الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَمَنْ دَفَعَهَا حَالَ سُقُوطِهَا عَلَيْهِ عَنْ نَفْسِهِ) لِئَلَّا تَقَعَ عَلَيْهِ، فَأَتْلَفَ شَيْئًا؛ لَمْ يَضْمَنْ كَدَفْعِ الصَّائِلِ، أَوْ تَدَحْرَجَتْ عَلَى إنْسَانٍ فَدَفَعَهَا عَنْهُ فَأَتْلَفَ شَيْئًا (لَمْ يَضْمَنْ) دَافِعُهَا (مَا تَلِفَ بِهِ بِدَفْعِهِ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ بِذَلِكَ.
[بَابُ مَقَادِيرِ دِيَاتِ النَّفْسِ]
ِ الْمَقَادِيرُ: جَمْعُ مِقْدَارٍ، وَهُوَ مَبْلَغُ الشَّيْءِ وَقَدْرُهُ (دِيَةُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ مِائَةُ بَعِيرٍ أَوْ مِائَتَا بَقَرَةٍ أَوْ أَلْفَا شَاةٍ، أَوْ أَلْفُ مِثْقَالِ ذَهَبٍ أَوْ اثْنَا عَشَرَ أَلْفِ دِرْهَمٍ فِضَّةً) مِنْ دَرَاهِمِ الْإِسْلَامِ الَّتِي كُلُّ عَشَرَةٍ مِنْهَا سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ.
قَالَ الْقَاضِي: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّ أُصُولَ الدِّيَةِ الْإِبِلُ وَالْغَنَمُ وَالذَّهَبُ وَالْوَرِقُ، لِمَا رَوَى عَطَاءٌ عَنْ جَابِرٍ قَالَ:«فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَيْ شَاةٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَجُلًا قُتِلَ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دِيَتَهُ اثْنَيْ عَشْرَةَ أَلْفَ دِرْهَمٍ» .
وَفِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ (وَهَذِهِ الْخَمْسَةُ) الْمَذْكُورَةُ (فَقَطْ) ؛ أَيْ: دُونَ الْحُلَلِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ قِيلَ إنَّ الْحُلَلَ أَصْلٌ، وَقَدْرُهَا مِائَةُ حُلَّةٍ مِنْ حُلَلِ الْيَمَنِ، كُلُّ حُلَّةٍ بُرْدَانِ: إزَارٌ وَرِدَاءٌ.
وَفِي الْمَذْهَبِ جَدِيدَانِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا لَيْسَتْ أَصْلًا؛ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ وَلَا تَنْضَبِطُ (أُصُولُهَا) ؛ أَيْ: الدِّيَةِ، لِمَا سَبَقَ (فَإِذَا أَحْضَرَ مَنْ عَلَيْهِ دِيَةٌ أَحَدَهَا) ؛ أَيْ: أَحَدَ هَذِهِ الْخَمْسَةِ (لَزِمَ) وَلِيَّ جِنَايَةٍ (قَبُولُهُ) سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ النَّوْعِ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِإِجْزَاءِ كُلٍّ مِنْهَا فَالْخِيَرَةُ لِمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَخِصَالِ الْكَفَّارَةِ.
«وَيَجِبُ مِنْ إبِلٍ فِي عَمْدٍ وَشَبَهِهِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً» رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَرَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ مَرْفُوعًا.
؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِجِنْسِ الْحَيَوَانِ؛ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَمْلُ كَالزَّكَاةِ وَالْأُضْحِيَّةَ.
(وَتَغْلُظُ) دِيَةُ عَمْدٍ وَشِبْهِهِ (فِي طَرَفٍ) كَمَا تَغْلُظُ فِي (نَفْسٍ) ؛ لِاتِّفَاقِهِمَا فِي السَّبَبِ الْمُوجِبِ، (وَلَا) تَغْلُظُ دِيَةٌ (فِي غَيْرِ إبِلٍ) ؛ لِعَدَمِ وُرُودِهِ.
