الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَيَتَّجِهُ وَيُسْتَحَبُّ) كَسْبُ (مَا زَادَ عَلَى أَقَلِّ الْكِفَايَةِ لِيُوَاسِيَ) الْمُكْتَسِبُ (بِهِ)، أَيْ: الزَّائِدِ (فَقِيرًا، وَيَصِلَ بِهِ قَرِيبًا) طَلَبًا لِتَحْصِيلِ الثَّوَابِ (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ يَحْرُمُ) الْكَسْبُ (لِلتَّفَاخُرِ وَالتَّكَاثُرِ) لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعَاظُمِ الْمُفْضِي إلَى هَلَاكِ صَاحِبِهِ دُنْيَا وَأُخْرَى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ
[فَصْلٌ فِي حُكْم الصَّيْد المجروح]
فَصْلٌ (فَمَنْ أَدْرَكَ صَيْدًا مَجْرُوحًا مُتَحَرِّكًا فَوْقَ حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ، وَاتَّسَعَ الْوَقْتُ لِتَذْكِيَتِهِ، لَمْ يُبَحْ إلَّا بِهَا)، أَيْ: بِتَذْكِيَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ وَفِي حُكْمِ الْحَيِّ حَتَّى (وَلَوْ خَشِيَ مَوْتَهُ وَلَمْ يَجِدْ مَا يُذْكِيهِ بِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ مَعَ وُجُودِ آلَتِهَا، فَكَذَا مَعَ عَدَمِهَا كَسَائِرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ امْتَنَعَ) صَيْدٌ جُرِحَ (بِعَدْوِهِ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهِ حَتَّى مَاتَ تَعَبًا، فَهُوَ حَلَالٌ) بِشُرُوطِهِ الْآتِيَةِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَذْكِيَتِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَدْرَكَهُ مَيِّتًا، خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ. (وَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ) الْوَقْتُ (لَهَا)، أَيْ: التَّذْكِيَةِ (فَكَمَيِّتٍ يَحِلُّ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا كَوْنُ صَائِدٍ أَهْلًا لِذَكَاةٍ)، أَيْ: تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ، لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«فَإِنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاةٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالصَّائِدُ بِمَنْزِلَةِ الْمُذْكِي (وَلَوْ) كَانَ الصَّائِدُ (أَعْمَى) فَيَحِلُّ صَيْدُهُ كَذَكَاتِهِ (فَلَا يَحِلُّ صَيْدٌ) يَفْتَقِرُ إلَى ذَكَاةٍ، بِخِلَافِ سَمَكٍ وَجَرَادٍ (شَارَكَ فِي قَتْلِهِ مَنْ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ فِيمَا تُشْتَرَطُ ذَكَاتُهُ) مِنْ الطَّيْرِ وَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ (بِخِلَافِ سَمَكٍ كَمَجُوسِيٍّ) مُتَعَلِّقٌ بِلَا تَحِلُّ
(وَمُتَوَلِّدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كِتَابِيٍّ، وَلَوْ قَتَلَهُ بِجَارِحَةٍ حَتَّى وَلَوْ أَسْلَمَ) الْمَجُوسِيُّ وَنَحْوُهُ (بَعْدَ إرْسَالِهِ) ، أَيْ الْجَارِحِ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْإِرْسَالِ، وَلِأَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ فِي قَتْلِهِ سَبَبُ قَتْلٍ وَسَبَبُ تَحْرِيمٍ، فَغَلَبَ التَّحْرِيمُ (وَإِنْ لَمْ يُصِبْ مَقْتَلَهُ)، أَيْ: الصَّيْدِ (إلَّا أَحَدُهُمَا)، أَيْ: أَحَدُ جَارِحَيْ الْمُسْلِمِ وَنَحْوِ الْيَهُودِيِّ (عُمِلَ بِهِ،) فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَصَابَ مَقْتَلَهُ جَارِحُ مَنْ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ حَلَّ، وَبِالْعَكْسِ لَا يَحِلُّ.
(وَلَوْ أَثْخَنَهُ)، أَيْ: الصَّيْدَ (كَلْبُ مُسْلِمٍ، ثُمَّ قَتَلَهُ كَلْبُ الْمَجُوسِيِّ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ حَرُمَ) الصَّيْدُ وَضَمِنَهُ الْمَجُوسِيُّ (لَهُ) ، أَيْ لِلْمُسْلِمِ بِقِيمَتِهِ مَجْرُوحًا؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ أَرْسَلَ مُسْلِمٌ كَلْبَهُ) لِصَيْدٍ (فَزَجَرَهُ مَجُوسِيٌّ فَزَادَ عَدْوُهُ) بِزَجْرِ الْمَجُوسِيِّ لَهُ، فَقَتَلَ صَيْدًا حَلَّ؛ لِأَنَّ الصَّائِدَ هُوَ الْمُسْلِمُ (أَوْ رَدَّ عَلَيْهِ)، أَيْ: عَلَى كَلْبِ مُسْلِمٍ (كَلْبُ مَجُوسِيٍّ الصَّيْدَ فَقَتَلَهُ) كَلْبُ الْمُسْلِمِ حَلَّ لِانْفِرَادِ جَارِحِ الْمُسْلِمِ بِقَتْلِهِ كَمَا لَوْ أَمْسَكَ مَجُوسِيٌّ شَاةً فَذَبَحَهَا مُسْلِمٌ (أَوْ ذَبَحَ) مُسْلِمٌ (مَا)، أَيْ: صِيدًا (مَسَكَهُ لَهُ مَجُوسِيٌّ بِكَلْبِهِ، وَقَدْ جَرَحَهُ) كَلْبُ الْمَجُوسِيِّ جُرْحًا (غَيْرَ مُوحٍ وَيَتَّجِهُ بَلْ وَ) لَا بُدَّ مِنْ إدْرَاكِ الْمُسْلِمِ (فِيهِ حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً) ، فَإِنْ أَدْرَكَهُ كَذَلِكَ وَذَبَحَهُ - حَلَّ، لِحُصُولِ ذَكَاتِهِ الْمُعْتَبَرَةِ مِنْ الْمُسْلِمِ وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(أَوْ ارْتَدَّ) الْمُسْلِمُ بَيْنَ رَمْيِهِ وَإِصَابَتِهِ (أَوْ مَاتَ الْمُسْلِمُ بَيْنَ رَمْيِهِ وَإِصَابَتِهِ، حَلَّ) الصَّيْدُ اعْتِبَارًا بِحَالِ الرَّمْيِ.
تَنْبِيهٌ: وَإِنْ صَادَ الْمُسْلِمُ بِكَلْبِ الْمَجُوسِيِّ، حَلَّ وَلَمْ يُكْرَهْ. قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ.
(وَإِنْ رَمَى مُسْلِمٌ صَيْدًا فَأَثْبَتَهُ، ثُمَّ رَمَاهُ) ثَانِيًا، أَوْ رَمَاهُ (آخَرُ فَقَتَلَهُ، أَوْ أَوْحَاهُ) الثَّانِي (بَعْدَ إيحَاءِ الْأَوَّلِ، لَمْ يَحِلَّ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ بِإِثْبَاتِهِ فَلَا يُبَاحُ إلَّا بِذَبْحِهِ (وَلِمُثْبِتِهِ قِيمَتُهُ مَجْرُوحًا) عَلَى رَامِيهِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ عَلَيْهِ (حَتَّى وَلَوْ أَدْرَكَ الْأَوَّلُ ذَكَاتَهُ فَلَمْ يُذَكِّهِ إلَّا أَنْ يُصِيبَ الرَّامِي الْأَوَّلُ مَقْتَلَهُ)
كَحُلْقُومِهِ أَوْ مَنْحَرِهِ أَوْ قَلْبِهِ، وَجِرَاحَةُ الثَّانِي غَيْرُ مُوحِيَةٍ، فَيَحِلُّ لَنَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْتُولًا بِالرَّمْيَةِ الْأُولَى، فَلَا تُؤَثِّرُ الثَّانِيَةُ تَحْرِيمَهُ (أَوْ) يُصِيبُ الرَّامِي (الثَّانِي مَذْبَحَهُ فَيَحِلُّ) ؛ لِأَنَّهُ مُذَكًّى (وَعَلَى الثَّانِي أَرْشُ خَرْقِ جِلْدِهِ) لِتَنْقِيصِهِ لَهُ، وَإِنْ وَجَدَهُ مَيِّتًا حَلَّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ امْتِنَاعِهِ.
