الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَبَابُ الرُّجُوعِ عَنْهَا وَبَابُ أَدَائِهَا]
) ؛ أَيْ: الْأَلْفَاظُ الَّتِي تُؤَدَّى بِهَا الشَّهَادَةُ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَجْمَعَتْ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ عَلَى إمْضَاءِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الْأَمْوَالِ، وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا، لِأَنَّهَا وَثِيقَةٌ مُسْتَدَامَةٌ لِحِفْظِ الْأَمْوَالِ لِمَا قَدْ يَطْرَأُ عَلَى الشَّاهِدِ مِنْ اخْتِرَامِ الْمَنِيَّةِ وَالْعَجْزِ عَنْ الشَّهَادَةِ لِغَيْبَةٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ نِسْيَانٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُوجِبُ ضَيَاعَ حَقِّ الْمَشْهُودِ لَهُ، فَاسْتُدْرِكَ ذَلِكَ بِتَجْوِيزِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ؛ لِتَدُومَ الْوَثِيقَةُ عَلَى أَنَّ مِنْ الْحُقُوقِ مَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّأْبِيدِ كَالْوُقُوفِ، وَالشَّاهِدُ لَا يَعِيشُ أَبَدًا. .
(لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ إلَّا بِثَمَانِيَةِ شُرُوطٍ) لَخَّصَهَا ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ.
(أَحَدُهَا كَوْنُهَا) ؛ أَيْ: الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ (فِيمَا أَيْ: حَقٌّ يُقْبَلُ فِيهِ كِتَابُ قَاضٍ لِقَاضٍ) وَهُوَ حَقُّ الْآدَمِيِّ، دُونَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى السَّتْرِ وَالدَّرْءِ بِالشُّبْهَةِ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِيهَا شُبْهَةٌ، لِتَطَرُّقِ احْتِمَالِ الْغَلَطِ وَالسَّهْوِ وَكَذِبِ شُهُودِ الْفَرْعِ إلَيْهَا مَعَ احْتِمَالِ ذَلِكَ فِي شُهُودِ الْأَصْلِ، وَهَذَا احْتِمَالٌ زَائِدٌ لَا يُوجَدُ فِي شُهُودِ الْأَصْلِ، وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى شُهُودِ الْأَصْلِ، وَلِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا فِي الْحَدِّ؛ لِأَنَّ سَتْرَ صَاحِبِهِ أَوْلَى مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ. وَالشَّرْطُ الثَّانِي (تَعَذُّرُ) شَهَادَةِ (شُهُودِ الْأَصْلِ بِنَحْوِ مَوْتٍ أَوْ مَرَضٍ
أَوْ خَوْفٍ) مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ تَعَذُّرِ شَهَادَةِ امْرَأَةٍ (مُخَدَّرَةٍ) ؛ أَيْ: مُلَازَمَةٍ لِلْخِدْرِ، وَهُوَ السِّتْرُ (أَوْ غَيْبَةِ مَسَافَةِ قَصْرٍ) لِأَنَّ شَهَادَةَ الْأَصْلِ تُثْبِتُ نَفْسَ الْحَقِّ، وَشَهَادَةُ الْفَرْعِ إنَّمَا تُثْبِتُ الشَّهَادَةَ عَلَيْهِ، وَلِاسْتِغْنَاءِ الْحَاكِمِ بِسَمَاعِ الْأَصْلِ عَنْ تَعْدِيلِ الْفَرْعِ، وَسَمَاعُهُ مِنْ الْأَصْلِ مَعْلُومٌ، وَصِدْقُ شَاهِدِ الْفَرْعِ عَلَيْهِ مَظْنُونٌ، وَلَا يُعْدَلُ عَنْ الْيَقِينِ مَعَ إمْكَانِهِ
وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ (دَوَامُ تَعَذُّرِهِمْ) ؛ أَيْ: شُهُودِ الْأَصْلِ (إلَى صُدُورِ الْحُكْمِ، فَمَتَى أَمْكَنَتْ شَهَادَتُهُمْ) ؛ أَيْ: الْأُصُولِ (قَبْلَهُ)، أَيْ: الْحُكْمِ (وُقِفَ الْحُكْمُ عَلَى سَمَاعِهَا) لِزَوَالِ الشَّرْطِ، كَمَا لَوْ كَانُوا حَاضِرِينَ أَصِحَّاءَ.
وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ (دَوَامُ عَدَالَةِ) شَاهِدِ (أَصْلٍ) وَشَاهِدِ (فَرْعٍ إلَيْهِ) ؛ أَيْ: إلَى صُدُورِ الْحُكْمِ (فَمَتَى حَدَثَ مِنْ أَحَدِهِمْ) قَبْلَ الْحُكْمِ (مَا يَمْنَعُ قَبُولَهُ) مِنْ نَحْوِ فِسْقٍ أَوْ جُنُونٍ قَبْلَ أَدَائِهَا - إذْ طُرُوُّ الْجُنُونِ بَعْدَ الْأَدَاءِ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا - وَقْفُ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى شَهَادَةِ الْجَمِيعِ (وَإِذَا فُقِدَ شَرْطُ الشَّهَادَةِ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ لِلْحُكْمِ) ، لَمْ يَجُزْ الْحُكْمُ بِهَا.
وَالشَّرْطُ الْخَامِسُ (تَعْيِينُ فَرْعٍ لِأَصْلِهِ) قَالَ الْقَاضِي حَتَّى وَلَوْ قَالَ تَابِعِيَّانِ: أَشْهَدَنَا صَحَابِيَّانِ؛ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُعَيِّنَاهُمَا.
وَالشَّرْطُ السَّادِسُ (ثُبُوتُ عَدَالَتِهِمَا) ؛ أَيْ: شَاهِدَيْ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ؛ لِأَنَّهُمَا شَهَادَتَانِ؛ فَلَا يُحْكَمُ بِهِمَا بِدُونِ عَدَالَةِ الشُّهُودِ؛ لَا بِنَاءَ الْحُكْمِ عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ جَمِيعًا.
وَالشَّرْطُ السَّابِعُ (اسْتِرْعَاءُ) شَاهِدِ (الْأَصْلِ) شَاهِدَ (الْفَرْعِ)(أَوْ) اسْتِرْعَاءُ (غَيْرِهِ وَهُوَ) ؛ أَيْ: الْفَرْعُ (يَسْمَعُ) اسْتِرْعَاءَ الْأَصْلِ لِغَيْرِهِ، وَأَصْلُ الِاسْتِرْعَاءِ مِنْ قَوْلِ الْمُحَدِّثِ أَرْعِنِي سَمْعَك؛ أَيْ: اسْمَعْ مِنِّي، مَأْخُوذٌ مِنْ رَعَيْت الشَّيْءَ؛ أَيْ: حَفِظْته، فَشَاهِدُ الْأَصْلِ يَطْلُبُ مِنْ شَاهِدِ الْفَرْعِ أَنْ يَحْفَظَ شَهَادَتَهُ وَيُؤَدِّيَهَا (وَصِفَتُهُ) ؛ أَيْ: الِاسْتِرْعَاءِ أَنْ يَقُولَ شَاهِدُ الْأَصْلِ (اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي)
أَنِّي أَشْهَدُ (أَوْ) يَقُولَ لَهُ (أَشْهَدُ أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ، وَقَدْ عَرَفْته) بِعَيْنِهِ وَاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَعَدَالَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ عَدَالَتَهُ لَمْ يَذْكُرْهَا (أَشْهَدَنِي عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ) يَقُولَ (شَهِدْت عَلَيْهِ أَوْ أَقَرَّ عِنْدِي بِكَذَا) وَإِنْ سَمِعَهُ شَاهِدُ الْفَرْعِ يُشْهِدُ غَيْرَهُ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ أَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ أَنَّ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ عَلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ كَذَا.
(فَلَوْ قَالَ شَاهِدُ الْأَصْلِ إنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ أَلْفًا فَاشْهَدْ بِهِ أَنْتِ؛ لَمْ يَجُزْ) لَلْفَرْعِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ؛ لِعَدَمِ الِاسْتِرْعَاءِ وَإِعْزَائِهَا إلَى سَبَبٍ (فَإِذَا لَمْ يَسْتَرْعِهِ) وَلَا غَيْرَهُ مَعَ سَمَاعِهِ (لَمْ يَشْهَدْ) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ فِيهَا مَعْنَى النِّيَابَةِ، وَلَا يَنُوبُ عَنْهُ إلَّا بِإِذْنِهِ (إلَّا إنْ سَمِعَهُ) ؛ أَيْ: سَمِعَ الْفَرْعُ الْأَصْلَ (يَشْهَدُ عِنْدَ حَاكِمٍ، أَوْ يَعْزُو شَهَادَتَهُ إلَى سَبَبٍ كَبَيْعٍ وَقَرْضٍ) فَيَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِ؛ لِأَنَّهُ بِشَهَادَتِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَبِنِسْبَتِهِ الْحَقَّ إلَى سَبَبِهِ وَيَزُولُ الِاحْتِمَالُ كَالِاسْتِرْعَاءِ (فَلَوْ سَمِعَهُ يَشْهَدُ) عِنْدَ غَيْرِ الْحَاكِمِ (بِأَلْفٍ، وَلَمْ يُعَزِّهِ) ؛ أَيْ: شَاهِدُ الْأَصْلِ إلَى سَبَبٍ مِنْ بَيْعٍ وَنَحْوِهِ؛ لَمْ يَجُزْ لَلْفَرْعِ أَنْ يَشْهَدَ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ وَعْدٌ، وَيُرِيدُ أَنْ يَحْتَمِلَ الشَّهَادَةَ بِالْعِلْمِ؛ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْهَدَ مَعَ الِاحْتِمَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَرْعَاهُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَرْعِيه إلَّا عَلَى وَاجِبٍ، وَبِخِلَافِ الْإِقْرَارِ؛ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى إقْرَارِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَرْعِهِ؛ (لِأَنَّ الْإِقْرَارَ قَوْلُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ) وَهُوَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ عَلَيْهَا.
وَالشَّرْطُ (الثَّامِنُ أَنْ يُؤَدِّيَهَا) ؛ أَيْ: لِلشَّاهِدِ (الْفَرْعُ بِصِفَةِ تَحَمُّلِهِ) وَإِلَّا يُؤَدِّيهَا بِصِفَةِ تَحَمُّلِهِ؛ لَمْ يَحْكُمْ بِهَا (وَتَثْبُتُ شَهَادَةُ شَاهِدَيْ الْأَصْلِ بِفَرْعَيْنِ، وَلَوْ عَلَى كُلِّ) شَاهِدِ (أَصْلٍ) شَاهِدُ (فَرْعٍ) نَصًّا، كَمَا لَوْ شَهِدَا بِنَفْسِ الْحَقِّ، وَلِأَنَّ الْفَرْعَ بَدَلُ الْأَصْلِ، فَاكْتُفِيَ بِمِثْلِ عَدَدِهِ، وَلِأَنَّ شَاهِدَيْ الْفَرْعِ لَا يَنْقُلَانِ عَنْ شَاهِدَيْ الْأَصْلِ حَقًّا عَلَيْهِمَا؛ فَكَفَى عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٌ كَأَخْبَارِ الدِّيَانَاتِ.
(وَيَثْبُتُ الْحَقُّ بِشَهَادَةِ فَرْعٍ) وَاحِدٍ (مَعَ أَصْلٍ آخَرَ) كَأَصْلَيْنِ أَوْ فَرْعَيْنِ (وَيَصِحُّ تَحَمُّلُ فَرْعٍ عَلَى فَرْعٍ) لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَيَصِحُّ أَنْ يَشْهَدَ النِّسَاءُ