الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي مَنْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ مُكَلَّفًا مُخْتَارًا]
فَصْلٌ
(فَمَنْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ مُكَلَّفًا مُخْتَارًا - وَلَوْ أُنْثَى - دُعِيَ إلَيْهِ وَاسْتُتِيبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وُجُوبًا) رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْقَادِرِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ رَجُلٌ مِنْ قِبَلِ أَبِي مُوسَى، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ هَلْ كَانَ مِنْ مُغَرِّبَةِ خَبَرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إسْلَامِهِ، فَقَالَ: مَا فَعَلْتُمْ بِهِ؟ قَالَ: قَرَّبْنَاهُ فَضَرَبْنَا عُنُقَهُ قَالَ عُمَرُ: فَهَلَّا حَبَسْتُمُوهُ ثَلَاثًا وَأَطْعَمْتُمُوهُ كُلَّ يَوْمٍ رَغِيفًا وَأَسْقَيْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ أَوْ يُرَاجِعُ اللَّهَ؟ اللَّهُمَّ إنِّي لَمْ أَحْضُرْ وَلَمْ آمُرْ، وَلَمْ أَرْضَ إذْ بَلَغَنِي وَلَوْ لَمْ تَجِبْ الِاسْتِتَابَةُ لَمَا بَرِئَ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَأَحَادِيثُ الْأَمْرِ بِقَتْلِهِ مَحْمُولَةٌ عَلَى ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ (وَيَنْبَغِي أَنْ يُضَيَّقَ عَلَيْهِ) مُدَّةَ الِاسْتِتَابَةِ (وَيُحْبَسَ) لِقَوْلِ عُمَرَ فَهَلَّا حَبَسْتُمُوهُ، وَلِئَلَّا يَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَيَنْبَغِي أَنْ تُكَرَّرَ دِعَايَتُهُ، لَعَلَّهُ يُرَاجِعُ دِينَهُ (فَإِنْ تَابَ لَمْ يُعَزَّرْ) وَلَوْ بَعْدَ مُدَّةِ الِاسْتِتَابَةِ لِأَنَّ فِيهِ تَنْفِيرًا لَهُ عَنْ الْإِسْلَامِ (وَإِنْ أَصَرَّ) عَلَى رِدَّتِهِ (قُتِلَ بِالسَّيْفِ، وَلَا يُحْرَقُ بِالنَّارِ) لِحَدِيثِ: «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ» وَحَدِيث: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ، وَلَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ» يَعْنِي النَّارَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد.
(وَلَا يُقْتَلُ رَسُولُ كُفَّارٍ مُرْتَدٌّ بِدَلِيلِ رَسُولَيْ مُسَيْلِمَةَ) الْكَذَّابِ حَارَبَهُ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه وَقُتِلَ عَلَى يَدِ وَحْشِيٍّ قَاتِلِ حَمْزَةَ، وَكَانَ وَحْشِيٌّ يَقُولُ: قَتَلْت خَيْرَ النَّاسِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ -؛ أَيْ: جَاهِلِيَّتِهِ - وَشَرَّهَا فِي الْإِسْلَامِ الْكَذَّابَ مُسَيْلِمَةَ بِكَسْرِ اللَّامِ، - وَهُمَا ابْنُ النَّوَّاحَةِ وَابْنُ أَثَالٍ جَاءَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَقْتُلْهُمَا.
(وَلَا يَقْتُلُ الْمُرْتَدَّ إلَّا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ) حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا؛ لِأَنَّهُ قُتِلَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى؛ فَكَانَ إلَى الْإِمَامِ كَرَجْمِ الزَّانِي الْمُحْصَنِ، وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ:«أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» لِأَنَّ قَتْلَ الْمُرْتَدِّ لِكُفْرِهِ لَا حَدًّا (فَإِنْ قَتَلَهُ) ؛ أَيْ: الْمُرْتَدَّ (غَيْرُهُمَا) ؛ أَيْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ (بِلَا إذْنٍ) مِنْ أَحَدِهِمَا (أَسَاءَ وَعُزِّرَ) لِافْتِئَاتِهِ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ.
