الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دِبْسًا أَوْ خَلًّا، أَوْ) حَلَفَ (لَا أَكَلْتُ هَذَا اللَّبَنَ فَصَارَ جُبْنًا وَنَحْوَهُ) بِأَنْ صَارَ أَقِطًا (ثُمَّ أَكَلَهُ وَلَا نِيَّةَ لَهُ وَلَا سَبَبَ - حَنِثَ) لِبَقَاءِ عَيْنِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، كَحَلِفِهِ لَا لَبِسْت هَذَا الْغَزْلَ فَصَارَ ثَوْبًا وَ (كَقَوْلِهِ) لَا أَكَلْتُ (هَذَا التَّمْرَ الْحَدِيثَ فَعَتَقَ أَوْ) لَا كَلَّمْتُ هَذَا (الرَّجُلَ الصَّحِيحَ فَمَرِضَ، وَكَالسَّفِينَةِ) إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا (فَتُنْقَضُ ثُمَّ تُعَادُ وَيَدْخُلُهَا، وَكَالْبَيْضَةِ) إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُهَا (فَتَصِيرُ فَرْخًا) فَيَأْكُلُهُ، فَيَحْنَثُ فِي الْجَمِيعِ، لِقُوَّةِ التَّعْيِينِ.
وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا كَلَّمْت صَاحِبَ هَذَا الطَّيْلَسَانِ فَكَلَّمَهُ بَعْدَ بَيْعِهِ (فَلَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ مِنْ هَذِهِ الْبَيْضَةِ أَوْ التُّفَّاحَةِ، فَعَمِلَ مِنْهَا)، أَيْ: التُّفَّاحَةِ (شَرَابًا، أَوْ) عَمِلَ مِنْ الْبَيْضَةِ (نَاطِفًا فَأَكَلَهُ، بَرَّ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ التَّعْيِينَ أَبْلَغُ مِنْ دَلَالَةِ الِاسْمِ عَلَى الْمُسَمَّى (وَكَهَاتَيْنِ) أَيْ الْبَيْضَةِ وَالتُّفَّاحَةِ وَ (نَحْوِهِمَا) .
تَتِمَّةٌ إذَا نَوَى بِيَمِينِهِ فِي شَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ مَا دَامَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ وَالْإِضَافَةِ أَوْ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ، أَوْ كَانَ السَّبَبُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ النِّيَّةِ وَالسَّبَبِ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّعْيِينِ.
[فَصْلٌ انعدام النِّيَّةِ وَالسَّبَبِ وَالتَّعْيِينِ فِي الْيَمِين]
فَصْلٌ (فَإِنْ عَدِمَ ذَلِكَ) أَيْ: مَا تَقَدَّمَ مِنْ النِّيَّةِ وَالسَّبَبِ وَالتَّعْيِينِ (رَجَعَ فِي الْيَمِينِ إلَى مَا تَنَاوَلَهُ الِاسْمُ) ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَاهُ وَلَا صَارِفَ عَنْهُ (وَيُقَدَّمُ) عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إذَا اخْتَلَفَتْ الْأَسْمَاءُ (شَرْعِيٌّ فَعُرْفِيٌّ فَلُغَوِيٌّ) فَإِنْ لَمْ تَخْتَلِفْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا مُسَمًّى وَاحِدٌ كَسَمَاءٍ وَأَرْضٍ وَرَجُلٍ وَإِنْسَانٍ وَنَحْوِهَا، انْصَرَفَ الْيَمِينُ إلَى مُسَمَّاهُ بِلَا خِلَافٍ.
(ثُمَّ الِاسْمُ الشَّرْعِيُّ مَا لَهُ مَوْضُوعٌ شَرْعًا وَمَوْضُوعٌ لُغَةً، كَصَلَاةٍ وَزَكَاةٍ
وَصَوْمٍ وَحَجٍّ) وَعُمْرَةٍ وَوُضُوءٍ وَبَيْعٍ (فَالْيَمِينُ الْمُطْلَقَةُ) عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَوْ تَرْكِهِ (تَنْصَرِفُ) لِلْمَوْضُوعِ (الشَّرْعِيِّ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ لِلْفَهْمِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَلِذَلِكَ حُمِلَ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّارِعِ حَيْثُ لَا صَارِفَ. (وَتَتَنَاوَلُ الصَّحِيحَ مِنْهُ)، أَيْ: مِنْ الْمَوْضُوعِ الشَّرْعِيِّ، بِخِلَافِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ شَرْعًا (فَمَنْ حَلَفَ لَا يَنْكِحُ أَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ أَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي وَالشَّرِكَةُ شِرَاءٌ وَالتَّوْلِيَةُ شِرَاءٌ وَالسَّلَمُ شِرَاءٌ وَالصُّلْحُ عَلَى مَالٍ شِرَاءٌ، فَعَقَدَ عَقْدًا فَاسِدًا) مِنْ بَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ، أَوْ شِرَاءٍ (لَمْ يَحْنَثْ) ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ لَا يَتَنَاوَلُ الْفَاسِدَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وَإِنَّمَا أَحَلَّ الصَّحِيحَ مِنْهُ.
وَكَذَا النِّكَاحُ وَغَيْرُهُ (إلَّا إنْ حَلَفَ لَا يَحُجُّ، فَحَجَّ حَجًّا فَاسِدًا) فَيَحْنَثُ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا أَعْتَمَرَ فَاعْتَمَرَ عُمْرَةً فَاسِدَةً، حَنِثَ بِخِلَافِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ، لِوُجُوبِ الْمُضِيِّ فِي فَاسِدِهِمَا وَكَوْنِهِ كَالصَّحِيحِ فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ وَيَلْزَمُ مِنْ فِدْيَةٍ، وَيَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ أَوْ يَشْتَرِي فَفَعَلَ وَلَوْ بِشَرْطِ خِيَارٍ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ لِصَحِيحٍ كَاللَّازِمِ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ) أَوْ عَقَدَ مَنْ حَلَفَ لَا يَعْقِدُ عَقْدًا مِنْ الْعُقُودِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَاسِدًا (وَحَكَمَ بِصِحَّةِ ذَلِكَ الْعَقْدِ حَاكِمٌ) يَرَاهُ، فَيَحْنَثُ الْعَاقِدُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَلَوْ قَيَّدَ حَالِفٌ يَمِينَهُ بِمُمْتَنِعِ الصِّحَّةِ كَ) مَنْ حَلَفَ (لَا يَبِيعُ الْخَمْرَ أَوْ لَا يَبِيعُ الْحُرَّ، أَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ سَرَقْت مِنِّي شَيْئًا وَبِعْتنِيهِ) فَأَنْتِ طَالِقٌ (أَوْ) قَالَ لَهَا إنْ (طَلَّقْت فُلَانَةَ الْأَجْنَبِيَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَفَعَلَتْ) أَيْ: سَرَقَتْ مِنْهُ شَيْئًا فَبَاعَتْهُ إيَّاهُ (أَوْ فَعَلَ) هُوَ بِأَنْ بَاعَ الْخَمْرَ أَوْ قَالَ لِلْأَجْنَبِيَّةِ أَنْتِ طَالِقٌ
(حَنِثَ بِصُورَةِ ذَلِكَ) لِتَعَذُّرِ الصَّحِيحِ، فَتَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إلَى مَا كَانَ عَلَى صُورَتِهِ كَالْحَقِيقَةِ إذَا تَعَذَّرَتْ يُحْمَلُ اللَّفْظُ عَلَى مَجَازِهِ، وَالْحَلِفُ عَلَى الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا يَتَنَاوَلُهُ فِي الْمَاضِي.
(وَمَنْ حَلَفَ لَا يَحُجُّ أَوْ حَلَفَ لَا يَعْتَمِرُ حَنِثَ) حَالِفٌ (بِإِحْرَامٍ بِهِ) أَيْ: الْحَجِّ (أَوْ)، أَيْ: وَحَنِثَ حَالِفٌ لَا يَعْتَمِرُ بِإِحْرَامٍ (بِهَا) أَيْ: الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا بِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ. (وَ) مَنْ حَلَفَ (لَا يَصُومُ) حَنِثَ (بِشُرُوعٍ صَحِيحٍ) فِي الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى صَائِمًا بِالشُّرُوعِ فِيهِ وَلَوْ نَفْلًا بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ حَيْثُ لَمْ يَأْتِ بِمُنَافٍ لِلصَّوْمِ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ) أَنَّهُ يَحْنَثُ (إنْ تَمَّ) صَوْمُهُ (صَحِيحًا) لِإِتْيَانِهِ بِمَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ (كَامِلًا، فَإِذَا صَامَ يَوْمًا كَامِلًا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ حَنِثَ مُنْذُ شَرَعَ، فَلَوْ كَانَ حَلَفَ وَوَلَدَتْ بَعْدَهُ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا.
وَإِنْ كَانَ حَلِفُهُ بِطَلَاقٍ بَائِنٍ، وَمَاتَتْ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَمْ يَرِثْهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ) .
فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ حَالَ حَلِفِهِ لَا يَفْعَلَنَّ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ مُتَلَبِّسًا بِهِ فَاسْتَدَامَهُ حَنِثَ بِالِاسْتِدَامَةِ كَمَا يَأْتِي فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ بَعْدَهُ، خِلَافًا لِلْإِقْنَاعِ هُنَا.
