الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَهُ غَدْرَهُمْ وَقَتْلَهُمْ لِأَبِيهِ وَخِذْلَانَهُمْ لِأَخِيهِ؛ وَأَمَرَهُ أَنْ يَذْهَبَ بِأَهْلِهِ إنْ ذَهَبَ؛ فَأَبَى، فَبَكَى ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَالَ: وَاحُسَيْنَاه وَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ نَحْوَ ذَلِكَ، فَأَبَى فَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ. وَقَالَ: أَسْتَوْدِعُك اللَّهَ مِنْ قَتِيلٍ، وَكَذَلِكَ نَهَاهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ، بَلْ لَمْ يَبْقَ بِمَكَّةَ إلَّا مَنْ حَزِنَ لِمَسِيرِهِ، وَلَمَّا بَلَغَ أَخَاهُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَنَفِيَّةِ بَكَى حَتَّى مَلَأ طَسْتًا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَدَّمَ أَمَامَهُ مُسْلِمَ بْنَ عَقِيلٍ، فَبَايَعَهُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ اثْنَا عَشْرَ أَلْفًا، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ يَزِيدُ بْنَ زِيَادٍ، فَقَتَلَهُ، وَلَهُ قِصَّةٌ مَشْهُورَةٌ وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ خُرُوجَ الْحُسَيْنِ عَلَى يَزِيدَ كَانَ جَائِزًا، وَإِنْ سَبَقَتْ لَهُ الْبَيْعَةُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ، وَذَلِكَ كَانَ فِي ثُبُوتِ الْإِمَامَةِ لَهُ، وَإِنْ بَلَغَ مِنْ قَبَائِحِ الْفِسْقِ وَالِانْحِلَالِ عَنْ التَّقْوَى مَبْلَغًا وَافِرًا، وَاجْتِهَادُ الْحُسَيْنِ اقْتَضَى جَوَازَ أَوْ وُجُوبَ الْخُرُوجِ عَلَى يَزِيدَ؛ لِجَوْرِهِ وَقَبَائِحِهِ الَّتِي تُصَمُّ عَنْهَا الْآذَانُ؛ فَهُوَ مُحِقٌّ بِالنِّسْبَةِ لِمَا عِنْدَهُ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ حَالُ مُعَاوِيَةَ مَعَ الْحَسَنِ قَبْلَ نُزُولِهِ لَهُ عَنْ الْخِلَافَةِ، وَمَعَ عَلِيٍّ فَإِنَّهُ كَانَ مُتَغَلِّبًا بَاغِيًا عَلَيْهِمَا، لَكِنَّهُ غَيْرُ آثِمٍ، لِاجْتِهَادِهِ، فَالْحُسَيْنُ كَذَلِكَ، وَأَمَّا بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْأَحْكَامِ وَانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِ الْخُرُوجِ عَلَى الْجَائِرِ، فَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ.
