الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْفِسْقِ، لِأَنَّهُ كَالْمُنَافِقِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
[تَتِمَّةٌ قَبُولُ تَوْبَةُ الْقَاتِلِ]
تَتِمَّةٌ: وَتُقْبَلُ تَوْبَةُ الْقَاتِلِ لِحَدِيثِ «التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ» فَلَوْ اُقْتُصَّ مِنْهُ وَعُفِيَ عَنْهُ فَهَلْ يُطَالِبُهُ الْمَقْتُولُ فِي الْآخِرَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْقَتْلَ يَتَعَلَّقُ بِهِ ثَلَاثَةُ حُقُوقٍ.
حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَحَقٌّ لِلْمَقْتُولِ، وَحَقٌّ لِلْوَلِيِّ، فَإِذَا أَسْلَمَ الْقَاتِلُ نَفْسَهُ طَوْعًا وَاخْتِيَارًا إلَى الْوَلِيِّ نِدَامًا عَلَى مَا فَعَلَ، وَخَوْفًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَتَوْبَةً نَصُوحًا؛ سَقَطَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّوْبَةِ، وَحَقُّ الْأَوْلِيَاءِ بِالِاسْتِيفَاءِ أَوْ الصُّلْحِ أَوْ الْعَفْوِ، وَبَقِيَ حَقُّ الْمَقْتُولِ يُعَوِّضُهُ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيمَةِ عَنْ عَبْدِهِ التَّائِبِ، وَيُصْلِحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَتَقَدَّمَ فِي الْجِنَايَاتِ.
[فَصْلٌ تَوْبَةُ الْمُرْتَدِّ وَالْكَافِرِ الْإِتْيَانُ بِالشَّهَادَتَيْنِ]
فَصْلٌ
(وَتَوْبَةُ مُرْتَدٍّ) إتْيَانُهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ (وَ) تَوْبَةُ (كُلِّ كَافِرٍ) مِنْ كِتَابِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ (إتْيَانُهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ) ؛ أَيْ: قَوْلُهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْكَنِيسَةَ فَإِذَا؛ بِيَهُودِيٍّ يَقْرَأُ عَلَيْهِمْ التَّوْرَاةَ، فَقَرَأَ حَتَّى أَتَى عَلَى صِفَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأُمَّتِهِ، فَقَالَ: هَذِهِ صِفَتُك وَصِفَةُ أُمَّتِك أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّك رَسُولُ اللَّهِ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأَصْحَابِهِ: لَوْ أَخَاكُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَعَنْ أَبِي صَخْرٍ الْعُقَيْلِيِّ قَالَ: «حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ الْأَعْرَابِ قَالَ جَلَبْت حَلُوبَةً إلَى الْمَدِينَةِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا فَرَغْت
مِنْ بَيْعَتِي قُلْت: لَأَلْقِيَنَّ هَذَا الرَّجُلَ فَلَأَسْمَعَنَّ مِنْهُ، فَلَقِيتُهُ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ يَمْشُونَ، فَتَبِعْتُهُمْ فِي أَقْفَائِهِمْ حَتَّى أَتَوْا عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ نَاشِرًا التَّوْرَاةَ يَقْرَأهَا يُعَزِّي نَفْسَهُ عَنْ ابْنٍ لَهُ فِي الْمَوْتِ كَأَحْسَنِ الْفِتْيَانِ وَأَجْمَلِهَا؛ فَقَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم: أَنْشُدُكَ اللَّهَ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى هَلْ تَجِدُ فِي كِتَابِك ذَا صِفَتِي وَمَخْرَجِي؟ فَقَالَ بِرَأْسِهِ هَكَذَا، أَيْ لَا قَالَ: فَقَالَ ابْنُهُ إي وَاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ إنَّا لَنَجِدُ فِي كِتَابِنَا صِفَتَك وَمَخْرَجَك، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّك رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ: أَقِيمُوا الْيَهُودَ عَنْ أَخِيكُمْ، ثُمَّ وَلِيَ كَفَنَهُ وَدَفْنَهُ وَالصَّلَاةَ عَلَيْهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
، فَجَعَلَهُ أَخًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَوَلِيَ كَفَنَهُ وَالصَّلَاةَ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْإِتْيَانِ بِالشَّهَادَتَيْنِ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِصْمَةَ ثَبَتَتْ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهَا كَالْمُسْلِمِ، فَإِذَا أَتَى الْكَافِرُ وَالْمُرْتَدُّ بِهِمَا ثَبَتَ إسْلَامُهُ، وَانْتَفَى كُفْرُهُ وَرِدَّتُهُ، وَيَكْفِي ذَلِكَ الْقَوْلُ لِعَدَمِ زِيَادَةِ النَّصِّ عَلَيْهِ وَالْحَلُوبَةُ: الْإِبِلُ وَالْغَنَمُ الْوَاحِدَةُ مِنْهُ فَصَاعِدًا.
