الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ فِي " شَرَحَ التَّحْرِيرِ "(فَلَوْ أَفْتَى الْمُقَلِّدَ مُفْتٍ) وَاحِدٌ (وَعَمِلَ بِهِ الْمُقَلِّدُ؛ لَزِمَهُ قَطْعًا، وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ إلَى فَتْوَى غَيْرِهِ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ إجْمَاعًا نَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْهِنْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا) وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ بِالْتِزَامِهِ.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ ": هَذَا الْأَشْهَرُ
[تَتِمَّةٌ جَعَلَ أَهْلُ بَلَدٍ لِلْمُفْتِي رِزْقًا لِيَتَفَرَّغَ لَهُمْ]
تَتِمَّةٌ: وَإِنْ جَعَلَ أَهْلُ بَلَدٍ لِلْمُفْتِي رِزْقًا لِيَتَفَرَّغَ لَهُمْ؛ جَازَ لَهُ أَخْذُهُ، وَجَعْلُ الْأَرْزَاقِ مَعْرُوفٌ غَيْرُ لَازِمٍ لِجِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ.
قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَلَا يُورَثُ، بِخِلَافِ الْأُجْرَةِ قَالَ: وَبَابُ الْأَرْزَاقِ أَدْخَلُ فِي بَابِ الْإِحْسَانِ وَأَبْعَدُ فِي بَابِ الْمُعَاوَضَةِ، وَبَابُ الْإِجَارَةِ أَبْعَدُ عَنْ بَابِ الْمُسَامَحَةِ وَأَدْخَلُ فِي بَابِ الْمُكَاسَبَةِ، وَلِلْمُفْتِي قَبُولُ هَدِيَّةٍ لَا لِيُفْتِيَهُ بِمَا يُرِيدُهُ مِمَّا لَا يُفْتِي بِهِ غَيْرُهُ، وَإِنْ أَخَذَهَا لِيُفْتِيَهُ بِمَا يُرِيدُهُ؛ حَرُمَ عَلَيْهِ أَخْذُهَا.
[فَصْلٌ فِي مَا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَفْتَى كِتَابَةً]
فَصْلٌ (يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَفْتَى خَطًّا) ؛ أَيْ: كِتَابَةً لَا لَفْظًا (أَنْ يَكْتُبَ فِي أَوَّلِ فَتْوَاهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَفِي آخِرِهَا: وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَكَتَبَهُ فُلَانٌ الْحَنْبَلِيُّ أَوْ الشَّافِعِيُّ وَنَحْوُهُ) كَالْمَالِكِيِّ وَالْحَنَفِيِّ اقْتِدَاءً بِمَنْ سَلَفَ وَ (يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُكْتَبَ الْجَوَابُ بِخَطٍّ وَاضِحٍ، وَيُقَارِبُ سُطُورَهُ وَخَطَّهُ لِئَلَّا يُزَوِّرَ أَحَدٌ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَتَأَمَّلُ الْجَوَابَ بَعْدَ كِتَابَتِهِ خَوْفَ غَلَطٍ أَوْ سَهْوٍ، وَإِذَا رَأَى فِي آخِرِ سَطْرٍ الْفُتْيَا أَوْ فِي خِلَالِهَا بَيَاضًا يُحْتَمَلُ أَنْ يُلْحَقَ بِهِ مَا يُفْسِدُ الْجَوَابَ؛ فَلْيَحْتَرِزْ مِنْهُ بِالْأَمْرِ بِكِتَابَةِ غَيْرِ الْوَرَقَةِ أَوْ يَشْغَلُهُ بِشَيْءٍ) لِيَأْمَنَ مِنْ الزِّيَادَةِ (وَإِنْ رَأَى لَحْنًا فَاحِشًا فِي الرُّقْعَةِ) الْمَكْتُوبِ فِيهَا السُّؤَالُ (أَوْ رَأَى خَطًّا يُحِيلُ بِهِ الْمَعْنَى أَصْلَحَهُ) لِأَنَّ إجَابَتَهُ تَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ الْفَهْمِ الْمَقْصُودِ (وَيَنْبَغِي) لِلْمُفْتِي (أَنْ يَكُونَ جَوَابُهُ مَوْصُولًا
بِآخِرِ سَطْرٍ فِي الْوَرَقَةِ) وَلَا يَدَعُ بَيْنَهُمَا فُرْجَةً خَوْفًا مِنْ أَنْ يُثْبِتَ السَّائِلُ فِيهَا غَرَضًا لَهُ ضَارًّا.