[فَصْلٌ يَلْزَمُ الْإِمَامُ مُرَاسَلَةُ الْبُغَاةِ]
فَصْلٌ (وَيَلْزَمُهُ) ؛ أَيْ: الْإِمَامَ (مُرَاسَلَةُ بُغَاةٍ) ؛ لِأَنَّهَا طَرِيقٌ إلَى الصُّلْحِ وَرُجُوعِهِمْ إلَى الْحَقِّ وَسُؤَالُهُمْ عَمَّا يَنْقِمُونَهُ مِنْ أَمْرِهِ (وَإِزَالَةُ شُبَهِهِمْ وَ) إزَالَةُ (مَا يَدَّعُونَهُ مِنْ مَظْلَمَةٌ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ طَرِيقٌ إلَى رُجُوعِهِمْ إلَى الْحَقِّ الْمَأْمُورِ بِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] فَإِنْ نَقَمُوا مِمَّا لَا يَحِلُّ فِعْلُهُ مِنْ الْمَظَالِمِ وَنَحْوِهَا أَزَالَهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَحِلُّ فِعْلُهُ، لَكِنْ تَلَبَّسَ عَلَيْهِمْ الْأَمْرُ فِيهِ بِاعْتِقَادِهِ مُخَالِفًا لِلْحَقِّ
بَيَّنَ لَهُمْ دَلِيلَهُ، وَأَظْهَرَ لَهُمْ وَجْهَهُ؛ فَإِنَّ عَلِيًّا بَعَثَ ابْنَ عَبَّاسٍ إلَى الْخَوَارِجِ، لَمَّا تَظَاهَرُوا بِالْعِبَادَةِ وَالْخُشُوعِ وَحَمْلِ الْمَصَاحِفِ فِي أَعْنَاقِهِمْ لِيَسْأَلَهُمْ عَنْ سَبَبِ خُرُوجِهِمْ وَبَيَّنَ لَهُمْ الشُّبْهَةَ الَّتِي تَمَسَّكُوا بِهَا، فَرَجَعَ مِنْهُمْ عِشْرُونَ أَلْفًا وَبَقِيَ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، فَقُتِلُوا؛ وَهِيَ قِصَّةٌ مَشْهُورَةٌ (فَإِنْ فَاءُوا) ؛ أَيْ: رَجَعُوا عَنْ الْبَغْيِ وَطَلَبِ الْقِتَالِ؛ تَرَكَهُمْ، (وَإِلَّا) يَفِيئُوا (لَزِمَ) إمَامًا (قَادِرًا قِتَالُهُمْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] .
(وَ) يَجِبُ (عَلَى رَعِيَّتِهِ مَعُونَتُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] وَحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا: «مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
وَرِبْقَةُ الْإِسْلَامِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا اسْتِعَادَةٌ لِمَا يَلْزَمُ الْعُنُقَ مِنْ حُدُودِ الْإِسْلَامِ وَأَحْكَامِهِ (فَإِنْ اسْتَنْظَرُوهُ) ؛ أَيْ: قَالُوا: " أَنْظِرْنَا مُدَّةً حَتَّى نَرَى أَمْرَنَا (وَرَجَا فَيْئَتَهُمْ؛) فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ (أَنْظَرَهُمْ)(وُجُوبًا) ، حِفْظًا لِدِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ (وَإِنْ خَافَ مَكِيدَةً) كَمَدَدٍ يَأْتِيهِمْ أَوْ تَحَيُّزِهِمْ إلَى فِئَةٍ تَمْنَعُهُمْ؛ وَيَكْثُرُ بِهَا جَمْعُهُمْ وَنَحْوِهِ (فَلَا يَجُوزُ إنْظَارُهُمْ) ؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إلَى قَهْرِ أَهْلِ الْحَقِّ (وَلَوْ أَعْطَوْهُ مَالًا أَوْ رَهْنًا) عَلَى تَأْخِيرِ الْقِتَالِ، لِأَنَّ الرَّهْنَ يُخَلَّى سَبِيلُهُ إذَا انْقَضَتْ الْحَرْبُ كَالْأَسَارَى وَإِنْ سَأَلُوهُ الْإِنْظَارَ أَبَدًا وَيَدَعُهُمْ وَمَا هُمْ عَلَيْهِ، وَيَكُفُّوا عَنْ أَهْلِ الْعَدْلِ، فَإِنْ قَوِيَ عَلَيْهِمْ؛ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُمْ، وَإِلَّا جَازَ.
(وَيَحْرُمُ قِتَالُهُمْ بِمَا يَعُمُّ إتْلَافُهُ) الْمُقَاتِلِ وَغَيْرِهِ وَالْمَالِ (كَمَنْجَنِيقٍ وَنَارٍ) ؛ لِأَنَّ إتْلَافَ أَمْوَالِهِمْ وَغَيْرِ الْمُقَاتِلِ لَا يَجُوزُ، إلَّا لِضَرُورَةٍ تَدْعُو إلَيْهِ كَدَفْعِ الصَّائِلِ، (وَ) يَحْرُمُ (اسْتِعَانَةٌ) عَلَيْهِمْ (بِكَافِرٍ) ؛ لِأَنَّهُ تَسْلِيطٌ لَهُ عَلَى دِمَاءِ
الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ: تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141](إلَّا لِضَرُورَةٍ) كَعَجْزِ أَهْلِ الْحَقِّ عَنْهُمْ (وَكَفِعْلِهِمْ) بِنَا (إنْ لَمْ نَفْعَلْهُ) بِهِمْ؛ فَيَجُوزُ رَمْيُهُمْ بِمَا يَعُمُّ إتْلَافُهُ إذَا فَعَلُوهُ بِنَا لَوْ لَمْ نَفْعَلْهُ؛ وَكَذَا الِاسْتِعَانَةُ بِكَافِرٍ.
