الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي شُرُوطِ صِحَّةِ الشَّهَادَةِ]
فَصْلٌ (وَمَنْ شَهِدَ بِعَقْدِ) نِكَاحٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِمَا (اُعْتُبِرَ) لِصِحَّةِ شَهَادَتِهِ بِهِ (ذِكْرُ شُرُوطِهِ) لِلِاخْتِلَافِ فِيهَا، فَرُبَّمَا اعْتَقَدَ الشَّاهِدُ صِحَّةَ مَا لَا يَصِحُّ عِنْدَ الْقَاضِي.
(فَيُعْتَبَرُ فِي نِكَاحٍ) شَهِدَا بِهِ (أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِرِضَاهَا إنْ لَمْ تَكُنْ مُجْبَرَةً، وَذِكْرُ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ كَوُقُوعِهِ بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ وَخُلُوِّ مَوَانِعَ مَا لَمْ يَتَّحِدْ مَذْهَبُ شَاهِدٍ وَحَاكِمٍ بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ) وَهُوَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَيُعْتَبَرُ فِي شَهَادَةٍ (بِرَضَاعٍ) ذِكْرُ شَاهِدٍ عَدْلٍ بِهِ (عَدَدَ الرَّضَعَاتِ وَأَنَّهُ شَرِبَ مِنْ ثَدْيِهَا أَوْ مِنْ لَبَنٍ حُلِبَ مِنْهُ) لِأَنَّ النَّاسَ يَخْتَلِفُونَ فِي عَدَدِ الرَّضَعَاتِ وَفِي الرَّضَاعِ الْمُحَرِّمِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ ارْتَضَعَ (فِي الْحَوْلَيْنِ) لِأَنَّ الرَّضَاعَ بَعْدَهُمَا غَيْرُ مُحَرِّمٍ (فَلَا يَكْفِي هُوَ ابْنُهَا مِنْ الرَّضَاعِ) لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِيمَا يَصِيرُ بِهِ ابْنَهَا.
(وَ) يُعْتَبَرُ فِي شَهَادَةٍ بِقَتْلٍ (ذِكْرُ قَاتِلٍ، وَأَنَّهُ ضَرَبَهُ بِسَيْفٍ) فَقَتَلَهُ (أَوْ جَرَحَهُ فَقَتَلَهُ، أَوْ) يَشْهَدُ أَنَّهُ (مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْجُرْحِ، وَلَا يَكْفِي) أَنْ يَشْهَدَ (أَنَّهُ جَرَحَهُ فَمَاتَ) مِنْ جُرْحِهِ، جَوَازَ مَوْتِهِ بِغَيْرِ جُرْحِهِ.
وَيُعْتَبَرُ فِي شَهَادَةٍ بِزِنًا (ذِكْرُ زَانٍ وَمَزْنِيٍّ بِهَا وَأَيْنَ) ؛ أَيْ: فِي أَيِّ مَكَان (وَكَيْفَ) زَنَى بِهَا، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَشْهَدَ أَحَدُهُمْ بِزِنًا غَيْرِ الَّذِي شَهِدَ بِهِ غَيْرُهُ فَلَا تَلَفُّقَ (وَأَنَّهُ رَأَى ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا) لِئَلَّا يَعْتَقِدَ الشَّاهِدُ مَا لَيْسَ بِزِنًا زِنًا، وَيُقَالُ وَزَنَتْ الْعَيْنُ وَالْيَدُ وَالرِّجْلُ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَ) يُعْتَبَرُ فِي شَهَادَةٍ (بِسَرِقَةٍ ذِكْرُ مَسْرُوقٍ مِنْهُ وَذِكْرُ نِصَابٍ وَصِفَتِهَا)
أَيْ: السَّرِقَةِ كَقَوْلِهِ خَلَعَ الْبَابَ لَيْلًا، وَأَخَذَ الْفَرَسَ، وَأَزَالَ رَأْسَهُ عَنْ رِدَائِهِ وَهُوَ نَائِمٌ بِمَحَلِّ كَذَا.
وَأَخَذَهُ وَنَحْوَهُ؛ لِاخْتِلَافِ الْحُكْمِ بِاخْتِلَافِ السَّرِقَةِ.
