الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ.
[بَابُ حَدِّ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ]
ِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} [المائدة: 33] الْآيَةَ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ نَزَلَتْ فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ: " {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] " وَالْكُفَّارُ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ وَقَبْلَهَا، وَأَمَّا الْحَدُّ فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ بَعْدَ وُجُوبِهِ.
(وَهُمْ الْمُكَلَّفُونَ الْمُلْتَزِمُونَ) مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ ذِمَّةٍ وَيُنْتَقَضُ بِهِ عَهْدُهُمْ (وَلَوْ) كَانَ الْمُكَلَّفُ الْمُلْتَزِمُ (أُنْثَى) ؛ لِأَنَّهَا تُقْطَعُ فِي السَّرِقَةِ، فَلَزِمَهَا حُكْمُ الْمُحَارَبَةِ كَالرَّجُلِ بِجَامِعِ التَّكْلِيفِ (الَّذِينَ يَعْرِضُونَ لِلنَّاسِ بِسِلَاحٍ وَلَوْ) كَانَ سِلَاحُهُمْ (عِصِيًّا أَوْ حَجَرًا فِي صَحْرَاءَ أَوْ بُنْيَانٍ أَوْ بَحْرٍ) لِعُمُومِ الْآيَةِ بَلْ ضَرَرُهُمْ فِي الْبُنْيَانِ أَعْظَمُ (فَيَغْصِبُونَ مَالًا مُحْتَرَمًا مُجَاهَرَةً) فَخَرَجَ الصَّغِيرُ وَالْمَجْنُونُ وَالْحَرْبِيُّ وَمَنْ يَعْرِضُ لِنَحْوِ صَيْدٍ، أَوْ يَعْرِضُ لِلنَّاسِ بِلَا سِلَاحٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْنَعُونَ مَنْ قَصَدَهُمْ، وَخَرَجَ أَيْضًا مَنْ يَغْصِبُ نَحْوَ كَلْبٍ أَوْ سِرْجِينٍ نَجِسٍ أَوْ مَالٍ حَرْبِيٍّ وَنَحْوِهِ (وَمَنْ يَأْخُذُ خِفْيَةً) ؛ لِأَنَّهُ سَارِقٌ، وَأَمَّا الْمُحَارِبُ فَيَعْتَصِمُ بِالْقِتَالِ دُونَ الْخُفْيَةِ؛ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَإِنْ أَخَذُوا الْمَالَ مُخْتَفِينَ فَهُمْ (سُرَّاقٌ) ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ إلَى مَنَعَةٍ وَقُوَّةٍ، فَلَيْسُوا بِمُحَارِبِينَ (وَ) إنْ خَطَفُوا الْمَالَ (خَطْفًا) وَهَرَبُوا بِهِ (ف) هُوَ (نَهْبٌ لَا قَطْعٌ عَلَيْهِمْ) . لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا قُطَّاعَ طَرِيقٍ.
[شُرُوطُ قَطْعِ الْمُحَارَبَةِ]
(وَيُعْتَبَرُ) لِوُجُوبِ قَطْعِ الْمُحَارَبَةِ ثَلَاثُ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا (ثُبُوتُهُ) ؛ أَيْ: قَطْعِ الطَّرِيقِ (بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ مَرَّتَيْنِ) كَالسَّرِقَةِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ.
(وَ) الثَّانِي (الْحِرْزُ) بِأَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ يَدِ مُسْتَحِقِّيهِ وَهُوَ بِالْقَافِلَةِ، فَلَوْ وَجَدَهُ أَوْ أَخَذَهُ مِنْ سَارِقِهِ أَوْ غَاصِبِهِ أَوْ مُنْفَرِدًا عَنْ قَافِلَةٍ، لَمْ يَكُنْ مُحَارِبًا (وَ) الثَّالِثُ (النِّصَابُ) الَّذِي يُقْطَعُ بِهِ السَّارِقُ (فَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ) مِنْ الْمُحَارِبِينَ (وَقَدْ قَتَلَ) إنْسَانًا فِي الْمُحَارَبَةِ، وَلَوْ كَانَ الْقَتْلُ بِمُثْقَلٍ أَوْ سَوْطٍ أَوْ عِصِيٍّ وَلَوْ قَتَلَ (مَنْ لَا يُقَادُ بِهِ) الْمُحَارِبُ لَوْ قَتَلَهُ فِي غَيْرِ الْمُحَارَبَةِ (كَوَلَدِهِ وَكَقِنٍّ) يَقْتُلُهُ حُرٌّ (وَكَذِمِّيٍّ) يَقْتُلُهُ مُسْلِمٌ، وَكَانَ قَتْلُ كُلٍّ مِمَّنْ ذُكِرَ لِقَصْدِ مَالِهِ، وَأَخَذَ مَالًا، (قُتِلَ حَتْمًا وَلَوْ عَفَا وَلِيٌّ) لِوُجُوبِهِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ (ثُمَّ صُلِبَ عَقِبَهُ) ؛ أَيْ بَعْدَ الْقَتْلِ وَقَبْلَ التَّغْسِيلِ وَالتَّكْفِينِ (قَاتَلَ مَنْ يُقَادُ بِهِ) لَوْ قَتَلَهُ فِي الْمُحَارَبَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} [المائدة: 33] " (حَتَّى يَشْتَهِرَ) فَيَرْتَدِعَ غَيْرُهُ بِهِ، ثُمَّ يُنْزَلُ (أَوْ يُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصْلَبُ بَعْدَ ذَلِكَ) ، وَكِلَاهُمَا جَائِزٌ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ صَلْبِهِ زَجْرُ غَيْرِهِ، وَهُوَ حَاصِلٌ، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ التَّغْسِيلِ وَالتَّكْفِينِ أَوْ بَعْدَهُ (وَلَا يُقْطَعُ مَعَ ذَلِكَ) ؛ أَيْ: مَعَ الْقَتْلِ وَالصَّلْبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ مَعَهَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادِهِ: «إذَا قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ قُتِلُوا وَصُلِبُوا، وَإِذَا قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا الْمَالَ قُتِلُوا وَلَمْ يُصْلَبُوا، وَإِذَا أَخَذُوا الْمَالَ، وَلَمْ يَقْتُلُوا؛ قُطِعَتْ أَيْدِيهُمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ، وَإِذَا أَخَافُوا السَّبِيلَ وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا؛ نُفُوا مِنْ الْأَرْضِ» ) وَرَوَى نَحْوَهُ مَرْفُوعًا، وَلِأَنَّ الْقَتْلَ وَالْقَطْعَ عُقُوبَتَانِ تَتَضَمَّنُ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ إتْلَافَ الْبَدَنِ يَتَضَمَّنُ إتْلَافَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ، فَاكْتَفَى بِقَتْلِهِ، كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ إنْسَانٍ وَرِجْلَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ فِي الْحَالِ.
(وَلَوْ مَاتَ) مَنْ قَتَلَ مَنْ يُكَافِئُهُ فِي الْمُحَارَبَةِ (أَوْ قُتِلَ قَبْلَ قَتْلِهِ لِلْمُحَارَبَةِ؛ لَمْ يُصْلَبْ) لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ، وَهِيَ إشْهَارُ أَمْرِهِ فِي الْقَتْلِ فِي الْمُحَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقْتَلْ فِيهَا وَكَذَا قَاتِلُ مَنْ لَا يُكَافِئُهُ كَوَلَدِهِ وَذِمِّيٍّ وَقِنٍّ.
(وَلَا يَتَحَتَّمُ قَوَدٌ فِيمَا دُونَ نَفْسٍ) عَلَى مُحَارِبٍ، فَإِنْ قَطَعَ يَدًا أَوْ رِجْلًا وَنَحْوَهُمَا، فَلِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْقَوَدُ أَوْ الْعَفْوُ؛ لِأَنَّ الْقَوَدَ إنَّمَا يَتَحَتَّمُ إذَا قُتِلَ؛ لِأَنَّهُ حَدُّ الْمُحَارَبَةِ؛ بِخِلَافِ الطَّرَفِ؛ فَإِنَّهُ يُسْتَوْفَى قِصَاصًا لَا حَدًّا، فَيَكُونُ حُكْمُهُ كَغَيْرِ الْمُحَارِبِ، فَإِذَا عَفَا وَلِيُّ الْقَوَدِ؛ سَقَطَ لِذَلِكَ، جَزَمَ بِهِ فِي التَّنْقِيحِ وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ وَقَطَعَ بِهِ فِي " الْإِقْنَاعِ " يَتَحَتَّمُ الْقَوَدُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ إذَا كَانَ قَدْ قَتَلَ بَعْدَ أَنَّ جَنَى عَلَى غَيْرِ الْمَقْتُولِ، فَهُنَا يَتَحَتَّمُ قَتْلُهُ، وَعِبَارَةُ " الْإِنْصَافِ " تُوهِمُ ذَلِكَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ فِي النَّفْسِ بِتَحَتُّمِ الْقَوَدِ فِي النَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ التَّحَتُّمُ فِي الطَّرَفِ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا يَتَحَتَّمُ.
(وَرِدْءُ) مُحَارِبٍ: مُبْتَدَأٌ؛ أَيْ مُسَاعِدُهُ وَمُعِينِهِ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ (وَطُلَيْعٌ) يَكْشِفُ لِلْمُحَارِبِ حَالَ الْقَافِلَةِ لِيَأْتُوا إلَيْهَا (كَمُبَاشِرٍ) : خَبَرٌ، كَاشْتِرَاكِ الْجَيْشِ فِي الْغَنِيمَةِ إذَا دَخَلُوا دَارَ الْحَرْبِ وَبَاشَرَ بَعْضُهُمْ الْقِتَالَ وَوَقَفَ الْبَاقُونَ لِلْحِرَاسَةِ مِمَّنْ يَدْهَمُهُمْ مِنْ وَرَائِهِمْ، وَكَذَا الْعَيْنُ الَّذِي يُرْسِلُهُ الْإِمَامُ لِيَعْرِفَ أَحْوَالَ الْعَدُوِّ، وَظَاهِرُهُ فِي ضَمَانِ الْمَالِ، هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.
(فَرِدْءُ غَيْرِ مُكَلَّفٍ كَهُوَ) ؛ أَيْ: كَالْمُبَاشِرِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ، وَلَا حَدَّ؛ لِأَنَّ الرِّدْءَ تَبَعٌ لِلْمُبَاشِرِ، وَدِيَةُ قَتْلِ غَيْرِ مُكَلَّفٍ عَلَى عَاقِلَتِهِ.
(وَلَوْ قَتَلَ بَعْضُهُمْ) ؛ أَيْ؛ الْمُحَارِبِينَ الْمُكَلَّفِينَ، وَلَمْ يَأْخُذْ أَحَدٌ مِنْهُمْ مَالًا (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ لَا) إنْ كَانَ الْقَتْلُ (خَطَأً) أَوْ مِمَّنْ بِهِ جُنُونٌ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (ثَبَتَ حُكْمُ الْقَتْلِ فِي حَقِّ جَمِيعِهِمْ) فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ أَنْ يَتُوبُوا قُتِلَ مَنْ قَتَلَ وَمَنْ لَمْ يَقْتُلْ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ حُكْمَ الرِّدْءِ حُكْمُ الْمُبَاشِرِ.
(وَإِنْ قَتَلَ بَعْضٌ مِنْهُمْ) لِأَخْذِ الْمَالِ (وَأَخَذَ الْمَالَ بَعْضٌ آخَرُ؛ تَحَتَّمَ قَتْلُ الْجَمِيعِ وَصَلْبُهُمْ) كَمَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ كُلٌّ مِنْهُمْ.
(وَيَتَّجِهُ إهْدَارُ دَمٍ مُتَحَتِّمٍ) ؛ أَيْ: إذَا تَحَتَّمَ قَتْلُ شَخْصٍ مِنْ الْمُحَارَبِينَ وَقَتَلَهُ غَيْرُ الْحَاكِمِ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ وَلَا إثْمَ؛ لِأَنَّ دَمَهُ مُهْدَرٌ كَالْحَرْبِيِّ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَإِنْ قُتِلَ) مُحَارِبٌ (فَقَطْ لِقَصْدِ الْمَالِ؛ قُتِلَ حَتْمًا، وَلَمْ يُصْلَبْ) لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلِأَنَّ جِنَايَتَهُمْ بِالْقَتْلِ، وَأَخْذِ الْمَالِ تَزِيدُ عَلَى جِنَايَتِهِمْ بِالْقَتْلِ وَحْدَهُ، فَوَجَبَ اخْتِلَافُ الْعُقُوبَتَيْنِ.
(وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ) مُحَارِبٌ (وَأَخَذَ نِصَابًا لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ) مِنْ بَيْنِ الْقَافِلَةِ (لَا مِنْ مُفْرَدٍ عَنْ قَافِلَةٍ؛ قُطِعَتْ يَدُهُ) ؛ أَيْ: يَدُ كُلِّ مِنْ الْمُحَارِبِينَ (الْيُمْنَى ثُمَّ رِجْلُهُ الْيُسْرَى فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ حَتْمًا) فَلَا يَنْتَظِرُ بِقَطْعِ إحْدَاهُمَا انْدِمَالَ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِقَطْعِهِمَا بِلَا تَعَرُّضٍ لِتَأْخِيرٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: [ {مِنْ خِلافٍ} [المائدة: 33] وَرِفْقًا بِهِ فِي إمْكَانِ مَشْيِهِ،] وَالْأَمْرُ لِلْفَوْرِ فَتُقْطَعُ يُمْنَى يَدَيْهِ، وَتُحْسَمُ، ثُمَّ رِجْلُهُ الْيَسَرَيْ وَتُحْسَمُ (وَحُسِمَتَا) وُجُوبًا؛ لِحَدِيثِ:«اقْطَعُوهُ وَاحْسِمُوهُ» (وَخُلِّيَ) سَبِيلَهُ؛ لِاسْتِيفَاءِ مَا لَزِمَهُ كَالْمَدِينِ يُوفِي دَيْنَهُ (فَلَوْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى مَفْقُودَةً) قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى فَقَطْ (أَوْ) كَانَتْ (يَمِينُهُ؛ شَلَّاءَ أَوْ) كَانَتْ يَمِينُهُ (مَقْطُوعَةً أَوْ) كَانَتْ يَمِينُهُ (مُسْتَحَقَّةً فِي قَوَدٍ؛ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى فَقَطْ) لِئَلَّا تَذْهَبَ مَنْفَعَةُ جِنْسِ الْيَدِ (وَإِنْ عَدِمَ يَمِينَ يَدَيْهِ، لَمْ تُقْطَعْ يُمْنَى رِجْلَيْهِ) بَلْ يُسْرَاهُمَا فَقَطْ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ حَارَبَ) مَرَّةً (ثَانِيَةً) بَعْدَ قَطْعِ يُمْنَى يَدَيْهِ وَيُسْرَى رِجْلَيْهِ (لَمْ يُقْطَعْ مِنْهُ شَيْءٌ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي السَّارِقِ، وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يَتُوبَ (وَيَتَعَيَّنُ دِيَةُ قَوَدٍ لَزِمَ بَعْدَ مُحَارَبَتِهِ) بِأَنْ قَتَلَ بَعْدَهُمَا عَمْدًا مُكَافِئًا (لِتَقْدِيمِهَا) ؛ أَيْ:
الْمُحَارَبَةِ (بِسَبَقِهَا، وَكَذَا لَوْ مَاتَ) مُحَارِبٌ لَزِمَهُ قَوَدٌ بَعْدَ مُحَارَبَتِهِ (قَبْلَ قَتْلِهِ لِلْمُحَارَبَةِ) فَتَتَعَيَّنُ الدِّيَةُ؛ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْقَوَدِ (وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ) أَحَدٌ مِنْ الْمُحَارِبِينَ أَحَدًا (وَلَا أَخَذَ مَالًا يَبْلُغُ نِصَابًا لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ مِنْ حِرْزِهِ نُفِيَ وَشُرِّدَ وَلَوْ قِنًّا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: 33] وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّفْيَ يَكُونُ فِي هَذَا الْحَالِ، وَلِأَنَّ الْمُنَاسِبَ أَنْ يَكُونَ الْأَخَفُّ بِإِزَاءِ الْأَخَفِّ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ أَوْ فِي الْآيَةِ لَيْسَتْ لِلتَّخْيِيرِ، وَلَا لِلشَّكِّ، بَلْ لِلتَّنْوِيعِ (فَلَا يُتْرَكُ يَأْوِي إلَى بَلَدٍ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ) عَنْ قَطْعِ الطَّرِيقِ (وَتُنْفَى الْجَمَاعَةُ مُتَفَرِّقَةً) كُلٌّ إلَى جِهَةٍ لِئَلَّا يَجْتَمِعُوا عَلَى الْمُحَارَبَةِ ثَانِيًا.
(وَمَنْ تَابَ مِنْهُمْ) ؛ أَيْ: الْمُحَارِبِينَ (قَبْلَ قُدْرَةٍ عَلَيْهِ سَقَطَ عَنْهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ صَلْبٍ وَقَطْعِ) يَدٍ أَوْ رِجْلٍ (وَنَفْيٍ وَتَحَتُّمِ قَتْلٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 34](وَكَذَا خَارِجِيٌّ وَبَاغٍ وَمُرْتَدٌّ وَمُحَارِبٌ) تَابَ قَبْلَ قُدْرَةٍ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَنْ تَابَ مِنْهُمْ بَعْدَ قُدْرَةٍ عَلَيْهِ؛ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ شَيْءٌ مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ؛ لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى:{مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] وَلِأَنَّ ظَاهِرَ حَالِ مَنْ تَابَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ أَنَّ تَوْبَتَهُ تَوْبَةُ إخْلَاصٍ، وَمَا بَعْدَهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَوْبَةُ تَقِيَّةٍ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ قَبْلَ الْحَدِّ تَرْغِيبًا لَهُ فِيهَا، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى تَرْغِيبِهِ فِيهَا.
(وَيُؤْخَذُ ذِمِّيٌّ) وَمُعَاهَدٌ وَمُسْتَأْمَنٌ (أَسْلَمَ بِحَقِّ اللَّهِ) تَعَالَى: إنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَالَ كُفْرِهِ كَنَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ لَا حَدِّ زِنًا وَنَحْوِهِ (بِحَقِّ آدَمِيٍّ طَلَبَهُ مِنْ قِصَاصٍ فِي نَفْسٍ أَوْ دُونَهَا وَغَرَامَةِ مَالٍ وَدِيَةِ مَا لَا قِصَاصَ فِيهِ وَحَدِّ قَذْفٍ كَمَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ وقَوْله تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وَحَدِيثُ:
«الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» فِي الْحَرْبِيِّينَ، أَوْ خَاصٌّ فِي الْكُفْرِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ.
(وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدُّ سَرِقَةٍ أَوْ) حَدُّ (زِنًا أَوْ) حَدُّ (شُرْبٍ، فَتَابَ) مِنْهُ (قَبْلَ ثُبُوتِهِ) عِنْدَ حَاكِمٍ (سَقَطَ) عَنْهُ (بِمُجَرَّدِ تَوْبَتِهِ قَبْلَ إصْلَاحِ عَمَلٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} [النساء: 16] وَقَوْلِهِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِّ السَّارِقِ: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ} [المائدة: 39] وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم[: «التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ» . «وَلِإِعْرَاضِهِ صلى الله عليه وسلم] عَنْ الْمُقِرِّ بِالزِّنَا حَتَّى أَقَرَّ أَرْبَعًا» .
فَإِنْ ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ لَمْ يَسْقُطْ بِالتَّوْبَةِ؛ لِحَدِيثِ: «تَعَافُوا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ، فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ
(ك) مَا يَسْقُطُ حَدُّهُ مُطْلَقًا (بِمَوْتٍ) لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ كَسُقُوطِ غُسْلِ مَا ذَهَبَ مِنْ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ.
(وَيَتَّجِهُ) لَوْ ادَّعَى مُدَّعٍ عَلَى شَخْصٍ بِمُوجَبِ حَدٍّ، فَأَنْكَرَ، فَشَهِدَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِمُوجَبِ الْحَدِّ، فَادَّعَى وُقُوعَ ذَلِكَ مِنْهُ وَأَنَّهُ تَابَ قَبْلَ ثُبُوتِهِ عَلَيْهِ ظَانًّا أَنَّهُ يَدْرَأُ عَنْهُ الْحَدَّ (لَا يُقْبَلُ دَعْوَاهُ تَقَدُّمَ تَوْبَتِهِ) عَلَى الثُّبُوتِ، كَمَا لَوْ تَابَ بَعْدَهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.