الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْإِسْلَامِ يُقَامُ عَلَيْهِ، لِعُمُومِ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ.
وَرَوَى سَعِيدٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْأَحْوَصِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى النَّاسِ أَنْ لَا يَجْلِدَنَّ أَمِيرُ الْجَيْشِ وَلَا سَرِيَّةٍ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَدًّا وَهُوَ غَازٍ حَتَّى يَقْطَعَ الدَّرْبَ قَافِلًا، وَإِنَّمَا أُخِّرَ لِعَارِضٍ وَقَدْ زَالَ، وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا تَلْحَقُهُ حَمِيَّةُ الشَّيْطَانِ فَيَلْحَقُ بِالْكُفَّارِ.
تَتِمَّةٌ: وَإِنْ أَتَى بِمَا يُوجِبُ حَدًّا أَوْ قِصَاصًا فِي الثُّغُورِ أُقِيمَ عَلَيْهِ فِيهَا قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ " بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ "؛ لِأَنَّهَا مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَى زَجْرِ أَهْلِهَا كَالْحَاجَةِ إلَى زَجْرِ غَيْرِهِمْ؛ وَإِنْ أَتَى حَدًّا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ أَوْ أُسِرَ؛ أُقِيمَ عَلَيْهِ إذَا خَرَجَ مِنْهَا.
[بَابٌ حَدُّ الزِّنَا]
الزِّنَا، بِالْقَصْرِ فِي لُغَةِ الْحِجَازِ وَالْمَدِّ عِنْدَ تَمِيمٍ، وَالزِّنَا اسْمٌ لِفِعْلٍ مَعْلُومٍ، وَهُوَ إيلَاجُ فَرْجٍ فِي مَحِلٍّ مُحَرَّمٍ مُشْتَهًى، وَمَعْنَاهُ قَضَاءُ شَهْوَةِ الْفَرْجِ بِسَفْحِ الْمَاءِ فِي مَحِلٍّ مُحَرَّمٍ مُشْتَهًى مِنْ غَيْرِ دَاعِيَةٍ لِلْوَلَدِ، وَيُسَمَّى سِفَاحًا (وَهُوَ فِعْلُ الْفَاحِشَةِ فِي قُبُلٍ أَوْ فِي دُبُرٍ وَهُوَ) ؛ أَيْ: الزِّنَا (أَكْبَرُ الذُّنُوبِ) الْمُوبِقَاتِ (بَعْدَ شِرْكٍ) قُدِّمَ الشِّرْكُ لِأَنَّهُ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، لِأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْجَنَّةَ عَلَى كُلِّ مُشْرِكٍ، وَأَبَاحَ دَمَهُ وَمَالَهُ وَأَهْلَهُ لِأَهْلِ التَّوْحِيدِ، وَأَنْ يَتَّخِذُوهُمْ عَبِيدًا لَهُمْ لَمَّا تَرَكُوا الْقِيَامَ بِعُبُودِيَّةِ اللَّهِ، وَأَبَى اللَّهُ أَنْ يَقْبَلَ مِنْ مُشْرِكٍ عَمَلًا أَوْ يَقْبَلَ فِيهِ شَفَاعَةً، أَوْ يَسْتَجِيبَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ دَعْوَةً، فَإِنَّ الْمُشْرِكَ أَجْهَلُ الْجَاهِلِينَ بِاَللَّهِ حَيْثُ جَعَلَ لَهُ مِنْ خَلْقِهِ نِدًّا، وَذَلِكَ غَايَةُ الْجَهْلِ بِهِ، كَمَا أَنَّهُ غَايَةُ الظُّلْمِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْرِكُ لَمْ يَظْلِمْ رَبَّهُ وَإِنَّمَا ظَلَمَ نَفْسَهُ [ (وَقَتْلٍ) قَدْ جَعَلَ اللَّهُ] الْقَتْلَ بِإِزَاءِ الشِّرْكِ، وَيَقْرَبُ مِنْهُ الزِّنَا وَاللُّوَاطَةُ؛ فَإِنَّ هَذَا يُفْسِدُ الْأَدْيَانَ، وَهَذَا يُفْسِدُ الْأَبْدَانَ، وَهَذَا يُفْسِدُ الْأَنْسَابَ (قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا أَعْلَمُ بَعْدَ الْقَتْلِ ذَنْبًا أَعْظَمُ مِنْ
الزِّنَا) وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَيُّ: الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ. قَالَ: قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: أَنْ تَزْنِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سبحانه وتعالى تَصْدِيقَهَا {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان: 68] الْآيَةَ» . وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ أَعْلَاهُ لِيُطَابِقَ جَوَابُهُ سُؤَالَ السَّائِلِ؛ فَإِنْ سَأَلَهُ عَنْ أَعْظَمِ الذَّنْبِ فَأَجَابَهُ بِمَا تَضَمَّنَ ذِكْرَ أَعْظَمِ أَنْوَاعِهَا، وَمَا هُوَ أَعْظَمُ كُلِّ نَوْعٍ.