(وَ) يُعْتَبَرُ فِي شَهَادَةٍ (بِقَذْفٍ ذِكْرُ مَقْذُوفٍ) لِيُعْلَمَ هَلْ يَجِبُ بِقَذْفِهِ الْحَدُّ أَوْ التَّعْزِيرُ، وَذِكْرُ (صِفَةِ قَذْفٍ) كَقَوْلِهِ لَهُ: يَا زَانِي أَوْ يَا عَاهِرُ وَنَحْوِهِ لِيُعْلَمَ هَلْ الصِّيغَةُ صَرِيحٌ فِيهِ أَوْ كِنَايَةٌ.
(وَ) يُعْتَبَرُ فِي شَهَادَةٍ بِإِكْرَاهٍ عَلَى فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ يُؤَاخَذُ بِهِ لَوْ كَانَ طَائِعًا، ذِكْرُ (أَنَّهُ ضَرَبَهُ أَوْ هَدَّدَهُ) عَلَيْهِ (وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى وُقُوعِ الْفِعْلِ) الَّذِي هَدَّدَهُ (بِهِ) .
(وَإِنْ شَهِدَ أَنْ هَذَا ابْنُ أَمَتِهِ أَوْ ثَمَرُ شَجَرَتِهِ) لَمْ يُحْكَمْ لِلْمَشْهُودِ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ وَلَدَتْهُ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهَا (حَتَّى يَقُولَ وَلَدَتْهُ) أَمَتُهُ (أَوْ أَثْمَرَتْهُ) شَجَرَتُهُ (بِمِلْكِهِ) فَإِذَا قَالَا ذَلِكَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا بِأَنَّ ذَلِكَ نَمَاءُ مِلْكِهِ، وَهُوَ لَهُ، مَا لَمْ يَرِدْ سَبَبٌ بِنَقْلِهِ عَنْهُ، وَلِشَهَادَتِهِمَا بِسَبَبِ مِلْكِهِ لَهُ، وَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَا أَقْرَضَهُ أَلْفًا أَوْ بَاعَهُ سُلْفَةً، وَبِخِلَافِ كَانَ مِلْكَهُ أَمْسِ كَمَا تَقَدَّمَ. .
(وَإِنْ شَهِدَا أَنْ هَذَا الْغَزْلَ مِنْ قُطْنِهِ) أَوْ شَهِدَا (أَنْ الدَّقِيقَ مِنْ حِنْطَتِهِ) أَوْ شَهِدَا أَنْ هَذَا (الطَّيْرَ مِنْ بَيْضَتِهِ، حُكِمَ لَهُ بِهِ) لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الْغَزْلُ أَوْ الدَّقِيقُ أَوْ الطَّيْرُ مِنْ قُطْنِهِ أَوْ حِنْطَتِهِ أَوْ بَيْضِهِ قَبْلَ مِلْكِهِ لِلْقُطْنِ أَوْ الْبَيْضَةِ، وَلِأَنَّ الْغَزْلَ هُوَ الْقُطْنُ لَكِنْ تَغَيَّرَتْ صِفَتُهُ، وَكَذَا الدَّقِيقُ وَالطَّيْرُ فَكَأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَالَتْ هَذَا غَزْلُهُ وَدَقِيقُهُ وَطَيْرُهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَلَدُ وَالثَّمَرَةُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْأُمِّ وَالشَّجَرَةِ، وَلَا يُحْكَمُ بِالْبَيْضَةِ (إنْ شَهِدَا أَنَّ هَذِهِ الْبَيْضَةَ مِنْ طَيْرِهِ) حَتَّى يَشْهَدَا أَنَّهَا بَاضَتْهَا فِي مِلْكِهِ، لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ الطَّيْرَةُ بَاضَتْهَا قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهَا.
