الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي الدفاع عَنْ النَّفْس والعرض والمال]
فَصْلٌ (وَمَنْ أُرِيدَتْ) ؛ أَيْ: قُصِدَتْ (نَفْسُهُ) لِيُقْتَلَ (أَوْ) يُفْعَلَ بِهَا الْفَاحِشَةُ، أَوْ أُرِيدَتْ (حُرْمَتُهُ) كَأُمِّهِ أَوْ أُخْتِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ وَنَحْوِهِنَّ لِزِنًا أَوْ قَتْلٍ، أَوْ أُرِيدَ أَخْذُ مَالِهِ (وَلَوْ قَلَّ) مَا أُرِيدَ مِنْ مَالِهِ (أَوْ لَمْ يَكْفِ) مَنْ أُرِيدَتْ نَفْسُهُ أَوْ حُرْمَتُهُ أَوْ مَالُهُ (الْمَرِيدَ) لِذَلِكَ (فَلَهُ دَفْعُهُ) عَنْ نَفْسِهِ وَحُرْمَتِهِ وَمَالِهِ (إنْ لَمْ يَخَفْ) الدَّافِعُ (مُبَادَرَتَهُ لَهُ بِالْقَتْلِ بِأَسْهَلِ مَا) ؛ أَيْ: شَيْءٍ (يَظُنُّ انْدِفَاعَهُ بِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ لَأَدَّى إلَى تَلَفِهِ وَأَذًى فِي نَفْسِهِ وَحُرْمَتِهِ وَمَالِهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لَتَسَلَّطَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ [، وَأَدَّى إلَى الْهَرَجِ وَالْمَرَجِ، وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ] . قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: فَلَا تُعْطِهِ قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: قَاتِلْهُ قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: فَأَنْتَ شَهِيدٌ؟ قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: هُوَ فِي النَّارِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ. وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: «أَوَّلًا أَنْشِدْهُ اللَّهَ قَالَ: فَإِنْ أَبَى عَلَيَّ؟ قَالَ: قَاتِلْهُ» .
لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ ذَلِكَ الدَّفْعُ؛ فَإِنْ انْدَفَعَ بِالْأَسْهَلِ حَرُمَ الْأَصْعَبُ؛ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (فَإِنْ لَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِالْقَتْلِ أُبِيحَ) قَتْلُهُ (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِظَاهِرِ الْخَبَرِ (وَإِنْ قُتِلَ) الدَّافِعُ (كَانَ شَهِيدًا) لِلْخَبَرِ، (وَمَعَ عِلْمِ مَزْحٍ) يَحْرُمُ عَلَى دَافِعٍ (قَتْلٌ، وَيُقَادُ بِهِ) لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الدَّفْعِ إذَنْ.
(وَلَا يَضْمَنُ بَهِيمَةً صَالَتْ عَلَيْهِ) وَلَمْ تَنْدَفِعْ بِدُونِ قَتْلٍ، فَقَتَلَهَا دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ أَوْ حُرْمَتِهِ أَوْ مَالِهِ كَصَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ صَائِلٍ بِجَامِعِ الصَّوْلِ.
(وَلَا) يَضْمَنُ إذَا قَتَلَ (مَنْ دَخَلَ مَنْزِلَهُ مُتَلَصِّصًا) ؛ أَيْ: طَالِبًا لِلسَّرِقَةِ (حَيْثُ دَفَعَهُ بِالْأَسْهَلِ) فَيَأْمُرُهُ رَبُّ الْمَنْزِلِ أَوَّلًا بِالْخُرُوجِ، فَإِنْ خَرَجَ لَمْ يَفْعَلْ بِهِ
شَيْئًا؛ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ ضَرَبَهُ بِأَسْهَلِ مَا يَظُنُّهُ أَنَّهُ يَنْدَفِعُ بِهِ، فَإِنْ انْدَفَعَ بِعَصَى لَمْ يَضْرِبْهُ بِحَدِيدٍ، وَإِنْ وَلَّى هَارِبًا لَمْ يَقْتُلْهُ وَلَمْ يَتْبَعْهُ كَالْبُغَاةِ، وَإِنْ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً غَلِيظَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ أَرْشٌ؛ لِأَنَّهُ، كُفِيَ، شَرُّهُ، وَإِنْ ضَرَبَهُ فَقَطَعَ يَمِينَهُ فَوَلَّى هَارِبًا، فَضَرَبَهُ فَقَطَعَ رِجْلَهُ؛ ضَمِنَهَا بِخِلَافِ الْيَدِ، فَإِنْ مَاتَ بِسِرَايَةِ الْقَطْعَيْنِ؛ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ عَادَ إلَيْهِ بَعْدَ قَطْعِ رِجْلِهِ، فَقَطَعَ يَدَهُ الْأُخْرَى؛ فَالْيَدَانِ غَيْرُ مَضْمُونَتَيْنِ.
