الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أُصْبُعِ (عَمْرٍو يُقَادُ لِأُصْبُعِهِ) ؛ أَيْ: لِأُصْبُعِ عَمْرٍو لِسَبْقِهِ (ثُمَّ) يُقَادُ (لِيَدِ زَيْدٍ بِلَا أَرْشٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْمَعُ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ بَيْنَ قِصَاصٍ وَدِيَةٍ كَالنَّفْسِ، وَهَذَا بِخِلَافِ النَّفْسِ؛ فَإِنَّهَا لَا تَنْقُصُ بِقَطْعِ الطَّرَفِ، فَقَطْعُهُ لَا يَمْنَعُ التَّكَافُؤَ بِدَلِيلِ أَخْذِ صَحِيحِ الْأَطْرَافِ بِمَقْطُوعِهَا، وَقَطْعُ الْأُصْبُعِ مِنْ الْيَدِ يَمْنَعُ التَّكَافُؤَ فِي الْيَدِ بِدَلِيلِ أَنَّا لَا نَأْخُذُ الْكَامِلَةَ بِالنَّاقِصَةِ، وَاخْتِلَافِ دِيَتِهِمَا.
[بَابُ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ]
(الْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ) أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ وَأَنَّهُ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 178] وَالْقِصَاصُ كَانَ حَتْمًا عَلَى الْيَهُودِ، وَحَرُمَ عَلَيْهِمْ الْعَفْوُ وَالدِّيَةُ، وَكَانَتْ الدِّيَةُ حَتْمًا عَلَى النَّصَارَى وَحَرُمَ عَلَيْهِمْ الْقِصَاصُ، فَخُيِّرَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَأَخْذِ الدِّيَةِ وَالْعَفْوِ تَخْفِيفًا وَرَحْمَةً.
وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «لَا يُرْفَعُ إلَيْهِ أَمْرٌ فِي الْقِصَاصِ إلَّا أَمَرَ فِيهِ بِالْعَفْوِ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِيهِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ حَقٌّ، فَجَازَ تَرْكُهُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ.
وَالْعَفْوُ: الْمَحْوُ وَالتَّجَاوُزُ.
وَكَوْنُهُ (مَجَّانًا أَفْضَلُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: 45] قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40] .
وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَا عَفَا رَجُلٌ عَنْ مَظْلِمَةٍ إلَّا زَادَهُ اللَّهُ بِهَا عِزًّا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.
وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ مَدِينًا جُنِيَ عَلَيْهِ خَطَأً فَالْأَفْضَلُ عَدَمُ الْعَفْوِ؛ لِأَجْلِ وَفَاءِ دَيْنِهِ.
وَيَصِحُّ عَفْوُهُ بِلَفْظِ الصَّدَقَةِ وَكُلُّ مَا أَدَّى مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ.
(ثُمَّ لَا تَعْزِيرَ عَلَى جَانٍ) بَعْدَ عَفْوٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَلَيْهِ حَقٌّ وَاحِدٌ، وَقَدْ سَقَطَ كَعَفْوٍ عَنْ دِيَةِ قَاتِلِ خَطَأٍ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْعَدْلُ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ الْغَايَةُ وَهُوَ الْعَدْلُ بَيْنَ النَّاسِ. وَالثَّانِي: مَا يَكُونُ الْإِحْسَانُ أَفْضَلَ مِنْهُ وَهُوَ عَدْلُ الْإِنْسَانِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ مِنْ الدَّمِ وَالْمَالِ وَالْعِرْضِ؛ فَإِنَّ اسْتِيفَاءَ حَقِّهِ عَدْلٌ وَالْعَفْوَ إحْسَانٌ، وَالْإِحْسَانُ هُنَا أَفْضَلُ، لَكِنَّ هَذَا الْإِحْسَانَ لَا يَكُونُ إحْسَانًا إلَّا بَعْدَ الْعَدْلِ، وَهُوَ أَنْ لَا يَحْصُلَ بِالْعَفْوِ ضَرَرٌ، فَإِذَا حَصَلَ مِنْهُ ضَرَرٌ؛ كَانَ ظُلْمًا مِنْ الْعَافِي لِنَفْسِهِ، وَإِمَّا لِغَيْرِهِ فَلَا يُشْرَعُ، وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ لِمَجْنُونٍ أَوْ صَغِيرٍ فَلَا يَصِحُّ الْعَفْوُ إلَى غَيْرِ مَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إسْقَاطَ حَقِّهِ.