أَوْ شَهِدَا (أَنَّهُ اشْتَرَى هَذَا) الْعَبْدَ أَوْ الثَّوْبَ وَنَحْوَهُ (مِنْ زَيْدٍ) حَتَّى يَقُولَا وَهُوَ فِي مِلْكِهِ، أَوْ شَهِدَا أَنَّ زَيْدًا (وَقَفَهُ) أَيْ الْعَبْدَ وَنَحْوَهُ (عَلَيْهِ)
أَوْ شَهِدَ أَنَّ زَيْدًا (أَعْتَقَهُ) أَيْ: الْقِنَّ لَمْ يُحْكَمْ بِذَلِكَ (حَتَّى يَقُولَا) أَيْ: الشَّاهِدَانِ بَاعَ ذَلِكَ أَوْ أَوْقَفَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ (وَهُوَ فِي مِلْكِهِ) لِجَوَازِ بَيْعِهِ أَوْ وَقْفِهِ أَوْ عِتْقِهِ مَا لَا يَمْلِكُهُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ ذَلِكَ لَتَمَكَّنَ كُلُّ مَنْ أَرَادَ انْتِزَاعَ شَيْءٍ مِنْ يَدِ غَيْرِهِ أَنْ يَتَّفِقَ مَعَ شَخْصٍ، وَيَبِيعَهُ إيَّاهُ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ ثُمَّ يَنْتَزِعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ يَدِ رَبِّهِ، وَيُقَاسِمَ بَائِعَهُ فِيهِ، وَهَذَا ضَرَرٌ عَظِيمٌ لَا يَرِدُ الشَّرْعُ بِمِثْلِهِ.
(وَمَنْ ادَّعَى إرْثَ مَيِّتٍ فَشَهِدَا) ؛ أَيْ: الشَّاهِدَانِ (أَنَّهُ وَارِثٌ لَا يَعْلَمَانِ) وَارِثًا غَيْرَهُ، وَهُمَا مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ أَوْ لَا، سُلِّمَ إلَيْهِ، لِأَنَّهُ مِمَّا يُمْكِنُ عِلْمُهُ، فَكَفَى فِيهِ الظَّاهِرُ (أَوْ قَالَا) لَا نَعْلَمُ وَارِثًا غَيْرَهُ (فِي هَذَا الْبَلَدِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْبَلَدِ، وَقَدْ نَفَيَا الْعِلْمَ بِهِ فِي هَذَا الْبَلَدِ، فَصَارَ فِي حُكْمِ الْمُطْلَقِ (سَوَاءٌ كَانَا) أَيْ: الشَّاهِدَانِ (مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ أَوْ لَا، سُلِّمَ إلَيْهِ إرْثٌ بِغَيْرِ كَفِيلٍ) لِثُبُوتِ أَنَّهُ لَهُ، الْأَصْلُ الشَّرِيكِ، وَيُسَلَّمُ إلَيْهِ الْإِرْثُ (بِهِ) أَيْ: كَفِيلٍ (إنْ شَهِدَ بِإِرْثِهِ) أَيْ: بِأَنَّهُ وَارِثُهُ (فَقَطْ) بِأَنْ لَمْ يَقُولَا، وَلَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا سِوَاهُ (ثُمَّ إنْ شَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ وَارِثٌ شَارَكَ) الْأَوَّلَ فِي إرْثِ الْمَيِّتِ.
قَالَ الْمُوَفَّقُ فِي فَتَاوِيهِ: إنَّمَا احْتَاجَ إلَى بَيَانِ لَا وَارِثَ سِوَاهُ، لِأَنَّهُ يُعْلَمُ ظَاهِرًا، فَإِنَّهُ بِحُكْمِ الْعَادَةِ يَعْرِفُهُ جَارُهُ، وَمَنْ يَعْلَمُ بَاطِنَ أَمْرِهِ، بِخِلَافِ دَيْنِهِ عَلَى الْمَيِّتِ لَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ سِوَاهُ، لِخَفَاءِ الدَّيْنِ، لِأَنَّ جِهَاتِ الْإِرْثِ يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهَا عَنْ يَقِينٍ.
(وَلَا تُرَدُّ الشَّهَادَةُ عَلَى نَفْيِ مَحْصُورٍ بِدَلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) وَمَسْأَلَةِ (الْإِعْسَارِ) وَالْبَيِّنَةُ فِيهِ ثَبَتَ مِنْهَا مَا يَظْهَرُ وَيُشَاهَدُ، بِخِلَافِ شَهَادَتِهِمَا لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ:«دُعِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى الصَّلَاةِ فَقَامَ فَطَرَحَ السِّكِّينَ وَصَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» .
قَالَ الْقَاضِي فِي نَحْوِ هَذَا، وَلِأَنَّ الْعِلْمَ بِالتَّرْكِ وَالْعِلْمَ بِالْفِعْلِ سَوَاءٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَلِهَذَا نَقُولُ: إنَّ مَنْ قَالَ صَحِبْت فُلَانًا فِي يَوْمِ كَذَا، فَلَمْ يَقْذِفْ فُلَانًا، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ كَمَا تُقْبَلُ فِي الْإِثْبَاتِ. .