(وَ) مَنْ حَلَفَ (لَا يُصَلِّي حَنِثَ بِالتَّكْبِيرِ)، أَيْ: تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ (وَلَوْ عَلَى جِنَازَةٍ) لِدُخُولِهَا فِي عُمُومِ الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ الطَّوَافِ. وَ (لَا) يَحْنَثُ (مَنْ حَلَفَ لَا يَصُومُ صَوْمًا حَتَّى يَصُومَ يَوْمًا، أَوْ) حَلَفَ (لَا يُصَلِّي صَلَاةً حَتَّى يَفْرَغَ مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُهَا)، أَيْ: الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ صَوْمًا أَوْ صَلَاةً اُعْتُبِرَ فِعْلُ صَوْمٍ شَرْعِيٍّ أَوْ صَلَاةٍ كَذَلِكَ، وَأَقَلُّهُمَا مَا ذُكِرَ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَصُومَنَّ أَوْ لِيُصَلِّيَن فَلَا يَبَرُّ إلَّا بِصَوْمِ يَوْمٍ (أَوْ) صَلَاةِ رَكْعَةٍ.
وَمَنْ (حَلَفَ لَيَبِيعَنَّ كَذَا، فَبَاعَهُ بِعَرَضٍ أَوْ نَسِيئَةً بَرَّ) ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ.
(وَ) مَنْ حَلَفَ (لَا يَهَبُ أَوْ) حَلَفَ (لَا يُهْدِي، أَوْ حَلَفَ لَا يُوصِي أَوْ لَا يَتَصَدَّقُ، أَوْ لَا يُعِيرُ حَنِثَ بِفِعْلِهِ)، أَيْ: إيجَابِهِ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا عِوَضَ فِيهَا، فَسَمَّاهَا الْإِيجَابَ فَقَطْ، وَأَمَّا الْقَبُولُ فَشَرْطٌ لِنَقْلِ الْمِلْكِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ السَّبَبِ، وَيَشْهَدُ لِلْوَصِيَّةِ قَوْله تَعَالَى:{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180] الْآيَةَ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُرِيدُ الْإِيجَابَ دُونَ الْقَبُولِ، وَالْهِبَةُ وَنَحْوُهَا فِي مَعْنَاهَا بِجَامِعِ عَدَمِ الْعِوَضِ.
وَ (لَا) يَحْنَثُ (إنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ فُلَانًا أَوْ لَا يُؤَجِّرُ أَوْ لَا يُزَوِّجُ فُلَانًا حَتَّى يَقْبَلَ) فُلَانٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ بَيْعًا وَلَا إجَارَةً وَلَا تَزْوِيجًا إلَّا بَعْدَ الْقَبُولِ.
(وَ) مَنْ حَلَفَ (لَا يَهَبُ زَيْدًا شَيْئًا، فَأَهْدَى إلَيْهِ) شَيْئًا (أَوْ بَاعَهُ) شَيْئًا (أَوْ حَابَاهُ) فِيهِ (أَوْ وَقَفَ) عَلَيْهِ (أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ صَدَقَةَ تَطَوُّعٍ - حَنِثَ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْهِبَةِ.
وَ (لَا) يَحْنَثُ (إنْ كَانَتْ الصَّدَقَةُ) الَّتِي تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ (وَاجِبَةً) كَالزَّكَاةِ (أَوْ كَانَتْ مِنْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ ضَيَّفَهُ الْقَدْرَ الْوَاجِبَ) مِنْ ضِيَافَةٍ، فَلَا حِنْثَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَا يُسَمَّى هِبَةً (أَوْ أَبْرَأَهُ) مِنْ دَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ فَلَا حِنْثَ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكُ عَيْنٍ، وَلَيْسَ لَهُ إلَّا دَيْنٌ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ.
(وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ وَلَوْ) كَانَ إبْرَاؤُهُ مِنْ زَيْدٍ مِنْ دَيْنٍ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ (بِلَفْظِ هِبَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لِمَا فِي الذِّمَّةِ إبْرَاءٌ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ أَعَارَهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ) فَلَا حِنْثَ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ إبَاحَةٌ لَا تَمْلِيكٌ، وَالْوَصِيَّةُ تَمْلِيكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْهِبَةُ تَمْلِيكٌ فِي الْحَيَاةِ، فَهُمَا غَيْرَانِ (أَوْ حَلَفَ لَا يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ فَوَهَبَهُ) فَلَا حِنْثَ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ نَوْعٌ خَاصٌّ مِنْ الْهِبَةِ، وَلَا يَحْنَثُ