تَنْبِيهٌ: إذَا كَانَ فِي مَوْضِعِ الْجَوَابِ وَرَقَةٌ مُلْتَزِقَةٌ كَتَبَ عَلَى مَوْضِعِ الِالْتِزَاقِ، وَشَغَلَهُ بِشَيْءٍ؛ لِئَلَّا يُحَلَّ اللَّزُوقُ، وَيُوصَلَ بِرُقْعَةٍ أُخْرَى.
وَقَالَ فِي شَرْحِ " الْإِقْنَاعِ " قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُلْتَزِقٍ، وَطَلَبَ مِنْهُ الْكِتَابَةَ لِيَلْزَقَ؛ لَمْ يُجِبْ، لِئَلَّا يَلْزَقَ بِغَيْرِ مَا سُئِلَ عَنْهُ مِمَّا يُخَالِفُهُ فِي الْحُكْمِ.
(وَلَهُ أَنْ يَقُولَ مَعَ جَوَابِ مَنْ تَقَدَّمَهُ) بِالْفُتْيَا (جَوَابِي كَذَلِكَ، أَوْ الْجَوَابُ صَحِيحٌ) وَبِهِ أَقُولُ طَلَبًا لِلِاخْتِصَارِ مَعَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ (وَإِذَا عَلِمَ صَوَابَ جَوَابِهِ وَمُوَافَقَتِهِ، وَكَانَ أَهْلًا) لِلْفُتْيَا (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ صَوَابَهُ (اسْتَقَلَّ بِالْجَوَابِ) مَعَهُ فِي الْوَرَقَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْ تَقَدَّمَ الْمُفْتِيَ أَهْلًا لِلْفُتْيَا، لَمْ يُفْتِ مَعَهُ، لِأَنَّهُ تَقْرِيرٌ لِلْمُنْكَرِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الْمُفْتِي اسْمَ مَنْ كَتَبَ قَبْلَهُ، فَلَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْفُتْيَا مَعَهُ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ أَهْلٍ، فَيَكُونُ تَقْرِيرًا لِلْمُنْكَرِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُشِيرَ عَلَى صَاحِبِ الرُّقْعَةِ بِإِبْدَالِهَا إذَا جَهِلَ الْمُفْتِي قَبْلَهُ فِيهَا، فَإِنْ أَبَى إبْدَالَهَا أَجَابَهُ شِفَاهًا (وَإِذَا كَانَ هُوَ الْمُبْتَدِئَ بِالْإِفْتَاءِ فِي الرُّقْعَةِ كَتَبَ فِي النَّاحِيَةِ الْيُسْرَى) لِأَنَّهُ أَمْكَنُ وَإِنْ كَتَبَ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَسْفَلِ جَازَ وَلَا يَكْتُبُ فَوْقَ الْبَسْمَلَةِ احْتِرَامًا لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى (وَعَلَيْهِ أَنْ يَخْتَصِرَ جَوَابَهُ) لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى مَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ إشْغَالٌ لِلرُّقْعَةِ بِمَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَقَدْ لَا يُرْضِي رَبَّهَا بِذَلِكَ، وَدَلَالَةُ الْحَالِ أَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَ فِي قَدْرِ الْحَاجَةِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَكْتُبَ بَعْدَ جَوَابِهِ عَمَّا فِي الرُّقْعَةِ: زَادَ السَّائِلُ مِنْ لَفْظِهِ كَذَا وَكَذَا وَالْجَوَابُ عَنْهُ كَذَا وَكَذَا، لِأَنَّهُ إخْبَارٌ بِالْوَاقِعِ.
(وَإِنْ جَهِلَ الْمُفْتِي لِسَانَ السَّائِلِ) أَيْ: لُغَتَهُ (أَجْزَأَتْ تَرْجَمَةُ وَاحِدٍ ثِقَةٍ) كَالْإِخْبَارِ بِالْقِبْلَةِ وَغَيْرِهَا، بِخِلَافِ التَّرْجَمَةِ عِنْدَ الْحَاكِمِ؛ فَحُكْمُهَا كَالشَّهَادَةِ، وَيَأْتِي
(وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِاللَّفْظِ) كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْأَيْمَانِ وَالْأَقَارِيرِ (بِمَا اعْتَادَهُ هُوَ مِنْ فَهْمِ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ، دُونَ أَنْ يَعْرِفَ عُرْفَ أَهْلِهَا وَالْمُتَكَلِّمِينَ بِهَا، بَلْ يَحْمِلُهَا عَلَى مَا اعْتَادُوهُ وَعَرَفُوهُ، وَإِنْ كَانَ) الَّذِي اعْتَادَ (مُخَالِفًا
لِحَقَائِقِهَا الْأَصْلِيَّةِ) أَيْ: اللُّغَوِيَّةِ، لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْأَيْمَانِ أَنَّ الْعُرْفِيَّ يُقَدَّمُ عَلَى الْحَقِيقَةِ الْمَهْجُورَةِ.