(وَإِلَّا) يَعْفُو الْوَلِيُّ (وَجَبَ) بِقَتْلِ (الْعَمْدِ) أَحَدُ شَيْئَيْنِ (الْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178] أَوْجَبَ الِاتِّبَاعَ بِمُجَرَّدِ الْعَفْوِ، وَلَوْ وَجَبَ بِالْعَمْدِ الْقِصَاصُ عَيْنًا، لَمْ تَجِبْ الدِّيَةُ عِنْدَ الْعَفْوِ الْمُطْلَقِ (فَيُخَيَّرُ الْوَلِيُّ بَيْنَهُمَا) فَإِنْ شَاءَ اقْتَصَّ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ، وَلَوْ لَمْ يَرْضَ الْجَانِي؛ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ فِي بَنْيِ إسْرَائِيلَ الْقِصَاصُ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ الدِّيَةُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] الْآيَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ، إمَّا أَنْ يَفْتَدِيَ وَإِمَّا أَنْ يَقْتُلَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(فَإِنْ اخْتَارَ) الْوَلِيُّ (الْقَوَدَ أَوْ عَفَا عَنْ الدِّيَةِ فَقَطْ؛ فَلَهُ أَخْذُهَا) ؛ أَيْ: الدِّيَةِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ لَهُ وَلِلْجَانِي، وَتَكُونُ بَدَلًا مِنْ الْقِصَاصِ، وَلَيْسَتْ الَّتِي وَجَبَتْ بِالْقَتْلِ - وَلَوْ سَخِطَ الْجَانِي -؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ دُونَ الْقِصَاصِ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَيْهَا، لِأَنَّهَا دُونَ حَقِّهِ.
(وَ) لِمَنْ وَجَبَ لَهُ الْقِصَاصُ (الصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرِ مِنْهَا) ؛ أَيْ: الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْفُ مُطْلَقًا (وَإِنْ اخْتَارَهَا) ابْتِدَاءً (تَعَيَّنَتْ) وَسَقَطَ الْقَوَدُ.
قَالَ
أَحْمَدُ: إذَا أَخَذَ الدِّيَةَ فَقَدْ عَفَا عَنْ الدَّمِ (فَلَوْ قَتَلَهُ) وَلِيُّ الْجِنَايَةِ (بَعْدَ) اخْتِيَارِ الدِّيَةِ (قُتِلَ بِهِ) لِأَنَّ حَقَّهُ سَقَطَ مِنْ الْقِصَاصِ بِعَفْوِهِ عَنْهُ (وَإِنْ عَفَا) عَلَى غَيْرِ مَالٍ بِأَنْ عَفَا عَلَى خَمْرٍ وَنَحْوِهِ، فَلَهُ الدِّيَةُ، أَوْ عَفَا مُطْلَقًا بِأَنْ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِقِصَاصٍ وَلَا دِيَةٍ؛ فَلَهُ الدِّيَةُ؛ لِانْصِرَافِ الْعَفْوِ إلَى الْقَوَدِ؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ الِانْتِقَامِ، وَالِانْتِقَامُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْقَتْلِ (أَوْ أَطْلَقَ) الْعَفْوَ عَنْ الْقَوَدِ كَقَوْلِهِ: عَفَوْت عَنْ الْقَوَدِ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِشَيْءٍ مِنْ مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَلَوْ) كَانَ الْعَفْوُ (عَنْ يَدِهِ) أَيْ: الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ رِجْلِهِ وَنَحْوِهِمَا (فَلَهُ الدِّيَةُ) ؛ لِانْصِرَافِ الْعَفْوِ إلَى الْقَوَدِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَلَوْ هَلَكَ جَانٍ) عَمْدًا (تَعَيَّنَتْ) الدِّيَةُ (فِي مَالِهِ) لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْقَوَدِ (كَتَعَذُّرِهِ) ؛ أَيْ: الْقَوَدِ (فِي طَرَفِهِ) ؛ أَيْ: الْجَانِي بِأَنْ قَطَعَ يَدًا، وَتَعَذَّرَ قَطْعُ يَدِهِ لِشَلَلِهَا أَوْ ذَهَابِهَا وَنَحْوِهِ، فَإِنْ لَمْ يُخَلِّفْ جَانٍ عَمْدًا تَرِكَةً ضَاعَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ.