فَأَعْظَمُ أَنْوَاعِ الشِّرْكِ أَنْ يَجْعَلَ الْعَبْدُ لِلَّهِ نِدًّا، وَأَعْظَمُ أَنْوَاعِ الْقَتْلِ أَنْ يَقْتُلَ وَلَدَهُ خَشْيَةَ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ، وَأَعْظَمُ أَنْوَاعِ الزِّنَا أَنْ يَزْنِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِهِ؛ فَإِنَّ مَفْسَدَةَ الزِّنَا تُضَاعَفُ بِتَضَاعُفِ مَا انْتَهَكَهُ مِنْ الْحَقِّ.
(وَ) عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الزِّنَا (يَتَفَاوَتُ) إثْمُهُ وَيَعْظُمُ جُرْمُهُ بِحَسَبِ مَوَارِدِهِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ (فَزِنًا بِذَاتِ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ) لَهُ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ (أَعْظَمُ مِنْ زِنًا بِمَنْ لَا زَوْجَ لَهَا أَوْ أَجْنَبِيَّةٍ) إذْ فِيهِ انْتِهَاكُ حُرْمَةِ الزَّوْجِ، وَإِفْسَادُ فِرَاشِهِ، وَتَعْلِيقُ نَسَبٍ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ أَذَاهُ، فَهُوَ أَعْظَمُ إثْمًا وَجُرْمًا مِنْ الزِّنَا بِغَيْرِ ذَاتِ الْبَعْلِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ (فَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا جَارًا انْضَمَّ لَهُ سُوءُ الْجِوَارِ) وَإِيذَاءُ جَارٍ بِأَعْلَى أَنْوَاعِ الْأَذَى، وَذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْبَوَائِقِ أَوْ كَانَ الْجَارُ أَخًا (أَوْ قَرِيبًا) مِنْ أَقَارِبِهِ (انْضَمَّ لَهُ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ) فَيَتَضَاعَفُ الْإِثْمُ.
وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» وَلَا بَائِقَةَ أَعْظَمُ مِنْ الزِّنَا بِامْرَأَةِ الْجَارِ، فَإِنْ كَانَ الْجَارُ غَائِبًا فِي طَاعَةِ اللَّهِ كَالْعِبَادَةِ وَطَلَبِ الْعِلْمِ وَالْجِهَادِ تَضَاعَفَ الْإِثْمُ حَتَّى إنَّ الزَّانِيَ بِامْرَأَةِ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوقَفُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيُقَالُ: خُذْ عَلَى حَسَنَاتِهِ مَا شِئْتَ. «قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَمَا: ظَنُّكُمْ؟»
[أَيْ:] مَا ظَنُّكُمْ أَنْ يُتْرَكَ لَهُ مِنْ حَسَنَاتِهِ قَدْ حَكَمَ فِي أَنَّهُ يَأْخُذُ مَا شَاءَ عَلَى شِدَّةِ الْحَاجَةِ
إلَى حَسَنَةٍ وَاحِدَةٍ، حَيْثُ لَا يَتْرُكُ الْأَبُ لِابْنِهِ، وَلَا الصِّدِّيقُ لِصِدِّيقِهِ حَقًّا يَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ اتَّفَقَ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ رَحِمًا لَهُ انْضَافَ إلَى ذَلِكَ قَطِيعَةُ رَحِمِهَا، فَإِنْ اتَّفَقَ أَنْ يَكُونَ الزَّانِي مُحْصَنًا كَانَ الْإِثْمُ أَعْظَمَ، فَإِنْ كَانَ شَيْخًا كَانَ أَعْظَمَ إثْمًا وَعُقُوبَةً، وَهُوَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، فَإِنْ اقْتَرَنَ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ أَوْ بَلَدٍ حَرَامٍ أَوْ وَقْتٍ مُعَظَّمٍ عِنْدَ اللَّهِ كَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَأَوْقَاتِ الْإِجَابَةِ تَضَاعَفَ الْإِثْمُ، وَعَلَى هَذَا فَاعْتُبِرَ مَفَاسِدُ الذُّنُوبِ وَتَضَاعُفُ دَرَجَاتِهَا فِي الْإِثْمِ وَالْعُقُوبَةِ.
وَلَمَّا كَانَ مَعْنَى الزِّنَا مَوْجُودًا فِي اللِّوَاطِ مِنْ كَوْنِهِ إيلَاجَ فَرْجٍ فِي مَحِلٍّ مُحَرَّمٍ إلَى آخِرِهِ، بَلْ هُوَ فَوْقَهُ لِأَنَّهُ مُسْتَنْكَرٌ شَرْعًا وَعَقْلًا، تَعَدَّى الْحُكْمُ إلَيْهِ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ فَلِذَلِكَ قَالَ:(وَيَتَّجِهُ وَأَفْظَعُهُ) ؛ أَيْ: أَفْظَعُ أَنْوَاعِ الزِّنَا (اللِّوَاطُ) وَإِنْ كَانَ الزِّنَا وَاللِّوَاطُ مُشْتَرِكَيْنِ فِي الْفُحْشِ، وَفِي كُلِّ فَسَادٍ يُنَافِي حِكْمَةَ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ، فَإِنَّ فِي اللِّوَاطِ مِنْ الْمَفَاسِدِ مَا يَفُوتُ الْحَصْرَ وَالتَّعْدَادَ، وَلَأَنْ يُقْتَلَ الْمَفْعُولُ بِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يُؤْتَى فَإِنَّهُ يَفْسُدُ فَسَادًا لَا يُرْجَى لَهُ بَعْدَهُ صَلَاحٌ أَبَدًا، وَيَذْهَبُ خَيْرُهُ كُلُّهُ، وَتَمْتَصُّ الْأَرْضُ مَاوِيَّةَ الْحَيَاءِ مِنْ وَجْهِهِ، فَلَا يَسْتَحْيِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا مِنْ خَلْقِهِ، وَتَعْمَلُ فِي قَلْبِهِ وَرُوحِهِ نُطْفَةُ الْفَاعِلِ مَا يَعْمَلُ السُّمُّ فِي الْبَدَنِ، وَهُوَ جَدِيرٌ أَنْ لَا يُوَفَّقَ لِخَيْرٍ، وَأَنْ يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَكُلَّمَا عَمِلَ خَيْرًا قُيِّضَ لَهُ مَا يُفْسِدُهُ عُقُوبَةً لَهُ؛ وَقَلَّ أَنْ تَرَى مَنْ كَانَ كَذَلِكَ فِي صِغَرِهِ إلَّا وَهُوَ فِي كِبَرِهِ شَرٌّ مِمَّا كَانَ، وَلَا يُوَفَّقُ لِعِلْمٍ نَافِعٍ، وَلَا عَمَلٍ صَالِحٍ، وَلَا تَوْبَةٍ نَصُوحٍ غَالِبًا. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَمَفْسَدَةُ اللِّوَاطِ مِنْ أَعْظَمِ الْمَفَاسِدِ، وَعُقُوبَاتُهُ مِنْ أَعْظَمِ الْعُقُوبَاتِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. لِقَوْلِ [اللَّهِ تَعَالَى: " {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 80] .