(وَلَا يَجُوزُ لِلْمُفْتِي أَنْ يُلْقِيَ السَّائِلَ فِي الْحَيْرَةِ، كَأَنْ يَقُولَ فِي مَسْأَلَةٍ فِي الْفَرَائِضِ تُقْسَمُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ) تَعَالَى، أَوْ يَقُولَ: فِيهَا، أَيْ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي سُئِلَ عَنْهَا (قَوْلَانِ، بَلْ يُبَيِّنُ بَيَانًا مُزِيلًا لِلْإِشْكَالِ) لِأَنَّ الْفُتْيَا تُبَيِّنُ الْحُكْمَ.
(وَمَنْ كَتَبَ عَلَى فُتْيَا أَوْ شَهَادَةٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُكَبِّرَ خَطَّهُ، وَلَا أَنْ يُوَسِّعَ السُّطُورَ بِلَا إذْنٍ أَوْ حَاجَةٍ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ لَفْظًا وَلَا عُرْفًا (وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ السُّؤَالُ بِخَطِّهِ لَا بِإِمْلَائِهِ) وَتَهْذِيبِهِ (وَإِذَا كَانَ فِي رُقْعَةِ الِاسْتِفْتَاءِ مَسَائِلُ؛ فَالْأَحْسَنُ تَرْتِيبُ الْجَوَابِ عَلَى تَرْتِيبِ الْمَسَائِلِ) لِيَحْصُلَ التَّنَاسُبُ.
(وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَكْتُبَ الْجَوَابَ عَلَى مَا يَعْلَمُهُ مِنْ صُورَةِ الْوَاقِعَةِ) إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الرُّقْعَةِ تَعَرُّضٌ لَهُ (بَلْ يَذْكُرُ جَوَابَ مَا فِي الرُّقْعَةِ؛ فَإِنْ أَرَادَ الْجَوَابَ عَلَى خِلَافِ مَا فِيهَا؛ فَلْيَقُلْ وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَا فَجَوَابُهُ كَذَا)، وَإِنْ أَمَرَ السَّائِلُ بِتَغْيِيرِ الرُّقْعَةِ فَهُوَ أَوْلَى (وَلَهُ) أَيْ: الْمُفْتِي الْعُدُولُ (عَنْ جَوَابِ السُّؤَالِ إلَى مَا هُوَ أَنْفَعُ لِلسَّائِلِ) قَالَ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] .
وَيَجُوزُ لِلْمُفْتِي (أَنْ يُجِيبَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَأَلَهُ) عَنْهُ؛ كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: وَقَدْ سُئِلَ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَلِلْمُفْتِي (أَنْ يُنَبِّهَهُ) أَيْ: الْمُسْتَفْتِيَ (عَلَى مَا يَجِبُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ) لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْهِدَايَةِ لِدَفْعِ الْمَضَارِّ (وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ مُسْتَغْرَبًا وَطَّأَ قَبْلَهُ مَا هُوَ كَالْمُقَدِّمَةِ) لَهُ لِيُزِيلَ اسْتِغْرَابَهُ.
(وَلْيَحْذَرْ الْمُفْتِي أَنْ يَمِيلَ فِي فُتْيَاهُ مَعَ الْمُسْتَفْتِي أَوْ مَعَ خَصْمِهِ بِأَنْ يَكْتُبَ فِي جَوَابِهِ مَا هُوَ لَهُ) أَيْ: لِلْمُسْتَفْتِي (وَيَسْكُتَ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ وَنَحْوُهُ) كَأَنْ يُحَاوِلَ فِي جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ، وَيَجْعَلَهُ كَالْمُعْمَى فَيَنْفِرُ بِسَبَبِ ذَلِكَ السَّائِلُ أَوْ خَصْمُهُ،