(وَ) يَحْرُمُ (أَخْذُ مَا لَهُمْ) ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مَعْصُومٌ، (وَ) يَحْرُمُ أَخْذُ وَقَتْلُ (ذُرِّيَّتِهِمْ) لِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ لَا قِتَالَ مِنْهُمْ وَلَا بَغْيَ؛ وَيَحْرُمُ (قَتْلُ مُدَبَّرِهِمْ وَ) وَقَتْلُ (جَرِيحِهِمْ) وَلَوْ مِنْ نَحْوِ خَوَارِجَ إنْ لَمْ نَقُلْ بِكُفْرِهِمْ، وَمَا فِي الْإِقْنَاعِ " مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِكُفْرِهِمْ كَمَا فِي " الْكَافِي " لِعِصْمَتِهِ وَزَوَالِ قِتَالِهِ.
وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَرْوَانَ قَالَ: " صَرَخَ صَارِخٌ لِعَلِيٍّ يَوْمَ الْجَمَلِ لَا يُقْتَلْنَ مُدَبَّرٌ، وَلَا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحٍ؛ وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ وَعَنْ عَمَّارٍ نَحْوُهُ وَكَالصَّائِلِ، وَلِأَنَّهُ قَتْلُ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْ قَالَ: فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": الْمُدَبَّرُ مَنْ انْكَسَرَتْ شَوْكَتُهُ لَا الْمُنْحَرِفُ إلَى مَوْضِعٍ.
(وَ) يَحْرُمُ قَتْلُ (تَارِكِ الْقِتَالِ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَا قَوَدَ فِيهِ) أَيْ: فِي قَتْلِ مَنْ يَحْرُمُ قَتْلُهُ مِنْهُمْ؛ لِلشُّبْهَةِ (وَيُضْمَنُ) بِالدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ (وَقَتِيلُنَا شَهِيدٌ) كَالْمَصُولِ عَلَيْهِ لَا يُغَسَّلُ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَيُدْفَنُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا بَعْدَ نَزْعِ لَأْمَةِ حَرْبٍ وَنَحْوِ خُفٍّ وَفَرْوٍ؛ لِأَنَّهُ قُتِلَ فِي قِتَالٍ أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ، وَكَشَهِيدٍ فِي مَعْرَكَةِ الْكُفَّارِ (وَقَتِيلُهُمْ يُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ بِالْبَغْيِ عَنْ الْإِسْلَامِ (وَقِيلَ) إنَّ قَتِيلَهُمْ (لَا) يُغَسَّلُ وَلَا يُكَفَّنُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَإِنْ كَانُوا بُغَاةً (لِقَضِيَّةِ) وَقْعَةِ (أَهْلِ صِفِّينَ) فَإِنَّ مَنْ قُتِلَ فِيهَا عُومِلَ مُعَامَلَةَ شُهَدَاءِ الْمَعْرَكَةِ مَعَ أَنَّهُ مُقَرَّرٌ عِنْدَ مَنْ حَضَرَهَا «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لِعَمَّارٍ تَقْتُلُك الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» .
(وَيَتَّجِهُ صِحَّتُهُ) ؛ أَيْ: صِحَّةُ الْقَوْلِ بِمُعَامَلَتِهِمْ مُعَامَلَةَ الشُّهَدَاءِ (مَعَ) حُصُولِ (مَشَقَّةٍ) بِدُونِهَا، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَشَقَّةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّغْسِيلِ وَالصَّلَاةِ
وَالدَّفْنِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
تَنْبِيهٌ: إذَا لَمْ تَكُنْ الْبُغَاةُ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ فَلَيْسُوا بِفَاسِقِينَ، بَلْ مُخْطِئِينَ فِي تَأْوِيلِهِمْ؛ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ، وَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ.
