الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ يَصِحُّ فِي الْإِقْرَار اسْتِثْنَاءُ النِّصْفِ فَأَقَلَّ]
فَصْلٌ (وَيَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ النِّصْفِ فَأَقَلَّ) لَا أَكْثَرَ مِنْهُ.
قَالَ الزَّجَّاجُ: لَمْ يَأْتِ الِاسْتِثْنَاءُ إلَّا فِي الْقَلِيلِ مِنْ الْكَثِيرِ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ إلَّا تِسْعَةً وَتِسْعِينَ لَمْ يَكُنْ مُتَكَلِّمًا بِالْعَرَبِيَّةِ (فَيَلْزَمُهُ) أَيْ: الْمُقِرَّ (أَلْفٌ) فِي قَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا أَلْفًا، أَوْ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ (إلَّا سِتِّمِائَةٍ) لِبُطْلَانِ الِاسْتِثْنَاءِ (وَ) يَلْزَمُهُ (خَمْسَةٌ فِي قَوْلِهِ لَك عَلَيَّ عَشْرَةٌ إلَّا خَمْسَةً أَوْ قَوْلِهِ لَيْسَ لَك عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً) لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ النِّصْفِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ (بِشَرْطٍ) مُتَعَلِّقٍ بِ يَصِحُّ (أَنْ لَا يَسْكُتَ) الْمُسْتَثْنِي بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَالْمُسْتَثْنَى (مَا) ؛ أَيْ: زَمَنًا (يُمْكِنُهُ كَلَامٌ فِيهِ وَأَنْ لَا يَأْتِيَ بِكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ بَيْنَهُمَا) ، أَوْ فَصْلٍ بِكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ فَقَدْ اسْتَقَرَّ حُكْمُ مَا أَقَرَّ بِهِ؛ فَلَمْ يَرْتَفِعْ، بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّصَلَ؛ فَإِنَّهُ كَلَامٌ وَاحِدٌ، (وَ) بِشَرْطِ (أَنْ يَكُونَ) الْمُسْتَثْنَى (مِنْ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ) ؛ أَيْ: كَوْنَهُ مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَنَوْعِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ أَخْرَجَ بَعْضَ مَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ بِمَوْضُوعِهِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ لَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ بِمَوْضُوعِهِ، فَمَنْ قَالَ عَنْ آخَرَ (لَهُ عَلَيَّ هَؤُلَاءِ الْعَبِيدُ الْعَشَرَةُ إلَّا وَاحِدًا) فَاسْتِثْنَاؤُهُ (صَحِيحٌ) لِوُجُودِ شَرَائِطِهِ (وَيَلْزَمُهُ) تَسْلِيمُ (تِسْعَةٍ) وَيَرْجِعُ إلَيْهِ فِي تَعْيِينِ الْمُسْتَثْنَى؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ (فَإِنْ مَاتُوا) إلَّا وَاحِدًا (أَوْ قُتِلُوا) إلَّا وَاحِدًا (أَوْ غُصِبُوا إلَّا وَاحِدًا، فَقَالَ هُوَ الْمُسْتَثْنَى؛ قُبِلَ مِنْهُ ذَلِكَ بِيَمِينِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَسَائِرُ أَدَوَاتِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي ذَلِكَ كَإِلَّا؛ فَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ سِوَى دِرْهَمٍ أَوْ غَيْرَ دِرْهَمٍ بِالنَّصْبِ أَوْ لَيْسَ دِرْهَمًا أَوْ خَلَا أَوْ عَدَا أَوْ حَاشَا؛ دِرْهَمًا
وَنَحْوَهُ؛ فَهُوَ مُقِرٌّ بِتِسْعَةٍ، وَإِنْ قَالَ: غَيْرُ دِرْهَمٍ - بِضَمِّ الرَّاءِ - وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ؛ كَانَ مُقِرًّا بِعَشَرَةٍ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ صِفَةً لِلْعَشَرَةِ الْمُقَرِّ بِهَا، وَلَوْ كَانَتْ اسْتِثْنَائِيَّةً كَانَتْ مَنْصُوبَةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ لَزِمَهُ تِسْعَةٌ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يُرِيدُ الِاسْتِثْنَاءَ وَضَمُّهَا جَهْلٌ مِنْهُ بِالْعَرَبِيَّةِ.
وَإِنْ قَالَ لَهُ؛ أَيْ: فُلَانٌ (هَذِهِ الدَّارُ وَلِي نِصْفُهَا، أَوْ قَالَ إلَّا نِصْفَهَا، أَوْ قَالَ إلَّا هَذَا الْبَيْتَ أَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ لَهُ، وَهَذَا الْبَيْتُ لِي؛ قُبِلَ) مِنْهُ ذَلِكَ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ بِمَا يُخَالِفُهُ (وَلَوْ كَانَ الْبَيْتُ أَكْثَرَهَا) ؛ أَيْ: الدَّارِ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ جَعَلَتْ الْإِقْرَارَ فِيمَا عَدَا الْمُسْتَثْنَى؛ فَالْمُقَرُّ بِهِ مُعَيَّنٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ، وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ (إنْ قَالَ) لَهُ الدَّارُ إلَّا (ثُلُثَيْهَا وَنَحْوَهُ) كَالثَّلَاثَةِ أَرْبَاعِهَا أَوْ خَمْسَةِ أَسْدَاسِهَا؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ شَائِعٌ، وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ.
وَإِنْ قَالَ عَنْ آخَرَ: لَهُ عَلَيَّ (دِرْهَمَانِ وَثَلَاثَةٌ إلَّا دِرْهَمَيْنِ) أَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ (خَمْسَةُ دَرَاهِمَ إلَّا دِرْهَمَيْنِ وَدِرْهَمًا، يَلْزَمُهُ خَمْسَةٌ فِيهِمَا) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِعَوْدِ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى أَقْرَبِ الْمَذْكُورِينَ وَهُوَ الثَّلَاثَةُ؛ لِأَنَّ عُودَهُ إلَى مَا يَلِيه مُتَيَقَّنٌ، وَمَا زَادَ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَاسْتِثْنَاءُ الدِّرْهَمَيْنِ مِنْ الثَّلَاثَةِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ ثَلَاثَةٍ مِنْ خَمْسَةٍ، وَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ.
وَإِنْ قَالَ: لَهُ (عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ إلَّا دِرْهَمًا يَلْزَمُهُ) ؛ أَيْ: الْمُقِرَّ (دِرْهَمَانِ) لِعَوْدِ الِاسْتِثْنَاءِ لِمَا يَلِيه، لِمَا تَقَدَّمَ؛ فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءً لِلْكُلِّ (وَ) إنْ قَالَ (لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا ثَوْبًا أَوْ) لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ (إلَّا دِينَارًا يَلْزَمُهُ الْمِائَةُ) دِرْهَمٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ صَرَفَ اللَّفْظَ بِحَرْفِ الِاسْتِثْنَاءِ عَمَّا كَانَ يَقْتَضِيه لَوْلَاهُ، وَغَيْرُ الْجِنْسِ لَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي الْكَلَامِ، وَإِنَّمَا يُسَمَّى اسْتِثْنَاءً تَجَوُّزًا، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاكٌ وَلَا دَخْلَ لَهُ فِي الْإِقْرَارِ لِأَنَّهُ إثْبَاتٌ لِلْمُقَرِّ بِهِ فَإِذَا دَخَلَ الِاسْتِدْرَاكُ بَعْدَهُ كَانَ بَاطِلًا، وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَهُ جُمْلَةً كَقَوْلِهِ لَهُ عِنْدِي مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا ثَوْبًا لِي عَلَيْهِ، كَانَ مُقِرًّا بِشَيْءٍ مُدَّعِيًا لِشَيْءٍ سِوَاهُ؛ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ، وَتَبْطُلُ دَعْوَاهُ.
وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا دِرْهَمَيْنِ، وَإِلَّا ثَلَاثَةٌ؛ لَزِمَهُ خَمْسَةٌ.
وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ (عَشَرَةُ
آصُعَ تَمْرٍ بَرْنِيِّ إلَّا ثَلَاثَةَ آصُعَ تَمْرٍ مَعْقِلِيٍّ؛ لَزِمَهُ) الْعَشَرَةُ مِنْ التَّمْرِ الْبَرْنِيِّ، وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ، لِأَنَّهُ مِنْ غَيْرِ النَّوْعِ.
(وَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ} [الحجر: 58]{إِلا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 59]{إِلا امْرَأَتَهُ} [الحجر: 60] وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إبْطَالٌ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ رُجُوعٌ إلَى مُوجِبِ الْإِقْرَارِ، فَمَنْ قَالَ عَنْ آخَرَ (لَهُ عَلَيَّ سَبْعَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً إلَّا دِرْهَمًا يَلْزَمُهُ خَمْسَةٌ) لِعَوْدِ الِاسْتِثْنَاءِ لِمَا قَبْلَهُ، فَقَدْ اسْتَثْنَى دِرْهَمًا مِنْ الثَّلَاثَةِ، فَبَقِيَ اثْنَانِ اسْتَثْنَاهُمَا مِنْ السَّبْعَةِ، فَبَقِيَ خَمْسَةٌ؛ فَهِيَ الْمُقَرُّ بِهَا (وَكَذَا) .
يَلْزَمُهُ خَمْسَةٌ إذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ (عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً إلَّا ثَلَاثَةً إلَّا دِرْهَمَيْنِ إلَّا دِرْهَمًا) لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الثَّلَاثَةِ مِنْ الْخَمْسَةِ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ مِنْ النِّصْفِ؛ فَيَبْطُلُ هُوَ وَمَا بَعْدَهُ، وَفِيهَا أَوْجُهٌ أُخَرٌ مِنْهَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ سَبْعَةٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى دِرْهَمًا مِنْ دِرْهَمَيْنِ، فَبَقِيَ دِرْهَمٌ اسْتَثْنَاهُ مِنْ ثَلَاثَةٍ؛ (بَقِيَ دِرْهَمَانِ اسْتَثْنَاهُمَا) مِنْ خَمْسَةٍ، بَقِيَ ثَلَاثَةٌ اسْتَثْنَاهَا مِنْ عَشَرَةٍ؛ بَقِيَ سَبْعَةٌ، وَهَذَا مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثَةً إلَّا ثِنْتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً؛ يَقَعُ ثِنْتَانِ، (وَبَطَلَ) الِاسْتِثْنَاءُ كُلُّهُ (فِيمَا) إذَا قَالَ (لَهُ عَلَيَّ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ إلَّا ثَلَاثَةً إلَّا دِرْهَمًا) لِأَنَّ الْأَوَّلَ بَاطِلٌ فَكَذَا فَرْعُهُ (وَ) إنْ أَتَى بِالِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ مَعْطُوفًا، كَقَوْلِهِ (لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً، وَإِلَّا دِرْهَمَانِ؛ لَزِمَهُ خَمْسَةٌ) لِأَنَّهُ عَرَبِيٌّ.