الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِلْحُكْمِ لِفَقْدِ بَعْضِ الشُّرُوطِ (وَإِنْ وَافَقَتْ الصَّوَابَ) لِأَنَّ حُكْمَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ (خِلَافًا لِجَمْعٍ) وَهَذَا فِي غَيْرِ قُضَاةِ الضَّرُورَةِ، أَمَّا هُمْ فَلَا يُنْقَضُ مِنْ أَحْكَامِهِمْ مَا وَافَقَ الصَّوَابَ.
اخْتَارَهُ الْمُوَفَّقُ وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ " وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " " وَالْمُنَوِّرِ " وَقَدَّمَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ وَابْنِ عَقِيلٍ وَابْنِ الْبَنَّا حَيْثُ أَطْلَقُوا أَنْ لَا يُنْقَضَ مِنْ الْحُكْمِ إلَّا مَا خَالَفَ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً أَوْ إجْمَاعًا. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ مِنْ مُدَّةٍ، وَلَا يَسَعُ النَّاسَ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ شَرْعِيَّةٌ، وَإِلَّا لَتَعَطَّلَتْ الْأَحْكَامُ.
[فَصْلٌ فِي مَنْ اسْتَعْدَاهُ الْقَاضِي عَلَى خَصْمٍ بِالْبَلَدِ الَّذِي بِهِ الْقَاضِي]
فَصْلٌ (وَمَنْ اسْتَعْدَاهُ) أَيْ: الْقَاضِي (عَلَى خَصْمٍ بِالْبَلَدِ) الَّذِي بِهِ الْقَاضِي أَيْ: طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يُحْضِرَهُ لَهُ (بِمَا) أَيْ: شَيْءٍ (تَتْبَعُهُ التُّهْمَةُ؛ لَزِمَهُ) أَيْ: الْقَاضِيَ (إحْضَارُهُ) أَيْ: الْخَصْمِ (وَلَوْ لَمْ يُحَرِّرْ) الْمُسْتَعْدِي الدَّعْوَى نَصًّا، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ بَيْنَهُمَا مُعَامَلَةً؛ لِئَلَّا يُضَيِّعَ الْحُقُوقَ وَيُقِرَّ الظَّالِمَ، وَقَدْ يَثْبُتُ حَقُّ الْأَدْنَى عَلَى الْأَرْفَعِ بِغَصْبٍ أَوْ شِرَاءِ شَيْءٍ مِنْهُ، وَلَا يُوَفِّيهِ ثَمَنَهُ، أَوْ إيدَاعٍ أَوْ إعَادَةٍ وَلَا يَرُدُّ إلَيْهِ، فَإِذَا لَمْ يَعُدْ عَلَيْهِ ذَهَبَ حَقُّهُ، وَهَذَا أَعْظَمُ ضَرَرًا مِنْ حُضُورِ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ فَإِنَّهُ لَا نَقْضَ فِيهِ وَقَدْ حَضَرَ عُمَرُ وَأُبَيُّ عِنْدَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَحَضَرَ عُمَرُ وَآخَرُ عِنْدَ شُرَيْحٍ. وَلِلْمُسْتَعْدَى عَلَيْهِ أَنْ يُوَكِّلَ إنْ كَرِهَ الْحُضُورَ.
(وَمَنْ طَلَبَهُ خَصْمُهُ) لِمَجْلِسِ الْحُكْمِ لَزِمَهُ الْحُضُورُ (أَوْ طَلَبَهُ حَاكِمٌ حَيْثُ يَلْزَمُهُ إحْضَارُهُ، بِخِلَافِ مُعْسِرٍ ثَبَتَ إعْسَارُهُ لِمَجْلِسِ الْحُكْمِ لَزِمَهُ الْحُضُورُ إلَيْهِ) وَلَا يُرَخَّصُ لَهُ فِي الْحَلِفِ، فَإِنْ حَضَرَ (وَإِلَّا أَعْلَمَ الْوَالِي بِهِ) أَيْ: بِامْتِنَاعِهِ مِنْ
الْحُضُورِ لِيُحْضِرَهُ (وَمَتَى حَضَرَ) بَعْدَ امْتِنَاعِهِ مِنْهُ؛ فَلَهُ تَأْدِيبُهُ عَلَى امْتِنَاعِهِ (بِمَا يَرَاهُ مِنْ كَلَامٍ وَكَشْفِ رَأْسٍ وَضَرْبٍ وَحَبْسٍ) لِأَنَّ التَّعْزِيرَ إلَى رَأْيِهِ.
تَنْبِيهٌ: فَإِنْ اخْتَفَى مُسْتَعْدًى عَلَيْهِ بَعَثَ الْحَاكِمُ مَنْ يُنَادِي عَلَى بَابِهِ ثَلَاثًا بِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَحْضُرْ سَمَّرَ بَابَهُ وَخَتَمَ عَلَيْهِ؛ لِتَزُولَ مَعْذِرَتُهُ، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ، وَسَأَلَ الْمُدَّعِي أَنْ يُسَمِّرَ عَلَيْهِ مَنْزِلَهُ وَيَخْتِمَهُ؛ أَجَابَهُ إلَيْهِ، فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى الِامْتِنَاعِ حَكَمَ عَلَيْهِ كَغَائِبٍ عَنْ الْبَلَدِ فَوْقَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ.
(وَيُعْتَبَرُ تَحْرِيرُهَا) أَيْ: الدَّعْوَى فِيمَا إذَا اسْتَعْدَاهُ عَلَى (حَاكِمٍ مَعْزُولٍ مَنْ فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْأَكَابِرِ) ذَوِي الْمَنَاصِبِ كَالْخَلِيفَةِ وَالْعَالِمِ الْكَبِيرِ وَالشَّيْخِ الْمَتْبُوعِ وَكُلِّ مَنْ خِيفَ تَبْذِيلُهُ وَنَقْصُ حُرْمَتِهِ بِإِحْضَارِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ لَوْ كَانَ بِالْبَلَدِ حَاكِمَانِ فَأَكْثَرُ وَاسْتَعْدَى أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ؛ لَمْ يَعِدْهُ حَتَّى يُحَرِّرَ دَعْوَاهُ بِأَنْ يَعْرِفَ مَا يَدَّعِيهِ (ثُمَّ يُرَاسِلُهُ) بَعْدَ تَحْرِيرِ الدَّعْوَى، وَيَسْأَلُهُ عَنْهَا صِيَانَةً لَهُ عَنْ الِامْتِهَانِ، فَإِنْ ذَكَرَ الْمُسْتَعْدِي أَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ حَقًّا مِنْ دَيْنٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ رِشْوَةٍ أَخَذَهَا مِنْهُ عَلَى الْحُكْمِ رَاسِلُهُ، فَإِنْ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ أَمَرَهُ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْعُهْدَةِ لِتَوَجُّهِ الْحَقِّ عَلَيْهِ بِاعْتِرَافِهِ (فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْعُهْدَةِ) لِمَا ذُكِرَ؛ لَمْ يَحْتَجْ لِحُضُورٍ، وَإِلَّا يَخْرُجُ مِنْهَا أَحْضَرَهُ كَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَعَيَّنَ طَرِيقًا إلَى اسْتِخْلَاصِ حَقِّ الْمُدَّعِي، وَإِنْ ادَّعَى عَلَى الْقَاضِي الْمَعْزُولِ الْجَوْرَ فِي الْحُكْمِ، وَكَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ بِدَعْوَاهُ أَحْضَرَهُ، وَحَكَمَ بِالْبَيِّنَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ، وَأَنْكَرَ الْقَاضِي دَعْوَاهُ؛ فَقَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ (وَلَا يُعْتَبَرُ لِإِحْضَارِ مَنْ) أَيْ: امْرَأَةٍ (تَبْرُزُ لِحَوَائِجِهَا) إذَا اسْتَعْدَى عَلَيْهَا (مَحْرَمٌ) لَهَا يَخْرُجُ مَعَهَا نَصًّا لِأَنَّهُ لَا سَفَرَ (وَغَيْرُ الْبَرْزَةِ) وَهِيَ الْمُخَدَّرَةُ الَّتِي لَا تَبْرُزُ لِحَوَائِجِهَا إذَا اسْتَعْدَى عَلَيْهَا تُوَكِّلُ كَمَرِيضٍ (وَنَحْوِهِ) مِمَّنْ لَهُ عُذْرٌ (وَإِنْ وَجَبَتْ) عَلَيْهَا (يَمِينٌ أَرْسَلَ) الْحَاكِمُ (مَنْ) أَيْ: أَمِينًا مَعَهُ شَاهِدَانِ يُحَلِّفُهَا بِحَضْرَتِهِمَا.
(وَمَنْ ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ بِمَوْضِعٍ) مِنْ عَمَلِ الْقَاضِي (لَا حَاكِمَ بِهِ بَعَثَ)
الْقَاضِي (إلَى مَنْ) أَيْ: ثِقَةٍ (يَتَوَسَّطُ بَيْنَهُمَا) أَيْ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ مَنْ يَتَوَسَّطُ بَيْنَهُمَا، أَوْ لَمْ يَقْبَلَاهُ (حَرَّرَ) الْقَاضِي (دَعْوَاهُ) ؛ أَيْ: الْمُسْتَعْدِي؛ لِئَلَّا يَكُونَ مَا يَدَّعِيه لَيْسَ حَقًّا كَشُفْعَةِ جِوَارٍ وَقِيمَةِ كَلْبٍ (ثُمَّ أَحْضَرَهُ) الْقَاضِي (وَلَوْ بَعُدَ) مَكَانُهُ إذَا كَانَ (بِعَمَلِهِ) لِفَصْلِ الْخُصُومَةِ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَإِلْحَاقُ الْمَشَقَّةِ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْلَى بِإِلْحَاقِهَا بِمَنْ يُنْفِذُهُ الْحَاكِمُ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِعَمَلِ الْقَاضِي لَمْ يَعُدَّ عَلَيْهِ.
(وَمَنْ ادَّعَى قِبَلَ إنْسَانٍ شَهَادَةً؛ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ، وَلَمْ يُعَدَّ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَحْلِفْ) خِلَافًا لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ.
(وَمَنْ قَالَ لِحَاكِمٍ حَكَمْتَ عَلَيَّ) بِشَهَادَةِ (فَاسِقَيْنِ عَمْدًا فَأَنْكَرَ) الْقَاضِي (لَمْ يَحْلِفْ) لِئَلَّا يَتَطَرَّقْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ لِإِبْطَالِ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ الْحُقُوقِ بِذَلِكَ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ، وَالْيَمِينُ إنَّمَا تَجِبُ لِلتُّهْمَةِ، وَالْقَاضِي لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا.
(وَإِنْ قَالَ قَاضٍ مَعْزُولٌ عَدْلٌ لَا يُتَّهَمُ: كُنْتُ حَكَمْتُ فِي وِلَايَتِي لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا وَبَيَّنَهُ، وَهُوَ مِمَّنْ يُسَوَّغُ لَهُ الْحُكْمُ لَهُ كَغَيْرِ أَصْلٍ وَفَرْعٍ؛ قُبِلَ) قَوْلُهُ نَصًّا (وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ) الْقَاضِي (مُسْتَنَدَهُ فِي حُكْمِهِ) كَأَنْ يَقُولَ (حَكَمْت بِشَاهِدَيْنِ أَوْ شَاهِدٍ وَيَمِينٍ أَوْ إقْرَارٍ، وَلَوْ أَنَّ الْعَادَةَ تَسْجِيلُ أَحْكَامِهِ وَضَبْطِهَا بِشُهُودِ) لِأَنَّ عَزْلَهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ قَوْلِهِ، كَمَا لَوْ كَتَبَ كِتَابًا إلَى قَاضٍ آخَرَ ثُمَّ عُزِلَ، وَوَصَلَ الْكِتَابُ بَعْدَ عَزْلِهِ؛ لَزِمَ قَبُولُ كِتَابِهِ، وَلِأَنَّهُ أَخْبَرُ بِمَا حَكَمَ بِهِ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ؛ أَشْبَهَ حَالَ وِلَايَتِهِ (مَا لَمْ يَشْتَمِلْ) الْحُكْمُ الَّذِي أَخْبَرَ بِهِ الْحَاكِمُ بَعْدَ عَزْلِهِ (عَلَى إبْطَالِ حُكْمِ حَاكِمٍ آخَرَ) فَلَا يُقْبَلُ إذَنْ (فَلَوْ حَكَمَ حَنَفِيٌّ بِرُجُوعِ وَاقِفٍ عَلَى نَفْسِهِ، فَأَخْبَرَ حَنْبَلِيٌّ أَنَّهُ كَانَ حَكَمَ قَبْلَ حُكْمِ الْحَنَفِيِّ بِمُوجَبِ الْوَقْفِ؛ لَمْ يُقْبَلْ) إخْبَارُ الْحَنْبَلِيِّ بِالْحُكْمِ الْمَذْكُورِ، قَالَهُ الْقَاضِي مَجْدُ الدِّينِ. قَالَ