(وَلَا ضَمَانَ) بِقَتْلِ مُرْتَدٍّ (وَلَوْ كَانَ) قَتْلُهُ (قَبْلَ اسْتِتَابَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مُهْدَرُ الدَّمِ، وَرِدَّتُهُ أَبَاحَتْ دَمَهُ فِي الْجُمْلَةِ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ قَبْلَ الِاسْتِتَابَةِ كَمَا هِيَ مَوْجُودَةٌ بَعْدَهَا (أَوْ) كَانَ الْمَقْتُولُ (مُمَيِّزًا) إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِ الْقَتْلِ الضَّمَانُ بِدَلِيلِ نِسَاءِ حَرْبٍ وَذُرِّيَّتِهِمْ (إلَّا أَنْ يَلْحَقَ) الْمُرْتَدُّ (بِدَارِ حَرْبٍ ف) يَجُوزُ (لِكُلِّ أَحَدٍ قَتْلُهُ) بِلَا اسْتِتَابَةٍ (وَأَخْذُ مَا مَعَهُ) مِنْ الْمَالِ لِأَنَّهُ صَارَ حَرْبِيًّا، وَمَا تَرَكَهُ بِدَارِنَا مَعْصُومٌ نَصَّ عَلَيْهِ، وَالطِّفْلُ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَالْمَجْنُونُ وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِنَوْمٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ شُرْبِ دَوَاءٍ مُبَاحٍ لَا تَصِحُّ رِدَّتُهُ وَلَا إسْلَامُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِكَلَامِهِ، فَإِنْ ارْتَدَّ فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ جُنَّ لَمْ يُقْتَلْ فِي حَالِ جُنُونِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، وَإِنْ أَفَاقَ اُسْتُتِيبَ ثَلَاثًا، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ.
(وَمَنْ أَطْلَقَ الشَّارِعُ) ؛ أَيْ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (كُفْرَهُ كَدَعْوَاهُ لِغَيْرِ أَبِيهِ وَمَنْ أَتَى عَرَّافًا) وَهُوَ الَّذِي يَحْدُسُ وَيَتَخَرَّصُ (فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَهُوَ تَشْدِيدٌ) وَتَأْكِيدٌ (لَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْإِسْلَامِ أَوْ) ؛ أَيْ: وَقِيلَ (كُفْرُ نِعْمَةٍ أَوْ قَارَبَ الْكُفْرَ أَوْ كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ) نَقَلَهُ حَنْبَلٌ.
وَعَنْهُ يَجِبُ الْوَقْفُ وَلَا يُقْطَعُ بِأَنَّهُ لَا يُنْقَلُ عَنْ الْمِلَّةِ (وَنَصَّ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ كَالْبُخَارِيِّ أَنَّ بَعْضَ الْكُفْرِ دُونَ بَعْضٍ) وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي قَوْلِهِ: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» ؛ أَيْ: جَحَدَ تَصْدِيقَهُ بِكَذِبِهِمْ؛ وَقَدْ يَكُونُ عَلَى هَذَا إذَا اعْتَقَدَ تَصْدِيقَهُمْ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ بِتَكْذِيبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كُفْرًا حَقِيقَةً انْتَهَى.
(وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ جَوَازُ إطْلَاقِ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ عَلَى بَعْضِ الذُّنُوبِ
الَّتِي لَا تُخْرِجُ عَنْ الْمِلَّةِ) وَأَنْكَرَ الْقَاضِي جَوَازَ إطْلَاقِ اسْمِ كُفْرِ النِّعْمَةِ عَلَى أَهْلِ الْكَبَائِرِ قَالَ فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ ": وَالصَّوَابُ رِوَايَةُ حَنْبَلٍ، وَحَمَلَهَا بَعْضُهُمْ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ، وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَانَ يَتَوَقَّى الْكَلَامَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ النُّصُوصِ تَوَرُّعًا، وَيَمُرُّ بِهَا كَمَا جَاءَتْ مِنْ غَيْرِ تَفْسِيرٍ مَعَ اعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الْمَعَاصِيَ لَا تُخْرِجُ عَنْ الْمِلَّةِ.
