفُرُوعِ كَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ لَيْسَتْ بِمَذْمُومَةٍ، فَإِنَّ اخْتِلَافَهُمْ رَحْمَةٌ، وَاتِّفَاقَهُمْ حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ. قَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: وَفِيهِ)
أَيْ: قَوْلِ الْمُوَفَّقِ (نَظَرٌ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ لَيْسَ عِبَارَةً عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَأَصْحَابِهِمْ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ)
أَيْ: الْمُوَفَّقِ (مَا فَهِمَهُ هَذَا الْحَنَفِيُّ. انْتَهَى)
قَالَ الْخَطَّابِيِّ وَغَيْرُهُ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «اخْتِلَافُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ» ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي الْوَصَايَا (وَفِي الْإِفْصَاحِ) لِابْنِ هُبَيْرَةَ: الْإِجْمَاعُ انْعَقَدَ عَلَى تَقْلِيدِ كُلٍّ مِنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَأَنَّ الْحَقَّ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ، انْتَهَى.
(وَيَتَّجِهُ وَفِيهِ) ؛ أَيْ: كَلَامِ الْإِفْصَاحِ (نَظَرٌ بَلْ يَجُوزُ) تَقْلِيدُ غَيْرِهِمْ مِنْ الثِّقَاتِ (حَيْثُ لَا تَحْتَمِلُ الْمَسْأَلَةُ قَيْدًا كَمُقَلِّدِ دَاوُد) الظَّاهِرِيِّ (فِي حِلِّ شَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَمُقَلِّدِ ابْنِ حَزْمٍ فِي اللُّبْثِ بِمَسْجِدٍ لِلْجُنُبِ وَمُقَلِّدِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ) وَابْنِ الْقَيِّمِ (وَغَيْرِهِمَا) مِمَّنْ يُفْتِي (فِي أَنَّ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ إذَا كَانَ دَفْعَةً) كَأَنْتَ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَنَحْوُهُ (لَا يَقَعُ غَيْرَ وَاحِدَةٍ، وَفِي عَلَيَّ الطَّلَاقُ) لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، وَلَمْ يَفْعَلْهُ (لَا يَقَعُ شَيْءٌ، فَإِنْ احْتَمَلَ التَّقَيُّدَ امْتَنَعَ كَمُقَلَّدِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي حِلِّ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ مَعَ الْحِيلَةِ) لِأَنَّ الْحِيَلَ لَا تَجُوزُ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ (وَمُقَلَّدُ نَافِعٍ وَابْنِ عُمَرَ فِي الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ حَالَةَ الْحَيْضِ وَأَمْثَالِ هَذَا الِاحْتِمَالُ أَنَّهُمَا لَا يَرَيَانِ ذَلِكَ حِينَئِذٍ) وَلِانْفِرَادِهِمَا بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ دُونَ غَيْرِهِمَا، وَقَدْ أُنْكِرَ عَلَيْهِمَا
وَمُعَاصِرُوهُمَا فَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَقَالُوا: لَيْسَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ دَاوُد فَإِنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ.
لَا يَأْبَاهَا، وَبِخِلَافِ مَسْأَلَةِ ابْنِ حَزْمٍ فَإِنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَدْ قَالَ بِهَا، وَبِخِلَافِ مَسْأَلَةِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ فَإِنَّ الْقَائِلِينَ بِهَا كَثِيرُونَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ وَقَدْ أَنْهَيْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا فِي بَابِ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ، فَمَنْ وَقَفَ عَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَثَبَتَ عِنْدَهُ صِحَّةُ نِسْبَتِهَا لِهَؤُلَاءِ الرِّجَالِ يَجُوزُ لَهُ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهَا عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ خُصُوصًا إذَا دَعَتْهُ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَلَا يَجُوزُ لِلْمُفْتِي وَلَا لِغَيْرِهِ تَتَبُّعُ الْحِيَلِ الْمُحَرَّمَةِ وَالْمَكْرُوهَةِ، وَلَا تَتَبُّعُ الرُّخَص لِمَنْ أَرَادَ نَفْعَهُ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ) أَيْ: تَتَبَّعَ الْحِيَلَ الْمَكْرُوهَةَ وَالْمُحَرَّمَةَ وَالرُّخَصَ (فَسَقَ، وَحَرُمَ اسْتِفْتَاؤُهُ وَإِنْ حَسُنَ قَصْدُهُ) .