(وَتَجِبُ) الدِّيَةُ (فِي خَطَأٍ أَخْمَاسًا، عِشْرُونَ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ) ؛ أَيْ: عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ حِقَّةً، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً (وَعِشْرُونَ ابْنَ مَخَاضٍ) قَالَ فِي الشَّرْحِ: لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ.
(وَيُؤْخَذُ مِنْ بَقَرٍ مُسِنَّاتٌ وَأَتْبِعَةٌ) نِصْفَيْنِ (وَ) يُؤْخَذُ (مِنْ غَنَمٍ ثَنَايَا وَأَجْذِعَةٌ نِصْفَيْنِ) لِأَنَّ دِيَةَ الْإِبِلِ مِنْ الْأَسْنَانِ الْمُقَدَّرَةِ فِي الزَّكَاةِ، فَكَذَا الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ.
(وَتُعْتَبَرُ السَّلَامَةُ مِنْ عَيْبٍ) فِي كُلِّ الْأَنْوَاعِ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ (وَلَا) يُعْتَبَرُ (أَنْ تَبْلُغَ قِيمَتُهَا) ؛ أَيْ: الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ (دِيَةَ نَقْدٍ) ؛ لِعُمُومِ حَدِيثِ «فِي النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَهُوَ مُطْلَقٌ فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَقْيِيدُهُ إلَّا بِدَلِيلٍ؛ وَلِأَنَّهَا كَانَتْ تُؤْخَذُ عَلَى عَهْدِهِ عليه الصلاة والسلام وَقِيمَتُهَا ثَمَانِيَةُ آلَافٍ.
وَقَوْلُ عُمَرَ: إنَّ الْإِبِلَ قَدْ غَلَتْ فَقَوِّمْهَا عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا فِي حَالِ رُخْصِهَا أَقَلُّ قِيمَةً مِنْ ذَلِكَ.
(وَ) يَجِبُ (فِي مُوضِحَةِ عَمْدٍ وَشَبَهِهِ أَرْبَعَةُ أَرْبَاعًا) ؛ أَيْ: بِنْتُ مَخَاضٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ وَحِقَّةٌ وَجَذَعَةٌ، (وَ) يَجِبُ الْبَعِيرُ (الْخَامِسُ مِنْ أَحَدِ الْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ قِيمَتُهُ رُبُعُ قِيمَةِ الْأَرْبَعَةِ) الْمَذْكُورَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي زَكَاةِ الْمَالِ إذَا كَانَ مِنْ نَوْعَيْنِ (وَإِنْ كَانَ) أَوْضَحَهُ (خَطَأً وَجَبَتْ الْخَمْسُ مِنْ الْأَنْوَاعِ الْخَمْسَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ) مِنْ كُلِّ نَوْعِ بَعِيرٍ ابْنُ مَخَاضٍ وَبِنْتُ مَخَاضٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ وَحِقَّةٌ وَجَذَعَةٌ (وَيَجِبُ فِي أُنْمُلَةٍ) مِنْ غَيْرِ إبْهَامٍ قُطِعَتْ (عَمْدًا) وَشَبَهَهُ (ثَلَاثَةُ أَبْعِرَةٍ وَثُلُثُ) بَعِيرٍ (قِيمَتُهَا نِصْفُ قِيمَةِ الْأَرْبَعَةِ) ؛ أَيْ: بِنْتِ الْمَخَاضِ وَبِنْتِ اللَّبُونِ وَالْحِقَّةِ وَالْجَذَعَةِ (وَثُلُثُهَا) أَيْ: ثُلُثُ قِيمَةِ الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّ نِسْبَةَ
الثَّلَاثَةِ وَالثُّلُثِ إلَى الْأَرْبَعَةِ نِصْفٌ وَثُلُثٌ (وَإِنْ كَانَ) قَطْعُ الْأُنْمُلَةِ (خَطَأً)(فَفِيهَا) ثَلَاثَةُ أَبْعِرَةٍ وَثُلُثُ قِيمَتِهَا (ثُلُثَا قِيمَةِ الْخُمْسِ) لِأَنَّ نِسْبَةَ الثَّلَاثَةِ وَالثُّلُثِ إلَى الْخَمْسَةِ ثُلُثَانِ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْإِبِلِ أَنْ تَكُونَ مِنْ جِنْسِ إبِلِ الْجَانِي، وَلَا مِنْ جِنْسِ إبِلِ بَلَدِهِ؛ لِعُمُومِ مَا سَبَقَ مِنْ الْأَخْبَارِ.