(وَيَصِحُّ إسْلَامُ مُمَيِّزٍ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى (عَقَلَهُ) ؛ أَيْ: الْإِسْلَامَ؛ بِأَنْ عَلِمَ أَنْ اللَّهَ تَعَالَى رَبُّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إلَى النَّاسِ كَافَّةً؛ لِإِسْلَامِ عَلِيٍّ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ، وَعُدَّ ذَلِكَ مِنْ مَنَاقِبِهِ وَسَبْقِهِ، وَقَالَ رضي الله عنه: سَبَقْتُكُمْ إلَى الْإِسْلَامِ طُرًّا صَبِيًّا مَا بَلَغْت أَوَانَ حُلُمِي وَيُقَالُ: إنَّهُ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الصِّبْيَانِ، وَمِنْ الرِّجَالِ أَبُو بَكْرٍ، وَمِنْ النِّسَاءِ خَدِيجَةُ، وَمِنْ الْعَبِيدِ بِلَالٌ.
وَقَالَ عُرْوَةُ: أَسْلَمَ عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ وَهُمَا ابْنَا ثَمَانِ سِنِينَ.
وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» .
وَالصَّبِيُّ دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ فَصَحَّتْ مِنْ الصَّبِيِّ كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ، وَلِأَنَّ اللَّهَ دَعَا إلَى دَارِ السَّلَامِ، وَجَعَلَ طَرِيقَهَا الْإِسْلَامَ؛ فَلَمْ يَجُزْ مَنْعُهُ مِنْ إجَابَةِ دَعْوَةِ اللَّهِ وَسُلُوكِ طَرِيقِهَا.
لَا يُقَالُ الْإِسْلَامُ يُوجِبُ الزَّكَاةَ فِي مَالِهِ، وَنَفَقَةَ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ، وَحِرْمَانَ مِيرَاثِ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ، وَفَسْخَ نِكَاحِهِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ نَفْعٌ مَحْضٌ؛ لِأَنَّهَا سَبَبُ النَّمَاءِ وَالزِّيَادَةِ مُحْصِنَةٌ لِلْمَالِ، وَالْمِيرَاثُ وَالنَّفَقَةُ أَمْرٌ مُتَوَهَّمٌ، وَذَلِكَ مَجْبُورٌ بِحُصُولِ الْمِيرَاثِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَسُقُوطِ نَفَقَةِ أَقَارِبِهِ الْكُفَّارِ، ثُمَّ إنَّ هَذَا الضَّرَرَ مَغْمُورٌ فِي جَنْبِ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ سَعَادَةِ الدَّارَيْنِ.
(وَتَصِحُّ رِدَّتُهُ) ؛ أَيْ: الْمُمَيِّزِ (فَإِنْ أَسْلَمَ) وَهُوَ يَعْقِلُهُ (حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كُفَّارٍ) صَوْنًا لَهُ؛ لِضَعْفِ عَقْلِهِ فَرُبَّمَا أَفْسَدُوهُ (فَإِنْ قَالَ بَعْدَ إسْلَامِهِ لَمْ أُرِدْ مَا قُلْت فَكَمَا لَوْ ارْتَدَّ) ؛ أَيْ: لَمْ يَبْطُلْ إسْلَامُهُ بِذَلِكَ، وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ
خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَيَكُونُ كَالْبَالِغِ إذَا أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ.
(وَلَا يُقْتَلُ هُوَ) ؛ أَيْ: الْمُمَيِّزُ حَيْثُ ارْتَدَّ (وَلَا سَكْرَانُ إنْ ارْتَدَّ حَتَّى يُسْتَتَابَا) ؛ أَيْ: الصَّغِيرُ (بَعْدَ بُلُوغِهِ وَ) السَّكْرَانُ (بَعْدَ صَحْوِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) لِأَنَّ الْبُلُوغَ وَالصَّحْوَ أَوَّلُ زَمَنٍ صَارَا فِيهِ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ، أَمَّا الصَّبِيُّ فَلِأَنَّهُ مَرْفُوعٌ عَنْهُ الْقَلَمُ حَتَّى يَحْتَلِمَ لِلْخَبَرِ، وَأَمَّا السَّكْرَانُ فَلِأَنَّ الْحَدَّ شُرِعَ لِلزَّجْرِ، وَلَا يَحْصُلُ الزَّجْرُ فِي حَالِ سُكْرِهِ.
(وَإِنْ مَاتَ) مَنْ ارْتَدَّ وَهُوَ سَكْرَانُ (فِي سُكْرٍ) ؛ أَيْ: قَبْلَ أَنْ يَصْحُوَ مَاتَ كَافِرًا؛ لِمَوْتِهِ قَبْلَ تَوْبَتِهِ، فَلَا يَرِثُهُ قَرِيبُهُ الْمُسْلِمُ، وَلَا يُغَسَّلُ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَا يُدْفَنُ مَعَنَا
(أَوْ) مَاتَ مُمَيِّزٌ ارْتَدَّ (قَبْلَ بُلُوغٍ) وَقَبْلَ تَوْبَتِهِ (مَاتَ كَافِرًا) لِمَوْتِهِ فِي الرِّدَّةِ.
(وَإِنْ أَسْلَمَ) السَّكْرَانُ وَلَوْ أَصْلِيًّا (فِي حَالِ سُكْرِهِ) ، صَحَّ إسْلَامُهُ، ثُمَّ يُسْأَلُ بَعْدَ صَحْوِهِ، فَإِنْ ثَبَتَ عَلَى إسْلَامِهِ حَالَ سُكْرِهِ، فَيَقْضِي الصَّلَاةَ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِنْ كَفَرَ فَهُوَ كَافِرٌ مِنْ حِينِ كُفْرِهِ بَعْدَ صَحْوِهِ فَيُسْتَتَابُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ.
(وَيَتَّجِهُ احْتِمَالٌ) قَوِيٌّ مَحِلَّ صِحَّةِ إسْلَامِهِ إنْ ارْتَدَّ فِي حَالِ سُكْرِهِ لَا إنْ حَصَلَتْ مِنْهُ الرِّدَّةُ فِي حَالِ عَقْلِهِ ثُمَّ سَكِرَ بِشُرْبِهِ مُحَرَّمًا عَمْدًا؛ فَلَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ حَتَّى يَصْحُوَ لِأَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَكْمُلْ عَقْلُهُ وَلَا يُدْرِكُ حَقِيقَةَ الْإِسْلَامِ، بِخِلَافِ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ إذَا أَسْلَمَ فِي سُكْرِهِ؛ فَيَصِحُّ مِنْهُ، وَيُؤْمَرُ بَعْدَ صَحْوِهِ بِالْتِزَامِ أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَلَا تُقْبَلُ فِي) أَحْكَامِ (الدُّنْيَا بِحَسَبِ الظَّاهِرِ) بِحَيْثُ يُتْرَكُ قَتْلُهُمْ وَتَثْبُتُ
أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ (تَوْبَةُ زِنْدِيقٍ وَهُوَ الْمُنَافِقُ الَّذِي يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَيُخْفِي الْكُفْرَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا} [البقرة: 160] وَالزِّنْدِيقُ لَا يَظْهَرُ مِنْهُ عَلَى مَا يَتَبَيَّنُ بِهِ رُجُوعُهُ وَتَوْبَتُهُ؛ لِأَنَّ الزِّنْدِيقَ لَا يَظْهَرُ مِنْهُ بِالتَّوْبَةِ خِلَافُ مَا كَانَ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يَنْفِي الْكُفْرَ عَنْ نَفْسِهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَقَلْبُهُ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ؛ فَلَا يَكُونُ لِمَا قَالَهُ حُكْمٌ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَدْفِعُ الْقَتْلَ بِإِظْهَارِ التَّوْبَةِ فِي ذَلِكَ.
وَالْمَشْهُورُ عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ أَنَّ الزِّنْدِيقَ هُوَ الَّذِي لَا يَتَمَسَّكُ بِشَرِيعَةٍ، وَيَقُولُ بِدَوَامِ الدَّهْرِ.
وَالْعَرَبُ تُعَبِّرُ عَنْ هَذَا بِقَوْلِهِمْ: مُلْحِدٌ؛ أَيْ: طَاعِنٌ فِي الْأَدْيَانِ.
(وَلَا) تُقْبَلُ فِي الدُّنْيَا تَوْبَةُ (مَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} [آل عمران: 90](وَيَتَّجِهُ أَقَلُّهُ) ؛ أَيْ: أَقَلُّ مَا يَثْبُتُ بِهِ تَكْرَارُ الِارْتِدَادِ (ثَلَاثًا) ؛ أَيْ: ثَلَاثَ مَرَّاتٍ (ك) ثُبُوتِ (عَادَةِ حَائِضٍ) بِتَكْرَارِ ثَلَاثٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلا} [النساء: 137] وَالِازْدِيَادُ يَقْتَضِي كُفْرًا مُتَجَدِّدًا، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الْإِيمَانِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ تَكْرَارَ رِدَّتِهِ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ عَقِيدَتِهِ وَقِلَّةِ مُبَالَاتِهِ بِالْإِسْلَامِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(أَوْ سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى صَرِيحًا) ؛ أَيْ: لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ؛ لِعِظَمِ ذَنْبِهِ جِدًّا، فَيَدُلُّ عَلَى فَسَادِ عَقِيدَتِهِ، (أَوْ) سَبَّ (رَسُولًا أَوْ مَلِكًا لَهُ) ؛ أَيْ: لِلَّهِ تَعَالَى: (أَوْ تَنَقَّصَهُ) ؛ أَيْ: اللَّهَ تَعَالَى أَوْ رَسُولَهُ أَوْ وَاحِدًا مِنْ مَلَائِكَتِهِ؛ فَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَلِاسْتِخْفَافِهِ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ رَسُولِهِ عليه الصلاة والسلام
(أَوْ) ؛ أَيْ: لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ سَاحِرٍ (كَفَرَ بِسِحْرِهِ) كَاَلَّذِي يَرْكَبُ الْمِكْنَسَةَ فَتَسِيرُ بِهِ فِي الْهَوَاءِ؛ لِمَا رَوَى جُنْدُبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، فَسَمَّاهُ حَدًّا، وَالْحَدُّ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ، وَلِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ لَنَا إلَى إخْلَاصِهِ فِي تَوْبَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يُضْمِرُ السِّحْرَ وَلَا يَجْهَرُ بِهِ، فَيَكُونُ إظْهَارُهُ لِلْإِسْلَامِ وَالتَّوْبَةِ خَوْفًا مِنْ الْقَتْلِ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ.
(وَكَالْحُلُولِيَّةِ) وَالْمُبَاحِيَّةِ، وَكَمَنْ يُفَضِّلُ مَتْبُوعَهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (وَالزَّاعِمِ أَنَّهُ إذَا حَصَلَتْ لَهُ الْمَعْرِفَةُ وَالتَّحْقِيقُ سَقَطَ عَنْهُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ؛ أَوْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْعَارِفَ الْمُحَقِّقَ يَجُوزُ لَهُ التَّدَيُّنُ بِدِينِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاعْتِصَامُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ) وَأَمْثَالُ هَؤُلَاءِ الطَّوَائِفِ الْمَارِقِينَ مِنْ الدِّينِ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ فِي الظَّاهِرِ (وَيُقْتَلُونَ بِكُلِّ حَالٍ) كَالْمُنَافِقِينَ وَأَوْلَى (وَمَنْ صَدَقَ مِنْهُمْ فِي تَوْبَتِهِ) قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ بَاطِنًا (وَنَفَعَتْهُ فِي الْآخِرَةِ)
(وَمَنْ كَفَرَ بِبِدْعَةٍ مِنْ الْبِدَعِ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَلَوْ كَانَ دَاعِيَةً إلَى بِدْعَتِهِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُرْتَدِّينَ) وَمَنْ أَظْهَر الْخَيْرَ وَأَبْطَنَ الْفِسْقَ فَهُوَ كَزِنْدِيقٍ فِي تَوْبَتِهِ لِمُؤَاخَذَتِهِ بِالْبَاطِنِ فَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ ظَاهِرًا لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَيَتَّجِهُ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ عُرِفَ بِذَلِكَ) ؛ أَيْ: بِإِظْهَارِ الْخَيْرِ وَإِبْطَانِ