الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ الِاسْمُ اللُّغَوِيُّ]
فَصْلٌ (وَالِاسْمُ اللُّغَوِيُّ مَا لَمْ يَغْلِبْ مَجَازُهُ) عَلَى حَقِيقَتِهِ (فَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا - حَنِثَ بِأَكْلِ سَمَكٍ وَأَكْلِ لَحْمٍ يَحْرُمُ) كَغَيْرِ مَأْكُولٍ، لِدُخُولِهِ فِي مُسَمَّى اللَّحْمِ، وَ (لَا) يَحْنَثُ (بِمَرَقِ لَحْمٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَحْمًا (وَ) لَا بِأَكْلِ (مُخٍّ وَشَحْمٍ وَكَبِدٍ وَكُلْيَةٍ وَمُصْرَانٍ وَطِحَالٍ وَقَلْبٍ وَأَلْيَةٍ وَدِمَاغٍ وَقَانِصَةٍ) وَاحِدَةُ الْقَوَانِصِ وَهِيَ لِلطَّيْرِ بِمَنْزِلَةِ الْمَصَارِينِ لِغَيْرِهَا (وَكَارِعٍ وَلَحْمِ رَأْسٍ وَلِسَانٍ) ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ اللَّحْمِ لَا يَتَنَاوَلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَبَائِعُ الرُّءُوسِ يُسَمَّى رَوَّاسًا لَا لَحَّامًا.
وَحَدِيثُ: «أُحِلَّ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَبِدَ وَالطِّحَالَ لَيْسَ بِلَحْمٍ، وَهَذَا مَعَ الْإِطْلَاقِ، فَإِنْ كَانَ نِيَّةٌ أَوْ سَبَبٌ فَكَمَا تَقَدَّمَ (إلَّا بِنِيَّتِهِ اجْتِنَابُ الدَّسَمِ) فَيَحْنَثُ بِذَلِكَ كُلِّهِ، وَكَذَا لَوْ اقْتَضَاهُ السَّبَبُ، (وَ)(مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَحْمًا، فَأَكَلَ شَحْمَ الظَّهْرِ أَوْ الْجَنْبِ، أَوْ أَكَلَ سَمِينَهَا أَوْ الْأَلْيَةَ أَوْ السَّنَامَ - حَنِثَ) ؛ لِأَنَّ الشَّحْمَ مَا يَذُوبُ مِنْ الْحَيَوَانِ بِالنَّارِ، وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى مَا عَلَى الظَّهْرِ مِنْ ذَلِكَ شَحْمًا بِقَوْلِهِ:{وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا} [الأنعام: 146] الْآيَةَ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مِعْيَارُ الْعُمُومِ وَ (لَا) يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَحْمًا (إنْ أَكَلَ لَحْمًا أَحْمَرَ) وَلَا بِكَبِدٍ وَطِحَالٍ وَرَأْسٍ وَكُلْيَةٍ وَقَلْبٍ وَقَانِصَةٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَيْسَ بِشَحْمٍ.
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ لَبَنًا، فَأَكَلَهُ - وَلَوْ مِنْ صَيْدٍ أَوْ مِنْ آدَمِيَّةٍ حَنِثَ) ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُهُ حَقِيقَةً وَعُرْفًا، سَوَاءٌ كَانَ حَلِيبًا أَوْ رَائِبًا أَوْ مُجَمَّدًا
قَالَ الْبُهُوتِيُّ: قُلْتُ: وَلَوْ مُحَرَّمًا، كَمَا تَقَدَّمَ فِي اللَّحْمِ، وَ (لَا) يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَبَنًا (إنْ أَكَلَ زُبْدًا أَوْ سَمْنًا أَوْ كِشْكًا أَوْ مَصْلًا أَوْ جُبْنًا أَوْ أَقِطًا وَنَحْوَهُ) مِمَّا يُعْمَلُ مِنْ اللَّبَنِ وَيَخْتَصُّ بِاسْمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي مُسَمَّى اللَّبَنِ، وَالْمَصْلُ وَالْمُصَالَةُ مَا سَالَ مِنْ الْأَقِطِ إذَا طُبِخَ ثُمَّ عُصِرَ.
قَالَ: فِي الْقَامُوسِ وَالْأَقِطُ بِكَسْرِ الْقَافِ اللَّبَنُ الْمُجَفَّفُ (أَوْ)، أَيْ: وَلَا يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ زُبْدًا وَسَمْنًا، فَأَكَلَ الْآخَرَ وَلَمْ يَظْهَرْ فِيهِ طَعْمُهُ) ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا اسْمًا يَخْتَصُّ بِهِ، فَإِنْ ظَهَرَ فِيهِ طَعْمُهُ - حَنِثَ (أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُهُمَا)، أَيْ: الزُّبْدَ وَالسَّمْنَ (فَأَكَلَ لَبَنًا) فَلَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَدْخُلَانِ فِي مُسَمَّاهُ.
(وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رَأْسًا وَلَا بَيْضًا، حَنِثَ بِأَكْلِ رَأْسِ طَيْرٍ وَرَأْسِ سَمَكٍ وَرَأْسِ جَرَادٍ وَبَيْضِ ذَلِكَ) لِدُخُولِهِ فِي مُسَمَّى الرَّأْسِ وَالْبَيْضِ.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الدَّقِيقِ فَاسْتَفَّهُ أَوْ خَبَزَهُ وَأَكَلَهُ حَنِثَ) لِفِعْلِهِ مَا حَلَفَ لَا يَفْعَلُهُ.
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ فَاكِهَةً حَنِثَ بِأَكْلِ تَمْرٍ وَرُمَّانٍ وَبِطِّيخٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَنْضَجُ وَيَحْلُو وَيُتَفَكَّهُ بِهِ فَيَدْخُلُ فِي مُسَمَّى الْفَاكِهَةِ، وَسَوَاءٌ الْأَصْفَرُ أَوْ غَيْرُهُ (وَ) بِأَكْلِ (كُلِّ ثَمَرِ شَجَرٍ غَيْرِ بَرِّيٍّ) كَبَلَحٍ وَعِنَبٍ وَتُفَّاحٍ وَكُمَّثْرَى وَخَوْخٍ وَمِشْمِشٍ وَسَفَرْجَلٍ وَتُوتٍ وَتِينٍ وَمَوْزٍ وَأُتْرُجٍّ وَجُمَّيْزٍ، وَعَطْفُ النَّخْلِ عَلَى الْفَاكِهَةِ فِي قَوْله تَعَالَى:{فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68] لِلتَّشْرِيفِ لَا لِلْمُغَايَرَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98] .
(وَلَوْ) كَانَ ثَمَرُ الشَّجَرِ غَيْرِ الْبَرِّيِّ (يَابِسًا كَصَنَوْبَرٍ وَعُنَّابٍ وَجَوْزٍ وَلَوْزٍ وَبُنْدُقٍ وَفُسْتُقٍ وَتُوتٍ وَزَبِيبٍ وَتِينٍ وَمِشْمِشٍ وَإِجَّاصٍ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ؛ لِأَنَّ يُبْسَ ذَلِكَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ فَاكِهَةً وَ (لَا) يَحْنَثُ بِأَكْلِ (قِثَّاءٍ وَخِيَارٍ)
لِأَنَّهُمَا مِنْ الْخُضَرِ لَا مِنْ الْفَاكِهَةِ (وَ) لَا بِأَكْلِ (زَيْتُونٍ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ زَيْتُهُ، وَلَا يُتَفَكَّهُ بِهِ (وَ) لَا بِأَكْلِ (بَلُّوطٍ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤْكَلُ لِلْمَجَاعَةِ أَوْ التَّدَاوِي، لَا لِلتَّفَكُّهِ (وَ) لَا بِأَكْلِ (بُطْمٍ) ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الزَّيْتُونِ (وَ) لَا بِأَكْلِ زُعْرُورٍ بِضَمِّ الزَّايِ (أَحْمَرَ) بِخِلَافِ الْأَبْيَضِ (وَ) لَا بِأَكْلِ (آسٍ)، أَيْ: مُرْسِينَ (وَسَائِرِ ثَمَرِ شَجَرٍ بَرِّيٍّ لَا يُسْتَطَابُ) كَالْقَيْقَبِ وَالْعَفْصِ، بِخِلَافِ الْخُرْنُوبِ (وَلَا بِأَكْلِ قَرْعٍ وَبَاذِنْجَانٍ) وَنَحْوِ كُرُنْبٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْخُضَرِ (وَلَا بِأَكْلِ مَا يَكُونُ بِالْأَرْضِ كَجَزَرٍ وَلِفْتٍ وَفُجْلٍ وَقُلْقَاسٍ وَنَحْوِهِ) كَكَمْأَةٍ وَسَوْطَلٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى فَاكِهَةً.
(وَ) مَنْ حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ رُطَبًا أَوْ) لَا يَأْكُلُ (بُسْرًا، فَأَكَلَ مُذَنِّبًا) بِكَسْرِ النُّونِ الْمُشَدَّدَةِ، أَيْ: مَا بَدَأَ الْإِرْطَابُ فِيهِ مِنْ ذَنَبِهِ (حَنِثَ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ بُسْرًا وَرُطَبًا وَلَا يَحْنَثُ إنْ أَكَلَ تَمْرًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ بُسْرًا وَلَا رُطَبًا. (أَوْ) أَيْ: وَلَا يَحْنَثُ (إنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا أَوْ بُسْرًا) وَهُوَ التَّمْرُ قَبْلَ إرْطَابِهِ (فَأَكَلَ الْآخَرَ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ (أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ تَمْرًا، فَأَكَلَ رُطَبًا أَوْ بُسْرًا أَوْ دِبْسًا أَوْ نَاطِفًا) مَعْمُولَيْنِ مِنْ التَّمْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ تَمْرًا.
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ أُدْمًا حَنِثَ بِأَكْلِ بَيْضٍ وَشَوِيٍّ) بِمَعْنَى مَشْوِيٍّ (وَجُبْنٍ وَمِلْحٍ وَتَمْرٍ)، لِحَدِيثِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ:«رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَضَعَ تَمْرَةً عَلَى كِسْرَةٍ، وَقَالَ: هَذِهِ إدَامٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْهُ صلى الله عليه وسلم: «الْأُدْمُ اللَّحْمُ» وَقَالَ: «سَيِّدُ إدَامِكُمْ اللَّحْمُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ (وَ) أَكْلُ (زَيْتُونٍ وَلَبَنٍ وَخَلٍّ وَكُلِّ مُصْطَبَغٍ بِهِ) أَيْ: مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَكْلِ الْخُبْزِ بِهِ كَالْعَسَلِ وَالزَّيْتِ وَالسَّمْنِ، لِحَدِيثِ:«ائْتَدِمُوا بِالزَّيْتِ وَادَّهِنُوا بِهِ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ» ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَعَنْهُ عليه الصلاة والسلام:«نِعْمَ الْأُدْمُ الْخَلُّ» وَالْبَاقِي فِي مَعْنَاهُ.
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ
قُوتًا حَنِثَ بِأَكْلِ خُبْزٍ وَتَمْرٍ وَلَحْمٍ وَلَبَنٍ وَكُلِّ مَا تَبْقَى مَعَهُ الْبَيِّنَةُ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ هَذِهِ يُقْتَاتُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ، وَكَذَا إنْ أَكَلَ سَوِيقًا أَوْ سَفَّ دَقِيقًا؛ لِأَنَّهُ يَقْتَاتُ، وَكَذَا حَبٌّ يُقْتَاتُ خُبْزُهُ، لِحَدِيثِ:«إنَّهُ كَانَ يَدَّخِرُ قُوتَ عِيَالِهِ سَنَةً» ، وَإِنَّمَا كَانَ يَدَّخِرُ الْحَبَّ.
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ طَعَامًا حَنِثَ بِاسْتِعْمَالِ مَا يُؤْكَلُ وَيُشْرَبُ) مِنْ قُوتٍ وَأُدْمٍ وَحَلْوَى وَفَاكِهَةٍ وَجَامِدٍ وَمَائِعٍ، قَالَ تَعَالَى:{كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ} [آل عمران: 93] الْآيَةَ. وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «لَا أَعْلَمُ مَا يُجْزِئُ عَنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إلَّا اللَّبَنَ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَ (لَا) يَحْنَثُ بِشُرْبِ (مَاءٍ وَ) اسْتِعْمَالِ (دَوَاءٍ وَ) لَا بِأَكْلِ (وَرَقِ شَجَرٍ وَتُرَابٍ وَنِشَارَةِ خَشَبٍ) ؛ لِأَنَّ اسْمَ الطَّعَامِ لَا يَتَنَاوَلُهُ عُرْفًا.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً حَنِثَ بِمَاءٍ وَمِلْحٍ وَمَاءٍ نَجِسٍ) ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ (لَا) بِشُرْبِ (جُلَّابٍ وَمَاءِ وَرْدٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَاءٍ.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَتَغَدَّى فَأَكَلَ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ حَلَفَ لَا يَتَعَشَّى فَأَكَلَ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، أَوْ حَلَفَ لَا يَتَسَحَّرُ فَأَكَلَ قَبْلَهُ)، أَيْ: قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ (لَمْ يَحْنَثْ) حَيْثُ لَا نِيَّةَ؛ لِأَنَّ الْغَدَاءَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْغَدْوَةِ، وَهِيَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الزَّوَالِ، وَالْعَشَاءَ مِنْ الْعَشِيِّ، وَهُوَ مِنْ الزَّوَالِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، وَالسُّحُورَ مِنْ السَّحَرِ وَهُوَ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ.
(وَيَتَّجِهُ) عَدَمُ الْحِنْثِ (حَيْثُ لَا عُرْفَ بِخِلَافِهِ) أَمَّا لَوْ كَانَ عُرْفٌ بِخِلَافِ ذَلِكَ، فَتَعَلَّقَ الْيَمِينُ بِهِ كَمَنْ عَادَتُهُ وَأَهْلُ بَلْدَتِهِ الْغَدَاءُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَحَلَفَ لَا يَتَغَدَّى ذَلِكَ الْيَوْمَ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَكَذَلِكَ لَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْعَشَاءِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، وَحَلَفَ لَا يَتَعَشَّى، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، أَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِالسُّحُورِ قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ، وَحَلَفَ لَا يَتَسَحَّرُ، فَيَحْنَثُ
بِأَكْلِهِ قَبْلَهُ عَمَلًا بِالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَالْغَدَاءُ وَالْعَشَاءُ أَنْ يَأْكُلَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ شِبَعِهِ) وَالْأَكْلَةُ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ أَكْلَةً، وَبِالضَّمِّ اللُّقْمَةُ.
(وَمَنْ أَكَلَ مَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُهُ مُسْتَهْلَكًا فِي غَيْرِهِ كَمَنْ) حَلَفَ لَا يَأْكُلُهُ (فَأَكَلَهُ فِي خَبِيصٍ أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بَيْضًا فَأَكَلَ نَاطِفًا، أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَعِيرًا فَأَكَلَ حِنْطَةً فِيهَا حَبَّاتُ شَعِيرٍ لَمْ يَحْنَثْ) ؛ لِأَنَّ مَا أَكَلَهُ لَا يُسَمَّى سَمْنًا وَلَا بَيْضًا وَالْحِنْطَةُ فِيهَا شَعِيرًا لَا تُسَمَّى شَعِيرًا (إلَّا إذَا ظَهَرَ طَعْمُ شَيْءٍ مِنْ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ) كَظُهُورِ طَعْمِ السَّمْنِ فِي الْخَبِيصِ أَوْ الْبَيْضِ فِي النَّاطِفِ أَوْ الشَّعِيرِ فِي الْحِنْطَةِ فَيَحْنَثُ.
(وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَوِيقًا، أَوْ هَذَا السَّوِيقَ فَشَرِبَهُ، أَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُهُ، فَأَكَلَهُ حَنِثَ) ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى تَرْكِ أَكْلِ شَيْءٍ أَوْ شُرْبِهِ يُقْصَدُ بِهَا عُرْفًا اجْتِنَابُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: 10] وَقَوْلِ الطَّبِيبِ لِلْمَرِيضِ لَا تَأْكُلْ عَسَلًا.
(وَ) وَإِنْ حَلَفَ عَنْ شَيْءٍ (لَا يَطْعَمُهُ حَنِثَ بِأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ وَمَصِّهِ) ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ كَمَا يَتَنَاوَلُ الْأَكْلَ يَتَنَاوَلُ الشُّرْبَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [البقرة: 249] وَالْمَصُّ لَا يَخْلُو عَنْ كَوْنِهِ أَكْلًا أَوْ شُرْبًا وَ (لَا) يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يَطْعَمُهُ (بِذَوْقِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجَاوِزُ اللِّسَانَ فَلَيْسَ طَعَامًا، بِخِلَافِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَيُجَاوِزَانِ الْحَلْقَ.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ أَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ أَوْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُهُمَا) أَيْ: الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ (لَمْ يَحْنَثْ بِمَصِّ قَصَبِ سُكَّرٍ وَمَصِّ رُمَّانٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَكْلًا وَشُرْبًا؛ عُرْفًا، وَلَا يَحْنَثُ بِبَلْعِ ذَوْبِ سُكَّرٍ فِي فِيهِ بِحَلِفِهِ لَا يَأْكُلُ
سُكَّرًا؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَصِّ الْقَصَبِ.
(وَيَتَّجِهُ أَنَّهُ يَحْنَثُ) مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سُكَّرًا، فَتَرَكَهُ فِي فِيهِ حَتَّى ذَابَ وَابْتَلَعَهُ (لِأَنَّ ذَوْبَهُ) كَذَلِكَ (هُوَ أَكْلُهُ عُرْفًا) كَذَا قَالَ، وَالْمَذْهَبُ عَدَمُ الْحِنْثِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَكْلًا حَقِيقَةً كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مَائِعًا، فَأَكَلَهُ بِخُبْزٍ) حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى أَكْلًا، لِحَدِيثِ «كُلُوا الزَّيْتَ وَادَّهِنُوا بِهِ» .
(أَوْ) حَلَفَ (لَا يَشْرَبُ مِنْ النَّهْرِ، أَوْ) حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ الْبِئْرِ (فَاغْتَرَفَ) مِنْ أَحَدِهِمَا (بِإِنَاءٍ وَشَرِبَ) مِنْهُ، (حَنِثَ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا آلَةَ شُرْبٍ عَادَةً، بَلْ الشُّرْبُ مِنْهُمَا عُرْفًا بِالِاغْتِرَافِ بِالْيَدِ أَوْ الْإِنَاءِ وَ (لَا) يَحْنَثُ (إنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ الْكُوزِ) فَصَبَّ مِنْهُ فِي إنَاءٍ وَشَرِبَهُ (لِأَنَّ الْكُوزَ آلَةُ شُرْبٍ) ، فَالشُّرْبُ مِنْهُ حَقِيقَةُ الْكَرْعِ فِيهِ وَلَمْ يُوجَدْ.
(وَ) مَنْ حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ حَنِثَ بِثَمَرَتِهَا) إنْ أَكَلَهَا (فَقَطْ) دُونَ وَرَقِهَا وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي يَتَبَادَرُ إلَى الذِّهْنِ فَاخْتَصَّ الْيَمِينُ بِهَا (وَلَوْ لَقَطَهَا مِنْ تَحْتِهَا) أَوْ أَكَلَهَا فِي إنَاءٍ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الشَّجَرَةِ (وَيَتَّجِهُ هَذَا) أَيْ: حِنْثُ مِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ بِأَكْلِ ثَمَرَتِهَا (فِيمَا) أَيْ: شَجَرَةٍ (لَهَا ثَمَرٌ) أَيْ: مِنْ شَأْنِهَا أَنَّهَا تُثْمِرُ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مُثْمِرَةً إذْ ذَاكَ (وَإِلَّا) تَكُنْ ذَاتَ ثَمَرٍ كَغَالِبِ الشَّجَرِ الْبَرِّيِّ الَّذِي يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ (حَنِثَ حَالِفٌ بِأَكْلِ وَرَقِهَا وَغُصْنِهَا) لِصِدْقِهِ عَلَى أَنَّهُ مِنْهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْبَقَرَةِ لَا يَعُمُّ وَلَدًا وَلَبَنًا) ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَجْزَائِهَا، قَالَهُ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ (وَفِي الْقَوَاعِدِ: لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ حَنِثَ بِأَكْلِ لَبَنِهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ مِنْهَا فِي الْحَيَاةِ عَادَةً إلَّا اللَّبَنُ (وَيَتَّجِهُ وَهُوَ) أَيْ: حِنْثُهُ (بِأَكْلِ لَبَنِهَا أَصَحُّ)
لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ ذَاتِهَا، فَيَصْدُقُ عَلَى مَنْ أَكَلَ مِنْ لَبَنِهَا أَنَّهُ أَكَلَ مِنْهَا، لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ مَوْجُودًا مُسْتَتِرًا فِي ضَرْعِهَا حَالَ الْحَلِفِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) مَنْ حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ مِمَّا اشْتَرَى فُلَانٌ فَأَكَلَ مِنْ لَبَنِهِ أَوْ بَيْضِهِ حَنِثَ) ؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ مِنْهُ (وَإِنْ قَالَ لَا يَأْكُلُ مِمَّا اشْتَرَاهُ فُلَانٌ، فَأَكَلَ مِنْ لَبَنِهِ أَوْ بَيْضِهِ لَمْ يَحْنَثْ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ.
(وَمَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ شَيْئًا، فَلَبِسَ ثَوْبًا أَوْ دِرْعًا أَوْ جَوْشَنًا) أَوْ قَلَنْسُوَةً أَوْ عِمَامَةً أَوْ خُفًّا أَوْ نَعْلًا، حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ مَلْبُوسٌ حَقِيقَةً وَعُرْفًا كَالثِّيَابِ، «وَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ: إنَّكَ تَلْبَسُ هَذِهِ النِّعَالَ، قَالَ إنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَلْبَسُهَا» . لَكِنَّهُ إنْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْخُفِّ أَوْ النَّعْلِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ لَابِسًا عُرْفًا (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا حَنِثَ كَيْفَ لَبِسَهُ، وَلَوْ تَعَمَّمَ بِهِ، أَوْ ارْتَدَى بِسَرَاوِيلَ) حَلَفَ لَا يَلْبَسُهَا (أَوْ اتَّزَرَ بِقَمِيصٍ) حَلَفَ لَا يَلْبَسُهُ؛ لِأَنَّهُ لَبِسَ وَ (لَا) يَحْنَثُ (بِطَيِّهِ وَتَرْكِهِ عَلَى رَأْسِهِ) مَطْوِيًّا (وَلَا بِنَوْمِهِ عَلَيْهِ، أَوْ تَدَثُّرِهِ)، أَيْ: جَعْلِهِ دِثَارًا، أَوْ الْتِحَافِهِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى لُبْسًا (وَلَا يَلْبَسُ قَمِيصًا فَارْتَدَى بِهِ) أَيْ: جَعَلَهُ مَكَانَ الرِّدَاءِ (حَنِثَ) ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدِيَ، لَابِسٌ (وَلَا يَحْنَثُ إنْ اتَّزَرَ بِهِ) بِأَنْ جَعَلَهُ مَكَانَ الْإِزَارِ.
(وَمَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا، فَلَبِسَ حِلْيَةَ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ جَوْهَرٍ، أَوْ لَبِسَ مِنْطَقَةً مُحَلَّاةً) بِذَلِكَ، أَوْ لَبِسَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (وَلَوْ فِي غَيْرِ خِنْصَرٍ، أَوْ) لَبِسَ (دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فِي مُرْسَلَةٍ)، أَيْ: مِخْنَقَةٍ مِنْ لُؤْلُؤٍ أَوْ جَوْهَرٍ وَحْدَهُ (حَنِثَ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى
{وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [فاطر: 12]{يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا} [الحج: 23] وَلِأَنَّ الْفِضَّةَ حُلِيٌّ إذَا كَانَتْ سِوَارًا أَوْ خَلْخَالًا، وَكَذَا إذَا كَانَتْ خَاتَمًا، وَلِأَنَّ اللُّؤْلُؤَ وَالْجَوْهَرَ حُلِيٌّ مَعَ غَيْرِهِ، فَكَانَ حُلِيًّا وَحْدَهُ كَالذَّهَبِ وَ (لَا) يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا إنْ لَبِسَ (عَقِيقًا أَوْ سَيْحًا أَوْ حَرِيرًا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى حُلِيًّا كَخَرَزِ الزُّجَاجِ (وَلَا إنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ قَلَنْسُوَةً، فَلَبِسَهَا فِي رِجْلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِبْسًا لَهَا.
(وَ) مَنْ حَلَفَ (لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ، أَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّتَهُ، أَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبَهُ - حَنِثَ بِمَا جَعَلَهُ) فُلَانٌ (لِعَبْدِهِ) مِنْ دَارٍ وَدَابَّةٍ وَثَوْبٍ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ سَيِّدِهِ (أَوْ بِمَا أَجَرَهُ) فُلَانٌ مِنْ هَذِهِ (أَوْ اسْتَأْجَرَهُ) مِنْهَا لِبَقَاءِ مِلْكِهِ لِلْمُؤَجِّرِ وَكَمِلْكِ مَنَافِعِ مَا اسْتَأْجَرَهُ وَ (لَا) يَحْنَثُ (بِمَا اسْتَعَارَهُ) فُلَانٌ مِنْ هَذِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَنَافِعَهُ، بَلْ الْإِعَارَةُ إبَاحَةٌ، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ مَسْكَنَهُ) أَيْ: فُلَانٍ (حَنِثَ بِمُسْتَأْجَرٍ) يَسْكُنُهُ وَبِمُسْتَعَارٍ يَسْكُنُهُ (وَبِمَغْصُوبٍ يَسْكُنُهُ) ؛ لِأَنَّهُ مَسْكَنُهُ، وَ (لَا) يَحْنَثُ بِدُخُولِ (مِلْكِهِ الَّذِي لَا يَسْكُنُهُ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَلَفَ عَلَى مَسْكَنِهِ، وَلَيْسَ هَذَا مَسْكَنًا لَهُ (وَإِنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ مِلْكَهُ، لَمْ يَحْنَثْ بِدُخُولِ مُسْتَأْجَرٍ وَلَا مُسْتَعَارٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِلْكًا لَهُ.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ عَبْدِ فُلَانٍ حَنِثَ بِمَا جَعَلَ) مِنْ الدَّوَابِّ بِرَسْمِهِ أَيْ: الْعَبْدِ لِاخْتِصَاصِهِ بِهِ (كَحِنْثِهِ) بِحَلِفِهِ (لَا يَرْكَبُ رَحْلَ هَذِهِ الدَّابَّةِ أَوْ لَا يَبِيعُهُ) إذَا رَكِبَ أَوْ بَاعَ مَا جَعَلَ رَحْلًا لَهَا.
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَدْخُلُ دَارًا مُعَيَّنَةً فَدَخَلَ سَطْحَهَا) حَنِثَ؛ لِأَنَّ الْهَوَاءَ تَابِعٌ لِلْقَرَارِ (أَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَابَهَا فَحَوَّلَ الْبَابَ وَدَخَلَهُ حَنِثَ) ؛ لِأَنَّ الْمُحْدَثَ هُوَ بَابُهَا (وَلَا يَحْنَثُ إنْ دَخَلَ طَاقَ الْبَابِ) ؛ لِأَنَّ الدَّارَ عُرْفًا مَا يَغْلِقُ عَلَيْهِ بَابَهَا، وَطَاقُ الْبَابِ خَارِجٌ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْهَا (أَوْ وَقَفَ عَلَى حَائِطِهَا) فَلَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى دُخُولًا كَمَا لَوْ تَعَلَّقَ بِغُصْنِ
شَجَرَةٍ خَارِجَ الدَّارِ وَأَصْلُهَا بِهَا، فَإِنْ صَعِدَ عَلَى الشَّجَرَةِ حَتَّى صَارَ فِي مُقَابَلَةِ سَطْحِهَا بَيْنَ حِيطَانِهَا - حَنِثَ؛ لِأَنَّ الْهَوَاءَ تَابِعٌ لِلْقَرَارِ كَمَا لَوْ أَقَامَ عَلَى سَطْحِهَا أَوْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ فِي غَيْرِ الدَّارِ، فَتَعَلَّقَ بِفَرْعٍ مَادٍّ عَلَى الدَّارِ مُقَابَلَةَ سَطْحِهَا - حَنِثَ (وَ) إنْ حَلَفَ (لَيَخْرُجَنَّ مِنْهَا فَصَعِدَ سَطْحَهَا، لَمْ يَبَرَّ) ؛ لِأَنَّ سَطْحَهَا مِنْهَا (وَإِنْ) حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَصَعِدَهُ، أَيْ: سَطْحَهَا (لَمْ يَحْنَثْ) ، فَإِنْ كَانَتْ نِيَّةٌ أَوْ سَبَبٌ عَمِلَ بِهَا.
تَتِمَّةٌ: وَلَوْ حَلَفَ لَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي الدَّارِ وَلَا يَطَؤُهَا، فَدَخَلَهَا رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا أَوْ حَافِيًا أَوْ مُنْتَعِلًا حَنِثَ.
وَإِنْ حَلَفَ (لَا يُكَلِّمُ إنْسَانًا حَنِثَ بِكَلَامِ كُلِّ إنْسَانٍ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، حُرٍّ أَوْ رَقِيقٍ؛ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، فَيَعُمُّ (حَتَّى) بِقَوْلِهِ لَهُ (تَنَحَّ أَوْ اُسْكُتْ) أَوْ زَجَرَهُ بِكُلِّ لَفْظٍ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ فَيَدْخُلُ فِيمَا حَلَفَ عَلَى عَدَمِهِ وَ (لَا) يَحْنَثُ (بِسَلَامٍ مِنْ صَلَاةٍ صَلَّاهَا إمَامًا) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ مَشْرُوعٌ فِي الصَّلَاةِ كَالتَّكْبِيرَةِ.
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَا كَلَّمْت زَيْدًا، فَكَاتَبَهُ أَوْ رَاسَلَهُ حَنِثَ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا} [الشورى: 51] وَحَدِيثُ «مَا بَيْنَ دَفَّتَيْ الْمُصْحَفِ كَلَامُ اللَّهِ» (مَا لَمْ يَنْوِ حَالِفٌ مُشَافَهَتَهُ)(بِالْكَلَامِ) ، فَلَا يَحْنَثُ بِالْمُكَاتَبَةِ وَلَا الْمُرَاسَلَةِ، لِعَدَمِ الْمُشَافَهَةِ فِيهِمَا وَ (لَا) يَحْنَثُ (إذَا أُرْتِجَ عَلَيْهِ) أَيْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُكَلِّمَهُ (فِي صَلَاةٍ، فَفَتَحَ عَلَيْهِ) .
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إمَامًا لَهُ، وَلَوْ قَصَدَ بِذَلِكَ التَّنْبِيهَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ وَلَيْسَ كَلَامُ الْآدَمِيِّينَ، قَالَ أَبُو الْوَفَاءِ: لَوْ حَلَفَ لَا يَسْمَعُ كَلَامَ اللَّهِ فَسَمِعَ الْقُرْآنَ حَنِثَ إجْمَاعًا (وَإِنْ حَلَفَ لَا بَدَأْته بِكَلَامٍ، فَتَكَلَّمَا مَعًا لَمْ يَحْنَثْ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْدَأْهُ بِهِ حَيْثُ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ بِهِ، (وَ) إنْ حَلَفَ (لَا كَلَّمْته)، أَيْ: فُلَانًا (حَتَّى يُكَلِّمَنِي أَوْ حَتَّى يَبْدَأَنِي بِكَلَامٍ فَتَكَلَّمَا مَعًا حَنِثَ) لِمُخَالَفَتِهِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ.
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَا كَلَّمْته حِينًا أَوْ) حَلَفَ لَا كَلَّمْته (الزَّمَانَ وَلَا نِيَّةَ) لِحَالِفٍ تَخُصُّ مَنْ قَدَّرَ مُعَيَّنًا (وَ) الْمُدَّةُ (سِتَّةُ أَشْهُرٍ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأَوْلَى لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم: 25] إنَّهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَقَالَ
عِكْرِمَةُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَالزَّمَانُ مُعَرَّفًا، فِي مَعْنَاهُ (وَ) إنْ حَلَفَ لَا كَلَّمْت زَيْدًا (زَمَنًا أَوْ أَمَدًا أَوْ دَهْرًا أَوْ بَعِيدًا أَوْ مَلِيًّا أَوْ عُمْرًا أَوْ طَوِيلًا أَوْ حُقُبًا بِضَمِّ الْقَافِ أَوْ وَقْتًا فَالْمُدَّةُ أَقَلُّ زَمَانٍ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا حَدَّ لَهَا لَا لُغَةً وَلَا عُرْفًا، بَلْ تَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، فَوَجَبَ حَمْلُهَا عَلَى أَقَلَّ مَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ، وَقَدْ يَكُونُ الْبَعِيدُ قَرِيبًا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ وَبِالْعَكْسِ، وَلَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِالتَّحَكُّمِ.
(وَ) إنْ حَلَفَ لَا كَلَّمْته (الْعُمُرَ) مُعَرَّفًا أَوْ حَلَفَ لَا كَلَّمْتُهُ الْأَبَدَ مُعَرَّفًا (أَوْ) حَلَفَ لَا كَلَّمْتُهُ (الدَّهْرَ) مُعَرَّفًا، فَذَلِكَ كُلُّ الزَّمَانِ حَمْلًا لِأَلْ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ لِتَبَادُرِهِ (وَ) الْحُقْبُ مُعَرَّفًا بِسُكُونِ الْقَافِ، (ثَمَانُونَ سَنَةً) جَزَمَ بِهِ جَمْعٌ (وَ) إنْ حَلَفَ لَا كَلَّمْته أَشْهُرًا، أَوْ لَا كَلَّمْته شُهُورًا، أَوْ لَا كَلَّمْته أَيَّامًا، فَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ فِي الْأَوَّلَيْنِ أَوْ أَيَّامٍ فِي الْأَخِيرَةِ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ أَقَلُّ الْجَمْعِ، وَالزَّائِدُ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَإِنْ عَيَّنَ بِحَلِفِهِ أَيَّامًا تَبِعَهَا اللَّيَالِي (وَيَدْخُلُ مَا بَيْنَهُمَا) أَيْ: الشُّهُورِ وَالْأَيَّامِ (مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ وَإِنْ عَيَّنَ أَيَّامًا تَبِعَتْهَا اللَّيَالِي.
(وَ) إنْ حَلَفَ لَا كَلَّمْته (إلَى الْحَصَادِ أَوْ) إلَى الْجِذَاذِ، فَإِنَّهُ تَنْتَهِي مُدَّةُ حَلِفِهِ (إلَى أَوَّلِ مُدَّتِهِ) أَيْ الْحَصَادِ أَوْ الْجِذَاذِ؛ لِأَنَّ " إلَى " لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ، فَلَا تَدْخُلُ مُدَّتُهَا فِي حَلِفِهِ. (وَيَتَّجِهُ) اعْتِبَارُ أَوَّلِ مُدَّةِ الْحَصَادِ وَالْجِذَاذِ (بِبَلَدِ حَالِفٍ) فَلَا اعْتِبَارَ بِوُقُوعِ ذَلِكَ بِبَلَدِ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَتْ بِالْقُرْبِ مِنْهُ. (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ يُعْتَبَرُ) ابْتِدَاءُ الْحَصَادِ وَالْجِذَاذِ بِبَلْدَةٍ كَانَ فِيهَا الْحَالِفُ (حَالَ حَلِفٍ، لَا) حَالَ (حِنْثٍ)، فَلَوْ حَلَفَ وَهُوَ سَاكِنٌ فِي مِصْرَ مَثَلًا: لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا إلَى الْحَصَادِ أَوْ الْجِذَاذِ، ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى الشَّام، وَكَلَّمَهُ قَبْلَ وُقُوعِ ذَلِكَ فِيهَا بِشَهْرٍ، لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَلَّمَهُ بَعْدَ وُقُوعِ ذَلِكَ بِمِصْرَ، فَانْحَلَّتْ يَمِينُهُ بِشُرُوعِ أَهْلِ مِصْرَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ يَشْرَعُونَ فِي الْحَصَادِ وَالْجِذَاذِ قَبْلَ أَهْلِ الشَّامِ بِأَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ ضَرُورَةً،
وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) إنْ حَلَفَ لَا كَلَّمْت زَيْدًا (الْحَوْلَ) فَمُدَّةُ حَلِفِهِ (حَوْلٌ) كَامِلٌ مِنْ الْيَمِينِ (لَا تَتِمَّتُهُ) إنْ حَلَفَ فِي أَثْنَاءِ حَوْلٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ.
(وَيَتَّجِهُ بَلْ) حُكْمُ مَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا لِحَوْلٍ (كَتَفْصِيلِ طَلَاقٍ) فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ الشَّهْرَ أَوْ الْحَوْلَ، فَإِنَّهَا تَطْلُقُ بِمُضِيِّهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ وُقُوعَهُ فِي الْحَالِ، فَيَقَعُ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ غَايَةً لِلْوُقُوعِ - وَلَا غَايَةَ لِآخِرِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَجْعَلَ غَايَةً لِأَوَّلِهِ، وَلِأَنَّ هَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُوَقَّتًا لِإِيقَاعِهِ فَلَمْ يَقَعْ بِالشَّكِّ، وَأَمَّا إذَا نَوَى وُقُوعَهُ فِي الْحَالِ، فَيَقَعُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا هُوَ أَغْلَظُ، وَلَفْظُهُ يَحْتَمِلُهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَتَكَلَّمُ فَقَرَأَ أَوْ سَبَّحَ أَوْ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى، أَوْ قَالَ لِمَنْ دَقَّ عَلَيْهِ الْبَابَ: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} [الحجر: 46] يَقْصِدُ الْقُرْآنَ وَتَنْبِيهَهُ، لَمْ يَحْنَثْ) ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ عُرْفًا كَلَامُ الْآدَمِيِّينَ خَاصَّةً، لِحَدِيثِ:«إنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا شَاءَ، وَقَدْ أَحْدَثَ أَلَّا تَتَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ» . وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ: كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى نَزَلَ: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]
فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ، وَنُهِينَا عَنْ الْكَلَامِ، وَقَالَ تَعَالَى:{آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ} [آل عمران: 41]، وَلِأَنَّ مَا لَا يَحْنَثُ بِهِ فِي الصَّلَاةِ لَا يَحْنَثُ بِهِ خَارِجَهَا (وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ) بِقَوْلِهِ {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} [الحجر: 46] (الْقُرْآنَ - حَنِثَ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ الْمُوَفَّقُ (وَيَتَّجِهُ اعْتِبَارُ هَذَا التَّفْصِيلِ فِيمَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ) لَا فِي الْحِنْثِ وَأَنَّهُ، أَيْ: الْمُبْطِلُ لِلصَّلَاةِ (خَاصٌّ بِمَا)، أَيْ: لَفْظٍ يُخَاطِبُ بِهِ النَّاسُ بَعْضَهُمْ بَعْضًا، (وَقَدْ وَقَعَ نَظِيرُهُ فِي الْقُرْآنِ كَهَذَا) الْمَذْكُورِ (وَنَحْوِ) قَوْله تَعَالَى:{يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ} [مريم: 12] وَقَوْلِهِ: {يَا مُوسَى لا تَخَفْ} [النمل: 10] وَقَوْلِهِ: {آتِنَا غَدَاءَنَا} [الكهف: 62] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَلْفَاظِ الْخِطَابِ (بِخِلَافِ نَحْوِ قَوْلِهِ: {حم} [الزخرف: 1] {وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ} [الزخرف: 2] وَقَوْلِهِ: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ} [القمر: 54] وَقَوْلِهِ: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] ، (فَلَا يَحْنَثُ) بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَأَشْبَاهِهِ (وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ) أَيْضًا (وَلَوْ قَصَدَ التَّنْبِيهَ خَاصَّةً، بِدَلِيلِ مَنْ سَهَا إمَامُهُ أَوْ اُسْتُؤْذِنَ فَسَبَّحَ بِهِ) وَهُوَ مُتَّجِهٌ، (وَحَقِيقَةُ الذِّكْرِ مَا نَطَقَ)، أَيْ: حَرَّكَ لِسَانَهُ (بِهِ) وَلَوْ لَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ بِهِ (فَلَا يَبَرُّ بِدُونِهِ) ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَنْطِقُ بِهِ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ.
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَا مِلْكَ لَهُ لَمْ يَحْنَثْ بِدَيْنٍ) لَهُ، لِاخْتِصَاصِ الْمِلْكِ بِالْأَعْيَانِ الْمَالِيَّةِ، وَالدَّيْنُ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ الْمِلْكُ فِيمَا يَقْبِضُهُ مِنْهُ.
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَا مَالَ لَهُ أَوْ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَالًا حَنِثَ حَتَّى بِمِلْكِ مَالٍ غَيْرِ زَكَوِيٍّ، وَبِدَيْنٍ لَهُ، وَضَائِعٍ لَمْ يَيْأَسْ مِنْ عَوْدِهِ وَمَغْصُوبٍ) ؛ لِأَنَّ الْمَالَ مَا تَنَاوَلَهُ النَّاسُ عَادَةً لِطَلَبِ الرِّبْحِ مِنْ الْمَيْلِ مِنْ يَدٍ إلَى يَدٍ، وَمِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ، سَوَاءٌ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ أَوْ لَا لِقَوْلِ عُمَرَ: أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ هُوَ أَنْفَسُ عِنْدِي مِنْهُ. وَفِي الْحَدِيثِ: «خَيْرُ الْمَالِ سِكَّةٌ مَأْبُورَةٌ، أَوْ مُهْرَةٌ مَأْمُورَةٌ» . وَالسِّكَّةُ الطَّرِيقَةُ مِنْ النَّخْلِ الْمُصْطَفَّةُ، وَالتَّأْبِيرُ التَّلْقِيحُ وَقِيلَ: السِّكَّةُ سِكَّةُ الْحَرْثِ.
وَأَمَّا حِنْثُهُ بِالدَّيْنِ فَلِأَنَّهُ مَالٌ يَنْعَقِدُ عَلَيْهِ حَوْلُ الزَّكَاةِ، وَيَصِحُّ إخْرَاجُهَا عَنْهُ، وَيَصِحُّ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْإِبْرَاءِ وَالْحَوَالَةِ وَالْمُعَاوَضَةِ عَنْهُ لِمَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ، وَالتَّوْكِيلُ فِي اسْتِيفَائِهِ، وَأَمَّا حِنْثُهُ بِالضَّائِعِ الَّذِي لَمْ يَيْأَسْ مِنْ عَوْدِهِ وَبِالْمَغْصُوبِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ فِي مِلْكِهِ، فَحَنِثَ بِهِ، وَلَا يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا مَالَ لَهُ أَوْ (لَا) يَمْلِكُ مَالًا (بِمُسْتَأْجَرٍ وَلَا بِوَاجِبِ حَقِّ شُفْعَةٍ) قَبْلَ أَخْذِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى (مَالًا) عُرْفًا.
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَيَضْرِبَنَّهُ بِمِائَةٍ، فَجَمَعَهَا وَضَرَبَهُ بِهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً بَرَّ) ؛ لِأَنَّهُ ضَرَبَهُ بِالْمِائَةِ، وَ (لَا) يَبَرُّ (إنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ مِائَةً) فَجَمَعَهَا وَضَرَبَهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً (وَلَوْ آلَمَهُ) بِهَا؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ يَمِينِهِ أَنْ يَضْرِبَهُ مِائَةَ ضَرْبَةٍ لِيَتَكَرَّرَ أَلَمُهُ بِتَكْرَارِ الضَّرْبِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ ضَرَبَهُ مِائَةً بِسَوْطٍ وَاحِدٍ بَرَّ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَلَوْ عَادَ الْعَدَدُ إلَى السَّوْطِ لَمْ يَبَرَّ بِالضَّرْبِ بِسَوْطٍ وَاحِدٍ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ بِمِائَةِ سَوْطٍ، وَلِأَنَّ السَّوْطَ هُنَا آلَةٌ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَصْدَرِ، وَانْتَصَبَ انْتِصَابَهُ، فَمَعْنَى كَلَامِهِ لَأَضْرِبَنَّهُ مِائَةَ ضَرْبَةٍ بِسَوْطٍ، وَهَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِ، وَاَلَّذِي تَقْتَضِيهِ اللُّغَةُ، فَلَا يَبَرُّ بِمَا يُخَالِفُ ذَلِكَ، أَمَّا أَيُّوبُ عليه الصلاة والسلام فَإِنَّ اللَّه - تَعَالَى - أَرْخَصَ لَهُ رِفْقًا بِامْرَأَتِهِ لِبِرِّهَا بِهِ وَإِحْسَانِهَا إلَيْهِ، لِيَجْمَعَ لَهُ بَيْنَ بِرِّهِ فِي يَمِينِهِ وَرِفْقِهِ بِامْرَأَتِهِ، وَلِذَلِكَ امْتَنَّ عَلَيْهَا بِهَذَا، وَذَكَرَهُ فِي جُمْلَةِ مَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ مِنْ مُعَافَاتِهِ