الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ قَتَلَ أَتَى حَدًّا خَارِجَ مَكَّةَ ثُمَّ لَجَأَ إلَيْهَا أَوْ لَجَأَ حَرْبِيٌّ أومرتد إلَيْهِ]
فَصْلٌ (وَمَنْ قَتَلَ أَوْ قَطَعَ طَرَفًا) أَوْ أَتَى حَدًّا خَارِجَ حَرَمِ مَكَّةَ لَا الْمَدِينَةِ ثُمَّ لَجَأَ إلَيْهِ، (أَوْ) لَجَأَ (حَرْبِيٌّ أَوْ) لَجَأَ مُرْتَدٌّ (إلَيْهِ؛ حَرُمَ أَنْ يُؤْخَذَ فِيهِ) ؛ أَيْ: الْحَرَمِ (بِقَتْلٍ وَغَيْرِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] وَهُوَ خَبَرٌ أُرِيدَ بِهِ الْأَمْرُ؛ أَيْ: أَمِّنُوهُ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «حَرَّمَ سَفْكَ الدِّمَاءِ بِمَكَّةَ» ، وَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُولُوا إنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ» . وَقَوْلُهُ: «إنَّ أَعْدَى النَّاسِ عَلَى اللَّهِ مَنْ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ» ) رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَحَدِيثِ أَبِي شُرَيْحٍ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَوْ وَجَدْتُ قَاتِلَ عُمَرَ فِي الْحَرَمِ مَا هَيَّجْتُهُ (لَكِنْ لَا يُبَايَعُ وَلَا يُشَارَى وَلَا يُكَلَّمُ) وَلَا يُطْعَمُ وَلَا يُسْقَى وَلَا يُؤَاكَلُ وَلَا يُشَارَبُ وَلَا يُجَالَسُ؛ وَيُهْجَرُ (حَتَّى يَخْرُجَ) مِنْ الْحَرَمِ، (فَيُقَامُ عَلَيْهِ) لِئَلَّا يَتَمَكَّنَ مِنْ الْإِقَامَةِ دَائِمًا، فَيَضِيعُ الْحَقُّ الَّذِي عَلَيْهِ.
(وَمَنْ فَعَلَهُ) ؛ أَيْ: قَتَلَ أَوْ أَتَى حَدًّا فِيهِ - أَيْ فِي الْحَرَمِ أُخِذَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (بِهِ) ؛ أَيْ بِمَا فَعَلَهُ (فِيهِ) -، أَيْ: فِي الْحَرَمِ - قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فِي الْحَرَمِ أُقِيمَ عَلَيْهِ مَا أَحْدَثَ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} [البقرة: 191] الْآيَةَ، فَأَبَاحَ قَتْلَهُمْ عِنْدَ قِتَالِهِمْ فِي الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْحَرَمِ يَحْتَاجُونَ
إلَى الزَّجْرِ عَنْ الْمَعَاصِي حِفْظًا لِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ، وَلَوْ لَمْ يُشْرَعْ الْحَدُّ فِيهِ لَتَعَطَّلَتْ الْحُدُودُ فِي حَقِّهِمْ، وَفَاتَتْ الْمَصَالِحُ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا.
(وَمَنْ قُوتِلَ فِيهِ) ؛ أَيْ: الْحَرَمِ (دَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ فَقَطْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: " {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 191] قُرِئَ بِهِمَا، ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّ مُجَاهِدًا وَغَيْرَهُ قَالُوا: الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ. وَفِي التَّمْهِيدِ " أَنَّهَا نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ تُقَاتَلُ الْبُغَاةُ إذَا لَمْ يَنْدَفِعْ بَغْيُهُمْ إلَّا بِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ، وَحِفْظُهَا فِي حَرَمِهِ أَوْلَى مِنْ إضَاعَتِهَا، وَذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَحَمَلَ الْخَبَرَ عَلَى مَا يَعُمُّ إتْلَافَهُ كَالْمَنْجَنِيقِ إذَا أَمْكَنَ إصْلَاحٌ بِدُونِ ذَلِكَ.
(وَذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيِّ لَوْ تَغَلَّبَ فِيهِ كُفَّارٌ أَوْ بُغَاةٌ، وَجَبَ قِتَالُهُمْ فِيهِ) ؛ أَيْ: الْحَرَمِ (بِالْإِجْمَاعِ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: إنْ تَعَدَّى أَهْلُ مَكَّةَ عَلَى الرَّكْبِ؛ فَإِنَّهُ (يُدْفَعُ مُتَعَدٍّ فِيهِ) ؛ أَيْ: الْحَرَمِ (كَ) مَا يُدْفَعُ (الصَّائِلُ) وَلِلْإِنْسَانِ أَنْ يَدْفَعَ مَعَ الرَّكْبِ، بَلْ يَجِبُ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ.
وَفِي " الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ " الطَّائِفَةُ الْمُمْتَنِعَةُ بِالْحَرَمِ مِنْ مُبَايَعَةِ الْإِمَامِ لَا تُقَاتَلُ، لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ لَهَا تَأْوِيلٌ.
(وَلَا تَعْصِمُ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ وَسَائِرُ الْبِقَاعِ شَيْئًا مِنْ الْحُدُودِ وَالْجِنَايَاتِ) فَلَوْ أَتَى بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ دَخَلَ شَهْرٌ حَرَامٌ؛ أُقِيم عَلَيْهِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ؛ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ.
(وَإِذَا أَتَى غَازٍ حَدًّا، أَوْ أَتَى قَوَدًا) وَهُوَ (بِأَرْضِ الْعَدُوِّ أَوْ خَارِجِهَا، ثُمَّ دَخَلَ إلَيْهَا؛ لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ) ؛ أَيْ: الْحَدِّ أَوْ الْقَوَدِ (حَتَّى يَرْجِعَ لِدَارِ الْإِسْلَامِ) لِخَبَرِ بَشِيرِ بْنِ أَرْطَاةَ أَنَّهُ أَتَى بِرَجُلٍ فِي الْغَزَاةِ قَدْ سَرَقَ بُخْتِيَّةً فَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «لَوْ تُقْطَعُ الْأَيْدِي فِي الْغَزَاةِ لَقَطَعْتُكَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَهُوَ إجْمَاعٌ لِلصَّحَابَةِ، فَإِذَا رَجَعَ إلَى دَارِ