(فَإِنْ) قَتَلَ رَجُلًا، وَ (ادَّعَى أَنَّهُ هَجَمَ مَنْزِلَهُ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ) بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ؛ لِحَدِيثِ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» .
(وَيَتَّجِهُ) مَحَلُّ مَا ذَكَرَ مِنْ عَدَمِ قَبُولِ قَوْلِهِ (حَيْثُ لَا قَرِينَةَ) فَإِنْ كَانَتْ ثَمَّ قَرِينَةٌ عَلَى صِدْقِ دَعْوَاهُ بِأَنْ كَانَ الْمَقْتُولُ مَشْهُورًا بِالْفَسَادِ وَالتَّسَلُّطِ عَلَى نَهْبِ أَمْوَالِ الْعِبَادِ؛ فَلَا مَانِعَ مِنْ قَبُولِ قَوْلِ رَبِّ الْمَنْزِلِ بِلَا بَيِّنَةٍ؛ حَيْثُ كَانَ ثِقَةً مَشْهُورًا بِالْعَدَالَةِ، لِدَلَالَةِ الْحَالِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ لَكِنَّهُ مَرْجُوحٌ؛ لِمُخَالَفَتِهِ صُنْعَ الْمُتَأَخِّرِينَ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَعَلَى الْقَاتِلِ الْقَوَدُ.
(وَلَوْ عُرِفَ) الْمَقْتُولُ (بِسَرِقِهِ) قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُمْ رَأَوْا الْمَقْتُولَ مُقْبِلًا إلَى الْقَاتِلِ بِسِلَاحٍ مَشْهُورٍ، فَضَرَبَهُ هَذَا الْقَاتِلُ؛ فَدَمُهُ هَدَرٌ؛ لِثُبُوتِ صِيَالَتِهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا الْمَقْتُولَ دَاخِلَ دَارِهِ، وَلَمْ يَذْكُرُوا سِلَاحًا أَوْ ذَكَرُوا سِلَاحًا غَيْرَ مَشْهُورٍ؛ لَمْ يَسْقُطْ الْقَوَدُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَدْخُلُ لِحَاجَةٍ.
(وَيَجِبُ دَفْعُهُ عَنْ حَرِيمِهِ) إذَا أَرَدْنَ نَصًّا، فَمَنْ رَأَى مَعَ امْرَأَتِهِ أَوْ بِنْتِهِ وَنَحْوِهَا رَجُلًا يَزْنِي بِهَا أَوْ مَعَ وَلَدِهِ، وَنَحْوِهِ رَجُلًا كَانَ يَلُوطُ بِهِ؛ وَجَبَ عَلَيْهِ قَتْلُهُ إنْ لَمْ يَنْدَفِعْ بِدُونِهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي بِهِ حَقَّ اللَّهِ مِنْ الْكَفِّ عَنْ الْفَاحِشَةِ وَحَقَّ نَفْسِهِ بِالْمَنْعِ عَنْ أَهْلِهِ؛ فَلَا يَسَعُهُ إضَاعَةُ الْحَقَّيْنِ (وَكَذَا) يَجِبُ الدَّفْعُ (فِي غَيْرِ فِتْنَةٍ عَنْ نَفْسِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] فَكَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَتْلُ نَفْسِهِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ إبَاحَتُهَا (وَ) كَذَا يَجِبُ الدَّفْعُ فِي غَيْرِ فِتْنَةٍ عَنْ (نَفْسِ غَيْرِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُمْ إيثَارُ الشَّهَادَةِ كَإِحْيَائِهِ بِبَذْلِ طَعَامِهِ.
ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ فِتْنَةٌ لَمْ يَجِبْ الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا نَفْسِ غَيْرِهِ، لِقِصَّةِ عُثْمَانَ (لَا عَنْ مَالِهِ) ؛ أَيْ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُ مَنْ أَرَادَ مَالَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مِنْ الْمَحْذُورِ مَا فِي النَّفْسِ (وَلَا يَلْزَمُهُ) ؛ أَيْ: رَبَّ الْمَالِ (حِفْظُهُ عَنْ الضَّيَاعِ وَالْهَلَاكِ) ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ.
(وَيَتَّجِهُ) عَدَمُ لُزُومِ حِفْظِهِ مَالَهُ عَنْ الضَّيَاعِ وَالْهَلَاكِ (مَا لَمْ تَضِعْ عَائِلَتُهُ) بِسَبَبِ ذَلِكَ، أَمَّا إنْ خَشِيَ ضَيَاعَ عَائِلَتِهِ؛ فَيَلْزَمُهُ حِفْظُ مَالِهِ مِنْ أَجْلِهَا، (أَوْ) مَا لَمْ (يَعْجَزْ عَنْ وَفَاءِ دَيْنِهِ) فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ مَالَهُ يَضِيعُ لَا يَقْدِرُ عَلَى وَفَاءِ دَيْنِهِ؛ وَجَبَ عَلَيْهِ حِفْظُ مَالِهِ تَبْرِئَةً لِذِمَّتِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَلَهُ بَذْلُهُ) ؛ أَيْ: بَذْلُ مَالَهُ (لِظَالِمٍ) أَرَادَهُ مِنْهُ، وَلَوْ (أَمْكَنَهُ دَفْعُهُ) ذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ بَذْلَهُ أَفْضَلُ مِنْ الدَّفْعِ عَنْهُ، وَأَنَّ حَنْبَلًا نَقَلَهُ عَنْ أَحْمَدَ وَلَفْظُهُ: أَرَى دَفْعَهُ إلَيْهِ، وَلَا يَأْتِي عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا عِوَضَ لَهَا.
وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ: لَا بَأْسَ. قَالَ: الْمَرْوَزِيِّ وَغَيْرُهُ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لَا يَغْضَبُ لِنَفْسِهِ وَلَا يَنْتَصِرُ لَهَا.
(وَيَجِبُ) عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ (أَنْ يَدْفَعَ عَنْ حُرْمَةِ) غَيْرِهِ (وَ) كَذَا عَنْ (مَالِهِ)
أَيْ: الْغَيْرِ؛ لِئَلَّا تَذْهَبَ الْأَنْفُسُ أَوْ الْأَمْوَالُ أَوْ تُسْتَبَاحَ الْحُرَمُ.
قَدَّمَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى " وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَفِي " الْإِقْنَاعِ " وَلَا يَلْزَمُهُ الدَّفْعُ عَنْ مَالِهِ وَلَا حِفْظُهُ مِنْ الضَّيَاعِ كَمَالِ غَيْرِهِ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْإِشَارَةُ إلَى خِلَافِهِ (مَعَ ظَنِّ سَلَامَةِ دَافِعٍ وَمَدْفُوعٍ عَنْهُ، وَإِلَّا) تُظَنُّ سَلَامَتُهُمَا مَعَ الدَّفْعِ (حَرُمَ) لِإِلْقَائِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ وَيَسْقُطُ (وُجُوبُ الدَّفْعِ) حَيْثُ وَجَبَ (بِإِيَاسِهِ) مِنْ فَائِدَةِ دَفْعِهِ (لَا بِظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ) لِتَيَقُّنِ الْوُجُوبِ فَلَا يُتْرَكُ بِالظَّنِّ.
(وَيَتَّجِهُ وَكَذَا كُلُّ أَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ) يَسْقُطُ وُجُوبُهُ بِإِيَاسِهِ فِي امْتِثَالِهِ لَا بِظَنِّهِ أَنَّ أَمْرَهُ لَا يُفِيدُ (وَنَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ) كَذَا قَالَ: الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي جُنْدٍ قَاتَلُوا عَرَبًا نَهَبُوا أَمْوَالَ تُجَّارٍ لِيَرُدُّوهُ لِمَالِكِيهِ: هُمْ مُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُمْ نَاهُونَ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِيمَنْ قَتَلُوهُ مِنْ الْعَرَبِ بِقَوَدٍ وَلَا دِيَةٍ وَلَا كَفَّارَةٍ حَيْثُ لَمْ يَنْدَفِعُوا إلَّا بِذَلِكَ كَالصَّائِلِ، فَإِنْ قَاتَلُوهُمْ لِيَأْخُذُوا لِأَنْفُسِهِمْ فَهُمَا ظَالِمَتَانِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْبَابِ بَعْدَهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَمَنْ عَضَّ يَدَ شَخْصٍ وَحَرُمَ) أَيْ فِي الْحَالِ أَنَّهُ عَضٌّ مُحَرَّمٌ لِكَوْنِهِ مُعْتَدِيًا؛ لِأَنَّ الْعَضَّ لَا يُبَاحُ إلَّا أَنْ لَا يَقْدِرَ الْعَاضُّ عَلَى التَّخَلُّصِ إلَّا بِهِ (فَانْتَزَعَهَا) مِنْ فَمِهِ (وَلَوْ) كَانَ نَزْعُهُ (بِعُنْفٍ) ؛ أَيْ: بِشِدَّةٍ (فَسَقَطَتْ ثَنَايَاهُ)[؛ أَيْ: ثَنَايَا] الْعَاضِّ (فَهَدَرٌ) ؛ أَيْ: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ثَنَايَا الْعَاضِّ؛ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: «أَنَّ رَجُلًا عَضَّ رَجُلًا، فَنَزَعَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ، فَسَقَطَتْ ثَنَايَاهُ، فَاخْتَصَمُوا إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَعَضُّ أَحَدُكُمْ يَدَ أَخِيهِ كَمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ، لَا دِيَةَ لَك» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد.
لِأَنَّهُ عُضْوٌ تَلِفَ ضَرُورَةَ دَفْعِ شَرِّ صَاحِبِهِ فَلَمْ يَضْمَنْ، كَمَا لَوْ صَالَ عَلَيْهِ فَلَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعُهُ إلَّا بِقَطْعِ يَدِهِ (وَكَذَا مَا فِي مَعْنَاهُ) نَحْوُ أَنْ حَبَسَهُ فِي بَيْتِهِ،
أَوْ رَبَطَهُ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ، فَخَلَّصَ نَفْسَهُ، فَتَلِفَ بِتَخْلِيصِهِ شَيْءٌ؛ لَمْ يَضْمَنْ (فَإِنْ عَجَزَ) الْمَعْضُوضُ عَنْ التَّخَلُّصِ (دَفَعَهُ) ؛ أَيْ: الْعَاضَّ (كَصَائِلٍ) بِأَسْهَلِ مَا يُظَنُّ انْدِفَاعُهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْعَضُّ مُبَاحًا مِثْلَ أَنْ يُمْسِكَهُ بِمَوْضِعٍ يَتَضَرَّرُ بِإِمْسَاكِهِ كَخُصْيَتَيْهِ، أَوْ يَعَضُّ بِيَدِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْهُ إلَّا بِعَضِّهِ، فَعَضَّهُ فَمَا سَقَطَ مِنْ أَسْنَانِهِ، ضَمِنَ الْمَعْضُوضُ.
(وَمَنْ نَظَرَ وَيَتَّجِهُ) كَوْنُ النَّاظِرِ (مُكَلَّفًا) إذْ غَيْرُ الْمُكَلَّفِ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْحُدُودِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (فِي بَيْتِ غَيْرِهِ مِنْ خُرُوقِ بَابٍ مُغْلَقٍ وَنَحْوِهِ) كَفُرُوجٍ بِحَائِطٍ أَوْ بَيْتِ شَعْرٍ وَكُوَّةٍ وَنَحْوِهَا (وَلَوْ لَمْ يَعْمِدْ) النَّاظِرُ الِاطِّلَاعَ (لَكِنْ ظَنَّهُ) ؛ أَيْ: رَبُّ الْبَيْتِ (مُتَعَمِّدًا) وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الدَّارِ نِسَاءٌ أَوْ لَا، أَوْ كَانَ مَحْرَمًا، أَوْ نَظَرَ مِنْ الطَّرِيقِ، أَوْ مِلْكِهِ أَوْ لَا (فَحَذَفَ) ؛ أَيْ: رَمَى (عَيْنَهُ) بِحَصَاةٍ (أَوْ طَعَنَهُ بِعُودٍ فَتَلِفَتْ) عَيْنُهُ أَوْ حَاجِبُهُ (فَهَدَرٌ) لَا شَيْءَ فِيهِ، لَا إنْ رَمَى بِحَجَرٍ كَبِيرٍ، أَوْ رَشَقَهُ بِسَهْمٍ، أَوْ طَعَنَهُ بِحَدِيدَةٍ (وَلَا يَتْبَعُهُ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا:«مَنْ اطَّلَعَ فِي بَيْتٍ فَفَقَئُوا عَيْنَهُ؛ فَلَا دِيَةَ وَلَا قِصَاصَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ. وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ؛ فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا عَيْنَهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
وَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الصَّائِلِ؛ لِأَنَّ الْمَسَاكِنَ حِمَى سَاكِنِهَا، وَالْقَصْدَ مِنْهَا سَتْرُ عَوْرَاتِهِمْ عَنْ النَّاسِ، وَالْعَيْنُ آلَةُ النَّظَرِ (بِخِلَافِ مُتَسَمِّعٍ) أَعْمَى أَوْ بَصِيرٍ (وَضَعَ أُذُنَهُ) فِي خَصَاصِ الْبَابِ الْمُغْلَقِ فَلَيْسَ لَهُ قَصْدُ أُذُنِهِ بِطَعْنٍ وَنَحْوِهِ (قَبْلَ إنْذَارِهِ) اقْتِصَارًا عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ، وَلِأَنَّ النَّظَرَ أَبْلُغُ مِنْ السَّمْعِ، فَإِنْ أُنْذِرَ فَأَبَى فَلَهُ طَعْنُهُ كَدَفْعِ الصَّائِلِ