(وَيَتَّجِهُ أَوْ) إتْيَانُهُ (بِصَلَاةِ رَكْعَةٍ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا» الْخَبَرَ، لِأَنَّهَا رُكْنٌ يَخْتَصُّ بِهِ الْإِسْلَامُ؛ فَحُكِمَ بِإِسْلَامِهِ كَالشَّهَادَتَيْنِ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ: وَلَا يَثْبُتُ الْإِسْلَامُ حَتَّى يَأْتِيَ بِصَلَاةٍ تَتَمَيَّزُ عَنْ صَلَاةِ الْكُهَّانِ، وَلَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ.
وَيَتَّجِهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ تَرْتِيبٌ لِلشَّهَادَتَيْنِ بِأَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، بَلْ لَوْ شَهِدَ بِالرِّسَالَةِ ثُمَّ شَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؛ صَحَّ ذَلِكَ مِنْهُ وَأَنَّهُ لَا تَرْتِيبَ تَلْزَمُ (مُوَالَاةٌ فِيهِمَا) أَيْ؛ الشَّهَادَتَيْنِ بَلْ لَوْ أَتَى بِأَحَدِهِمَا ثُمَّ سَكَتَ أَوْ تَكَلَّمَ بِمَا يَقْطَعُ الْمُوَالَاةَ؛ ثَبَتَ
إسْلَامُهُ وَهُوَ مُتَّجِهٌ
(مَعَ إقْرَارِ مُرْتَدٍّ جَاحِدٍ لِغَرَضٍ أَوْ) جَاحِدِ (تَحْلِيلٍ أَوْ) جَاحِدِ (تَحْرِيمٍ أَوْ) جَاحِدِ (نَبِيٍّ أَوْ) جَاحِدِ (كِتَابٍ) مِنْ كُتُبِ اللَّهِ تَعَالَى (أَوْ) جَاحِدِ (رِسَالَةِ نَبِيِّنَا) مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم (إلَى غَيْرِ الْعَرَبِ بِمَا جَحَدَهُ) مِنْ ذَلِكَ؛ (وَإِلَّا) يُقِرُّ بِمَا جَحَدَهُ (لَمْ يَصِحَّ إسْلَامُهُ) ، لِأَنَّ مَنْ جَحَدَ شَيْئًا يَكْفُرُ بِجُحُودِهِ لَا يُكْتَفَى مِنْهُ الْإِتْيَانُ بِالشَّهَادَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَضَمَّنَانِ الْإِقْرَارَ بِمَا جَحَدَهُ؛ فَكُفْرُهُ بَاقٍ؛ فَلَا بُدَّ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ عَنْ جَحْدِهِ، لِأَنَّهُ كَذَبَ اللَّهَ سبحانه وتعالى بِمَا اعْتَقَدَهُ مِنْ الْجَحْدِ، فَلَا بُدَّ فِي إسْلَامِهِ مِنْ الْإِقْرَارِ بِمَا جَحَدَهُ (أَوْ قَوْلُهُ أَنَا مُسْلِمٌ) يَعْنِي أَنَّ تَوْبَةَ الْمُرْتَدِّ وَكُلِّ كَافِرٍ إتْيَانُهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ، أَوْ قَوْلُهُ أَنَا مُسْلِمٌ وَإِنْ لَمْ يَلْفِظْ بِهِمَا لِأَنَّهُ إذَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ، بِمَا تَضَمَّنَ الشَّهَادَتَيْنِ كَانَ مُخْبِرًا بِهِمَا.
وَعَنْ الْمِقْدَادِ أَنَّهُ قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت لَوْ لَقِيت رَجُلًا مِنْ الْكُفَّارِ فَقَاتَلَنِي فَضَرَبَ إحْدَى يَدِي بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ فَقَالَ: أَسْلَمْت أَفَأَقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا قَالَ: لَا تَقْتُلْهُ، فَإِنْ قَتَلْته، فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِك قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ، وَإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَهَا» وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: «أَصَابَ الْمُسْلِمُونَ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَقِيلٍ فَأَتَوْا بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إنِّي مُسْلِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَوْ كُنْت قُلْت وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَك أَفْلَحْت كُلَّ الْفَلَاحِ» رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ.
قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا فِي الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ أَوْ مَنْ جَحَدَ الْوَحْدَانِيَّةَ، أَمَّا مَنْ كَفَرَ بِجَحْدِ نَبِيٍّ أَوْ كِتَابٍ أَوْ فَرِيضَةٍ وَنَحْوِ هَذَا فَلَا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّ الْإِسْلَامَ مَا هُوَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ أَهْلَ الْبِدَعِ كُلَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ هُمْ الْمُسْلِمُونَ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ كَافِرٌ.
(وَلَا يُغْنِي قَوْلُهُ)
أَيْ: الْكَافِرِ (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ شَهَادَةِ التَّوْحِيدِ) أَيْ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ (وَلَوْ مِنْ مُقِرٍّ بِهِ) ؛ أَيْ: التَّوْحِيدِ كَيَهُودِيٍّ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ لَا تَتَضَمَّنُ التَّوْحِيدَ كَعَكْسِهِ، فَلَا يَكْفِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«قُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أَشْهَدُ لَك بِهَا عِنْدَ اللَّهِ» فَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا كِنَايَةٌ عَنْ الشَّهَادَتَيْنِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ.
(وَقَوْلُ مَنْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِرِدَّةٍ: بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ دِينٍ يُخَالِفُ دِينَ الْإِسْلَامِ أَوْ قَوْلُهُ أَنَا مُسْلِمٌ: تَوْبَةٌ) كَمَا لَوْ اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ ارْتَدَّ ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ (وَإِنْ كَتَبَ كَافِرٌ الشَّهَادَتَيْنِ) بِيَدِهِ (وَيَتَّجِهُ) اعْتِبَارُ كِتَابَتِهِ الشَّهَادَتَيْنِ (اسْتِقْلَالًا) فِي صِحَّةِ عَقْلِهِ وَثَبَاتِ فَهْمِهِ (لَا) إنْ كَتَبَهُمَا (تَبَعًا) كَمَا لَوْ كَانَ نَسَّاخًا فَكَتَبَهُمَا ذُهُولًا مِنْهُ فِي أَثْنَاءِ (نَسْخِ كِتَابٍ هُمَا) ؛ أَيْ: الشَّهَادَتَانِ (فِيهِ) ؛ أَيْ: مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْعُرَ؛ فَلَا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِذَلِكَ، لِأَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ التَّصْدِيقُ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَكَمَا لَوْ أُكْرِهَ ذِمِّيٌّ أَوْ مُسْتَأْمَنٌ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ: لَمْ يَصِحَّ إسْلَامُهُ حَتَّى يُوجَدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى إسْلَامِهِ طَوْعًا، وَيَأْتِي، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (صَارَ مُسْلِمًا) لِأَنَّ الْخَطَّ كَاللَّفْظِ (كَنَاطِقٍ بِهِمَا) ؛ أَيْ: الشَّهَادَتَيْنِ (وَكَذَلِكَ قَائِلٍ: أَسْلَمْت أَوْ أَنَا مُسْلِمٌ أَوْ أَنَا مُؤْمِنٌ) صَارَ مُسْلِمًا بِذَلِكَ أَوْ إنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِالشَّهَادَتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَلَوْ عَادَ مَنْ تَلَفَّظَ بِالشَّهَادَتَيْنِ أَوْ كَتَبَهُمَا أَوْ تَلَفَّظَ بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ مِمَّا يَصِيرُ بِهِ
مُسْلِمًا (وَقَالَ لَمْ أُرِدْ الْإِسْلَامَ وَلَمْ أَعْتَقِدْهُ) ؛ أَيْ: الْإِسْلَامَ (أُجْبِرَ عَلَى الْإِسْلَامِ) وَلَا يُخَلَّى.
نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ فِي الْيَهُودِيِّ إنْ قَالَ: قَدْ أَسْلَمْت أَوْ أَنَا مُسْلِمٌ يُجْبَرُ عَلَيْهِ قَدْ عَلِمَ مَا يُرَادُ مِنْهُ انْتَهَى.
(وَإِنْ قَالَ أَنَا مُسْلِمٌ وَلَا أَنْطِقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِمَا) لِحَدِيثِ: «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ» .
(وَمَنْ)(شُهِدَ عَلَيْهِ بِرِدَّةٍ وَلَوْ) كَانَتْ الشَّهَادَةُ أَنْ رِدَّتَهُ (بِجَحْدِ) تَحْلِيلٍ أَوْ تَحْرِيمٍ أَوْ نَبِيٍّ أَوْ كِتَابٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ (فَأَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ)(فَهُوَ مُسْلِمٌ) إذَا لَمْ يُنْكِرْ مَا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ الرِّدَّةِ وَنَحْوِهَا، وَلَمْ يَكْشِفْ عَنْ شَيْءٍ، لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ مَعَ ثُبُوتِ إسْلَامِهِ إلَى الْكَشْفِ عَنْ صِحَّةِ رِدَّتِهِ.
(وَلَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ بِمَا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ) مِنْ الرِّدَّةِ؛ بِصِحَّةِ الشَّهَادَتَيْنِ مِنْ مُسْلِمٍ وَمُرْتَدٍّ (بِخِلَافِ تَوْبَةٍ مِنْ بِدْعَةٍ؛ فَيُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ بِهَا) لِأَنَّ أَهْلَ الْبِدَعِ لَا يَعْتَقِدُونَ مَا هُمْ عَلَيْهِ، (وَيَكْفِي جَحْدُهُ) أَيْ: الْمُرْتَدِّ (لِرِدَّةٍ) أَقَرَّ بِهَا كَرُجُوعٍ عَنْ (إقْرَارٍ) بِحَدٍّ أَوْ صَوَابِهِ لَا أَنْ (شُهِدَ عَلَيْهِ بِهَا) ؛ أَيْ: الرِّدَّةِ؛ أَيْ: فَلَا يَكْفِي جُحُودُهُ لِرِدَّتِهِ بَعْدَ شَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ بِهَا، بَلْ يُجَدِّدُ إسْلَامَهُ بِأَنْ يَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ أَوْ مَا يَتَضَمَّنُهَا وَيُسْتَتَابَ إنْ كَانَتْ الرِّدَّةُ الْمَشْهُودُ بِهَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ مِنْهَا، وَإِلَّا قُتِلَ فِي الْحَالِ، لِأَنَّ جَحْدَ الرِّدَّةِ تَكْذِيبٌ لِلْبَيِّنَةِ فَلَا يُقْبَلُ كَسَائِرِ الدَّعَاوَى
(وَمَنْ شَهِدَ اثْنَانِ بِكُفْرِهِ) وَلَمْ يُذْكَرْ كَيْفِيَّتُهُ (فَادَّعَى الْإِكْرَاهَ) عَلَى مَا قَالَهُ مَثَلًا (قُبِلَ) ذَلِكَ مِنْهُ (بِقَرِينَةٍ) دَالَّةٍ عَلَى صِدْقِهِ كَحَبْسٍ وَقَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْإِكْرَاهِ، وَلَا يُكَلَّفُ مَعَ ذَلِكَ بَيِّنَةً، وَإِلَّا تَكُنْ قَرِينَةً فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ.
(وَ) لَوْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ نَطَقَ (بِكَلِمَةِ كُفْرٍ) كَقَوْلِهِ هُوَ كَافِرٌ أَوْ يَهُودِيٌّ (فَادَّعَاهُ) ؛ أَيْ: الْإِكْرَاهَ عَلَيْهَا (قُبِلَ قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ: مَعَ قَرِينَةٍ وَبِدُونِهَا؛ لِأَنَّ تَصْدِيقَهُ لَيْسَ فِيهِ تَكْذِيبٌ لِلْبَيِّنَةِ، وَلَمْ يَصِرْ كَافِرًا بِإِتْيَانِهِ
بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ مَعَ الْإِكْرَاهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106] .
(وَإِنْ أُكْرِهَ ذِمِّيٌّ) أَوْ مُسْتَأْمَنٌ (عَلَى إسْلَامٍ) فَأَقَرَّ بِهِ (لَمْ يَصِحَّ) إسْلَامُهُ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُهُ حَتَّى يُوجَدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى إسْلَامِهِ طَوْعًا؛ مِثْلُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ عَنْهُ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ؛ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْكُفَّارِ، وَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ عَنْهُ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْكُفَّارِ، وَإِنْ رَجَعَ إلَى دِينِ الْكُفَّارِ، لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ وَلَا إكْرَاهُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أُكْرِهَ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ إكْرَاهُهُ عَلَيْهِ؛ فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُهُ فِي حَقِّهِ كَالْمُسْلِمِ إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256] وَإِنْ قَصَدَ الْإِسْلَامَ لَا دَفْعَ الْإِكْرَاهِ أَوْ وُجِدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَثُبُوتِهِ عَلَيْهِ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ فَمُسَلَّمٌ.
(وَ) مَنْ قَالَ لِكَافِرٍ (أَسْلِمْ وَخُذْ مِنِّي أَلْفًا وَنَحْوَهُ) كَأَسْلَم وَخُذْ مِنِّي فَرَسًا أَوْ بَعِيرًا (فَأَسْلَمَ فَلَمْ يُعْطِهِ) مَا وَعَدَهُ (فَأَبَى الْإِسْلَامَ؛ قُتِلَ) بَعْدَ اسْتِتَابَتِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَعِدْهُ (وَيَنْبَغِي) لِمَنْ وَعَدَ (أَنْ يَفِيَ) لَهُ بِمَا وَعَدَهُ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ وَخَلْفُ الْوَعْدِ مِنْ آيَاتِ النِّفَاقِ.
قَالَ الْخَطَّابِيِّ: «وَلَمْ يُشَارِطْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمُؤَلَّفَةَ عَلَى أَنْ يُسْلِمُوا فَيُعْطِيَهُمْ جَمَلًا عَلَى الْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا أَعْطَاهُمْ عَطَايَا بِأَنَّهُ يَتَأَلَّفُهُمْ» .
(وَمَنْ أَسْلَمَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ) الصَّلَاةِ (الْخَمْسِ) كَمَنْ أَسْلَمَ عَلَى صَلَاتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ (قُبِلَ مِنْهُ) الْإِسْلَامُ تَرْغِيبًا لَهُ فِيهِ (وَأُمِرَ بِالْخَمْسِ) كُلِّهَا كَغَيْرِهِ.
(وَإِذَا مَاتَ مُرْتَدًّا فَأَقَامَ وَارِثُهُ) الْمُسْلِمُ (بَيِّنَةً أَنَّهُ صَلَّى بَعْدَهَا) ؛ أَيْ: رِدَّتِهِ (حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ بِالصَّلَاةِ وَأُعْطِيَ حَقَّهُ مِنْ تَرِكَتِهِ) ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم -
الْخَبَرَ، وَسَوَاءٌ صَلَّى جَمَاعَةً أَوْ مُنْفَرِدًا فِي دَارِ إسْلَامٍ أَوْ حَرْبٍ، وَ (لَا) يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ (بِصَوْمٍ وَحَجٍّ وَزَكَاةٍ) فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَحُجُّونَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى مَنَعَهُمْ بِقَوْلِهِ:«لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ» وَالزَّكَاةُ صَدَقَةٌ، وَهُمْ يَتَصَدَّقُونَ وَقَدْ فَرَضَ عَلَى نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ مِنْ الزَّكَاةِ مَثَلًا مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَصِيرُوا بِذَلِكَ مُسْلِمِينَ، وَأَمَّا الصِّيَامُ فَلِكُلِّ أَهْلِ دِينٍ صِيَامٌ، وَلِأَنَّ الصِّيَامَ لَيْسَ أَفْعَالًا وَإِنَّمَا هُوَ إمْسَاكٌ عَنْ أَشْيَاءَ مَخْصُوصَةٍ، وَقَدْ يَتَّفِقُ هَذَا مِنْ الْكَافِرِ كَاتِّفَاقِهِ مِنْ الْمُسْلِمِ، وَلَا عِبْرَةَ بِنِيَّةِ الصِّيَامِ لِأَنَّهَا أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّهَا أَفْعَالٌ تَتَمَيَّزُ عَنْ أَفْعَالِ الْكُفَّارِ، وَيَخْتَصُّ بِهَا عَنْ صَلَاةِ الْكُفَّارِ مِنْ اسْتِقْبَالِ قِبْلَتِنَا وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَلَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُومُونَ فِي صَلَاتِهِمْ.
(وَلَا يَبْطُلُ إحْصَانُ مُرْتَدٍّ) بِرِدَّتِهِ، فَإِذَا أُحْصِنَ فِي إسْلَامِهِ ثُمَّ زَنَى فِي إسْلَامِهِ وَرِدَّتِهِ؛ يَسْقُطُ عَنْهُ الرَّجْمُ لَوْ تَابَ، وَكَذَا إحْصَانُ قَذْفٍ؛ فَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ قَاذِفِهِ بِرِدَّتِهِ بَعْدَ طَلَبٍ.
(وَلَا) تَبْطُلُ (عِبَادَةٌ فَعَلَهَا) مُرْتَدٌّ (قَبْلَ رِدَّتِهِ وَ) لَا صُحْبَتُهُ لَهُ عليه الصلاة والسلام (إذَا تَابَ) مِنْهَا لِأَنَّهُ فَعَلَهَا عَلَى وَجْهِهَا وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مِنْهَا كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ (فَلَا يُعِيدُ الْحَجَّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} [البقرة: 217] .
وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ مَاتَ مُرْتَدًّا بَطُلَتْ عِبَادَتِهِ، وَإِلَّا فَلَا.