، أَيْ: الْمُفْتِي (فِي حِيلَةٍ جَائِزَةٍ، وَلَا شُبْهَةَ فِيهَا، وَلَا مَفْسَدَةَ، لِيَتَخَلَّصَ الْمُسْتَفْتِي بِهَا مِنْ حَرَجٍ جَازَ كَمَا «أَرْشَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِلَالًا إلَى بَيْعِ التَّمْرِ بِدَرَاهِمَ، ثُمَّ يَشْتَرِي بِالدَّرَاهِمِ تَمْرًا؛ فَيَتَخَلَّصُ مِنْ الرِّبَا» ) بِذَلِكَ، وَهَذَا إذَا كَانَ قَبَضَ الدَّرَاهِمَ، أَوْ اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ بِدَرَاهِمَ مِنْ جِنْسِ الْأُولَى عَلَى صِفَتِهَا؛ فَتَحْصُلُ الْمُقَاصَّةُ، وَيَتَخَلَّصُ مِنْ الرِّبَا وَمَا إذَا اشْتَرَى بِعَيْنِ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ قَبْلَ قَبْضِهَا مِمَّا يُشَارِكُهُ فِي الْعِلَّةِ فَلَا، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ
(وَلَيْسَ لِمَنْ انْتَسَبَ إلَى مَذْهَبِ إمَامٍ أَنْ يَتَخَيَّرَ فِي مَسْأَلَةٍ ذَاتِ قَوْلَيْنِ) لِإِمَامِهِ، أَوْ وَجْهَيْنِ لِأَحَدِ أَصْحَابِهِ؛ فَيُفْتِيَ أَوْ يَحْكُمَ بِحَسَبِ مَا يَخْتَارُهُ مِنْهُمَا (بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ أَيُّهُمَا أَرْجَحُ، فَيَعْمَلُ بِهِ، لِقُوَّتِهِ وَقَالَ الْقَاضِي فِيمَا إذَا اعْتَدِلْ عِنْدَهُ قَوْلَانِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ، يُفْتِي بِأَيِّهِمَا شَاءَ لِاسْتِوَائِهِمَا) .
(وَمَنْ قَوِيَ عِنْدَهُ مَذْهَبُ غَيْرِ إمَامِهِ) لِظُهُورِ الدَّلِيلِ مَعَهُ، أَفْتَى بِهِ، أَيْ: بِمَا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ مِنْ مَذْهَبِ غَيْرِ إمَامِهِ (وَأَعْلَمَ السَّائِلَ) بِذَلِكَ؛ لِيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ فِي تَقْلِيدِهِ.
(قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ إذَا جَاءَتْ الْمَسْأَلَةُ لَيْسَ فِيهَا أَثَرٌ) أَيْ: حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ وَلَا مَوْقُوفٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ عِنْدَهُ حُجَّةٌ إذَا لَمْ يُخَالِفْهُ غَيْرُهُ (فَأَفْتِ فِيهَا
بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ) وَفِي " الْمُبْدِعِ " قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ: إذَا سُئِلْتُ عَنْ مَسْأَلَةٍ لَمْ أَعْرِفْ فِيهَا خَبَرًا قُلْتُ فِيهَا بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ إمَامٌ عَالِمٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم «يَمْلَأُ الْأَرْضَ عِلْمًا»
(وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مُفْتِيًا) وَاحِدًا (لَزِمَهُ أَخْذُهُ بِقَوْلِهِ، كَمَا لَوْ حَكَمَ عَلَيْهِ بِهِ حَاكِمٌ) قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَلَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى الْتِزَامِهِ وَلَا سُكُونِ نَفْسِهِ إلَى صِحَّتِهِ (وَكَذَا مُلْتَزِمُ قَوْلِ مُفْتٍ وَثَمَّ غَيْرُهُ)