الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» يَدُلُّ عَلَى إجْزَاءِ نِصْفِ التَّمْرَةِ وَنَحْوِهَا فَأَكْثَرَ لَا أَقَلَّ.
وَمَنْ قَالَ: (إنْ مَلَكْت مَالَ فُلَانٍ فَعَلَيَّ الصَّدَقَةُ بِهِ، فَمَلَكَهُ؛ فَهُوَ كَمَالِهِ) يُجْزِئُهُ التَّصَدُّقُ بِثُلُثِهِ، وَلَوْ قَالَ: إنَّ مَلَكَتْ عَبْدَ زَيْدٍ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ (أَعْتِقَهُ بِقَصْدِ الْقُرْبَةِ الْتَزَمَ بِعِتْقِهِ) إذَا مَلَكَهُ؛ لِأَنَّهُ نَذْرُ تَبَرُّرٍ، وَإِنْ كَانَ فِي لَجَاجٍ وَغَضَبٍ؛ خُيِّرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ، وَلَوْ نَذَرَ عِتْقَ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ فَمَاتَ قَبْلَ عِتْقِهِ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ عِتْقُ غَيْرِهِ؛ لِفَوَاتِ مَحَلِّ النَّذْرِ، وَيُكَفِّرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفِ بِنَذْرِهِ، وَإِنْ قَتَلَهُ السَّيِّدُ فَالْكَفَّارَةُ فَقَطْ، وَلَا يَلْزَمُهُ عِتْقُ غَيْرِهِ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ حَقٌّ لِلْمَنْذُورِ عِتْقُهُ، وَقَدْ فَاتَ، وَإِنْ أَتْلَفَهُ غَيْرُ سَيِّدِهِ فَعَلَيْهِ إلَى سَيِّدِهِ الْكَفَّارَةُ فَقَطْ.
وَلَهُ الْقِيمَةُ عَلَى الْمُتْلِفِ، وَلَا يَلْزَمُهُ صَرْفُهَا فِي الْعِتْقِ.
[فَصْلٌ فِي مَنْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ]
فَصْلٌ (وَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ لَمْ يَدْخُلْ فِي نَذْرِهِ شَهْرُ رَمَضَانَ وَيَوْمَا الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ) لِأَنَّ رَمَضَانَ لَا يَقْبَلُ صَوْمَ غَيْرِهِ، وَأَيَّامُ النَّهْيِ لَا تَقْبَلُ صَوْمَ النَّذْرِ كَاللَّيْلِ؛ فَلَا كَفَّارَةَ بِفِطْرِهَا وَلَا قَضَاءَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي نَذْرِهِ (وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ) كَالْمُحَرَّمِ (فَلَمْ يَصُمْهُ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) لِوُجُوبِهِ بِالنَّذْرِ (كَرَمَضَانَ مُتَتَابِعًا) لِأَنَّهُ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ كَذَلِكَ بِتَعْبِيرِهِ بِالشَّهْرِ؛ إذْ الْقَضَاءُ يَكُونُ بِصِفَةِ الْأَدَاءِ فِيمَا يُمْكِنُ، وَعَلَيْهِ (كَفَّارَةُ يَمِينٍ؛ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ، وَإِنْ صَامَ قَبْلَهُ) أَيْ: الشَّهْرَ الْمُعَيَّنَ (لَمْ يُجْزِئْهُ) كَصَوْمِ شَعْبَانَ عَنْ رَمَضَانَ الَّذِي بَعْدَهُ (وَإِنْ أَفْطَرَ مِنْهُ) يَوْمًا فَأَكْثَرَ (لِغَيْرِ عُذْرٍ اسْتَأْنَفَ شَهْرًا مِنْ يَوْمِ فِطْرِهِ) لِوُجُوبِ التَّتَابُعِ، وَلَوْ بَنَى عَلَى مَا مَضَى لَبَطَلَ التَّتَابُعُ، (وَكَفَّرَ) لِفَوَاتِ
الْمَحَلِّ فِيمَا يَصُومُهُ بَعْدَ الشَّهْرِ.