(فَلَوْ كَانَ الْمَرْمِيُّ قِنًّا) لِلْغَيْرِ (أَوْ شَاةً لِلْغَيْرِ)، أَيْ: غَيْرِ الرَّامِيَيْنِ (وَلَمْ يُوحِيَاهُ، وَسَرَيَا)، أَيْ: الْجُرْحَانِ (فَعَلَى الثَّانِي نِصْفُ قِيمَتِهِ)، أَيْ: الْمَرْمِيِّ (مَجْرُوحًا بِالْجُرْحِ الْأَوَّلِ) ؛ لِأَنَّهُ شَارَكَ فِي قَتْلِهِ بِغَيْرِ جُرْحِ الْأَوَّلِ لَهُ (وَيُكَمِّلُهَا)، أَيْ: قِيمَةَ الْمَرْمِيِّ حَالَ كَوْنِهِ (سَلِيمًا الْأَوَّلُ) لِمُشَارَكَتِهِ فِي قَتْلِهِ، وَلَا جِرَاحَةَ بِهِ حَالَ جِنَايَتِهِ.
(وَصَيْدُ قَتْلٍ بِإِصَابَتِهِمَا)، أَيْ: إصَابَةِ اثْنَيْنِ يَحِلُّ ذَبْحُهَا (مَعًا) أَيْ فِي آنٍ وَاحِدٍ (حَلَالٌ بَيْنَهُمَا) نِصْفَيْنِ، لِاسْتِوَائِهِمَا فِي إصَابَتِهِ (كَذَبْحِهِ مُشْتَرِكَيْنِ) يَعْنِي كَمَا لَوْ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي ذَبْحِ حَيَوَانٍ بِأَنْ تَحَرَّكَتْ أَيْدِيهِمَا فِي آنٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُ يَكُونُ حَلَالًا؛ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ فِي حِلِّهِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا.
(وَكَذَا لَوْ أَصَابَهُ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ، وَوَجَدَاهُ مَيِّتًا، وَجُهِلَ قَاتِلُهُ) مِنْهُمَا، فَهُوَ حَلَالٌ بَيْنَهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ امْتِنَاعِهِ بَعْدَ إصَابَةِ الْأَوَّلِ، وَتَخْصِيصُ أَحَدِهِمَا تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ (فَإِنْ قَالَ الرَّامِي الْأَوَّلُ: أَنَا أَثْبَتُّهُ ثُمَّ قَتَلْته أَنْتِ فَتَضْمَنُهُ، فَقَالَ الْآخَرُ مِثْلَهُ لَمْ يَحِلَّ) لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى تَحْرِيمِهِ (وَيَتَحَالَفَانِ)، أَيْ يَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى نَفْيِ مَا ادَّعَاهُ الْآخَرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ (وَلَا ضَمَانَ) عَلَى أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ (وَإِنْ قَالَ الثَّانِي: أَنَا قَتَلْتُهُ، وَلَمْ تُثَبِّتْهُ أَنْتَ) فَيَحِلُّ لِي، وَلَا ضَمَانَ عَلَيَّ (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَهُوَ)، أَيْ: الصَّيْدُ (لَهُ) وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ امْتِنَاعِهِ، وَيَحْرُمُ عَلَى مُدَّعٍ إثْبَاتُهُ، لِاعْتِرَافِهِ بِالتَّحْرِيمِ.
الشَّرْطُ (الثَّانِي) - لِحِلِّ صَيْدٍ وُجِدَ مَيِّتًا أَوْ فِي حُكْمِهِ (الْآلَةُ وَهِيَ نَوْعَانِ) : أَحَدُهُمَا (مُحَدَّدٌ فَهُوَ كَآلَةِ ذَبْحٍ) فِيمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ (وَشُرِطَ جَرْحُهُ)، أَيْ:
الصَّيْدِ (بِهِ)، أَيْ: الْمُحَدَّدِ، لِحَدِيثِ:«وَمَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ» وَحَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ مَرْفُوعًا: «إذَا رَمَيْتَ فَسَمَّيْتَ فَخَرَقْتَ فَكُلْ وَإِنْ لَمْ تَخْرِقْ فَلَا تَأْكُلْ مِنْ الْمِعْرَاضِ إلَّا مَا ذَكَّيْت وَلَا تَأْكُلْ مِنْ الْبُنْدُقِ إلَّا مَا ذَكَّيْتَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ
(فَإِنْ قَتَلَهُ)، أَيْ: الصَّيْدَ (بِثِقَلِهِ كَشَبَكَةٍ وَفَخٍّ وَعَصًا وَبُنْدُقَةٍ وَرَصَاصٍ وَلَوْ مَعَ شَدْخٍ أَوْ قَطْعِ حُلْقُومٍ وَمَرِيءٍ أَوْ بِعَرْضِ مِعْرَاضٍ وَهُوَ خَشَبَةٌ مُحَدَّدَةُ الطَّرَفِ) وَرُبَّمَا جَعَلَ فِي رَأْسِهِ حَدِيدَةً، لَكِنَّهُ يُصِيبُ غَالِبًا بِوَسَطِهِ دُونَ حَدِّهِ (وَلَمْ يَجْرَحْهُ، لَمْ يُبَحْ) أَكْلُهُ، لِحَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ:«قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَرْمِي بِالْمِعْرَاضِ الصَّيْدَ فَأُصِيبُ، فَقَالَ إذَا رَمَيْتَ بِالْمِعْرَاضِ فَخَرَقَ فَكُلْهُ، وَإِنْ أَصَابَهُ بِعَرْضٍ فَلَا تَأْكُلْهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَمَنْ نَصَبَ مِنْجَلًا أَوْ سِكِّينًا أَوْ سَيْفًا مُسَمِّيًا حَلَّ مَا قَتَلَهُ) ذَلِكَ (بِجُرْحٍ وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِ نَاصِبٍ أَوْ رِدَّتِهِ) اعْتِبَارًا بِوَقْتِ النَّصْبِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِلَّا يَقْتُلْهُ ذَلِكَ بِجُرْحِهِ، أَوْ لَمْ يُسَمِّ عِنْدَ النَّصْبِ، فَلَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ وَقِيذٌ (وَالْحَجَرُ إنْ كَانَ لَهُ حَدٌّ فَكَمِعْرَاضٍ) يَحِلُّ مَا قَتَلَهُ بِحَدِّهِ لَا بِعَرْضِهِ (وَإِلَّا) يَكُنْ لَهُ حَدٌّ (فَكَبُنْدُقَةٍ) لَا يَحِلُّ مَا قَتَلَهُ بِثِقَلِهِ (وَلَوْ خَزَقَ) ؛ لِأَنَّهُ وَقِيذٌ.
(وَلَا يُبَاحُ مَا قَتَلَ بِمُحَدَّدٍ فِيهِ سُمٌّ مَعَ احْتِمَالِ إعَانَتِهِ) أَيْ: السُّمِّ (عَلَى قَتْلِهِ) ، أَيْ الصَّيْدِ تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ.
(وَمَا رَمَى مِنْ صَيْدٍ فَوَقَعَ فِي مَاءٍ وَلَمْ يَكُنْ طَيْرَ مَاءٍ أَوْ تَرَدَّى مِنْ عُلُوٍّ، أَوْ وَطِئَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَكُلُّ مِنْ ذَلِكَ)، أَيْ: الْوُقُوعِ مِنْ عُلُوٍّ وَالتَّرَدِّي فِي مَاءٍ وَوَطْءِ شَيْءٍ عَلَيْهِ (يَقْتُلُهُ مِثْلُهُ لَمْ يَحِلَّ) لِحَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إذَا رَمَيْتَ سَهْمَكَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، فَإِنْ وَجَدْتَهُ قَدْ قُتِلَ فَكُلْ إلَّا أَنْ تَجِدَهُ وَقَعَ فِي مَاءٍ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي: الْمَاءُ قَتَلَهُ أَوْ سَهْمُكَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَالتَّرَدِّي وَالْوَطْءُ عَلَيْهِ كَالْمَاءِ فِي ذَلِكَ وَتَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَقْتُلُهُ مِثْلَ ذَلِكَ بِأَنْ كَانَ رَأْسُ الْحَيَوَانِ خَارِجَ الْمَاءِ، أَوْ
كَانَ مِنْ طَيْرِهِ حَلَّ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمَاءَ لَمْ يَقْتُلْهُ (وَلَوْ) كَانَ (مَعَ إيحَاءِ جُرْحٍ) لِعُمُومِ الْخَبَرِ وَقِيَامِ الِاحْتِمَالِ.
(وَإِنْ رَمَاهُ)، أَيْ: الصَّيْدَ (بِالْهَوَاءِ أَوْ عَلَى شَجَرَةٍ أَوْ عَلَى حَائِطٍ، فَسَقَطَ، فَمَاتَ، حَلَّ؛ لِأَنَّ سُقُوطَهُ بِالْإِصَابَةِ) وَوُقُوعَهُ بِالْأَرْضِ لَا بُدَّ مِنْهُ، فَلَوْ حُرِّمَ بِهِ أَدَّى إلَى أَنْ لَا يَحِلَّ طَيْرٌ أَبَدًا (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ قَوِيِّ التَّحْرِيمُ لَوْ رَمَاهُ فِي الْهَوَاءِ فَسَقَطَ عَلَى حَائِطٍ ثُمَّ) بَعْدَ ذَلِكَ (وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ فَمَاتَ) لِاحْتِمَالِ حُصُولِ الْمَوْتِ بِسَبَبِهِ، أَيْ سَبَبِ وُقُوعِهِ عَلَى الْأَرْضِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(أَوْ) رَمَى صَيْدًا، فَعَقَرَهُ، ثُمَّ (غَابَ مَا عَقَرَ، أَوْ غَابَ مَا أُصِيبَ) بِرَمْيِهِ (يَقِينًا، وَلَوْ) كَانَ ذَلِكَ (لَيْلًا، ثُمَّ وَجَدَ) الصَّيْدَ (وَلَوْ بَعْدَ يَوْمِهِ) الَّذِي رَمَاهُ فِيهِ (مَيِّتًا، حَلَّ) لِحَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَرْضُنَا أَرْضُ صَيْدٍ فَيَرْمِي أَحَدُنَا الصَّيْدَ فَيَغِيبُ عَنْهُ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ، فَيَجِدُ فِيهِ سَهْمَهُ؟ فَقَالَ: إذَا وَجَدْتَ سَهْمَكَ وَلَمْ تَجِدْ فِيهِ أَثَرَ غَيْرِهِ، وَعَلِمْتَ أَنَّ سَهْمَكَ قَتَلَهُ فَكُلْهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.
وَفِي لَفْظٍ قَالَ: «عَلِمْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَرْمِي الصَّيْدَ فَأَجِدُ فِيهِ سَهْمِي مِنْ الْغَدِ، فَقَالَ إذَا عَلِمْتَ أَنَّ سَهْمَكَ قَتَلَهُ، وَلَمْ تَجِدْ أَثَرَ سَبْعٍ فَكُلْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ (كَمَا لَوْ وَجَدَهُ) ، أَيْ الصَّيْدَ (بِفَمِ جَارِحِهِ، أَوْ وَجَدَهُ هُوَ يَعْبَثُ بِهِ أَوْ فِيهِ سَهْمُهُ) فَيَحِلُّ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ كَذَلِكَ بِلَا أَثَرٍ لِغَيْرِهِ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ حُصُولُ مَوْتِهِ بِجَارِحِهِ أَوْ بِسَهْمِهِ، أَوْ وَجَدَ فِيهِ أَثَرًا لَا يَقْتُلُ مِثْلُهُ، مِثْلُ أَكْلِ حَيَوَانٍ ضَعِيفٍ كَنُسُورٍ وَثَعْلَبٍ مِنْ حَيَوَانٍ قَوِيٍّ، (أَوْ) فِيهِ (تَهَشُّمٌ) مِنْ وَقْعَتِهِ، فَيَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَمْ يَقْتُلْهُ.
(وَلَا يَحِلُّ مَا) ، أَيْ صَيْدٌ (وُجِدَ بِهِ أَثَرٌ آخَرَ) لِغَيْرِ جَارِحِهِ أَوْ سَهْمِهِ (يُحْتَمَلُ إعَانَتِهِ فِي قَتْلِهِ) كَأَكْلِ سَبْعٍ لِحَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ.
(وَمَا غَابَ) مِنْ صَيْدٍ (قَبْلَ عَقْرِهِ، ثُمَّ وَجَدَهُ وَفِيهِ سَهْمُهُ أَوْ عَلَيْهِ جَارِحُهُ حَلَّ) كَمَا لَوْ غَابَ بَعْدَ عَقْرِهِ (فَلَوْ وَجَدَ مَعَ جَارِحِهِ) جَارِحًا (آخَرَ وَجَهِلَ هَلْ سُمِّيَ عَلَيْهِ) أَوْ لَا لَمْ يَحِلَّ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ فَكُلْ. قُلْتُ أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ، قَالَ: لَا تَأْكُلْ فَإِنَّكَ إنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى الْآخَرِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(أَوْ) وَجَدَ مَعَ جَارِحِهِ آخَرَ وَجَهِلَ هَلْ (اسْتَرْسَلَ) الْجَارِحُ الْآخَرُ (بِنَفْسِهِ أَوْ لَا) لَمْ يُبَحْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الصَّيْدِ الْحَظْرُ، وَلَمْ يُعْلَمْ الْمُبِيحُ، وَإِرْسَالُ الْآلَةِ جُعِلَ بِمَنْزِلَةِ الذَّبْحِ، وَلِذَلِكَ اُعْتُبِرَتْ التَّسْمِيَةُ عَنْهُ إرْسَالُهَا (أَوْ جَهِلَ حَالَ مُرْسَلِهِ)، أَيْ: الْجَارِحِ الَّذِي وَجَدَهُ مَعَ جَارِحِهِ (هَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الصَّيْدِ أَوْ لَا؟ وَلَمْ يَعْلَمْ أَيُّ الْجَارِحَيْنِ قَتَلَهُ)، أَيْ: الصَّيْدَ، لَمْ يُبَحْ (أَوْ عَلِمَ أَنَّهُمَا قَتَلَاهُ مَعًا، أَوْ عَلِمَ أَنَّ مَنْ جَهِلَ هُوَ الْقَاتِلُ، لَمْ يُبَحْ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «وَإِنْ وَجَدْتَ مَعَهُ غَيْرَهُ فَلَا تَأْكُلْ» وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْحَظْرُ، وَقَدْ شَكَّ فِي الْمُبِيحِ.
(وَإِنْ عَلِمَ كَوْنَهُ، أَيْ: مُرْسِلِ الْجَارِحِ مِنْ أَهْلِ الصَّيْدِ) وَكَانَ (مُسَمِّيًا) عِنْدَ إرْسَالِهِ (حَلَّ، ثُمَّ إنْ كَانَ)، أَيْ: الْجَارِحَانِ (قَتَلَاهُ مَعًا) أَيْ: فِي آنٍ وَاحِدٍ (فَ) الصَّيْدُ (بَيْنَ صَاحِبَيْهِمَا)، أَيْ: الْجَارِحَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِهِمَا (وَإِنْ وَجَدَ أَحَدُهُمَا مُتَعَلِّقًا بِهِ فَ) هُوَ (لِصَاحِبِهِ) أَيْ: الْجَارِحِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ الَّذِي قَتَلَهُ (وَيَحْلِفُ مَنْ حُكِمَ لَهُ بِهِ)، أَيْ: الصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِدَعْوَى الْآخَرِ.
