الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي مَا إذَا وَصَلَ بِإِقْرَارِهِ مَا يُغَيِّرُهُ]
فَصْلٌ فِيمَا إذَا وَصَلَ بِإِقْرَارِهِ مَا يُغَيِّرُهُ (وَإِذَا قَالَ مُكَلَّفٌ) مُخْتَارٌ (لَهُ) ؛ أَيْ: فُلَانٍ (عَلَيَّ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَلْفٌ لَمْ يَلْزَمْهُ) شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِثَمَنِ خَمْرٍ وَقَدَّرَهُ بِأَلْفٍ، وَثَمَنُ الْخَمْرِ لَا يَجِبُ، وَلَوْ قَالَ (لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ مِنْ مُضَارَبَةٍ أَوْ) قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ وَدِيعَةٍ (أَوْ) قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ (لَا يَلْزَمُنِي، أَوْ) لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ (قَبَضَهُ أَوْ اسْتَوْفَاهُ أَوْ) قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ (مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ فَاسِدٍ لَمْ أَقْبِضْهُ، أَوْ) قَالَ مِنْ (ثَمَنِ طَعَامٍ تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ أَوْ) قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ (مُضَارَبَةٍ تَلِفَتْ، وَشَرَطَ عَلَيَّ ضَمَانَهَا أَوْ) قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ (بِكَفَالَةٍ) تَكَفَّلْت بِهَا (عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ) فِيهَا؛ لَزِمَهُ الْأَلْفُ؛ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ بَعْدَ قَوْلِهِ عَلَيَّ أَلْفٌ رَفْعٌ لِجَمِيعِ مَا أَقَرَّ بِهِ؛ فَلَا يُقْبَلُ كَاسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ، وَتَنَاقُضُ كَلَامِهِ غَيْرُ خَافٍ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِهِ إقْرَارٌ بِثُبُوتِهِ، وَثُبُوتُهُ فِي هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ لَا يُتَصَوَّرُ؛ وَلِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْأَلْفِ، وَادَّعَى مَا لَمْ يَثْبُتْ مَعَهُ؛ وَلِأَنَّهُ فِي صُورَةِ مَا إذَا قَالَ قَبَضَهُ أَوْ اسْتَوْفَاهُ أَقَرَّ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ بِالْقَبْضِ أَوْ الِاسْتِيفَاءِ، وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُ الْإِنْسَانِ عَلَى غَيْرِهِ (وَقَوْلُهُ) لَهُ عَلَيَّ كَذَا أَوْ سَكَتَ (أَوْ كَانَ لَهُ عَلَيَّ كَذَا وَسَكَتَ؛ إقْرَارٌ) لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْوُجُوبِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يَرْفَعُهُ، فَبَقِيَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا لَوْ تَنَازَعَا دَارًا فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا كَانَتْ مِلْكَ الْآخَرِ؛ حُكِمَ لَهُ بِهَا.
قَالَ فِي الشَّرْحِ؛ إلَّا أَنَّهُ هَهُنَا؛ أَيْ: فِي مَسْأَلَةِ كَانَ لَهُ عَلَيَّ كَذَا إنْ عَادَ، فَادَّعَى الْقَضَاءَ أَوْ الْإِبْرَاءَ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَبَيْنَ مَا يَدَّعِيه، وَهَذَا عَلَى أَحَدِ الرِّوَايَتَيْنِ (وَإِنْ وَصَلَهُ) ؛
أَيْ: قَوْلَهُ أَوْ كَانَ لَهُ عَلَيَّ كَذَا (بِقَوْلِهِ وَبَرِئْت مِنْهُ، أَوْ) بِقَوْلِهِ (وَقَضَيْته أَوْ) بِقَوْلِهِ (وَقَضَيْت بَعْضَهُ) وَلَمْ يَعْزِهِ لِسَبَبٍ؛ فَمُنْكِرٌ (أَوْ قَالَ مُدَّعٍ لِي عَلَيْك مِائَةٌ، فَقَالَ) مُدَّعًى عَلَيْهِ (قَضَيْتُك مِنْهَا) وَلَمْ يَقُلْ مِنْ الْمِائَةِ الَّتِي لَك عَلَيَّ (عَشَرَةً وَلَمْ يَعْزِهِ) أَيْ: الْمُقَرَّ بِهِ (لِسَبَبٍ) بِأَنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ أَوْ كَانَ لَهُ عَلَيَّ كَذَا مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ قَرْضٍ؛ (فَ) هُوَ مُنْكِرٌ يُقْبَلُ (قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ) نَصًّا طِبْقَ جَوَابِهِ، وَيُخَلِّي سَبِيلَهُ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ، هَذَا الْمَذْهَبُ قَالَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " لِأَنَّهُ دَفَعَ مَا أَثْبَتَهُ بِدَعْوَى الْقَضَاءِ مُتَّصِلًا، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ يَكُونُ مُقِرًّا مُدَّعِيًا لِلْقَضَاءِ؛ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ حَلَفَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ، وَلَمْ يُبْرِئْهُ، وَاسْتُحِقَّ، وَقَالَ: هَذِهِ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْوَفَاءِ وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُذَهَّبِ " وَ " الرِّعَايَتَيْنِ " وَ " الْحَاوِي الصَّغِيرِ " انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي الْحَنْبَلِيِّ أَنْ يَحْكُمَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَيَجِبُ الْعَمَلُ بِقَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ.
فَإِنْ ذَكَرَ السَّبَبَ فَقَدْ اعْتَرَفَ بِمَا يُوجِبُ الْحَقَّ مِنْ عَقْدٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ نَحْوِهِمَا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنِّي بَرِيءٌ مِنْهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ (وَإِنْ عَزَاهُ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِسَبَبٍ كَاعْتِرَافِهِ بِأَنَّ الْحَقَّ (مِنْ ثَمَنِ) مَبِيعٍ (وَقَرْضٍ) أَوْ قِيمَةُ مُتْلَفٍ أَوْ أَرْشِ جِنَايَةٍ وَنَحْوِهِ، أَوْ ثَبَتَ سَبَبُ الْحَقِّ بِبَيِّنَةٍ، أُلْزِمَ مُدَّعًى عَلَيْهِ بِهِ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ مُدَّعٍ لِلْقَضَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ فَيُطَالَبُ بِالْبَيَانِ.
تَتِمَّةٌ: لَوْ أَسْقَطَ لَفْظَ كَانَ؛ بِأَنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ قَضَيْته إيَّاهُ أَوْ أَبْرَأَنِي مِنْهُ وَنَحْوَهُ مِمَّا سَبَقَ، فَهُوَ مُنْكِرٌ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِمَا سَبَقَ، مَا لَمْ يَعْتَرِفْ بِسَبَبِ الْحَقِّ أَوْ يُثْبِتْ بِبَيِّنَةٍ، فَإِنْ قَالَ: لِي بَيِّنَةٌ بِالْوَفَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ أُمْهِلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِيَأْتِيَ بِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ، وَلِلْمُدَّعِي مُلَازَمَتُهُ فِيهَا حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا حَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَى بَقَاءِ حَقِّهِ، وَأَخَذَهُ، وَإِنْ نَكَلَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ؛ لِثُبُوتِ الْقَضَاءِ بِنُكُولِهِ، وَلَوْ قَالَ مُدَّعٍ كَانَ لِي عَلَيْك أَلْفٌ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ، ذَكَرَهُ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ، قَالَ فِي " التَّرْغِيبِ " بِلَا خِلَافٍ.