(وَ) إنْ أَفْطَرَ مِنْهُ يَوْمًا فَأَكْثَرَ (لِعُذْرٍ) كَمَرَضٍ وَسَفَرٍ وَحَيْضٍ بَنَى عَلَى مَا صَامَهُ (وَقَضَى مَا أَفْطَرَهُ مُتَتَابِعًا مُتَّصِلًا بِتَمَامِهِ، وَكَفَّرَ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ جَنَّهُ) أَيْ: الشَّهْرُ الَّذِي نَذَرَ (صَوْمِهِ كُلَّهُ لَمْ يَقْضِهِ) وَلَا كَفَّارَةَ، لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ فِيهِ كَرَمَضَانَ (وَإِنْ نَذَرَ بَعْضَهُ فَيَقْضِي بَعْضَهُ فَقَطْ، وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ، وَأَطْلَقَ) فَلَمْ يُعَيِّنْهُ (لَزِمَ التَّتَابُعُ) لِأَنَّ إطْلَاقَ الشَّهْرِ يَقْتَضِيهِ؛ سَوَاءٌ صَامَ شَهْرًا هِلَالِيًّا أَوْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا بِالْعَدِّ (فَإِنْ قَطَعَهُ) أَيْ: الصَّوْمَ (بِلَا عُذْرٍ اسْتَأْنَفَهُ)، لِئَلَّا يَفُوتَ التَّتَابُعُ (وَ) إنْ قَطَعَهُ (لِعُذْرٍ يُخَيَّرُ بَيْنَهُ) أَيْ: الِاسْتِئْنَافِ (بِلَا كَفَّارَةٍ، لِفِعْلِهِ الْمَنْذُورِ عَلَى وَجْهِهِ، وَبَيْنَ الْبِنَاءِ) عَلَى مَا مَضَى (وَيُتِمُّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَيُكَفِّرُ لِفَوَاتِ التَّتَابُعِ) كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَيْهِ (وَكَذَا) لَوْ نَذَرَ صَوْمَ (سَنَةٍ فِي لُزُومِ التَّتَابُعِ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَيَصُومُ) مَنْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ (اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا سِوَى رَمَضَانَ) وَسِوَى (أَيَّامِ النَّهْيِ) أَيْ: يَوْمِ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ؛ لِانْصِرَافِ نَذْرِهِ إلَى صَوْمِ سَنَةٍ كَامِلَةٍ بِالنَّذْرِ.
(وَلَوْ شَرَطَ التَّتَابُعَ فَيَقْضِي) عَلَى مَا شَرَطَ مَا عَدَا رَمَضَانَ وَأَيَّامَ النَّهْيِ.
(وَ) إنْ نَذَرَ صَوْمَ (سَنَةٍ مِنْ الْآنِ، أَوْ) نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ (مِنْ وَقْتِ كَذَا) فَكَنَذْرِ صَوْمِ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَلَا يَدْخُلُ فِي نَذْرِهِ رَمَضَانُ وَأَيَّامُ النَّهْيِ فَلَا يَقْضِيهَا، وَلَا كَفَّارَةَ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ أَوَّلِهَا تَعْيِينٌ لَهَا.
قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} [التوبة: 36] فَإِذَا عَيَّنَ أَوَّلَهَا تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ آخِرُهَا انْتِهَاءَ الثَّانِيَ عَشَرَ.
(وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ الدَّهْرِ لَزِمَهُ) كَسَائِرِ النَّذْرِ، إذْ جِنْسُ الصَّوْمِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَشْرُوعٌ (فَإِنْ أَفْطَرَ كَفَّرَ فَقَطْ) أَيْ: بِلَا قَضَاءٍ (بِغَيْرِ صَوْمٍ) لِأَنَّ
الزَّمَنَ مُسْتَغْرَقٌ لِلصَّوْمِ الْمَنْدُوبِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُكَفِّرُ بِصَوْمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّكْفِيرُ بِهِ إلَّا بِتَرْكِ الصَّوْمِ الْمَنْذُورِ، وَتَرْكُهُ يُوجِبُ كَفَّارَةً؛ فَيُفْضِي إلَى التَّسَلْسُلِ وَتَرْكِهِ الْمَنْذُورَ بِالْكُلِّيَّةِ (وَلَا يَدْخُلُ) فِي نَذْرِ صَوْمِ الدَّهْرِ (رَمَضَانَ وَلَا يَوْمَ نَهْيِ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَيَقْضِي فِطْرَهُ بِهِ) ؛ أَيْ: بِرَمَضَانَ لِنَذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِوُجُوبِهِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ، فَيُقَدَّمُ عَلَى النَّذْرِ كَتَقْدِيمِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْمَنْذُورَةِ وَيُكَفِّرُ إنْ أَفْطَرَ بِرَمَضَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ، وَإِنْ أَفْطَرَ بِهِ أَيْ: بِرَمَضَانَ لِعُذْرٍ (فَلَا) كَفَّارَةَ (وَيُصَامُ لِظِهَارٍ) إذَا عَدِمَ الْمُظَاهِرُ الرَّقَبَةَ (وَنَحْوِهِ) كَالْوَطْءِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَالْقَتْلِ (مِنْهُ) ؛ أَيْ: الدَّهْرِ الْمَنْذُورِ صَوْمُهُ كَقَضَاءِ صَوْمِ رَمَضَانَ (وَيُكَفِّرُ مَعَ صَوْمِ ظِهَارٍ وَنَحْوِهِ) لِأَنَّهُ سَبَبُهُ.
(وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ الْخَمِيسِ وَنَحْوِهِ) كَيَوْمِ الِاثْنَيْنِ فَوَافَقَ يَوْمُ نَذْرِهِ عِيدًا أَوْ حَيْضًا أَوْ نِفَاسًا أَوْ أَيَّامَ تَشْرِيقٍ؛ أَفْطَرَ وُجُوبًا؛ لِتَحْرِيمِ صَوْمِهَا (وَقَضَى) لِانْعِقَادِ نَذْرِهِ، وَلَمْ يَفْعَلْهُ (وَكَفَّرَ) لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ، كَمَا لَوْ لَمْ يَصُمْهُ لِمَرَضٍ.
وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَقُومَ يَوْمًا مُعَيَّنًا (وَجَهِلَ الْمَنْذُورَ تَحَرَّى) وَصَامَ يَوْمًا مِنْ الْأَيَّامِ (قَالَهُ الشَّيْخُ. وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ يَلْزَمُهُ مَعَ)
ذَلِكَ إخْرَاجَ (كَفَّارَةٍ) لِفَوَاتِ (التَّعْيِينِ) وَعَمَلًا بِالْأَحْوَطِ.
(وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ يَقْدَمُ فُلَانٌ، فَقَدِمَ فُلَانٌ لَيْلًا؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: النَّاذِرِ؛ لِتَبَيُّنِ أَنَّ نَذْرَهُ لَمْ يَنْعَقِدْ (وَيُنْدَبُ) وَإِنْ قَدِمَ (نَهَارًا وَهُوَ صَائِمٌ وَقَدْ بَيَّتَ النِّيَّةَ بِخَبَرٍ سَمِعَهُ؛ صَحَّ صَوْمُهُ وَأَجْزَأَهُ) لِوَفَائِهِ بِنَذْرِهِ، وَإِلَّا يَكُنْ بَيَّتَ النِّيَّةَ بِخَبَرٍ سَمِعَهُ (أَوْ كَانَ مُفْطِرًا أَوْ وَافَقَ قُدُومُهُ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ، أَوْ) وَافَقَ قُدُومُهُ (يَوْمَ عِيدٍ) أَوْ وَافَقَ (يَوْمَ حَيْضِ) نَاذِرَةٍ (قَضَى وَكَفَّرَ) لِأَنَّهُ نَذْرٌ مُنْعَقِدٌ لَمْ يَفِ بِهِ كَسَائِرِ النُّذُورِ.
(وَإِنْ وَافَقَ قُدُومُهُ) ؛ أَيْ: فُلَانٍ (وَهُوَ) ؛ أَيْ: النَّاذِرُ (صَائِمٌ عَنْ نَذْرٍ مُعَيَّنٍ أَتَمَّهُ) لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ (وَلَا يُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهُ، وَيَقْضِي نَذْرُ الْقُدُومِ) كَمَا لَوْ قَدِمَ زَيْدٌ وَالنَّاذِرُ (صَائِمٌ فِي قَضَاءِ
رَمَضَانَ أَوْ فِي كَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ مُطْلَقٍ) فَيُتِمُّهُ، وَيَقْضِي نَذْرَ الْقُدُومِ (وَإِنْ وَافَقَ يَوْمَ نَذْرِهِ) ؛ أَيْ: يَوْمَ قُدُومِ فُلَانٍ (وَهُوَ) ؛ أَيْ: النَّاذِرُ (مَجْنُونٌ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ) لِخُرُوجِهِ عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّكْلِيفِ فِيهِ، كَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ وَجَنَّهُ.
(وَنَذْرُ اعْتِكَافِهِ) فِيمَا تَقَدَّمَ كَنَذْرِ (صَوْمِهِ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ.
(وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ أَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ وَلَوْ كَانَتْ ثَلَاثِينَ لَمْ يَلْزَمْ تَتَابُعُ) صَوْمِهَا نَصًّا، لِأَنَّ الْأَيَّامَ لَا دَلَالَةَ لَهَا مِنْ التَّتَابُعِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] (إلَّا بِشَرْطٍ) بِأَنْ يَقُولَ مُتَتَابِعَةً؛ فَيَلْزَمُهُ وَفَاءٌ بِنَذْرِهِ (أَوْ) إلَّا (بِنِيَّةِ) التَّتَابُعِ لِقِيَامِهَا مَقَامَ التَّلَفُّظِ بِهِ. وَإِنْ شَرَطَ تَفَرُّقَهَا لَزِمَهُ فِي الْأَقْيَسِ.
ذَكَرَهُ فِي " الْمُبْدِعِ "(وَمَنْ نَذَرَ مُتَتَابِعًا غَيْرَ، مُعَيَّنٍ) كَشَهْرٍ (فَأَفْطَرَ فِيهِ لِمَرَضٍ يَجِبُ مَعَهُ الْفِطْرُ) كَخَوْفِهِ تَلَفًا بِصَوْمِهِ، أَوْ أَفْطَرَتْ فِيهِ امْرَأَةٌ (لِحَيْضٍ، خُيِّرَ) نَاذِرٌ (بَيْنَ اسْتِئْنَافِهِ) ؛ أَيْ: الصَّوْمِ، بِأَنْ يَبْتَدِئَهُ مِنْ أَوَّلِهِ (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِإِتْيَانِهِ بِالْمَنْذُورِ عَلَى وَجْهِهِ (وَبَيْنَ الْبِنَاءِ) عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَوْمِهِ (وَيُكَفِّرُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْمَنْذُورِ عَلَى وَجْهِهِ، وَإِنْ أَفْطَرَ فِيهِ (وَلِسَفَرٍ أَوْ مَا)، أَيْ: شَيْءٍ (يُبِيحُ الْفِطْرَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الصَّوْمِ) كَمَرَضٍ يَجُوزُ مَعَهُ الْفِطْرُ (لَمْ يَنْقَطِعْ التَّتَابُعُ) فِي وَجْهٍ قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، صَحَّحَهُ فِي " التَّصْحِيحِ " وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِذَلِكَ.
(وَيَتَّجِهُ) وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الِاسْتِئْنَافِ وَبَيْنَ الْبِنَاءِ وَالْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ كَمَا قَبْلَهُ قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " قُلْتُ: وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ وَالْأَصْحَابِ؛ لِعَدَمِ تَفْرِيقِهِمْ فِي ذَلِكَ.
انْتَهَى.
وَقَالَ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى " وَقَالَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " آخِرًا لَا يَعْدِلُ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا وَجْهَ لِكَوْنِ الْمَرَضِ الَّذِي يَجِبُ مَعَهُ الْفِطْرُ يَقْطَعُ التَّتَابُعَ، وَالْفِطْرُ فِي السَّفَرِ لَا يَقْطَعُهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
وَإِنْ أَفْطَرَ مَنْ نَذَرَ صَوْمًا مُتَتَابِعًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ (لِغَيْرِ عُذْرٍ؛ يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ) تَدَارُكًا لِمَا تَرَكَهُ مِنْ التَّتَابُعِ الْمَنْذُورِ بِلَا عُذْرٍ (بِلَا كَفَّارَةٍ) لِإِتْيَانِهِ بِالْمَنْذُورِ عَلَى وَجْهِهِ.
(وَمَنْ نَذَرَ صَوْمًا فَعَجَزَ عَنْهُ كَثِيرًا أَوْ مَرِضَ مَرَضًا لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ) أَطْعَمَ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، وَكَفَّرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ، حَمْلًا لِلْمَنْذُورِ عَلَى الْمَشْرُوعِ، وَسَبَبُ الْكَفَّارَةِ عَدَمُ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ، وَسَبَبُ الْإِطْعَامِ الْعَجْزُ عَنْ وَاجِبِ الصَّوْمِ، فَاخْتَلَفَ السَّبَبَانِ وَاجْتَمَعَا، فَلَمْ يَسْقُطْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا؛ لِعَدَمِ مَا يُسْقِطُهُ (أَوْ نَذَرَهُ) ؛ أَيْ: الصَّوْمَ (لِحَالِ عَجْزِهِ) عَنْهُ لِمَا سَبَقَ (أَطْعَمَ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، وَكَفَّرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ) وَعُلِمَ مِنْهُ انْعِقَادُ نَذْرِهِ إذَنْ؛ لِحَدِيثِ: «مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُطِقْهُ؛ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» .
وَلِأَنَّ الْعَجْزَ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ فِعْلِ الْمَنْذُورِ؛ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ حَالَ عَقْدِ النَّذْرِ وَيَسْتَمِرُّ أَوْ يَطْرَأُ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ نَذَرَ صَلَاةً وَنَحْوَهَا كَجِهَادٍ وَعَجَزَ عَنْهُ؛ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فَقَطْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَفِ بِنَذْرِهِ، وَإِنْ عَجَزَ لِعَارِضٍ يُرْجَى زَوَالُهُ كَمَرَضٍ؛ انْتَظَرَ، وَلَا كَفَّارَةٌ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ وَقْتًا، فَإِنْ اسْتَمَرَّ عَجْزُهُ حَتَّى صَارَ غَيْرَ مَرْجُوِّ الزَّوَالِ، فَكَمَا تَقَدَّمَ.
(وَ) إنْ نَذَرَ (حَجًّا لَزِمَهُ) مَعَ قُدْرَتِهِ كَبَقِيَّةِ الْعِبَادَاتِ (فَإِنْ لَمْ يُطِقْهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ؛ حَجَّ عَنْهُ) كَمَنْ عَجَزَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَإِلَّا بِأَنْ أَطَاقَ بَعْضَ مَا نَذَرَهُ كَأَنْ نَذَرَ حَجَّاتٍ وَقَدَرَ عَلَى بَعْضِهَا (أَتَى بِمَا يُطِيقُهُ مِنْ الْحَجَّاتِ الْمُتَعَدِّدَةِ، وَكَفَّرَ لِلْبَاقِي) الَّذِي لَمْ يُطِقْهُ (وَمَعَ عَجْزِهِ عَنْ زَادٍ وَرَاحِلَةٍ حَالَ نَذْرِهِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ) كَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ (ثُمَّ إنْ وَجَدَهُمَا) ؛ أَيْ: الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ (لَزِمَهُ) بِالنَّذْرِ السَّابِقِ فَيَنْعَقِدُ النَّذْرُ بِالْعَجْزِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ نَذَرَ مُكَلَّفٌ صَوْمًا) أَوْ أَطْلَقَ، أَوْ نَذَرَ (صَوْمَ بَعْضِ يَوْمٍ) كَنِصْفِهِ لَزِمَهُ صَوْمُ يَوْمٍ تَامٍّ (بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ) لِأَنَّهُ أَقَلُّ الصَّوْمِ.
(وَ) مَنْ نَذَرَ (صَوْمَ لَيْلَةٍ لَا يَنْعَقِدُ كَمُسْتَحِيلٍ، وَلَا كَفَّارَةَ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَحَلًّا
(لِلصَّوْمِ) وَكَذَا (نَذْرُ صَوْمِ يَوْمٍ أَتَى فِيهِ بِمُنَافٍ) لِلصَّوْمِ نَحْوَ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ جِمَاعٍ.
(وَإِنْ نَذَرَ صَلَاةً) وَأَطْلَقَ؛ فَعَلَيْهِ رَكْعَتَانِ (قَائِمًا لِقَادِرٍ) عَلَى قِيَامٍ (لِأَنَّ الرَّكْعَةَ لَا تُجْزِئُ فِي فَرْضٍ) وَلَوْ حَلَفَ لِيُوتِرَن اللَّيْلَةَ أَجْزَأَتْهُ رَكْعَةٌ فِي وَقْتِهِ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّهُ، وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ (أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَتَيْنِ، أَوْ أَطْلَقَ) فَلَمْ يَقُلْ بِتَسْلِيمَةٍ وَلَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ (تُجْزِئُ) صَلَاتُهُ أَرْبَعًا (بِتَسْلِيمَةٍ كَعَكْسِهِ) بِأَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ فَصَلَّاهَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ.
(وَلِمَنْ نَذَرَ صَلَاةً جَالِسًا أَنْ يُصَلِّيَهَا قَائِمًا) لِإِتْيَانِهِ بِأَفْضَلَ مِمَّا نَذَرَهُ، وَظَاهِرُهُ وَلَا كَفَّارَةَ
(وَإِنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ أَوْ إلَى مَوْضِعٍ مِنْ مَكَّةَ) كَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَجَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ (أَوْ إلَى حَرَمِهَا وَأَطْلَقَ) فَلَمْ يَقُلْ فِي حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ وَلَا غَيْرِهَا (أَوْ قَالَ غَيْرَ حَاجٍّ وَلَا مُعْتَمِرٍ؛ لَزِمَهُ الْمَشْيُ فِي حَجٍّ) أَوْ فِي عُمْرَةٍ؛ حَمْلًا لَهُ عَلَى الْمَعْهُودِ الشَّرْعِيِّ وَإِلْغَاءً لِإِرَادَتِهِ غَيْرَهُ (مِنْ مَكَانِهِ) ؛ أَيْ: النَّذْرِ، أَيْ: رُؤْيَةِ أَهْلِهِ كَمَا فِي حَجِّ الْفَرْضِ إلَى أَنْ يَتَحَلَّلَ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ ذَلِكَ (لِأَنَّ الْمَشْيَ إلَى الْعِبَادَةِ أَفْضَلُ.
وَلَا يَلْزَمُهُ إحْرَامٌ قَبْلَ مِيقَاتِهِ) كَحَجِّ الْفَرْضِ (مَا لَمْ يَنْوِ مَكَانًا بِعَيْنِهِ) لِلْمَشْيِ مِنْهُ وَالْإِحْرَامِ فَيَلْزَمُهُ، لِعُمُومِ حَدِيثِ:«مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» أَوْ يَنْوِ بِنَذْرِهِ، الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ (إتْيَانَهُ لَا حَقِيقَةَ الْمَشْيِ) فَيَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ، وَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْمَشْيِ وَالرُّكُوبِ، لِحُصُولِهِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَإِنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى مَوْضِعٍ خَارِجِ الْحَرَمِ كَعَرَفَةَ وَمَوَاقِيتِ إحْرَامٍ، لَمْ يَلْزَمْهُ، وَيُخَيَّرُ بَيْنَ فِعْلِهِ وَالْكَفَّارَةِ (وَإِنْ رَكِبَ) وَمَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ (لِعَجْزٍ أَوْ غَيْرِهِ) فَكَفَّارَةُ (يَمِينٍ) لِحَدِيثِ «كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ» . وَالْمَشْيُ وَالرُّكُوبُ لَا يُوجِبُهُ الْإِحْرَامُ لِيَجِبَ بِهِ دَمٌ.