وَإِنْ قَتَلَ الصَّيْدَ أَحَدُ الْجَارِحَيْنِ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْجَارِحِ الْقَاتِلِ لَهُ، لِإِثْبَاتِهِ لَهُ، وَإِنْ جُهِلَ الْحَالُ فَلَمْ يُعْلَمْ هَلْ قَتَلَهُ الْجَارِحَانِ مَعًا أَوْ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ أَوْ عُلِمَ أَنْ أَحَدَهُمَا قَتَلَهُ وَحْدَهُ وَجُهِلَتْ عَيْنُهُ، فَإِنْ وُجِدَا مُتَعَلَّقَيْنِ بِالصَّيْدِ، فَبَيْنَ صَاحِبَيْ الْجَارِحَيْنِ نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ جَارِحَيْهِمَا قَتَلَاهُ (وَإِنْ وُجِدَا)، أَيْ: الْجَارِحَانِ (نَاحِيَةً) مِنْ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ (وَقَفَ الْأَمْرُ حَتَّى يَصْطَلِحَا) ؛ لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى
الْآخَرِ (فَإِنْ خِيفَ فَسَادُهُ)، أَيْ: الصَّيْدِ لِتَأَخُّرِ صُلْحِهِمَا (بِيعَ)، أَيْ: بَاعَهُ الْحَاكِمُ (وَاصْطَلَحَا عَلَى ثَمَنِهِ) لِتَعَذُّرِ الْقَضَاءِ بِهِ لِأَحَدِهِمَا.
(وَيَحْرُمُ عُضْوٌ أَبَانَهُ صَائِدٌ) مِنْ صَيْدٍ (بِمُحَدِّدٍ مِمَّا بِهِ)، أَيْ: الْمُبَانِ مِنْهُ (حَيَاةٌ مُعْتَبَرَةٌ) لِحَدِيثِ «مَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ كَمَيْتَةٍ» (لَا إنْ مَاتَ) الصَّيْدُ الْمُبَانُ مِنْهُ (فِي الْحَالِ) فَيَحِلُّ كَمَا لَوْ لَمْ تَبْقَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ قَالَ أَحْمَدُ إنَّمَا حَدِيثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَا قَطَعْتَ مِنْ الْحَيِّ مَيْتَةٌ» إذَا قُطِعَتْ وَهِيَ حَيَّةٌ تَمْشِي وَتَذْهَبُ، أَمَّا إذَا كَانَتْ الْبَيْنُونَةُ وَالْمَوْتُ جَمِيعًا أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ إذَا كَانَ فِي عِلَاجِ الْمَوْتِ فَلَا بَأْسَ بِهِ أَلَا تَرَى الَّذِي يُذْبَحُ رُبَّمَا يَمْكُثُ سَاعَةً وَرُبَّمَا مَشَى حَتَّى يَمُوتَ؟ وَكَذَا لَوْ قَدَّهُ الصَّائِدُ نِصْفَيْنِ (أَوْ كَانَ) الْمُبَانُ (مِنْ حُوتٍ وَنَحْوِهِ) مِمَّا تَحِلُّ مَيْتَتُهُ؛ لِأَنَّ قُصَارَاهُ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً، وَمَيْتَةُ السَّمَكِ مُبَاحَةٌ (وَإِنْ بَقِيَ) الْمَقْطُوعُ مِنْ غَيْرِ الْحُوتِ وَنَحْوِهِ (مُعَلَّقًا بِجِلْدِهِ حَلَّ بِحِلِّهِ) وَلِأَنَّهُ لَمْ يُبِنْ.
(وَتَحِلُّ طَرِيدَةٌ وَهِيَ الصَّيْدُ بَيْنَ قَوْمٍ) لَا يَقْدِرُونَ عَلَى ذَكَاتِهِ (فَيَأْخُذُونَهُ قَطْعًا) قَالَ الْحَسَنُ: لَا بَأْسَ بِالطَّرِيدَةِ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي مَغَازِيهِمْ وَمَا زَالَ النَّاسُ يَفْعَلُونَهُ فِي مَغَازِيهِمْ. وَاسْتَحَبَّهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ (وَكَذَا النَّادُّ) مِنْ الْإِبِلِ وَنَحْوِهَا إذَا تَوَحَّشَتْ، وَلَمْ يُقْدَرْ عَلَى تَذْكِيَتِهَا.
(النَّوْعُ الثَّانِي) مِنْ آلَةِ الصَّيْدِ (جَارِحٌ فَيُبَاحُ مَا قَتَلَ) جَارِحٌ (مُعَلَّمٌ) مِمَّا يَصِيدُ بِنَابِهِ كَالْفُهُودِ وَالْكِلَابِ أَوْ بِمِخْلَبِهِ مِنْ الطَّيْرِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] الْآيَةَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ الْكِلَابُ الْمُعَلَّمَةُ وَكُلُّ طَيْرٍ تَعَلَّمَ الصَّيْدَ وَالْفُهُودُ وَالصُّقُورُ وَأَشْبَاهُهَا.
وَالْجَارِحُ لُغَةً الْكَاسِبُ قَالَ - تَعَالَى - {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} [الأنعام: 60]، أَيْ: كَسَبْتُمْ، وَيُقَالُ فُلَانٌ جَارِحَةُ أَهْلِهِ، أَيْ: كَاسِبُهُمْ، وَمُكَلِّبِينَ مِنْ التَّكْلِيبِ وَهُوَ الْإِغْرَاءُ (غَيْرُ كَلْبٍ أَسْوَدَ بَهِيمٍ وَهُوَ مَا لَا
بَيَاضَ فِيهِ نَصًّا، فَيَحْرُمُ صَيْدُهُ) ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «أَمَرَ بِقَتْلِهِ، وَقَالَ إنَّهُ شَيْطَانٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَيَحْرُمُ اقْتِنَاؤُهُ «لِأَمْرِهِ عليه الصلاة والسلام بِقَتْلِهِ» ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ اقْتِنَاؤُهُ لَمْ يَجُزْ تَعْلِيمُهُ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيمَ إنَّمَا يَكُونُ مَعَ جَوَازِ الْإِمْسَاكِ، فَيَكُونُ التَّعْلِيمُ حَرَامًا، وَالْحِلُّ لَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْمُحَرَّمِ، وَلِأَنَّهُ عَلَّلَ بِكَوْنِهِ شَيْطَانًا، وَمَا قَتَلَهُ الشَّيْطَانُ لَا يُبَاحُ أَكْلُهُ كَالْمُنْخَنِقَةِ. (وَاقْتِنَاؤُهُ وَتَعْلِيمُهُ وَيُبَاحُ قَتْلُهُ)، أَيْ: الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ، نَقَلَ مُوسَى بْنُ سَعِيدٍ لَا بَأْسَ بِهِ. وَكَذَا نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِي قَتْلِ الْخِنْزِيرِ لَا بَأْسَ وَيَحْرُمُ اقْتِنَاؤُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ.
(وَلَا يُسَنُّ) قَتْلُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ. (وَلَيْسَ بَهِيمًا مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ بَيَاضٌ) قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: الْأَسْوَدُ الْبَهِيمُ الَّذِي لَا بَيَاضَ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَهُوَ مَا لَا بَيَاضَ فِيهِ فِي الْأَشْهَرِ قَالَ الشَّارِحُ هُوَ الَّذِي لَا لَوْنَ فِيهِ سِوَى السَّوَادِ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ فِيهِمَا، أَيْ: فِي قَوْلِهِ عَنْ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ وَهُوَ مَا لَا بَيَاضَ فِيهِ أَوْ بَيْنَ عَيْنَيْهِ نُكْتَتَانِ وَفِي قَوْلِهِ: وَيُسَنُّ قَتْلُهُ مَعَ أَنَّهُ مُبَاحٌ لَا مَسْنُونٌ.
(وَيَجِبُ قَتْلُ كَلْبٍ عَقُورٍ) لِيُدْفَعَ شَرُّهُ عَنْ النَّاسِ (لَا إنْ عَقَرَتْ كَلْبَةٌ مَنْ قَرُبَ مِنْ وَلَدِهَا، أَوْ خَزَقَتْ ثَوْبَهُ) فَلَا يُبَاحُ قَتْلُهُ لَهَا لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَقْرَهَا لَيْسَ عَادَةً لَهَا.
(وَلَا يُبَاحُ قَتْلُ غَيْرِ أَسْوَدَ وَعَقُورٍ لِلنَّهْيِ) عَنْهُ. رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِ الْكِلَابِ، ثُمَّ نَهَى عَنْ قَتْلِهَا» الْحَدِيثَ.
(وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ لَا يُبَاحُ قَتْلُ شَيْءٍ مِنْ الْكِلَابِ سِوَى الْأَسْوَدِ وَالْعَقُورِ (إلَّا إنْ حَصَلَ بِهَا ضَرَرٌ أَوْ تَنَجُّسٌ كَكِلَابِ أَسْوَاقِ مِصْرَ) فَيُبَاحُ قَتْلُهَا إلْحَاقًا لَهَا بِبَاقِي
الْمُؤْذِيَاتِ عَلَى قَوْلٍ أَفْتَى بِهِ الْقَاضِي زَكَرِيَّا الْأَنْصَارِيُّ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ.
(ثُمَّ تَعْلِيمُ مَا يَصِيدُ بِنَابِهِ كَفَهْدٍ وَكَلْبٍ) بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: (أَنْ يَسْتَرْسِلَ إذَا أُرْسِلَ، وَيَنْزَجِرَ إذَا زُجِرَ، لَا فِي وَقْتِ رُؤْيَةِ الصَّيْدِ) قَالَهُ فِي الْمُغْنِي وَمَعْنَاهُ فِي الْوَجِيزِ وَإِذَا أَمْسَكَ صَيْدًا لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ، لِحَدِيثِ:«فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّ عَادَةَ الْمُعَلَّمِ أَنْ يَنْتَظِرَ صَاحِبَهُ إذَا أَطْعَمَهُ (وَلَا) يُعْتَبَرُ (تَكَرُّرُ ذَلِكَ)، أَيْ: تَرْكُ الْأَكْلِ (فَلَوْ أَكَلَ بَعْدُ)، أَيْ: بَعْدَ أَنْ صَادَ صَيْدًا، وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ (لَمْ يَخْرُجْ) بِذَلِكَ (عَنْ كَوْنِهِ مُعَلَّمًا) ؛ لِأَنَّ أَكْلَهُ إذَنْ قَدْ يَكُونُ لِجُوعٍ أَوْ تَوَحُّشٍ (وَلَمْ يَحْرُمْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ صَيْدِهِ) ؛ لِأَنَّهُ صَادَ حَالَ كَوْنِهِ مُعَلَّمًا، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْحِلُّ.
وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُحَرِّمُهُ (وَلَمْ يُبَحْ مَا)، أَيْ: صَيْدٌ (أُكِلَ مِنْهُ) لِلْخَبَرِ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] وَهَذَا إنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ إنْ صَادَ بَعْدَ ذَلِكَ حَلَّ مَا لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ مِمَّا أَكَلَ مِنْهُ لِعَدَمِ تَعَلُّمِهِ بَلْ لِجُوعٍ أَوْ تَوَحُّشٍ.
(وَلَوْ شَرِبَ الصَّائِدُ دَمَهُ)، أَيْ: الصَّيْدِ (لَمْ يَحْرُمْ) بِذَلِكَ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ (وَيَجِبُ غَسْلُ مَا أَصَابَهُ فَمُ كَلْبٍ) لِتَنَجُّسِهِ، كَمَا لَوْ أَصَابَ ثَوْبَهُ وَنَحْوَهُ (وَيَتَّجِهُ) وَيَجِبُ أَيْضًا غَسْلُ مَا أَصَابَهُ فَمُ (نَحْوِ فَهْدٍ) كَنَمِرٍ (لِنَجَاسَتِهِ) وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَتَعْلِيمُ مَا يَصِيدُ بِمِخْلَبِهِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ (كَبَازٍ وَصَقْرٍ وَعُقَابٍ)(بِ) أَمْرَيْنِ (أَنْ يَسْتَرْسِلَ إذَا أُرْسِلَ وَيَرْجِعَ إذَا دُعِيَ) لَا بِتَرْكِ الْأَكْلِ لِقَوْلِ
ابْنِ عَبَّاسٍ: إذَا أَكَلَ الْكَلْبُ فَلَا تَأْكُلْ، وَإِنْ أَكَلَ الصَّقْرُ فَكُلْ. رَوَاهُ الْخَلَّالُ وَلِأَنَّ تَعْلِيمَهُ بِالْأَكْلِ، وَيَتَعَذَّرُ تَعْلِيمُهُ بِدُونِهِ، بِخِلَافِ مَا يَصِيدُ بِنَابِهِ (وَيُعْتَبَرُ) لِحِلِّ صَيْدِ ذِي نَابٍ أَوْ مِخْلَبٍ (جَرَحَهُ) لِلصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ آلَةُ الْقَتْلِ كَالْمُحَدَّدِ (فَلَوْ قَتَلَهُ) الْجَارِحُ (بِصَدْمٍ أَوْ خَنْقٍ)(لَمْ يُبَحْ) لِعَدَمِ جُرْحِهِ كَالْمِعْرَاضِ إذَا قَتَلَ بِثِقَلِهِ.
الشَّرْطُ (الثَّالِثُ قَصْدُ الْفِعْلِ) بِأَنْ يَرْمِيَ السَّهْمَ أَوْ يَنْصِبَ نَحْوَ الْمِنْجَلِ أَوْ يُرْسِلَ الْجَارِحَ قَاصِدًا الصَّيْدَ؛ لِأَنَّ قَتْلَ الصَّيْدِ أَمْرٌ يُعْتَبَرُ لَهُ الدِّينُ، فَاعْتُبِرَ لَهُ الْقَصْدُ كَطَهَارَةِ الْحَدَثِ (وَهُوَ إرْسَالُ الْآلَةِ لِقَصْدِ صَيْدٍ) لِحَدِيثِ:«إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِأَنَّ إرْسَالَ الْجَارِحِ جُعِلَ بِمَنْزِلَةِ الذَّبْحِ، وَلِهَذَا اُعْتُبِرَتْ التَّسْمِيَةُ مَعَهُ (فَلَوْ احْتَكَّ صَيْدٌ بِمُحَدَّدٍ) فَعَقَرَهُ بِلَا قَصْدٍ لَمْ يَحِلَّ (أَوْ سَقَطَ) مُحَدَّدٌ عَلَى صَيْدٍ (فَعَقَرَهُ بِلَا قَصْدٍ) لَمْ يُبَحْ (أَوْ اسْتَرْسَلَ جَارِحٌ بِنَفْسِهِ، فَقَتَلَ صَيْدًا لَمْ يَحِلَّ، وَلَوْ زَجَرَهُ) أَيْ: الْجَارِحَ رَبُّهُ لِفَقْدِ شَرْطِهِ (مَا لَمْ يَزِدْ الْجَارِحُ فِي طَلَبِهِ)، أَيْ: الصَّيْدِ (بِزَجْرِهِ) فَيَحِلُّ حَيْثُ سَمَّى عِنْدَ زَجْرِهِ وَجَرْحِ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّ زَجْرَهُ أَثَّرَ فِي عَدْوِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَرْسَلَهُ.
(وَمَنْ رَمَى هَدَفًا)، أَيْ: مُرْتَفِعًا مِنْ بِنَاءٍ أَوْ كَثِيبِ رَمْلٍ أَوْ جَبَلٍ فَقَتَلَ صَيْدًا لَمْ يَحِلَّ (أَوْ رَمَى رَائِدًا صَيْدًا، وَلَمْ يَرَهُ)، أَيْ: يَعْلَمُهُ، لِحِلِّ صَيْدِ الْأَعْمَى إذَا عَلَّمَهُ بِالْحِسِّ (أَوْ رَمَى حَجَرًا يَظُنُّهُ صَيْدًا) فَقَتَلَ صَيْدًا، لَمْ يَحِلَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ صَيْدًا عَلَى الْحَقِيقَةِ (أَوْ رَمَى مَا عَلِمَهُ) غَيْرَ صَيْدٍ (أَوْ رَمَى مَا ظَنَّهُ غَيْرَ صَيْدٍ، فَقَتَلَ صَيْدًا لَمْ يَحِلَّ) لِعَدَمِ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ قَصْدُ الصَّيْدِ.
(وَإِنْ رَمَى صَيْدًا رَآهُ، فَأَصَابَ غَيْرَهُ) حَلَّ (أَوْ) رَمَى صَيْدًا (وَاحِدًا) مِنْ صَيُودٍ (فَأَصَابَ عَدَدًا حَلَّ الْكُلُّ، وَكَذَا جَارِحٌ) أَرْسَلَ عَلَى صَيْدٍ، فَقَتَلَ غَيْرَهُ، أَوْ عَلَى وَاحِدٍ فَقَتَلَ عَدَدًا، فَيَحِلُّ الْجَمِيعُ نَصًّا، لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ، وَلِأَنَّهُ أَرْسَلَهُ بِقَصْدِ
الصَّيْدِ فَحَلَّ مَا صَادَهُ كَمَا لَوْ أَرْسَلَهُ عَلَى كِبَارٍ فَتَفَرَّقَتْ عَنْ صِغَارٍ، أَوْ أَخَذَ صَيْدًا فِي طَرِيقِهِ.
(وَإِنْ أَعَانَتْ رِيحُ مَا رَمَى بِهِ) مِنْ سَهْمٍ (فَقَتَلَ، وَلَوْلَاهَا)، أَيْ: الرِّيحُ (مَا وَصَلَ) السَّهْمُ لَمْ يَحْرُمْ الصَّيْدُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْ الرِّيحِ، فَسَقَطَ اعْتِبَارُهَا، وَرَمْيُ السَّهْمِ لَهُ حُكْمُ الْحِلِّ (أَوْ رَدَّهُ)، أَيْ: مَا رَمَى بِهِ الصَّائِدُ مِنْ نَحْوِ سَهْمٍ (حَجَرٌ أَوْ غَيْرُهُ) عَلَى الصَّيْدِ (فَقُتِلَ، لَمْ يَحْرُمْ) الصَّيْدُ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَمَنْ أَثْبَتَ صَيْدًا مَلَكَهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ امْتِنَاعَهُ بِإِثْبَاتِهِ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ، فَإِنْ تَحَامَلَ فَأَخَذَهُ غَيْرُهُ، لَمْ يَمْلِكْهُ (فَيَرُدُّهُ آخِذُهُ) لِمَنْ أَثْبَتَهُ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ (وَإِنْ لَمْ يُثْبِتْهُ فَدَخَلَ مَحَلَّ غَيْرِهِ)، أَيْ: غَيْرِ رَامِيهِ الَّذِي لَمْ يُثْبِتْهُ (فَأَخَذَهُ رَبُّ الْمَحَلِّ) مَلَكَهُ بِأَخْذِهِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَمْلِكْهُ.
(أَوْ وَثَبَ حُوتٌ فَوَقَعَ بِحَجَرِ شَخْصٍ وَلَوْ بِسَفِينَةٍ) مَلَكَهُ بِذَلِكَ، لِسَبْقِهِ إلَى مُبَاحٍ وَحِيَازَتِهِ لَهُ (لَا) إنْ وَثَبَ الْحُوتُ (بِفِعْلِ صَيَّادٍ يَقْصِدُ الصَّيْدَ) أَمَّا لَوْ وَثَبَ الصَّيْدُ بِفِعْلِهِ، فَوَقَعَ بِحَجَرِ غَيْرِهِ، وَلَمْ يَصِرْ مِلْكَهُ مُرَاعَاةً لِحَقِّ الصَّيَّادِ (أَوْ دَخَلَ ظَبْيٌ دَارِهِ، فَأَغْلَقَ بَابَهَا، وَلَوْ جَهِلَهُ، أَوْ لَمْ يَقْصِدْ تَمَلُّكَهُ) مَلَكَهُ، كَمَا لَوْ فَتَحَ حُجْرَةً لِأَخْذِهِ، فَإِنْ لَمْ يُغْلَقْ بَابُهَا عَلَيْهِ لَمْ يَمْلِكْهُ (أَوْ فَرْخٌ فِي بُرْجِهِ الْمُعَدُّ لِصَيْدِ طَائِرٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ) مَلَكَهُ صَاحِبُ الْبُرْجِ - وَلَوْ مُسْتَأْجِرًا لَهُ أَوْ مُسْتَعِيرًا - لِحِيَازَتِهِ لَهُ (وَفَرْخُ طَيْرٍ مَمْلُوكٍ لِمَالِكِهِ) نَصًّا كَالْوَلَدِ يَتْبَعُ.
قَالَ فِي الْمُبْدِعِ وَلَوْ تَحَوَّلَ الطَّيْرُ مِنْ بُرْجِ زَيْدٍ إلَى بُرْجِ عَمْرٍو، (لَزِمَ عَمْرًا) رَدُّهُ، وَإِنْ اخْتَلَطَ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ، مُنِعَ عَمْرٌو مِنْ التَّصَرُّفِ عَلَى وَجْهٍ يَنْقُلُ الْمِلْكَ حَتَّى يَصْطَلِحَا، وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ حَقَّهُ أَوْ وَهَبَهُ، صَحَّ فِي الْأَقْيَسِ (أَوْ أَحْيَا أَرْضًا بِهَا كَنْزٌ مَلَكَهُ) بِإِحْيَاءِ الْأَرْضِ الَّتِي هُوَ بِهَا.
ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ وَقَطَعَ بِهِ فِي التَّنْقِيحِ وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى وَصَحَّحَهُ شَارِحُهُ، وَتَقَدَّمَ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ مُودِعٌ فِيهَا لِلنَّقْلِ مِنْهَا إلَّا أَنْ يُحْمَلَ مَا هُنَا عَلَى الْمَعْدِنِ الْجَامِدِ؛ لِأَنَّهُ يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ كَمَا تَقَدَّمَ (كَنَصْبِ خَيْمَتِهِ)
لِذَلِكَ (وَفَتْحِ حُجْرَةٍ لِذَلِكَ)، أَيْ: لِلصَّيْدِ (وَكَعَمَلِ بِرْكَةٍ لِ) صَيْدِ (سَمَكٍ) فَمَا حَصَلَ مِنْهُ بِهَا مَلَكَهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا ذَلِكَ لَمْ يَمْلِكْهُ (وَ) كَنَصَبِ (شَبَكَةٍ وَشَرَكٍ وَفَخٍّ) نَصًّا، (وَ) نَصْبِ (مِنْجَلٍ) لِصَيْدٍ (كَحَبْسِ جَارِحٍ لَهُ)، أَيْ: الصَّيْدِ (بِ) أَنْ أَلْجَأَهُ إلَى (مَضِيقٍ لَا يُفْلِتُ مِنْهُ) فَيَمْلِكُهُ بِذَلِكَ كَمَا لَوْ أَثْبَتَهُ.
(وَلَوْ كَانَتْ آلَةُ الصَّيْدِ كَشَبَكَةٍ وَشَرَكٍ غَيْرِ مَنْصُوبَةٍ لِلصَّيْدِ، وَلَا قَصَدَ بِهَا الِاصْطِيَادَ، فَتَعَلَّقَ بِهَا صَيْدٌ، لَمْ يَمْلِكْهُ صَاحِبُهَا) لِعَدَمِ الْقَصْدِ (وَمَنْ وَقَعَ بِشَبْكَتِهِ صَيْدٌ فَذَهَبَ) الصَّيْدُ (بِهَا) أَيْ: الشَّبَكَةِ (فَصَادَهُ آخَرُ) غَيْرُ صَاحِبِ الشَّبَكَةِ، (فَ) الصَّيْدُ (لِلثَّانِي) ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَمْلِكْهُ، لِبَقَاءِ امْتِنَاعِهِ وَتُرَدُّ الشَّبَكَةُ لِرَبِّهَا، وَكَذَا لَوْ وَقَعَ بِشَرَكٍ أَوْ فَخٍّ فَذَهَبَ بِهِ، فَصَادَهُ آخَرُ، وَإِنْ كَانَ يَمْشِي بِالشَّبَكَةِ وَنَحْوِهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِمَّنْ يَقْصِدُ، فَهُوَ لِصَاحِبِ الشَّبَكَةِ وَنَحْوِهَا، وَإِنْ أَمْسَكَهُ الصَّائِدُ مِنْ نَحْوِ شَبَكَةٍ، وَثَبَتَتْ يَدُهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ انْفَلَتَتْ مِنْهُ، لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ بِأَخْذِ غَيْرِهِ كَدَابَّةٍ شَرَدَتْ.
(وَإِنْ وَقَعَتْ سَمَكَةٌ بِسَفِينَةٍ لَا بِحَجَرِ أَحَدٍ، فَالسَّمَكَةُ لِرَبِّهَا)، أَيْ: السَّفِينَةِ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ وَيَدُهُ عَلَيْهَا.
(وَمَنْ حَصَلَ) بِمِلْكِهِ غَيْرِ الْمُعَدِّ (أَوْ عَشَّشَ بِمِلْكِهِ غَيْرِ الْمُعَدِّ) لِلِاصْطِيَادِ (صَيْدٌ أَوْ طَائِرٌ، لَمْ يَمْلِكْهُ) بِذَلِكَ، وَلِغَيْرِهِ أَخْذُهُ؛ لِأَنَّ الدَّارَ وَنَحْوَهَا لَمْ تُعَدْ لِلصَّيْدِ كَالْبَرَكَةِ الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا الِاصْطِيَادُ (وَإِنْ سَقَطَ) مِمَّا عَشَّشَ بِمِلْكِهِ (بِرَمْيٍ بِهِ، فَهُوَ، لِرَامٍ) نَصًّا، نَقَلَ صَالِحٌ فِيمَنْ صَادَ مِنْ نَخْلَةٍ بِدَارِ قَوْمٍ، هُوَ لِلصَّيَّادِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِإِزَالَةِ امْتِنَاعِهِ. قَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَإِلَيْهِ مَيْلُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَجَعَلَهُ فِي الْمُنْتَهَى لِرَبِّ الْمِلْكِ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يُشِيرَ إلَى خِلَافِهِ.
(وَلَوْ أَعَدَّ أَرْضًا لِلْمِلْحِ، فَحَصَلَ فِيهَا)، أَيْ: الْأَرْضِ (الْمَاءُ الْمِلْحُ مَلَكَهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَعَدَّهَا لِذَلِكَ.
(وَالضَّابِطُ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ مِلْكِهِ مُعَدًّا لِصَيْدٍ) كَشَبَكَةٍ وَبِرْكَةٍ (وَنَحْوِهِ) كَأَرْضٍ مُعَدَّةٍ لِلْمِلْحِ (وَحَصَلَ فِيهِ)، أَيْ: فِي مِلْكِهِ شَيْءٌ مُبَاحٌ (مَلَكَهُ) بِمُجَرَّدِ حُصُولِهِ (وَمَا لَمْ يَكُنْ مُعَدًّا) لِلصَّيْدِ وَنَحْوِهِ كَدَارِهِ وَبُسْتَانِهِ (فَلَا) يَمْلِكُ مَا حَصَلَ بِهِمَا مِنْ صَيْدٍ وَنَحْوِهِ، لِعَدَمِ الْإِعْدَادِ لِذَلِكَ.
(وَيَحْرُمُ صَيْدُ سَمَكٍ وَغَيْرِهِ بِنَجَاسَةٍ يَأْكُلُهَا) ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْجَلَّالَةِ (وَعَنْهُ)، أَيْ: الْإِمَامِ (أَحْمَدَ يُكْرَهُ) الصَّيْدُ بِنَجَاسَةٍ (وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ) جَزَمَ بِهِ فِي الْمُقْنِعِ وَالْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ وَيُكْرَهُ الصَّيْدُ بِبَنَاتِ وَرْدَانَ؛ لِأَنَّ مَأْوَاهَا الْحُشُوشُ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا بِالضَّفَادِعِ، وَقَالَ: الضُّفْدَعُ نُهِيَ عَنْ قَتْلِهِ (وَيُكْرَهُ) صَيْدُ الطَّيْرِ (بِشْبَاشٌ، وَهُوَ طَائِرٌ) كَالْبُومَةِ (تُخَيَّطُ عَيْنَاهُ وَيُرْبَطُ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْذِيبًا لِلْحَيَوَانِ، (وَيُكْرَهُ) أَنْ يُصَادَ صَيْدٌ (مِنْ وَكْرِهِ) لِخَوْفِ الْأَذَى، وَ (لَا) يُكْرَهُ صَيْدُ (الْفَرْخِ) مِنْ وَكْرِهِ، (وَلَا) يُكْرَهُ الصَّيْدُ (لَيْلًا أَوْ بِمَا يُسْكِرُ) الصَّيْدَ نَصًّا.
(وَيُبَاحُ) الصَّيْدُ (بِشَبَكَةٍ وَفَخِّ وَدَبْقٍ وَكُلِّ حِيلَةٍ) وَكَرِهَ جَمَاعَةٌ بِمُثْقَلٍ كَبُنْدُقٍ، وَكَرِهَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الرَّمْيَ بِالْبُنْدُقِ مُطْلَقًا، لِنَهْيِ عُثْمَانَ، وَنَصِّ الْإِمَامِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَغَيْرِهِ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْبُنْدُقِ يُرْمَى بِهَا الصَّيْدُ لَا لِلْعَبَثِ.
وَ (لَا) يُبَاحُ الصَّيْدُ (بِمَنْعِ مَاءٍ) عَنْهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْذِيبِهِ، فَإِنْ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ حَتَّى صَادَهُ حَلَّ أَكْلُهُ.
(وَمَنْ أَرْسَلَ صَيْدًا وَقَالَ أَعْتَقْتُكَ) ، أَوْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ عِنْدَ إرْسَالِهِ (وَيَحْرُمُ) عَلَيْهِ إرْسَالُهُ كَفِعْلِهِ ذَلِكَ، بِبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ (وَلَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ) ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ إجْمَاعًا.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَلَا يَجُوزُ أَعْتَقْتُكَ فِي حَيَوَانٍ مَأْكُولٍ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْجَاهِلِيَّةِ (وَكَانْفِلَاتِهِ)، أَيْ: الصَّيْدِ بِلَا إرْسَالٍ (وَكَإِرْسَالِهِ بَعِيرًا أَوْ بَقَرَةً) وَنَحْوَهَا مِنْ الْبَهَائِمِ الْمَمْلُوكَةِ، فَإِنَّ مِلْكَهُ عَنْهَا لَا يَزُولُ بِذَلِكَ، وَلَا يَمْلِكُهَا آخِذُهَا
بِإِعْرَاضِ مَالِكِهَا عَنْهَا (بِخِلَافِ نَحْوِ كِسْرَةٍ أَعْرَضَ عَنْهَا، فَيَمْلِكُهَا آخِذُهَا) ؛ لِأَنَّهَا مِمَّا لَا تَتْبَعُهُ الْهِمَّةُ، وَعَادَةُ النَّاسِ الْإِعْرَاضُ عَنْ مِثْلِهَا
(وَمَنْ وَجَدَ فِيمَا صَادَ عَلَامَةَ مِلْكٍ كَقِلَادَةٍ بِرَقَبَتِهِ وَكَحَلْقَةٍ بِأُذُنِهِ وَكَقَصِّ جُنَاحِ طَائِرٍ، فَهُوَ لُقَطَةٌ) يُعَرِّفُهُ وَاجِدُهُ، وَلَا يَمْلِكُهُ بِاصْطِيَادِهِ لِلْقَرِينَةِ
(فَرْعٌ كَانَ الْجَاهِلِيَّةُ يَتَقَرَّبُونَ إلَى اللَّهِ بِأُمُورٍ أَرْبَعَةٍ أَبْطَلَهَا) سبحانه وتعالى بِقَوْلِهِ: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ} [المائدة: 103] الْآيَةَ. (فَالْبَحِيرَةُ هِيَ النَّاقَةُ الَّتِي تُنْتِجُ خَمْسَةَ أَبْطُنٍ آخِرَهَا ذَكَرٌ، فَيَشُقُّ مَالِكُهَا، أُذُنَهَا، وَيُخَلِّي سَبِيلَهَا، وَلَا يَنْتَفِعُ) هُوَ وَلَا عِيَالُهُ (بِهَا وَلَا بِلَبَنِهَا وَلَا يَجُزُّ وَبَرَهَا [وَلَا] يَمْنَعَهَا الْمَاءَ وَالْكَلَأَ، بَلْ يُخَلِّيهِ)، أَيْ: لَبَنَهَا (لِلضُّيُوفِ) فَقَطْ.
(وَالسَّائِبَةُ نَوْعَانِ) إحْدَاهُمَا: (الْعَبْدُ يَعْتِقُهُ مَالِكُهُ سَائِبَةً لَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا بِوَلَائِهِ. وَالثَّانِي: الْبَعِيرُ يُسَيِّبُهُ مَالِكُهُ لِقَضَاءِ حَوَائِجِ النَّاسِ عَلَيْهِ، فَلَا يَحْبِسُهُ عَنْ مَرْعَى وَلَا مَاءٍ وَلَا يَرْكَبُهُ، وَتَجْعَلُهُ كَالْبَحِيرَةِ فِي تَحْرِيمِ الِانْتِفَاعِ بِهِ) .
(وَالْوَصِيلَةُ نَوْعَانِ) أَيْضًا (إحْدَاهُمَا: الشَّاةُ تُنْتِجُ سَبْعَةَ أَبْطُنٍ عِنَاقَيْنِ عِنَاقَيْنِ، فَإِنْ نَتَجَتْ فِي الْمَرَّةِ الثَّامِنَةِ جَدْيًا وَعِنَاقًا) مَعًا، أَيْ: ذَكَرًا وَأُنْثَى (قَالُوا وَصَلَتْ أَخَاهَا، فَلَا يَذْبَحُونَهُ لِأَجْلِهَا، وَلَا يَشْرَبُ لَبَنَ الْأُمِّ إلَّا الرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ، وَجَرَتْ مَجْرَى السَّائِبَةِ) وَتَقَدَّمَ. (وَالثَّانِي: الشَّاةُ كَانَتْ إذَا نَتَجَتْ ذَكَرًا ذَبَحُوهُ لِآلِهَتِهِمْ، أَوْ)، أَيْ: وَإِذَا نَتَجَتْ (أُنْثَى) فَهِيَ لَهُمْ أَوْ نَتَجَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى قَالُوا وَصَلَتْ أَخَاهَا فَلَمْ يَذْبَحُوا الذَّكَرَ لِآلِهَتِهِمْ.
(وَالْحَامِي هُوَ الْفَحْلُ مِنْ الْإِبِلِ يَضْرِبُ فِي إبِلِ الشَّخْصِ عَشْرَ سِنِينَ فَيُخَلَّى سَبِيلُهُ، وَيَقُولُونَ قَدْ حَمَى ظَهْرَهُ، فَلَا يَنْتَفِعُونَ مِنْ ظَهْرِهِ بِشَيْءٍ) وَلَا يُمْنَعُ مِنْ مَاءٍ وَلَا مَرْعَى، وَإِذَا مَاتَ أَكَلَهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ. وَرُوِيَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لِأَكْثَمَ الْخُزَاعِيِّ يَا أَكْثَمُ رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ يَجُرُّ قَصَبَهُ فِي النَّارِ، فَمَا
رَأَيْنَا مِنْ رَجُلٍ أَشْبَهَ بِرَجُلٍ مِنْكَ بِهِ، وَلَا بِهِ مِنْكَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ غَيَّرَ دِينَ إسْمَاعِيلَ، وَنَصَبَ الْأَوْثَانَ، وَبَحَرَ الْبَحِيرَةِ، وَسَيَّبَ السَّائِبَةَ، وَوَصَلَ الْوَصِيلَةَ، وَحَمَى الْحَامِيَ، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ يُؤْذِي أَهْلَ النَّارِ بِرِيحِ قَصَبِهِ، فَقَالَ أَكْثَمُ، أَيَضُرُّنِي شَبَهُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا، إنَّكَ مُؤْمِنٌ وَهُوَ كَافِرٌ» ، وَالْمَعْنَى مَا جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ وَلَا أَمَرَ بِالتَّبْحِيرِ وَلَا التَّسْيِيبِ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ
الشَّرْطُ (الرَّابِعُ قَوْلُ بِسْمِ اللَّهِ) لَا مِنْ أَخْرَسَ (عِنْدَ إرْسَالٍ) أَوْ رَمْيٍ لِنَحْوِ سَهْمٍ أَوْ مِعْرَاضٍ أَوْ نَصْبِ نَحْوِ مِنْجَلٍ؛ لِأَنَّهُ الْفِعْلُ الْمَوْجُودُ مِنْ الصَّائِدِ، فَاعْتُبِرَتْ التَّسْمِيَةُ عِنْدَهُ (كَمَا) تُعْتَبَرُ (فِي ذَكَاةٍ) وَتُجْزِئُ بِغَيْرِ عَرَبِيَّةٍ، وَلَوْ مِمَّنْ يُحْسِنُهَا، صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ (إلَّا أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ هُنَا) ، أَيْ فِي الصَّيْدِ (سَهْوًا) وَلَا جَهْلًا، لِلنُّصُوصِ الْخَاصَّةِ، وَلِأَنَّ الذَّبِيحَةَ (تَكْثُرُ فَيَكْثُرُ السَّهْوُ فِيهَا، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الذَّبِيحَةِ) وَالصَّيْدِ بِأَنَّ الذَّبْحَ يَقَعُ فِي الذَّبِيحَةِ فِي مَحِلِّهِ، فَجَازَ أَنْ يُسَامَحَ فِيهِ، بِخِلَافِ الصَّيْدِ (وَلَا يَضُرُّ تَقَدُّمُ التَّسْمِيَةِ) بِزَمَنٍ (يَسِيرٍ) عُرْفًا كَالْعِبَادَاتِ (وَكَذَا) لَا يَضُرُّ (تَأْخِيرٌ كَثِيرٌ) لِلتَّسْمِيَةِ (فِي جَارِحٍ إذَا زَجَرَهُ فَانْزَجَرَ) إقَامَةً لِذَلِكَ مَقَامَ ابْتِدَاءِ إرْسَالِهِ.
(وَلَوْ سَمَّى عَلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ غَيْرَهُ حَلَّ، لَا إنْ سَمَّى عَلَى سَهْمٍ ثُمَّ أَلْقَاهُ وَرَمَى بِغَيْرِهِ) فَلَا يَحِلُّ مَا قَتَلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ اعْتِبَارُ التَّسْمِيَةِ عَلَى صَيْدٍ بِعَيْنِهِ، اُعْتُبِرَ فِي آلَتِهِ (بِخِلَافِ مَا لَوْ سَمَّى عَلَى سِكِّينٍ ثُمَّ أَلْقَاهَا وَذَبَحَ بِغَيْرِهَا) لِوُجُودِ التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ بِعَيْنِهَا، وَتَقَدَّمَ لَوْ سَمَّى عَلَى شَاةٍ ثُمَّ ذَبَحَ غَيْرِهَا بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ، لَمْ تَحِلَّ، سَوَاءٌ أَرْسَلَ الْأُولَى أَوْ ذَبَحَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا يَقْصِدْ الثَّانِيَةَ بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ.
وَإِنْ رَأَى قَطِيعًا مِنْ غَنَمٍ فَقَالَ: " بِسْمِ اللَّهِ " ثُمَّ أَخَذَ شَاةً فَذَبَحَهَا بِغَيْرِ تَسْمِيَةٍ لَمْ يَحِلَّ - وَلَوْ جَهْلًا -؛ لِأَنَّ الْجَاهِلَ يُؤَاخَذُ، بِخِلَافِ النَّاسِي.
تَتِمَّةٌ دَمُ السَّمَكِ طَاهِرٌ مَأْكُولٌ كَمَيْتِهِ.