(وَيُكْرَهُ) لِعَدْلٍ (قَصْدُ رَحِمِهِ الْبَاغِي) كَأَخِيهِ وَعَمِّهِ (بِقَتْلٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: «كَفَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُقْبَةَ عَنْ قَتْلِ أَبِيهِ» .
(وَتُبَاحُ اسْتِعَانَةٌ عَلَيْهِمْ) ؛ أَيْ: الْبُغَاةِ (بِسِلَاحِ أَنْفُسِهِمْ وَخَيْلِهِمْ) وَعَبِيدِهِمْ (وَصِبْيَانِهِمْ لِضَرُورَةٍ فَقَطْ) لِعِصْمَةِ الْإِسْلَامِ أَمْوَالَهُمْ وَذُرِّيَّتَهُمْ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ قِتَالُهُمْ لِرَدِّهِمْ إلَى الطَّاعَةِ، وَأَمَّا جَوَازُهُ مَعَ الضَّرُورَةِ فَكَأَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ فِي الْمُخْصَمَةِ.
(وَمَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ) ؛ أَيْ: الْبُغَاةِ (وَلَوْ صَبِيًّا أَوْ أُنْثَى حُبِسَ حَتَّى لَا شَوْكَةَ وَلَا حَرْبَ) دَفْعًا لِضَرَرِهِمْ عَنْ أَهْلِ الْعَدْلِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا تَحْصُلُ مِنْهُ مُسَاعَدَةُ الْمُقَاتِلَةِ، وَفِي حَبْسِهِمْ كَسْرُ قُلُوبِ الْبُغَاةِ.
(وَإِذَا انْقَضَتْ) الْحَرْبُ (فَمَنْ وَجَدَ مِنْهُمْ) ؛ أَيْ: الْبُغَاةِ (مَالُهُ بِيَدِ غَيْرِهِ) مِنْ أَهْلِ عَدْلٍ أَوْ بَغْيٍ (أَخَذَهُ) مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ أَمْوَالَهُمْ كَأَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَجُوزُ اغْتِنَامُهَا؛ لِبَقَاءِ مِلْكِهِمْ عَلَيْهَا: وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: يَوْمَ الْجَمَلِ: مَنْ عَرَفَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ مَعَ أَحَدٍ فَلْيَأْخُذْهُ، فَعَرَفَ بَعْضُهُمْ قِدْرًا مَعَ أَصْحَابِ عَلِيٍّ - وَهُوَ يَطْبُخُ فِيهَا - فَسَأَلَهُ إمْهَالَهُ حَتَّى يَنْضَجَ الطَّبِيخُ، فَأَبَى وَكَبَّهُ وَأَخَذَهَا.
(وَلَا يَضْمَنُ بُغَاةٌ مَا أَتْلَفُوهُ) عَلَى أَهْلِ عَدْلٍ (حَالَ حَرْبٍ ك) مَا لَا يَضْمَنُ (أَهْلُ عَدْلٍ) مَا أَتْلَفُوهُ لِبُغَاةٍ حَالَ حَرْبٍ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا لَمْ يُضَمِّنْ الْبُغَاةَ مَا أَتْلَفُوهُ حَالَ الْحَرْبِ مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ.
قَالَ: الزُّهْرِيُّ هَاجَتْ: الْفِتْنَةُ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُتَوَافِرُونَ، فَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يُقَادُ أَحَدٌ، وَلَا يُؤْخَذُ
مَالٌ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ إلَّا مَا وُجِدَ بِعَيْنِهِ ذَكَرَهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ مُحْتَجًّا بِهِ.