(وَمَنْ قَطَعَ طَرَفًا عَمْدًا كَأُصْبُعٍ فَعَفَا عَنْهُ) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ (ثُمَّ سَرَتْ) الْجِنَايَةُ (إلَى عُضْوٍ آخَرَ كَبَقِيَّةِ الْيَدِ أَوْ) سَرَتْ (إلَى النَّفْسِ وَالْعَفْوُ عَلَى مَالٍ أَوْ غَيْرِ مَالٍ) كَقَوْلِهِ: عَفَوْت عَنْ الْقَوَدِ فَقَطْ؛ (فَ) لَا قِصَاصَ، وَ (لَهُ) ؛ أَيْ: الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (تَمَامُ دِيَةِ مَا سَرَتْ إلَيْهِ مِنْ عُضْوٍ أَوْ نَفْسٍ، وَلَوْ مَعَ مَوْتِ جَانٍ) فَيَلْغَى أَرْشَ مَا عُفِيَ عَنْهُ مِنْ دِيَةِ مَا سَرَتْ إلَيْهِ، وَيَجِبُ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ فِيمَا سَرَتْ إلَيْهِ الْجِنَايَةُ لَا فِيمَا عُفِيَ عَنْهُ (وَإِنْ ادَّعَى) جَانٍ أَوْ وَارِثُهُ (عَفْوَهُ) ؛ أَيْ: الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (عَنْ قَوَدٍ وَمَالٍ أَوْ) ادَّعَى عَفْوَهُ (عَنْهَا) ؛ أَيْ: الْجِنَايَةِ (وَعَنْ سِرَايَتِهَا فَقَالَ) مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ فِي الْأُولَى (بَلْ) عَفَوْتُ (إلَى مَالٍ، أَوْ) قَالَ فِي الثَّانِيَةِ: بَلْ عَفَوْتُ عَنْهَا (دُونَ سِرَايَتِهَا؛ فَقَوْلُ عَافٍ بِيَمِينِهِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعَفْوِ عَنْ الْجَمِيعِ؛ فَلَا يَثْبُتُ الْعَفْوُ عَمَّا لَمْ يُقِرَّ بِهِ، وَكَذَا إنْ اخْتَلَفَ وَلِيُّ مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ مَعَ جَانٍ (وَمَتَى قَتَلَهُ) ؛ أَيْ: الْعَافِي (جَانٍ، وَلَوْ قَبْلَ بُرْءِ) الْجُرْحِ الَّذِي جَرَحَهُ (وَقَدْ عَفَا) مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ (عَلَى مَالٍ فَ) لِوَلِيٍّ عَافٍ (الْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ كَامِلَةً) يُخَيَّرُ
بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ انْفَرَدَ عَنْ الْقَطْعِ، فَعَفْوُهُ عَنْ الْقَطْعِ لَا يَمْنَعُ مَا وَجَبَ بِالْقَتْلِ، كَمَا لَوْ كَانَ الْقَاطِعُ غَيْرَهُ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَلَوْ هَذِهِ زَائِدَةٌ بَلْ مُخِلَّةٌ بِالْمَعْنَى؛ لِأَنَّهَا مُشْعِرَةٌ بِأَنَّ حُكْمَ الْعَفْوِ قَبْلَ الْبُرْءِ كَحُكْمِهِ بَعْدَهُ مَعَ أَنَّ الْعَفْوَ بَعْدَ الْبُرْءِ عَلَى مَالٍ مُوجِبٌ لِدِيَةِ الْعُضْوِ الْأَوَّلِ عَلَى الْجَانِي، وَعَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ ثَانِيًا الْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ كَامِلَةً أَيْضًا.
(وَمَنْ وُكِّلَ فِي) اسْتِيفَاءِ (قَوَدٍ، ثُمَّ عَفَا) مُوَكِّلٌ عَنْ قَوَدٍ وَكَّلَ فِيهِ (وَلَمْ يَعْلَمْ وَكِيلُهُ) بِعَفْوِهِ (حَتَّى اقْتَصَّ)(فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا) أَمَّا الْوَكِيلُ؛ فَلِأَنَّهُ لَا تَفْرِيطَ مِنْهُ؛ لِحُصُولِ الْعَفْوِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ الْوَكِيلَ اسْتِدْرَاكُهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ عَفَا بَعْدَمَا رَمَاهُ، وَأَمَّا الْمُوَكِّلُ؛ فَلِأَنَّهُ مُحْسِنٌ بِالْعَفْوِ، وَقَالَ تَعَالَى:{مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] فَإِنْ كَانَ عَفْوُهُ بَعْدَ الْقَتْلِ لَمْ يَصِحَّ، (وَإِنْ) كَانَ قَبْلَهُ وَ (عَلِمَ وَكِيلُهُ) بِالْعَفْوِ فَقَدْ قَتَلَهُ ظُلْمًا (فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ) كَمَا لَوْ قَتَلَهُ ابْتِدَاءً، وَحَيْثُ لَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ بِالْعَفْوِ حَتَّى اقْتَصَّ، وَقُلْنَا: لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ مَنْ يَعْتَقِدُ إبَاحَةَ قَتْلِهِ؛ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْمُوَفَّقُ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ مَعْصُومًا، وَيَرْجِعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ أَشْبَهَ الْمَغْرُورَ بِحُرِّيَّةِ أَمَةٍ وَتَزْوِيجِ مَعِيبَةٍ، وَيَكُونُ الْوَاجِبُ حَالًّا فِي مَالِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَمِّدٌ لِلْقَتْلِ، وَإِنَّمَا سَقَطَ الْقَوَدُ لِمَعْنًى آخَرَ كَقَتْلِ الْأَبِ.
(وَإِنْ عَفَا مَجْرُوحٌ عَمْدًا أَوْ خَطَأً عَنْ قَوَدِ نَفْسِهِ أَوْ دِيَتِهَا صَحَّ) عَفْوُهُ؛ لِإِسْقَاطِهِ حَقَّهُ بَعْدَ انْعِقَادِ سَبَبِهِ؛ وَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَيْهِ؛ فَصَحَّ عَفْوُهُ عَنْهَا كَسَائِرِ حُقُوقِهِ وَكَعَفْوِ وَارِثِهِ عَنْ ذَلِكَ، (فَ) لَوْ قَالَ مَجْرُوحٌ (عَفَوْت عَنْ هَذَا الْجُرْحِ أَوْ) قَالَ: عَفَوْت عَنْ هَذِهِ (الضَّرْبَةِ؛ فَلَا شَيْءَ فِي سِرَايَتِهَا وَلَوْ لَمْ يَقُلْ) وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا، إذْ السِّرَايَةُ تَبَعٌ لِلْجِنَايَةِ، فَحَيْثُ لَمْ يَجِبْ بِهَا شَيْءٌ لَمْ يَجِبْ بِسِرَايَتِهَا بِالْأَوْلَى، كَمَا لَوْ قَالَ (عَفَوْت عَنْ الْجِنَايَةِ) فَلَا شَيْءَ فِي سِرَايَتِهَا، وَلَوْ قَالَ: أَرَدْت بِالْجِنَايَةِ الْجِرَاحَةَ
دُونَ سِرَايَتِهَا؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْجِنَايَةِ تَدْخُلُ فِيهِ الْجِرَاحَةُ وَسِرَايَتُهَا؛ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ (بِخِلَافِ عَفْوِهِ) ؛ أَيْ: الْمَجْرُوحِ (عَلَى مَالٍ أَوْ عَنْ قَوَدٍ) فَقَطْ بِأَنْ قَالَ: عَفَوْت عَلَى مَالٍ أَوْ عَفَوْت عَنْ الْقَوَدِ؛ فَلَا يَبْرَأُ جَانٍ مِنْ السِّرَايَةِ؛ لِعَدَمْ مَا يَقْتَضِي بَرَاءَتُهُ مِنْهَا (وَيَصِحُّ قَوْلُ مَجْرُوحٍ: أَبْرَأْتُك) مِنْ دَمِي أَوْ قَتْلِي مُعَلِّقًا بِمَوْتِهِ، (وَ) قَوْلُهُ (حَلَلْتُك مِنْ دَمِي أَوْ قَتْلِي، أَوْ وَهَبْتُك ذَلِكَ) ؛ أَيْ: دَمِي أَوْ قَتْلِي، أَوْ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَيْك (وَنَحْوُهُ) كَ جَعَلْت لَك دَمِي أَوْ قَتْلِي، أَوْ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَيْك (مُعَلِّقًا بِمَوْتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ، (فَ) إنْ مَاتَ مِنْ الْجِرَاحَةِ بَرِئَ مِنْهُ فَ (لَوْ عَفَا بَقِيَ حَقَّهُ) مِنْ قِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ لَمْ يَتَضَمَّنْ الْجِرَاحَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ، وَإِنَّمَا اقْتَضَى مُوجِبَ الْقَتْلِ؛ فَبَقِيَ مُوجِبُ الْجُرْحِ بِحَالِهِ (بِخِلَافِ عَفَوْتُ عَنْك أَوْ) عَفَوْتُ (عَنْ جِنَايَتِك) ؛ لِتَضَمُّنِهَا الْجِنَايَةَ وَسَرَايَتَهَا.
(وَلَا يَصِحُّ عَفْوُهُ)، أَيْ: الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (عَنْ قَوَدِ جِنَايَةٍ لَا قَوَدَ فِيهَا) كَالْمُنَقِّلَةِ وَالْمَأْمُومَةِ؛ لِأَنَّهُ عَفْوٌ عَمَّا لَمْ يَجِبْ، وَلَا انْعَقَدَ سَبَبُ وُجُوبِهِ؛ أَشْبَهَ الْإِبْرَاءَ مِنْ الدَّيْنِ قَبْلَ وُجُوبِهِ، وَكَمَا لَوْ أَبْرَأَ الْمُؤَجِّرُ الْمُسْتَأْجِرَ مِنْ الْأُجْرَةِ، أَوْ الْبَائِعُ مِنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْعَقْدِ (فَلِوَلِيِّهِ) ؛ أَيْ: الْمَشْجُوجِ (مَعَ سِرَايَتِهَا) ؛ أَيْ: الشَّجَّةِ (الْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ) كَمَا لَوْ لَمْ يَعْفُ.
(وَكُلُّ عَفْوٍ صَحَّحْنَاهُ مِنْ مَجْرُوحٍ مَجَّانًا مِمَّا يُوجِبُ الْمَالَ عَيْنًا) كَالْخَطَأِ وَشَبَهِ الْعَمْدِ وَالْجَائِفَةِ (فَإِنَّهُ إذَا مَاتَ الْعَافِي يُعْتَبَرُ) مَا عَفَا عَنْهُ (مِنْ الثُّلُثِ) ؛ أَيْ: ثُلُثِ التَّرِكَةِ، فَيَنْفُذُ إذَا كَانَ قَدْرَ الثُّلُثِ فَأَقَلَّ، وَإِنْ زَادَ فَبِقَدْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ أَبْرَأَهُ مِنْهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ فِي مَرَضٍ اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ؛ أَشْبَهَ الدَّيْنَ (وَيُنْقَضُ) الْعَفْوُ عَمَّا يُوجِبُ الْمَالَ عَيْنًا مِنْ مَجْرُوحٍ إذَا مَاتَ (لِلدَّيْنِ الْمُسْتَغْرِقِ) لِلتَّرِكَةِ كَالْوَصِيَّةِ (وَإِنْ أَوْجَبَ) مَا عَفَا عَنْهُ مَجْرُوحٌ، ثُمَّ مَاتَ (قَوَدًا؛ نَفَذَ مِنْ أَصْلِ التَّرِكَةِ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ) التَّرِكَةُ (سِوَى دَمِهِ) نَصًّا؛ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْمَالِ، فَإِذَا سَقَطَ الْقَوَدُ لَمْ يَلْزَمْهُ إثْبَاتُ الْمَالِ كَقَبُولِهِ الْهِبَةَ وَالْوَصِيَّةَ (وَمِثْلُهُ الْعَفْوُ عَنْ قَوَدٍ بِلَا مَالٍ مِنْ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ؛ لِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ أَوْ مِنْ الْوَرَثَةِ مَعَ دَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ) لِلتَّرِكَةِ؛ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّ