الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَإِنْ أَتَتْ) زَوْجَةُ شَخْصٍ (بِوَلَدٍ يُخَالِفُ لَوْنُهُ لَوْنَهُمَا) كَأَسْوَدَ. وَالزَّوْجَانِ أَبْيَضَانِ (لَمْ يُبَحْ) لِزَوْجِهَا (نَفْيُهُ بِذَلِكَ) أَيْ: بِمُخَالِفَةِ لَوْنِهِ لَوْنَهُمَا؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةِ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إنَّ امْرَأَتِي جَاءَتْ بِوَلَدٍ أَسْوَدَ يُعَرِّضُ بِنَفْيِهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «هَلْ لَكَ مِنْ إبِلٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَمَا أَلْوَانُهَا؟ قَالَ: حُمْرٌ. قَالَ: هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟ قَالَ: إنَّ فِيهَا لَوُرْقًا. قَالَ: فَأَنَّى أَتَاهَا ذَلِكَ؟ قَالَ: عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ، قَالَ: فَهَذَا عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ» .
قَالَ: وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الِانْتِفَاءِ مِنْهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ مِنْ آدَمَ وَحَوَّاءَ وَأَلْوَانُهُمْ وَخَلْقُهُمْ مُخْتَلِفٍ، فَلَوْلَا مُخَالَفَتُهُمْ صِفَةَ أَبَوَيْهِمْ لَكَانُوا عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ (بِلَا قَرِينَةٍ) فَإِنْ؛ كَانَتْ بِأَنْ رَأَى عِنْدَهَا رَجُلًا يُشْبِهُ مَا وَلَدَتْهُ؛ فَلَهُ نَفْيُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعَ الشُّبْهَةِ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِهِ.
[فَصْلٌ لِلْقَذْفِ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ]
فَصْلٌ وَلِلْقَذْفِ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ (وَصَرِيحُهُ يَا مَنْيُوكَةَ إنْ لَمْ يُفَسِّرْهُ) قَاذِفٌ (بِفِعْلِ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ) فَإِنْ فَسَّرَهُ بِذَلِكَ فَلَيْسَ قَذْفًا (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ ذَلِكَ بِفِعْلِ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ (وَلَوْ تَرَاخَى) وَهُوَ مُتَّجِهٌ (يَا مَنْيُوكَةَ يَا زَانِي يَا عَاهِرُ، أَوْ قَدْ زَنَيْتِ أَوْ زَنَى فَرْجُكِ وَنَحْوُهُ) كَ رَأَيْتُكِ تَزْنِي، وَأَصْلُ الْعِهْرِ إتْيَانُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ لَيْلًا لِلْفُجُورِ بِهَا، ثُمَّ غَلَبَ عَلَى الزِّنَا، سَوَاءٌ جَاءَهَا أَوْ جَاءَتْهُ؛ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، (أَوْ) قَالَ لَهُ (يَا مَفْعُوجٍ) بِالْفَاءِ وَالْجِيمِ نَصًّا، لِاسْتِعْمَالِ النَّاسِ لَهُ بِمَعْنَى
الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ، وَأَصْلُهُ الضَّرْبُ (أَوْ) قَالَ لَهُ (يَا لُوطِيُّ) لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ مَنْ يَأْتِي الذُّكُورَ؛ لِأَنَّهُ عَمَلُ قَوْمِ لُوطٍ (فَإِنْ قَالَ أَرَدْتُ) بِقَوْلِي: يَا زَانِي وَنَحْوُهُ (زَانِي الْعَيْنِ) وَنَحْوَهُ، (أَوْ) أَرَدْتُ بِقَوْلِي يَا عَاهِرُ (عَاهِرَ الْيَدِ)(أَوْ) قَالَ أَرَدْتُ بِقَوْلِي يَا لُوطِيُّ (أَنَّكَ مِنْ قَوْمِ لُوطٍ، أَوْ إنَّكَ تَعْمَلُ عَمَلَهُمْ مِنْ غَيْرِ إتْيَانِ الذُّكُورِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ) ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ (وَحُدَّ) لِإِتْيَانِهِ بِصَرِيحِ الْقَذْفِ.
(وَ) قَوْلُ الْمُكَلَّفِ لِشَخْصٍ (لَسْت لِأَبِيك أَوْ) لَسْت (بِوَلَدِ فُلَانٍ) الَّذِي يُنْسَبُ إلَيْهِ (قَذْفٌ لِأُمِّهِ) ؛ أَيْ: الْمَقُولِ لَهُ لِإِثْبَاتِهِ الزِّنَا لِأُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ لِأَبِيهِ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِذَا نَفَاهُ عَنْ أَبِيهِ فَقَدْ أَثْبَتَ لِغَيْرِهِ، وَالْغَيْرُ لَا يُمْكِنُ إحْبَالُهُ لَهَا فِي زَوْجِيَّةِ أَبِيهِ إلَّا بِزِنًا، فَكَانَ قَذْفًا، وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَنْظُرُوا لِاحْتِمَالِ الشُّبْهَةِ؛ لِبُعْدِهِ، وَمَحِلُّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَسْأَلْ عَمَّا أَرَادَ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ.
قَوْلُهُ (وَيَتَّجِهُ الْأَصَحُّ) أَنَّ قَوْلَهُ لَسْتَ لِأَبِيكَ، أَوْ لَسْتَ بِوَلَدِ فُلَانٍ (لَا) يَكُونُ ذَلِكَ قَذْفًا لِأُمِّهِ؛ لِاحْتِمَالِ إرَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يُشْبِهُ أَبَاهُ فِي كَرَمِهِ وَأَخْلَاقِهِ، أَوْ أَنَّهُ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ إكْرَاهٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ، يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ (إلَّا) أَنْ يَكُونَ الْمَقُولُ لَهُ ذَلِكَ (مَنْفِيًّا بِلِعَانٍ لَمْ يَسْتَلْحِقْهُ مُلَاعِنٌ) بَعْدَ نَفْيِهِ، فَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ فَهُوَ قَذْفٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَلْحِقْهُ مُلَاعِنٌ (وَلَمْ يُفَسِّرْ) قَائِلُ ذَلِكَ (بِزِنَا أُمِّهِ) فَلَا يَكُونُ قَذْفًا لَهَا وَلَا حَدَّ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَفَى الْوَلَدَ الْمَنْفِيَّ بِاللِّعَانِ عَنْ أَبِيهِ، إلَّا أَنْ يُفَسِّرَهُ بِأَنَّ أُمَّهُ زَنَتْ (وَكَذَا إنْ نَفَاهُ عَنْ قَبِيلَتِهِ) بِأَنْ قَالَ: لَسْت مِنْ قَبِيلَةِ كَذَا، فَإِنَّهُ يَكُونُ قَذْفًا لِأُمِّهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَنْفِيًّا بِلِعَانٍ لَمْ يَسْتَلْحِقْهُ أَبُوهُ، وَلَمْ يُفَسِّرْهُ بِزِنَا أُمِّهِ.
لِحَدِيثِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ مَرْفُوعًا «لَا أُوتَى بِرَجُلٍ يَقُولُ إنَّ كِنَانَةَ لَيْسَتْ مِنْ قُرَيْشٍ إلَّا جَلَدْتُهُ» وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: " لَا
أَجْلِدُ إلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٍ قَذَفَ مُحْصَنَةً أَوْ نَفَى رَجُلًا عَنْ أَبِيهِ " (وَ) قَوْلُهُ لِآخَر (مَا أَنْتَ ابْنُ فُلَانَةَ لَيْسَ بِقَذْفٍ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ أَرَادَ قَذْفَهُ بِهِ أَوْ لَا إذْ الْوَلَدُ مِنْ أُمِّهِ بِكُلِّ حَالٍ، (وَ) قَوْلُهُ لِوَلَدِهِ:(لَسْت بِوَلَدِي كِنَايَةٌ فِي قَذْفِ [أُمِّهِ] ) نَصًّا، لِأَنَّ الْوَالِدَ إذَا أَنْكَرَ شَيْئًا مِنْ أَحْوَالِ وَلَدِهِ يَقُولُ لَهُ ذَلِكَ كَثِيرًا، يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُشْبِهُهُ؛ لَا أَنَّهُ لَيْسَ مَخْلُوقًا مِنْ مَائِهِ؛ فَلَا يَكُونُ قَذْفًا لِأُمِّهِ مَعَ الِاحْتِمَالِ إلَّا مَعَ إرَادَتِهِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ.
(وَ) قَوْلُ إنْسَانٍ لِغَيْرِهِ: (أَنْتِ أَزَنَى النَّاسِ أَوْ) : أَنْتِ أَزَنَى (مِنْ فُلَانَةَ) أَوْ فُلَانٍ صَرِيحٌ فِي الْمُخَاطَبِ بِذَلِكَ فَقَطْ؛ لِاسْتِعْمَالِ أَفْعَلَ فِي الْمُنْفَرِدِ بِالْفِعْلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: " {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي} [يونس: 35] وَقَوْلِهِ: {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ} [الأنعام: 81] .
(وَ) قَوْلِهِمْ: الْعَسَلُ أَحْلَى مِنْ الْخَلِّ (أَوْ قَالَ لَهُ) ؛ أَيْ: الرَّجُلِ (يَا زَانِيَةُ أَوْ قَالَ)[ (لَهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ (يَا زَانِي) ](صَرِيحٌ فِي الْمُخَاطَبِ بِذَلِكَ) لِأَنَّ مَا كَانَ قَذْفًا لِأَحَدِ الصِّنْفَيْنِ كَانَ قَذْفًا لِلْمُخَاطَبِ، وَقَدْ يَكُونُ التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ بِمُلَاحَظَةِ الذَّاتِ وَالشَّخْصِ وَ (كَفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا لَهُمَا) ؛ أَيْ: الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى (فِي زَنَيْتِ) لِأَنَّهُ خِطَابٌ لَهُمَا، وَإِشَارَةٌ إلَيْهِمَا بِلَفْظِ الزِّنَا كَقَوْلِهِ لِامْرَأَةٍ: يَا شَخْصًا زَانِيًا، وَلِرَجُلٍ: يَا نَسَمَةٌ زَانِيَةٌ (وَلَيْسَ) الْقَائِلُ أَنْتِ أَزَنَى مِنْ فُلَانَةَ (بِقَاذِفٍ لِفُلَانَةَ) ، وَلِمَا تَقَدَّمَ، لِقَوْمِ لُوطٍ عليه الصلاة والسلام {هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} [هود: 78] ، أَيْ: مِنْ أَدْبَارِ الذُّكُورِ، وَلَا طَهَارَةَ فِيهَا.
(وَمَنْ قَالَ عَنْ اثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا زَانٍ، فَقَالَ لَهُ أَحَدُهُمَا أَنَا، فَقَالَ لَا فَهُوَ قَذْفٌ لِلْآخَرِ) لِتَعَيُّنِهِ بِنَفْيِهِ عَنْ الْآخَرِ، (وَ) قَوْلِهِ لِآخَرَ (زَنَأَتْ مَهْمُوزًا صَرِيحٌ) فِي قَذْفِهِ (وَلَوْ زَادَ فِي الْحِيَلِ أَوْ عَرَفَ الْعَرَبِيَّةَ) لِأَنَّ عَامَّةَ النَّاسِ لَا يَفْهَمُونَ مِنْهُ إلَّا