الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَالِفٌ عَلَى نَوْعٍ بِفِعْلِ نَوْعٍ آخَرَ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَحْرِيمُ الْهِبَةِ وَالْهَدِيَّةِ، (أَوْ) حَلَفَ (لَا أَتَصَدَّقُ فَأَطْعَمَ عِيَالَهٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى صَدَقَةً عُرْفًا، وَإِطْلَاقُ اسْمِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ فِي الْخَبَرِ بِاعْتِبَارِ تَرَتُّبِ الثَّوَابِ عَلَيْهِ كَالصَّدَقَةِ.
(وَإِنْ نَذَرَ) أَنْ يَهَبَ لِفُلَانٍ شَيْئًا (أَوْ حَلَفَ أَنْ يَهَبَ لَهُ) شَيْئًا (بَرَّ بِالْإِيجَابِ) لِلْهِبَةِ، سَوَاءٌ قَبْلَ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ لَا.
[فَصْلٌ الِاسْمُ الْعُرْفِيُّ]
فَصْلٌ (وَالِاسْمُ الْعُرْفِيُّ مَا اشْتَهَرَ مَجَازُهُ حَتَّى غَلَبَ عَلَى حَقِيقَتِهِ بِحَيْثُ لَا يَعْرِفُهَا) أَيْ: الْحَقِيقَةَ (أَكْثَرُ النَّاسِ كَالرَّاوِيَةِ فِي الْعُرْفِ اسْمٌ لِلْمَزَادَةِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ اسْمٌ لِمَا يُسْتَسْقَى عَلَيْهِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ) وَالْمَزَادَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْقِيَاسُ كَسْرُهَا وَهِيَ شَطْرُ الرَّاوِيَةِ وَالْجَمْعُ مَزَايِدُ (وَالظَّعِينَةُ فِي الْعُرْفِ الْمَرْأَةُ) فِي الْهَوْدَجِ (وَفِي الْحَقِيقَةِ اسْمٌ لِلنَّاقَةِ الَّتِي يُظْعَنُ عَلَيْهَا، وَالدَّابَّةُ فِي الْعُرْفِ اسْمٌ لِذَوَاتِ الْأَرْبَعِ مِنْ خَيْلٍ وَبِغَالٍ وَحَمِيرٍ، وَفِي الْحَقِيقَةِ اسْمٌ لِمَا دَبَّ وَدَرَجَ، وَالْعَذِرَةُ وَالْغَائِطُ فِي الْعُرْفِ الْفَضْلَةُ الْمُسْتَقْذَرَةُ، وَفِي الْحَقِيقَةِ فِنَاءُ الدَّارِ، وَالْغَائِطُ الْمَكَانُ الْمُطْمَئِنُّ مِنْ الْأَرْضِ فَهَذَا الْمَذْكُورُ وَنَحْوُهُ) مَا غَلَبَ مَجَازُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ (تَتَعَلَّقُ الْيَمِينُ فِيهِ بِالْعُرْفِ دُونَ الْحَقِيقَةِ) .
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي إعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ الْمِثَالُ الثَّانِي مِمَّا تَتَغَيَّرُ بِهِ الْفَتْوَى لِتَغَيُّرِ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ مُوجِبَاتُ الْأَيْمَانِ وَالْإِقْرَارُ وَالنُّذُورُ وَغَيْرُهَا، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْحَالِفَ إذَا حَلَفَ لَا رَكِبْت دَابَّةً وَكَانَ فِي بَلَدٍ عُرْفُهُمْ فِي لَفْظِ الدَّابَّةِ الْحِمَارُ اخْتَصَّتْ يَمِينُهُ بِهِ، وَلَا يَحْنَثُ بِرُكُوبِ الْفَرَسِ وَلَا الْجَمَلِ، وَإِنْ كَانَ عُرْفُهُمْ فِي لَفْظِ
الدَّابَّةِ الْفَرَسُ خَاصَّةً حُمِلَتْ يَمِينُهُ عَلَيْهَا دُونَ الْحِمَارِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْحَالِفُ مِمَّا عَادَتُهُ رُكُوبُ نَوْعٍ خَاصٍّ مِنْ الدَّوَابِّ كَالْأُمَرَاءِ وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُمْ، حُمِلَتْ يَمِينُهُ عَلَى مَا اعْتَادَهُ مِنْ رُكُوبِ الدَّوَابِّ، فَيُفْتَى فِي كُلِّ بَلَدٍ بِحَسَبِ عُرْفِ أَهْلِهِ، وَيُفْتَى كُلُّ أَحَدٍ بِحَسَبِ عَادَتِهِ.
وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا أَكَلْتُ رَأْسًا فِي بَلَدٍ عَادَةُ أَهْلِهِ أَكْلُ رُءُوسِ الضَّأْنِ خَاصَّةً، لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ رُءُوسِ الطَّيْرِ وَالسَّمَكِ وَنَحْوِهَا، وَإِنْ كَانَ عَادَتُهُمْ أَكْلُ السَّمَكِ حَنِثَ بِأَكْلِ رُءُوسِهَا، وَكَذَلِكَ وَإِذَا حَلَفَ لَا اشْتَرَيْتُ كَذَا وَلَا بِعْتُهُ وَلَا حَرَثْتُ هَذِهِ الْأَرْضَ وَلَا زَرَعْتُهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَعَادَتُهُ أَنْ لَا يُبَاشِرَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ كَالْمُلُوكِ - حَنِثَ قَطْعًا بِالْإِذْنِ وَالتَّوْكِيلِ فِيهِ، فَإِنَّهُ نَفْسُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ عَادَتُهُ مُبَاشَرَةُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ كَآحَادِ النَّاسِ، فَإِنْ قَصَدَ مَنْعَ (نَفْسِهِ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ، لَمْ يَحْنَثْ بِالتَّوْكِيلِ، وَإِنْ قَصَدَ عَدَمَ الْفِعْلِ وَالْمَنْعَ مِنْهُ) جُمْلَةً - حَنِثَ بِالتَّوْكِيلِ، وَإِنْ أَطْلَقَ اُعْتُبِرَ سَبَبُ الْيَمِينِ وَمَا هَيَّجَهَا انْتَهَى.
(فَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ عَيْشًا وَهُوَ لُغَةً الْحَيَاةُ حَنِثَ بِأَكْلِ خُبْزٍ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَعْرُوفُ فِيهِ، (وَ) مَنْ حَلَفَ (لَا يَطَأُ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ، حَنِثَ بِجِمَاعِهَا)، أَيْ: الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا، لِانْصِرَافِ اللَّفْظِ إلَيْهِ عُرْفًا، وَلِذَلِكَ لَوْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ كَانَ مُولِيًا، (وَ) مَنْ حَلَفَ (لَا يَتَسَرَّى حَنِثَ بِوَطْءِ أَمَتِهِ) سَوَاءٌ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ؛ لِأَنَّ التَّسَرِّي مَأْخُوذٌ مِنْ السِّرِّ قَالَ تَعَالَى:{وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} [البقرة: 235]
وَقَالَ الشَّاعِرُ:
أَلَا زَعَمَتْ بَسْبَاسَةُ الْقَوْمِ أَنَّنِي
…
كَبِرْتُ وَأَنْ لَا يُحْسِنَ السِّرَّ أَمْثَالِي
(وَ) مَنْ حَلَفَ (لَا يَطَأُ دَارًا أَوْ لَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي دَارٍ حَنِثَ بِدُخُولِهَا رَاكِبًا وَمَاشِيًا وَحَافِيًا وَمُنْتَعِلًا) كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَالِ أَنَّ
الْقَصْدَ امْتِنَاعُهُ مِنْ دُخُولِهَا، وَ (لَا) يَحْنَثُ (بِدُخُولِ مَقْبَرَةٍ) ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى دَارًا عُرْفًا (وَ) مَنْ حَلَفَ (لَا يَرْكَبُ أَوْ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا حَنِثَ بِرُكُوبِ سَفِينَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى رُكُوبًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا} [هود: 41]{فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ} [العنكبوت: 65](وَ) حَنِثَ بِ (دُخُولِ مَسْجِدٍ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 96]{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور: 36](وَ) حَنِثَ بِدُخُولِ (حَمَّامٍ) لِحَدِيثِ: «بِئْسَ الْبَيْتُ الْحَمَّامُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ (وَ) حَنِثَ بِدُخُولِ (بَيْتِ شَعْرٍ وَبَيْتِ أُدُمٍ وَخَيْمَةٍ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا} [النحل: 80] الْآيَةَ، وَالْخَيْمَةُ فِي مَعْنَى بَيْتِ الشَّعْرِ، وَ (لَا) يَحْنَثُ بِدُخُولِ (صِفَةِ دَارٍ وَدِهْلِيزِهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى بَيْتًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلَّ الْبَيْتُوتَةِ.
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَضْرِبُ فُلَانَةَ فَخَنَقَهَا أَوْ نَتَفَ شَعْرَهَا أَوْ عَضَّهَا لَا تَلَذُّذًا حَنِثَ) لِوُجُودِ الْمَقْصُودِ بِالضَّرْبِ وَهُوَ التَّأَلُّمُ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهَا فَفَعَلَ ذَلِكَ بَرَّ.
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَشُمُّ الرَّيْحَانَ فَشَمَّ وَرْدًا أَوْ بَنَفْسَجًا أَوْ يَاسَمِينًا) وَلَوْ يَابِسًا حَنِثَ، وَكَذَا لَوْ شَمَّ زَنْبَقًا أَوْ نِسْرِينًا أَوْ نَرْجِسًا وَنَحْوَهُ مِنْ كُلِّ زَهْرٍ طَيِّبِ الرَّائِحَةِ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَشُمُّ طِيبًا فَشَمَّ نَبْتًا رِيحُهُ طَيِّبٌ) كَالْخُزَامَى حَنِثَ لِطِيبِ رَائِحَتِهِ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَذُوقُ شَيْئًا فَازْدَرَدَهُ - وَلَوْ لَمْ يُدْرِكْ مَذَاقَهُ حَنِثَ) ؛ لِأَنَّ الذَّوْقَ عُرْفًا الْأَكْلُ، يُقَالُ مَا ذُقْتُ لِزَيْدٍ طَعَامًا أَيْ: مَا أَكَلْتُ.
تَتِمَّةٌ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ فِي الْمُغْنِي فِي " أَلْ " الْجِنْسِيَّةِ وَاَللَّهِ لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ وَلَا أَلْبَسُ الثِّيَابَ يَقَعُ الْحِنْثُ فِي الْوَاحِدَةِ مِنْهَا.