وَقَالَ فِي الزِّنَا: " {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} [الإسراء: 32] وَلَمْ يَقُلْ مَا سَبَقَكُمْ، فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ اللِّوَاطَ أَفْظَعُ مِنْ الزِّنَا، وَلِذَلِكَ قَالَ] (كَثِيرٌ) مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ
وَعَلِيٌّ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَعْمَرٍ (بِقَتْلِهِ) ؛ أَيْ: اللَّائِطِ وَالْمَلُوطِ بِهِ بِاخْتِيَارِهِ، وَمِمَّنْ قَالَ مِنْ الْأَئِمَّةِ بِقَتْلِهِ الزُّهْرِيُّ وَرَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَالِكٌ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ (عَلَى كُلِّ حَالٍ) مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ، وَقَدْ أَطْبَقَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَتْلِهِ، لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ مِنْهُمْ رَجُلَانِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ أَقْوَالُهُمْ فِي صِفَةِ قَتْلِهِ؛ فَظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ ذَلِكَ اخْتِلَافٌ مِنْهُمْ فِي قَتْلِهِ، فَحَكَاهَا مَسْأَلَةَ نِزَاعٍ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، وَهِيَ بَيْنَهُمْ مَسْأَلَةُ إجْمَاعٍ، لَا مَسْأَلَةُ نِزَاعٍ.
رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ» رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ. وَاحْتَجَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
وَالْمَذْهَبُ أَنَّ حَدَّ اللُّوطِيِّ كَالزَّانِي سَوَاءٌ، وَيَأْتِي (وَنَقَلَ ابْنُ الْقَيِّمِ) فِي " الدَّاءِ وَالدَّوَاءِ " وَغَيْرِهِ (قَالَ) بَعْضُ (الْأَصْحَابِ لَوْ رَأَى الْإِمَامُ تَحْرِيقَ اللُّوطِيِّ فَلَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ)، أَيْ: الْقَوْلُ بِتَحْرِيقِ اللُّوطِيِّ (مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ) رضي الله عنهم، فَمِنْ ذَلِكَ مَا يَثْبُتُ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّهُ وَجَدَ فِي بَعْضِ ضَوَاحِي الْعَرَبِ رَجُلًا يُنْكَحُ كَمَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ فَكَتَبَ إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَاسْتَشَارَ أَبُو بَكْرٍ الصَّحَابَةَ وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَشَدَّهُمْ قَوْلًا فِيهِ. فَقَالَ: مَا فَعَلَ هَذَا إلَّا أُمَّةٌ مِنْ الْأُمَمِ وَاحِدَةٌ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلَ اللَّهُ بِهَا أَرَى أَنْ يُحْرَقَ؛ بِالنَّارِ. فَكَتَبَ أَبُو بَكْرٍ إلَى خَالِدٍ فَحَرَقَهُ.
(فَإِذَا زَنَى مُحْصَنٌ. وَجَبَ رَجْمُهُ حَتَّى يَمُوتَ بِحِجَارَةٍ مُتَوَسِّطَةٍ) كَالْكَفِّ (فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُثْخَنَ بِصَخْرَةٍ كَبِيرَةٍ، وَلَا أَنْ يُطَوَّلَ عَلَيْهِ بِحَصَيَاتٍ صَغِيرَةٍ) حَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ إجْمَاعًا، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام رَجَمَ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ فِي أَخْبَارٍ تُشْبِهُ التَّوَاتُرَ، وَقَدْ أَنْزَلَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، ثُمَّ نَسَخَ رَسْمَهُ، وَبَقِيَ حُكْمُهُ؛ لِقَوْلِ عُمَرَ كَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ الْخَبَرُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَتْ فِي الْمَصَاحِفِ لَاجْتَمَعَ الْعَمَلُ بِحُكْمِهَا، وَثَوَابُ تِلَاوَتِهَا. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: أَجَابَ
ابْنُ عَقِيلٍ فَقَالَ: إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِيَظْهَرَ مِقْدَارُ طَاعَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي الْمُسَارَعَةِ إلَى بَذْلِ النُّفُوسِ بِطَرِيقِ الظَّنِّ مِنْ غَيْرِ اسْتِقْصَاءٍ لِطَلَبِ طَرِيقٍ مَقْطُوعٍ بِهِ، كَمَا سَارَعَ الْخَلِيلُ عليه الصلاة والسلام إلَى ذَبْحِ وَلَدِهِ بِمَنَامٍ، وَهُوَ أَدْنَى طُرُقِ الْوَحْيِ وَأَقَلُّهَا. وَيَتَّقِي الرَّاجِمُ الْوَجْهَ (وَلَا يُجْلَدُ) الْمَرْجُومُ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الرَّجْمِ، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «رَجَمَ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ، وَلَمْ يَجْلِدْهُمَا» . وَقَالَ: «وَاغْدُ يَا أُنَيْسٌ إلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِجَلْدِهَا، وَكَانَ هَذَا آخَرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا تُرْشِدُ إلَيْهِ رِوَايَةُ الْأَثْرَمِ عَنْ أَحْمَدَ، وَلِأَنَّهُ حَدٌّ فِيهِ قَتْلٌ فَلَمْ يَجْتَمِعْ فِيهِ الْجَلْدُ كَالرِّدَّةِ (وَلَا يُنْفَى الْمَرْجُومُ) قَبْلَ رَجْمِهِ.
(وَالْمُحْصَنُ مَنْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ) لَا سُرِّيَّتُهُ (بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ) لَا بَاطِلٍ وَلَا فَاسِدٍ (وَلَوْ) كَانَتْ (كِتَابِيَّةً فِي قُبُلِهَا) وَطْئًا حَصَلَ بِهِ تَغِيبُ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا (وَلَوْ) كَانَ وَطْؤُهُ إيَّاهَا (فِي حَيْضٍ أَوْ صَوْمٍ أَوْ إحْرَامٍ وَنَحْوِهِ) كَفِي نِفَاسٍ أَوْ مَسْجِدٍ أَوْ مَعَ ضِيقِ وَقْتِ فَرِيضَةٍ (وَهُمَا) ؛ أَيْ: الزَّوْجَانِ (مُكَلَّفَانِ حُرَّانِ) فَلَا إحْصَانَ مَعَ صِغَرِ أَحَدِهِمَا (أَوْ جُنُونِهِ أَوْ رِقِّهِ، وَلَوْ ذِمِّيَّيْنِ أَوْ مُسْتَأْمَنَيْنِ بِنِكَاحٍ يُقَرَّانِ عَلَيْهِ لَوْ أَسْلَمَا) فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ الْمَجُوسِيُّ الْمُتَزَوِّجُ بِغَيْرِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ كَأُخْتِهِ؛ إذْ تَزْوِيجُهُ بِنَحْوِ أُخْتِهِ لَا يَصِيرُ مُحْصَنًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ لَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا، وَكَذَا الْيَهُودِيُّ إذَا نَكَحَ بِنْتَ أَخِيهِ أَوْ أُخْتِهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا إحْصَانَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَلَا بِالْخَلْوَةِ وَلَا الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ وَمَا دُونَ الْفَرْجِ، وَلَا بِوَطْءِ زِنًا أَوْ شُبْهَةٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِحْصَانِ الْإِسْلَامُ؛ «لِأَمْرِهِ عليه الصلاة والسلام بِرَجْمِ الْيَهُودِيَّيْنِ الزَّانِيَيْنِ، فَرُجِمَا» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ.
وَيُفَارِقَ الْإِحْصَانُ إحْلَالٌ حَيْثُ تَحِلُّ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا بِوَطْءِ زَوْجٍ وَلَوْ رَقِيقًا أَوْ غَيْرَ بَالِغٍ أَوْ مَجْنُونًا؛ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ اُعْتُبِرَ لِكَمَالِ النِّعْمَةِ، فَمَنْ كَمُلَتْ النِّعْمَةُ فِي حَقِّهِ؛ فَجِنَايَتُهُ أَفْحَشُ وَأَحَقُّ بِزِيَادَةِ الْعُقُوبَةِ، وَالنِّعْمَةُ فِي حَقِّ الْحُرِّ الْمُكَلَّفِ أَكْمَلُ،
بِخِلَافِ الْإِحْلَالِ؛ فَإِنَّ اعْتِبَارَ الْوَطْءِ فِي حَقِّ الْمُطَلِّقِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عُقُوبَةً لَهُ بِتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَطَأَهَا غَيْرُهُ؛ فَإِنَّهُ مِمَّا تَأْبَاهُ الطِّبَاعُ وَيَشُقُّ عَلَى النُّفُوسِ (لَكِنْ لَا حَدَّ عَلَى مُسْتَأْمَنٍ نَصًّا) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ لِحُكْمِنَا بَلْ يَكُونُ مُحْصَنًا، فَإِذَا زَنَى بَعْدَ إسْلَامٍ أَوْ بَعْدَ كَوْنِهِ ذِمِّيًّا فَإِنَّهُ يُحَدُّ اكْتِفَاءً بِإِحْصَانِهِ بِالنِّكَاحِ فِي أَمَانِهِ السَّابِقِ.
(وَلَا يَسْقُطُ إحْصَانُ) مَنْ أَحْصَنَ كَافِرًا (بِإِسْلَامٍ) نَصًّا كَسَائِرِ الْحُقُوقِ. (وَيَتَّجِهُ وَيَسْقُطُ) إحْصَانُ كَافِرٍ زَنَى بِغَيْرِ مُسْلِمَةٍ ثُمَّ اُسْتُرِقَّ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ (بِطُرُوءِ) عَلَيْهِ (مُدَّتِهِ) ؛ أَيْ: الرِّقِّ، فَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِزِنَاهُ السَّابِقِ عَلَى الِاسْتِرْقَاقِ مَا دَامَ رَقِيقًا، مُرَاعَاةً لِحَقِّ الْمَالِكِ، فَإِذَا زَنَى فِي مُدَّةِ رِقِّهِ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَكَذَا لَوْ صَارَ حُرًّا فَإِنَّهُ يُحَدُّ اكْتِفَاءً بِإِحْصَانِهِ السَّابِقِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَتَصِيرُ هِيَ) ؛ أَيْ: الزَّوْجَةُ (أَيْضًا مُحْصَنَةً) حَيْثُ كَانَا بِالصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ حَالَ الْوَطْءِ (وَلَا إحْصَانَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا) ؛ أَيْ: الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ (مَعَ فَقْدِ شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ) مِنْ الْقُيُودِ السَّابِقَةِ.
(وَيَثْبُتُ) إحْصَانُهُ (بِقَوْلِهِ) ؛ أَيْ: الْحُرِّ الْمُكَلَّفِ (وَطِئْتُهَا أَوْ جَامَعْتُهَا وَنَحْوِهِ) كَبَاضَعْتُهَا (أَوْ دَخَلْتُ بِهَا) لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهُ الْوَطْءُ بِخِلَافِ أَصَبْتُهَا أَوْ بَاشَرْتُهَا أَوْ أَتَيْتُهَا، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ بِهِ إحْصَانٌ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا دُونَ الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ كَثِيرًا، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ ". وَكَذَا لَوْ قَالَتْ هِيَ شَيْئًا مِمَّا سَبَقَ، هَذَا الْمَذْهَبُ. وَفِي " الْإِقْنَاعِ " وَإِنْ قَالَتْ: بَاشَرَهَا أَوْ مَسَّهَا أَوْ أَصَابَهَا أَوْ أَتَاهَا أَوْ دَخَلَ