الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ أَتْلَفَ نَفْسَهُ أَوْ طَرَفَهُ خَطَأً]
فَصْلٌ
(وَمَنْ أَتْلَفَ نَفْسَهُ أَوْ طَرَفَهُ خَطَأً فَهَدَرٌ كَعَمْدٍ) ؛ أَيْ: كَمَا لَوْ أَتْلَفَ نَفْسَهُ أَوْ طَرَفَهُ عَمْدًا، فَلَا دِيَةَ لَهُ إجْمَاعًا، وَجْهُ كَوْنِهِ لَا دِيَةَ لَهُ فِي الْخَطَأِ مَا رُوِيَ (أَنَّ عَامِرَ بْنَ الْأَكْوَعِ يَوْمَ خَيْبَرَ رَجَعَ سَيْفُهُ عَلَيْهِ، فَقَتَلَهُ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى فِيهِ بِدِيَةٍ وَلَا غَيْرِهَا، وَلَوْ وَجَبَتْ فِيهِ لَبَيَّنَهَا) وَلَنُقِلَ نَقْلًا ظَاهِرًا، وَيُفَارِقُ هَذَا مَا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ تَحْمِلْهَا الْعَاقِلَةُ؛ لَأَجْحَفَ بِهِ وُجُوبُ الدِّيَةِ؛ لِكَثْرَةِ الْخَطَأِ، لِأَنَّ وُجُوبَ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ مُوَاسَاةٌ لِلْجَانِي وَتَخْفِيفٌ عَنْهُ، وَلَيْسَ عَلَى الْجَانِي هَا هُنَا شَيْءٌ يُخَفِّفُ عَنْهُ، وَلَا يَقْتَضِي النَّظَرُ أَنْ تَكُونَ جِنَايَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ مَضْمُونَةً عَلَى غَيْرِهِ.
وَمَنْ وَقَعَ فِي بِئْرٍ (أَوْ) وَقَعَ (فِي حُفْرَةٍ ثُمَّ) وَقَعَ (ثَانٍ ثُمَّ) وَقَعَ (ثَالِثٌ ثُمَّ) وَقَعَ (رَابِعٌ فَمَاتُوا) كُلُّهُمْ (أَوْ) مَاتَ (بَعْضُهُمْ بِسَبَبِ سُقُوطِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ) بِلَا تَدَافُعٍ وَلَا تَجَاذُبٍ (فَدَمُ الرَّابِعِ هَدَرٌ) ؛ لِمَوْتِهِ بِسُقُوطِهِ، وَلَمْ يَسْقُطْ عَلَيْهِ أَحَدٌ (وَدِيَةُ الثَّالِثِ عَلَى عَاقِلَتِهِ) ؛ أَيْ: عَاقِلَةِ الرَّابِعِ؛ لِمَوْتِهِ بِسُقُوطِهِ عَلَيْهِ (وَدِيَةُ الثَّانِي عَلَيْهِمَا) ؛ أَيْ: عَلَى عَاقِلَةِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ؛ لِمَوْتِهِ بِسُقُوطِهِمَا عَلَيْهِ (وَدِيَةُ الْأَوَّلِ عَلَيْهِمْ) ؛ أَيْ: عَلَى عَوَاقِلِهِمْ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ؛ لِمَوْتِهِ بِسُقُوطِهِمْ عَلَيْهِ، (وَإِنْ جَذَبَ الْأَوَّلُ الثَّانِي، وَ) جَذَبَ (الثَّانِي الثَّالِثَ وَ) جَذَبَ (الثَّالِثُ الرَّابِعَ) فَدِيَةُ الرَّابِعِ عَلَى عَاقِلَةِ (الثَّالِثِ) ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِجَذْبِهِ لَهُ.
(وَيَتَّجِهُ) جَعْلُ دِيَةِ الثَّالِثِ عَلَى عَاقِلَةِ الثَّانِي (وَ) عَاقِلَةِ (الرَّابِعِ) مُنَاصَفَةً، أَمَّا الثَّانِي فَبِجَذْبِهِ لَهُ، وَأَمَّا الرَّابِعُ فَلِسُقُوطِهِ عَلَيْهِ، لَكِنَّ الْمَذْهَبَ
مَا تَقَدَّمَ (وَ) دِيَةُ (الثَّانِي عَلَى) عَاقِلَتَيْ (الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ) نِصْفَيْنِ؛ لِمَوْتِهِ بِجَذْبِ الْأَوَّلِ وَسُقُوطِ الثَّالِثِ عَلَيْهِ (وَدِيَةُ الْأَوَّلِ عَلَى) عَاقِلَتَيْ (الثَّانِي وَالثَّالِثِ نِصْفَيْنِ، كَذَا قِيلَ) قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "" وَالنَّظْمِ " وَ " " الْحَاوِي الصَّغِيرِ " انْتَهَى.
وَقَطَعَ بِهِ فِي " الْإِقْنَاعِ " وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْمُنْتَهَى " قَالَ فِي شَرْحِهِ فِي الْأَصَحِّ: لِأَنَّهُ حَصَلَ مَوْتُهُ بِسُقُوطِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ عَلَيْهِ، (وَإِنْ) كَانَ (هَلَكَ الْأَوَّلُ بِوَقْعَةِ الثَّالِثِ) عَلَيْهِ (فَضَمَانُ نِصْفِهِ عَلَى) عَاقِلَةِ (الثَّانِي) لِمُشَارَكَتِهِ بِجَذْبِهِ لِلثَّالِثِ (وَالْبَاقِي) مِنْ دِيَتِهِ (هَدَرٌ) فِي مُقَابَلَةِ فِعْلِ نَفْسِهِ؛ لِمُشَارَكَتِهِ فِي قَتْلِهَا (وَلَوْ لَمْ يَسْقُطْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ [بَلْ] مَاتُوا بِسُقُوطِهِمْ) ؛ أَيْ: بِنَفْسِ السُّقُوطِ، أَوْ مَاتُوا (لِعُمْقِ الْبِئْرِ) أَوْ كَانَ فِي الْبِئْرِ مَا يُغْرِقُ الْوَاقِعَ فَيَقْتُلُهُ (أَوْ اُحْتُمِلَ) فَلَمْ يُدْرَ أَمَاتُوا بِالسُّقُوطِ أَوْ لِكَوْنِ الْبِئْرِ عَمِيقًا يَمُوتُ الْوَاقِعُ فِيهِ بِنَفْسِ الْوُقُوعِ؟ (أَوْ قَتَلَهُمْ أَسَدٌ فِيمَا وَقَعُوا فِيهِ وَلَمْ يَتَجَاذَبُوا) وَلَمْ يَتَدَافَعُوا (فَالْكُلُّ هَدَرٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَا تَسَبُّبَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي تَلَفِ غَيْرِهِ.
(وَإِنْ تَجَاذَبَ أَوْ تَدَافَعَ أَوْ تَزَاحَمَ جَمَاعَةٌ عِنْدَ حُفْرَةٍ، فَسَقَطَ فِيهَا أَرْبَعَةٌ مُتَجَاذِبِينَ كَمَا وَصَفْنَا) بِأَنْ جَذَبَ الْأَوَّلُ الثَّانِيَ، وَ [الثَّانِي] الثَّالِثَ، وَ [الثَّالِثُ] الرَّابِعَ (فَقَتَلَهُمْ أَسَدٌ أَوْ نَحْوُهُ) كَسَبُعٍ وَحَيَّةٍ (فَدَمُ) السَّاقِطِ (الْأَوَّلِ بِهِ هَدَرٌ)
لِسُقُوطِهِ لَا بِفِعْلِ أَحَدٍ (وَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَةُ الثَّانِي) لِجَذْبِهِ إيَّاهُ (وَعَلَى عَاقِلَةِ الثَّانِي دِيَةُ الثَّالِثِ، وَعَلَى عَاقِلَةِ الثَّالِثِ دِيَةُ الرَّابِعِ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الَّتِي قَبْلَهَا إلَّا مُزَاحَمَةَ غَيْرِهِمْ لَهُمْ، وَتُسَمَّى مَسْأَلَةُ الزُّبْيَةِ، وَمَا رُوِيَ «أَنَّ عَلِيًّا قَضَى فِي نَحْوِ ذَلِكَ بِأَنْ يُجْمَعَ مِنْ قَبَائِلِ الَّذِينَ حَفَرُوا الْبِئْرَ رُبُعُ الدِّيَةِ، وَنِصْفُ الدِّيَةِ، وَثُلُثُ الدِّيَةِ، وَالدِّيَةُ كَامِلَةٌ؛ فَلِلْأَوَّلِ الرُّبُعُ؛ لِأَنَّهُ هَلَكَ مِنْ فَوْقِهِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلثَّانِي ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَلِلثَّالِثِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَلِلرَّابِعِ الدِّيَةُ كَامِلَةً فَأَجَازَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَا يُثْبِتُهُ أَهْلُ النَّقْلِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ.
(وَمَنْ نَامَ عَلَى سَقْفٍ فَهَوَى) ؛ أَيْ: سَقَطَ (بِهِ عَلَى قَوْمٍ؛ لَزِمَهُ الْمُكْثُ) لِئَلَّا يَهْلِكَ بِانْتِقَالِهِ أَحَدٌ (وَيَضْمَنُ مَا تَلِفَ) مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ (بِدَوَامِ مُكْثِهِ أَوْ انْتِقَالِهِ) لِتَلَفِهِ بِسَبَبِهِ، وَ (لَا) يَضْمَنُ (مَا تَلِفَ بِسُقُوطِهِ مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ، بِخِلَافِ مُكْثِهِ وَانْتِقَالِهِ.
(وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِسُقُوطِهِ (إلَّا إنْ تَحَقَّقَ هَوِيُّهُ) ؛ أَيْ: السَّقْفِ (بِسَبَبِهِ) ؛ أَيْ: بِسَبَبِ النَّائِمِ، كَأَنْ نَامَ عَلَى سَقْفٍ قَدِيمٍ جِدًّا وَكَانَ لَا يَثْبُتُ تَحْتَ مِثْلِهِ عَادَةً لِعَظْمِ جُثَّتِهِ وَرَدَاءَةِ الْحَائِطِ أَوْ السَّقْفِ وَعَدَمِ صَلَابَتِهِ فَهَوَى بِهِ؛ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ؛ لِتَفْرِيطِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى طَعَامٍ غَيْرِ مُضْطَرٍّ أَوْ) إلَى (شَرَابِهِ، فَطَلَبَهُ) الْمُضْطَرُّ (فَمَنَعَهُ) رَبُّهُ (وَيَتَّجِهُ)(أَوْ امْتَنَعَتْ مُرْضِعَةُ طِفْلٍ) مِنْ إرْضَاعِهِ، وَهُوَ
مُتَّجِهٌ (حَتَّى مَاتَ) الْمُضْطَرُّ ضَمِنَ رَبُّ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ بِدِيَتِهِ فِي مَالِهِ نَصًّا؛ لِقَضَاءِ عُمَرَ بِهِ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ صَارَ أَحَقَّ بِهِ مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ الْمُضْطَرُّ مِنْهُ لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْهُ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِعْلٌ يَكُونُ سَبَبًا لِهَلَاكِهِ، وَكَذَا إنْ مَنَعَهُ رَبُّ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَهُوَ مُضْطَرٌّ أَوْ خَائِفٌ حُدُوثَ الضَّرَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بَذْلُهُ حِينَئِذٍ (أَوْ أَخَذَ طَعَامَ غَيْرِهِ، أَوْ) أَخَذَ (شَرَابَهُ) ؛ أَيْ: الْغَيْرِ (وَهُوَ)، أَيْ: الْمَأْخُوذُ طَعَامُهُ أَوْ شَرَابُهُ (عَاجِزٌ) عَنْ دَفْعِهِ (فَتَلِفَ أَوْ) تَلِفَتْ (دَابَّتُهُ) بِسَبَبِ الْأَخْذِ؛ ضَمِنَ الْآخِذُ التَّالِفَ؛ لِتَسَبُّبِهِ فِي هَلَاكِهِ (أَوْ أَخَذَ مِنْهُ مَا يَدْفَعُ بِهِ صَائِلًا عَلَيْهِ مِنْ سَبُعٍ وَنَحْوِهِ) كَنَمِرٍ أَوْ حَيَّةٍ (فَأَهْلَكَهُ) الصَّائِلُ عَلَيْهِ (ضَمِنَهُ) الْآخِذُ؛ لِصَيْرُورَتِهِ سَبَبًا لِهَلَاكِهِ قَالَ فِي " الْمُغْنِي " وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَمَّدَ هَذَا الْفِعْلَ الَّذِي يَقْتُلُ مِثْلُهُ غَالِبًا، هَذَا الْمَذْهَبُ؛ جَزَمَ بِهِ فِي " الْهِدَايَةِ " وَ " الْمُذَهَّبِ " وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " الْخُلَاصَةِ " وَ " الْوَجِيزِ " وَ " مُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ " وَ " الْمُنَوِّرِ " وَغَيْرِهِمْ.
وَ (لَا) يَضْمَنُ (مَنْ أَمْكَنَهُ إنْجَاءُ نَفْسِهِ مِنْ مَهْلَكَةٍ فَلَمْ يَفْعَلْ فِي الْأَصَحِّ) اخْتَارَهُ [الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ؛] ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُهْلِكْهُ، وَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا يَكُونُ سَبَبًا لِهَلَاكِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، وَأَمَّا الْأُولَى: فَإِنَّهُ مَنَعَهُ مِنْهُ مَنْعًا كَانَ سَبَبًا فِي هَلَاكِهِ، فَافْتَرَقَا.
تَنْبِيهٌ: نَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى فِيمَنْ مَاتَتْ فَرَسُهُ فِي غَزَاةٍ لَمْ يَلْزَمْ مَنْ مَعَهُ فَضْلُ حَمْلِهِ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: يُذَكِّرُ النَّاسَ، فَإِنْ حَمَلُوهُ، وَإِلَّا مَضَى مَعَهُمْ.
(وَمَنْ أَفْزَعَ) شَخْصًا وَلَوْ صَغِيرًا (أَوْ ضَرَبَ) شَخْصًا (وَلَوْ) صَغِيرًا فَأَحْدَثَ (بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ رِيحٍ، وَلَمْ يَدُمْ) الْحَدَثُ (فَعَلَيْهِ ثُلُثُ دِيَتِهِ) تَحْمِلُهُ عَاقِلَتُهُ،