(وَدِيَةُ أُنْثَى بِصِفَتِهِ) ؛ أَيْ: الْجَانِي مِنْ إسْلَامٍ أَوْ كُفْرٍ (نِصْفُ دِيَتِهِ) حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، إجْمَاعًا، لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ حَزْمٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي كِتَابِهِ: دِيَةُ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ» (وَيَسْتَوِيَانِ) ؛ أَيْ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى حَيْثُ اتَّفَقَا دِينًا (فِي) جُرْحٍ (مُوجِبٍ دُونَ ثُلُثِ دِيَةِ) ذَكَرٍ حُرٍّ (فَإِذَا بَلَغَتْ جِرَاحَاتُهَا الثُّلُثَ أَوْ زَادَتْ عَلَيْهِ) صَارَتْ عَلَى النِّصْفِ؛ لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «عَقْلُ الْمَرْأَةِ مِثْلُ عَقْلِ الرَّجُلِ حَتَّى تَبْلُغَ الثُّلُثَ مِنْ دِيَتِهَا» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ.
وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ قَالَ: قُلْت لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: «كَمْ فِي أُصْبُعِ الْمَرْأَةِ؟ قَالَ: عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ. قُلْت: فَفِي أُصْبُعَيْنِ؟ : قَالَ عِشْرُونَ. قُلْت: فَفِي ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ؟ قَالَ: ثَلَاثُونَ قُلْت فَفِي أَرْبَعِ أَصَابِعَ؟ قَالَ: عِشْرُونَ. قُلْت: لَمَّا عَظُمَتْ مُصِيبَتُهَا قَلَّ عَقْلُهَا قَالَ: هَكَذَا السُّنَّةُ يَا ابْنَ أَخِي» ؛ وَلِأَنَّ دِيَةَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى يَسْتَوِيَانِ فِي الْجَنِينِ فَكَذَا فِيمَا دُونَ الثُّلُثِ، وَأَمَّا مَا يُوجِبُ الثُّلُثَ فَمَا فَوْقَ، فَهِيَ فِيهِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الذَّكَرِ؛ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ «حَتَّى تَبْلُغَ الثُّلُثَ» وَحَتَّى لِلْغَايَةِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَهَا مُخَالِفًا لِمَا قَبْلَهَا، وَلِأَنَّ الثُّلُثَ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ؛ لِحَدِيثِ:«وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» ؛ وَلِذَلِكَ حَمَلْته الْعَاقِلَةُ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُسْلِمَةُ وَالْكِتَابِيَّةُ وَالْمَجُوسِيَّةُ وَغَيْرُهَا.