(وَيَضْمَنَانِ) ؛ أَيْ: أَهْلُ الْعَدْلِ وَالْبُغَاةُ (مَا أَتْلَفَاهُ فِي غَيْرِ حَرْبٍ) ؛ أَيْ: يَضْمَنُ كُلٌّ مَا أَتْلَفَهُ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ فِي غَيْرِ حَرْبٍ؛ لِإِتْلَافِهِ مَعْصُومًا بِلَا حَقٍّ وَلَا ضَرُورَةِ دَفْعٍ (وَمَا أَخَذُوا) ؛ أَيْ: الْبُغَاةُ (حَالَ امْتِنَاعِهِمْ) عَنْ أَهْلِ الْعَدْلِ حَالَ شَوْكَتِهِمْ؛ أَيْ: (مِنْ زَكَاةٍ وَخَرَاجٍ وَجِزْيَةٍ، اُعْتُدَّ بِهِ) لِدَافِعِهِ إلَيْهِمْ؛ فَلَا يُؤْخَذُ ثَانِيًا إذَا ظَفَرَ أَهْلُ الْعَدْلِ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا لَمَّا ظَفَرَ عَلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ لَمْ يُطَالِبْهُمْ بِشَيْءٍ مِمَّا جَبَاهُ الْبُغَاةُ.
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَسَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ يَأْتِيهِمْ سَاعِي نَجْدَةَ الْحَرُورِيِّ فَيَدْفَعُونَ إلَيْهِ زَكَاتَهُمْ؛ وَلِأَنَّ فِي تَرْكِ الِاحْتِسَابِ بِذَلِكَ ضَرَرًا عَظِيمًا عَلَى الرَّعَايَا.
(وَيُقْبَلُ بِلَا يَمِينٍ) مِمَّنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ دَعْوَى (دَفْعِ زَكَاةٍ إلَيْهِمْ) ؛ أَيْ: الْبُغَاةِ كَدَعْوَى دَفْعِهَا إلَى الْفُقَرَاءِ، وَلِأَنَّهَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى؛ فَلَا يُسْتَحْلَفُ عَلَيْهَا كَالصَّلَوَاتِ.
(وَ) لَا تُقْبَلُ دَعْوَى دَفْعِ (خَرَاجٍ) إلَيْهِمْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ (وَ) لَا دَعْوَى دَفْعِ (جِزْيَةٍ) إلَيْهِمْ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا عِوَضٌ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الدَّفْعِ.
(وَهُمْ) ؛ أَيْ؛ الْبُغَاةُ (فِي شَهَادَتِهِمْ وَفِي إمْضَاءِ حُكْمِ حَاكِمْهُمْ كَأَهْلِ عَدْلٍ) ؛ لِأَنَّ التَّأْوِيلَ الَّذِي لَهُ مَسَاغٌ فِي الشَّرْعِ لَا يُوجِبُ تَفْسِيقَ قَائِلِهِ، وَالذَّاهِبِ إلَيْهِ أَشْبَهَ الْخَطَأَ مِنْ الْفُقَهَاءِ فِي فَرْعٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، فَيُقْضَى بِشَهَادَتِهِمْ إذَا كَانُوا عُدُولًا، وَلَا يُنْقَضُ مِنْ حُكْمِ حَاكِمِهِمْ إلَّا مَا خَالَفَ نَصَّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةً صَحِيحَةٍ أَوْ إجْمَاعًا، وَيَجُوزُ قَبُولُ كِتَابِهِ وَإِمْضَائِهِ إنْ كَانَ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ.
قَالَ: ابْنُ عَقِيلٍ: تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَيُؤْخَذُ عَنْهُمْ الْعِلْمُ مَا لَمْ يَكُونُوا دُعَاةً.
ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ:(لَا إنْ كَانُوا) ؛ أَيْ: الْبُغَاةُ (أَهْلَ بِدَعٍ) كَالْخَوَارِجِ؛ فَلَا تُقْبَلُ لَهُمْ شَهَادَةٌ، وَلَا يَنْفُذُ لِقَاضِيهِمْ حُكْمٌ لِفِسْقِهِمْ.
(وَإِنْ اسْتَعَانُوا) ؛ أَيْ: الْبُغَاةُ (بِأَهْلِ ذِمَّةٍ) أَهْلِ (عَهْدٍ؛ انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ،