الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَتَلَ مَعْصُومًا، تَعَذَّرَ حَمْلُ عَاقِلَتِهِ عَقْلَهُ؛ فَوَجَبَ عَلَى قَاتِلِهِ، وَلَا يَعْقِلُهُ عَصَبَةُ الْقَاتِلِ الْمُسْلِمُونَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا حَالَ رَمْيِهِ وَلَا الْمُعَاهَدُونَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ إلَّا وَهُوَ مُسْلِمٌ، وَكَذَلِكَ مَنْ انْجَرَّ وَلَاؤُهُ لَا يَعْقِلُهُ مَوَالِي أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ حِينَ كَانَ تَابِعًا لَهَا فِي الْوَلَاءِ وَلَا مَوْلَى أَبِيهِ؛ لِجِنَايَتِهِ قَبْلَ انْجِرَارِ الْوَلَاءِ إلَيْهِ؛ فَتَعَيَّنَ عَقْلُهُ عَنْ نَفْسِهِ.
(وَإِنْ تَغَيَّرَ دِينُ جَارِحٍ) بِأَنْ جَرَحَهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ، ثُمَّ تَغَيَّرَ دِينُهُ، أَوْ وَهُوَ ذِمِّيٌّ ثُمَّ أَسْلَمَ (أَوْ انْجَرَّ وَلَاؤُهُ) لِمُعْتِقِ أَبِيهِ (حَالَتَيْ جُرْحٍ وَزُهُوقِ) رُوحِ مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ (حَمَلَتْهُ عَاقِلَتُهُ) ؛ أَيْ: الْجَارِحِ (حَالَ جُرْحٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ فِعْلٌ بَعْدَ الْجُرْحِ.
جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى " وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَخَالَفَ فِي " الْإِقْنَاعِ " فَجَعَلَ أَرْشَ ذَلِكَ فِيمَا إذَا انْجَرَّ الْوَلَاءُ فِي مَالِهِ دُونَ عَاقِلَتِهِ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: خِلَافًا لَهُ.
[فَصْلٌ لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَجَبَ فِيهِ قَوَدٌ]
فَصْلٌ: (وَلَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا) وَجَبَ فِيهِ قَوَدٌ أَوْ لَا كَجَائِفَةٍ وَمَأْمُومَةٍ، (وَلَا) تَحْمِلُ (صُلْحَ إنْكَارٍ، وَلَا تَحْمِلُ اعْتِرَافًا بِأَنْ يُقِرَّ) جَانٍ (عَلَى نَفْسِهِ بِجِنَايَةِ خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ تُوجِبُ ثُلُثَ دِيَةٍ فَأَكْثَرَ وَتُنْكِرُ الْعَاقِلَةُ، وَلَا تَحْمِلُ قِيمَةَ دَابَّةٍ أَوْ قِيمَةَ قِنٍّ أَوْ قِيمَةَ طَرَفِهِ، وَلَا تَحْمِلُ جِنَايَتَهُ) ؛ أَيْ: الْقِنِّ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا» وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ؛ وَلِأَنَّ
الْقَاتِلَ عَمْدًا غَيْرُ مَعْذُورٍ؛ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُوَاسَاةَ وَلَا التَّخْفِيفَ؛ وَلِأَنَّ الصُّلْحَ يَثْبُتُ بِفِعْلِهِ وَاخْتِيَارِهِ فَلَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ كَالِاعْتِرَافِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي مُوَاطَأَةِ الْمُقَرِّ لَهُمْ بِالْقَتْلِ؛ لِيَأْخُذُوا الدِّيَةَ مِنْ عَاقِلَتِهِ، فَيُقَاسِمُهُمْ إيَّاهَا؛ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ يَضْمَنُ ضَمَانَ الْمَالِ، أَشْبَهَ سَائِرَ الْأَمْوَالِ.
(وَلَا) تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ (مَا دُونَ ثُلُثِ دِيَةِ ذَكَرٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ) كَثَلَاثِ أَصَابِعَ وَأَرْشِ مُوضِحَةٍ؛ لِقَضَاءِ عُمَرَ أَنَّهَا لَا تَحْمِلُ شَيْئًا يَبْلُغُ عَقْلَ الْمَأْمُومَةِ؛ وَلِأَنَّ أَصْلَ الضَّمَانِ عَلَى الْجَانِي؛ لِأَنَّهُ الْمُتْلِفُ، خُولِفَ فِي ثُلُثِ الدِّيَةِ فَأَكْثَرَ؛ لِإِجْحَافِهِ بِالْجَانِي لِكَثْرَتِهِ؛ فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ (إلَّا غُرَّةَ جَنِينٍ مَاتَ مَعَ أُمِّهِ أَوْ مَاتَ بَعْدَهَا) ؛ أَيْ: أُمِّهِ (بِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ) فَتَحْمِلُ الْغُرَّةَ تَبَعًا لِدِيَةِ الْأُمِّ نَصًّا؛ لِاتِّحَادِ الْجِنَايَةِ، وَلَا تَحْمِلُ الْغُرَّةَ إنْ مَاتَ بِجِنَايَتِهِ عَلَيْهِ وَحْدَهُ دُونَ أُمِّهِ، أَوْ مَاتَ (قَبْلَهَا) ؛ أَيْ: أُمِّهِ بِأَنْ أَجْهَضَتْهُ مَيِّتًا، ثُمَّ مَاتَتْ، وَلَوْ اتَّحَدَتْ الْجِنَايَةُ؛ لِنَقْصِ مَا وَجَبَ فِي الْجَنِينِ مِنْ الْغُرَّةِ عَنْ الثُّلُثِ، وَلَا تَبَعِيَّةَ لِمَوْتِهِ قَبْلَهَا.
(وَتَحْمِلُ) الْعَاقِلَةُ (شِبْهَ عَمْدٍ، وَ) تَحْمِلُ (خَطَأً) ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «اقْتَتَلَتْ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ» وَتَقَدَّمَ.
وَلِأَنَّهُ نَوْعُ قَتْلٍ لَا يُوجِبُ قِصَاصًا " مُؤَجَّلًا " مَا وَجَبَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ (فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثُ دِيَةِ ذَكَرٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ، وَلَوْ أَنَّ الْمَقْتُولَ امْرَأَةٌ) أَوْ كِتَابِيٌّ يَعْنِي يَجِبُ ثُلُثَاهَا فِي رَأْسِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ قَدْرُ ثُلُثِ دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ، وَبَاقِيهَا فِي رَأْسِ الْحَوْلِ الثَّانِي.
قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ ": هَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ.
وَكَوْنُ دِيَةِ الذَّكَرِ الْمُسْلِمِ تُؤْخَذُ مُؤَجَّلَةً فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ أَنَّهُمَا قَضَيَا بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ " وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا فِي عَصْرِهِمَا؛ وَلِأَنَّهَا تَحْمِلُهُ مُوَاسَاةً، فَاقْتَضَتْ الْحِكْمَةُ تَخْفِيفَهُ عَلَيْهَا.
(وَيَجْتَهِدُ حَاكِمٌ فِي تَحْمِيلِ) كُلٍّ مِنْ الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ، فَرَجَعَ فِيهِ