(وَدِيَةُ خُنْثَى مُشْكِلٍ بِصِفَتِهِ) ؛ أَيْ: حُرٍّ مُسْلِمٍ (نِصْفُ دِيَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا) ؛ أَيْ: الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى؛ أَيْ: ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الذَّكَرِ؛ لِاحْتِمَالِهِ الذُّكُورَةَ وَالْأُنُوثَةَ احْتِمَالًا وَاحِدًا، وَقَدْ أَيِسَ مِنْ انْكِشَافِ حَالِهِ؛ فَوَجَبَ التَّوَسُّطُ بَيْنَهُمَا، وَالْعَمَلُ بِكُلٍّ مِنْ الِاحْتِمَالَيْنِ (وَكَذَا جِرَاحُهُ) ؛ أَيْ: الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ إذَا بَلَغَ ثُلُثَ الدِّيَةِ فَأَكْثَرَ، وَأَمَّا مَا دُونَ الثُّلُثِ فَلَا يَخْتَلِفُ بِهَا كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَدِيَةُ كِتَابِيٍّ) ؛ أَيْ: يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ وَمَنْ تَدَيَّنَ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ (حُرٍّ ذِمِّيٍّ أَوْ مُعَاهَدٍ) ؛ أَيْ: مُهَادِنٍ (أَوْ مُسْتَأْمَنٍ نِصْفُ دِيَةِ حُرٍّ مُسْلِمٍ) ؛ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا «دِيَةُ الْمُعَاهَدِ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ» وَفِي لَفْظٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِأَنَّ عَقْلَ أَهْلِ الْكِتَابِ نِصْفُ عَقْلِ الْمُسْلِمِينَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. قَالَ الْخَطَّابِيِّ: لَيْسَ فِي دِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ شَيْءٌ أَبْيَنُ مِنْ هَذَا، وَلَا بَأْسَ بِإِسْنَادِهِ.
وَمَحَلُّ هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ الْقَتْلُ عَمْدًا وَالْقَاتِلُ مُسْلِمًا أَمَّا إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ دِيَةِ الْكِتَابِيِّ وَالْمُسْلِمِ، وَيَأْتِي.
(وَكَذَا جِرَاحُهُ) ؛ أَيْ: الْكِتَابِيِّ غَيْرِ الْحَرْبِيِّ فَإِنَّهُ عَلَى نِصْفِ جِرَاحِ الْمُسْلِمِ.
(وَدِيَةُ مَجُوسِيٍّ حُرٍّ ذِمِّيٍّ أَوْ مُعَاهَدٍ أَوْ مُسْتَأْمَنٍ، وَدِيَةُ حُرٍّ مِنْ عَابِدِ وَثَنٍ) وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ كَمَنْ يَعْبُدُ مَا اسْتَحْسَنَ مِنْ شَمْسٍ أَوْ قَمَرٍ أَوْ كَوْكَبٍ (مُسْتَأْمَنٍ أَوْ مُعَاهَدٍ بِدَارِنَا) أَوْ غَيْرِهَا لِحَقْنِ دَمِهِ بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ (ثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ) وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْمَجُوسِيِّ وَأُلْحِقَ بِهِ بَاقِي الْمُشْرِكِينَ؛ لِأَنَّهُمْ دُونَهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام:«سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» .
فَالْمُرَادُ فِي حَقْنِ دِمَائِهِمْ وَأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ، وَلِذَلِكَ لَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ وَلَا ذَبَائِحُهُمْ (وَجِرَاحُهُ) أَيْ: مَنْ ذَكَرَ مِنْ الْمَجُوسِ وَعَابِدِ وَثَنٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (بِالنِّسْبَةِ) إلَى دِيَتِهِ نَصًّا، كَمَا أَنَّ جِرَاحَ الْمُسْلِمِ وَأَطْرَافَهُ بِالْحِسَابِ مِنْ دِيَتِهِ.
(وَدِيَةُ أُنْثَى الْكُفَّارِ نِصْفُ دِيَةِ ذَكَرِهِمْ) .
قَالَ فِي الشَّرْحِ ": لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا (وَظَاهِرُهُ: وَيَسْتَوِيَانِ فِي مُوجَبِ دُونِ ثُلُثِ دِيَةِ ذَكَرِهِمْ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ) ؛ أَيْ: دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ إنْ وُجِدَ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": وَقَدْ أُخْبِرْتُ عَنْ قَوْمٍ بِآخِرِ بِلَادِ السُّودَانِ لَا يَفْقَهُونَ مَا يُقَالُ لَهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَحِينَئِذٍ فَهَؤُلَاءِ لَمْ تَبْلُغْهُمْ الدَّعْوَةُ (فَإِنْ كَانَ لَهُ أَمَانٌ فَدِيَتُهُ دِيَةُ أَهْلِ دِينِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مَحْقُونُ الدَّمِ (فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ دِينُهُ فَكَمَجُوسِيٍّ)
لِأَنَّهُ الْيَقِينُ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ مَشْكُوكٌ فِيهِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَمَانٌ فَهُوَ هَدَرٌ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْصُومٍ؛ أَشْبَهَ الْحَرْبِيَّ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ حَتَّى يُدْعَى، فَإِنْ بَادَرَ مُسْلِمٌ فَقَتَلَهُ؛ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ.
قَالَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ حُكْمَ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ (كَ) حُكْمِ (دُرْزِيٍّ وَنُصَيْرِيٍّ) وَإِسْمَاعِيلِيٍّ (وَقَاذِفِ عَائِشَةَ؛ لِرِدَّتِهِمْ) بِجَحْدِهِمْ وُجُوبَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ؛ وَاسْتِبَاحَتِهِمْ الْخَمْرَ وَالزِّنَا؛ وَإِنْكَارِهِمْ قِيَامَ السَّاعَةِ وَأَمْرِ الْمَعَادِ؛ وَاعْتِقَادِهِمْ تَنَاسُخَ الْأَرْوَاحِ وَانْتِقَالَهَا إلَى أَبْدَانِ الْحَيَوَانَاتِ، وَحُلُولَ الْإِلَهِ فِي الْمَخْلُوقَاتِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ عَقَائِدِهِمْ الْقَبِيحَةِ، وَبِلُغَتِهِمْ الصَّرِيحَةِ، كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي كُتُبِهِمْ الْمَنْهُوبَةِ مِنْ بِلَادِهِمْ.
فَهَؤُلَاءِ الطَّوَائِفُ وَأَمْثَالُهُمْ مِمَّنْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى كُفْرِهِمْ.
وَمَنْ يَشُكُّ فِي كُفْرِهِمْ فَهُوَ كَافِرٌ مِثْلُهُمْ لَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ وَلَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ، وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُمْ فِي دِيَارِ الْإِسْلَامِ بِجِزْيَةٍ وَلَا بِغَيْرِ جِزْيَةٍ، وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ فِي الدُّنْيَا؛ فَهَذَا الِاتِّجَاهُ إنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ كَهَؤُلَاءِ الطَّوَائِفِ مِنْ حَيْثُ إهْدَارِ الدَّمِ فِي كُلٍّ، فَمُسَلَّمٌ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُمْ كَهُوَ مِنْ سَائِرِ الْوُجُوهِ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ قَتْلُهُ قَبْلَ الدَّعْوَةِ، وَهَؤُلَاءِ يُقْتَلُونَ بِكُلِّ حَالٍ كَمَا يَأْتِي فِي حُكْمِ الْمُرْتَدِّ.
(وَتُغَلَّظُ دِيَةُ قَتْلِ خَطَأٍ) لَا عَمْدٍ (فِي نَفْسٍ) لَا فِي طَرَفٍ خِلَافًا " لِلْمُغْنِي " وَالشَّرْحِ " (وَيَتَّجِهُ) بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ (وَلَوْ) كَانَ الْمَقْتُولُ (ذِمِّيًّا) وَهُوَ مُتَّجِهٌ (فِي كُلٍّ مِنْ حَرَمِ مَكَّةَ وَإِحْرَامِ) مَقْتُولٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ " الْمُغْنِي " (وَشَهْرٍ حَرَامٍ) فَقَطْ فَلَا تَغْلُظُ لِقَتْلِ رَحِمٍ وَلَوْ مُحَرَّمًا (بِثُلُثِ) دِيَةٍ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ نَجِيحٍ أَنَّ امْرَأَةً