(وَلَوْ أَفْسَدَ الْحَجَّ الْمَنْذُورَ مَاشِيًا) أَوْ رَاكِبًا (لَزِمَ الْقَضَاءُ مَاشِيًا) أَوْ رَاكِبًا لِيَكُونَ الْقَضَاءُ عَلَى صِفَةِ الْأَدَاءِ، وَعَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِ حَجٍّ نَذَرَهُ مَاشِيًا
أَوْ رَاكِبًا حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُ بِالتَّحْلِيلَيْنِ، كَمَا فِي الْحَجِّ الصَّحِيحِ، وَإِنْ طَلَعَ عَلَيْهِ فَجْرُ يَوْمِ النَّحْرِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ سَقَطَ عَنْهُ تَوَابِعُ الْوُقُوفِ مِنْ مَبِيتٍ بِمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى وَرَمْيٍ وَتَحَلُّلٍ بِعُمْرَةٍ إنْ لَمْ يَخْتَرْ الْبَقَاءَ عَلَى إحْرَامِهِ لِيَحُجَّ مِنْ قَابِلٍ.
(وَإِنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ أَوْ) إلَى الْمَسْجِدِ (الْأَقْصَى لَزِمَهُ ذَلِكَ) أَيْ الْمَشْيُ إلَيْهِ (وَالصَّلَاةُ فِيهِ) رَكْعَتَيْنِ؛ إذْ الْقَصْدُ بِالنَّذْرِ الْقُرْبَةُ وَالطَّاعَةُ؛ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالصَّلَاةِ فَتَضَمَّنَ ذَلِكَ نَذْرَهَا.
(وَيَتَّجِهُ) أَوْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى أَعْلَى مِنْهُ كَنَذْرِهِ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ؛ لَزِمَهُ ذَلِكَ حَيْثُ وَجَبَ بِهِ أَحَدُ النُّسُكَيْنِ؛ وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
وَمَنْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؛ لَمْ تُجْزِئْهُ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ الْمَسَاجِدِ، وَإِنْ نَذَرَهَا فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَجْزَأَتْهُ فِيهِ وَفِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَإِنْ نَذَرَهَا فِي الْأَقْصَى أَجْزَأَتْهُ فِيهِ وَفِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ.
(وَإِنْ عَيَّنَ) بِنَذْرِهِ أَنْ يَأْتِيَ (مَسْجِدًا فِي غَيْرِ حَرَمٍ) ؛ أَيْ: غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ (لَمْ يَلْزَمْهُ إتْيَانُهُ) فَيُخَيَّرُ بَيْنَ فِعْلِهِ وَالتَّكْفِيرِ؛ لِحَدِيثِ «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى» (وَإِنْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِيهِ) ؛ أَيْ: فِيمَا سِوَى الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ؛ لَزِمَتْهُ الصَّلَاةُ؛ لِحَدِيثِ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» .
(وَصَلَّاهَا بِأَيِّ مَكَان شَاءَ) وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ إلَيْهِ وَالصَّلَاةُ فِيهِ؛ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ (فَإِنْ جَاءَهُ لَزِمَهُ عِنْدَ وُصُولِهِ رَكْعَتَانِ) لِمَا سَبَقَ.
(وَإِنْ نَذَرَ عِتْقَ رَقَبَةٍ فَعَلَيْهِ مَا يُجْزِئُ عَنْ وَاجِبٍ) فِي نَحْوِ ظِهَارٍ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى الْمَعْهُودِ الشَّرْعِيِّ، وَهُوَ الْوَاجِبُ فِي الْكَفَّارَةِ (إلَّا أَنْ يُعَيِّنَهَا) ؛ أَيْ: الرَّقَبَةَ كَهَذَا الْعَبْدِ أَوْ هَذِهِ الْأَمَةِ (فَيُجْزِئُهُ مَا عَيَّنَهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ سِوَاهُ (لَكِنْ لَوْ مَاتَ الْمَنْذُورُ الْمُعَيَّنُ أَوْ أَتْلَفَهُ نَاذِرٌ قَبْلَ عِتْقِهِ؛ لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ بِلَا عِتْقٍ) نَصًّا، لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ (وَعَلَى مُتْلِفِ) مَنْذُورٍ عِتْقُهُ قَبْلَهُ (غَيْرِهِ؛ أَيْ: النَّاذِرِ