الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وَلَمْ يَأْمُرْ الصِّدِّيقُ الْمُرْتَدِّينَ بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُمْ وَكَالْحَرْبِيِّ.
(وَإِنْ لَحِقَ زَوْجَانِ مُرْتَدَّانِ بِدَارِ حَرْبٍ؛ لَمْ يُسْتَرَقَّا) وَلَا أَحَدُهُمَا (لِأَنَّهُ لَا يَجْرِي عَلَى الْمُرْتَدِّ رِقٌّ بِحَالٍ) بَلْ يُقْتَلُ بَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ.
(وَلَا) يُسْتَرَقُّ (مَنْ وُلِدَ لَهُمَا) أَيْ: الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ رِدَّةٍ إذَا ارْتَدَّا وَلَحِقَا بِدَارِ حَرْبٍ (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يُسْتَرَقُّ (حَمْلٌ) مِنْهُمَا حَمَلَتْ بِهِ (قَبْلَ رِدَّةٍ) لِلْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ قَبْلَ الرِّدَّةِ، وَلَا يَتْبَعُهُمَا فِي الرِّدَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو، فَقَدْ تَبِعُوهُمْ فِي الْإِسْلَامِ فَلَا يَتْبَعُونَهُمْ فِي الرِّدَّةِ.
(وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ مِنْهُمْ) ؛ أَيْ: مِنْ أَوْلَادِهِمْ الَّذِينَ وُلِدُوا، أَوْ حُمِلَ بِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ (قُتِلَ) بَعْدَ بُلُوغِهِ وَاسْتِتَابَتِهِ؛ لِخَبَرِ:«مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» (وَيَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ) الْوَلَدِ (الْحَادِثِ فِيهَا) أَيْ: رِدَّةِ زَوْجَيْنِ لَحِقَا بِدَارِ حَرْبٍ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ وُلِدَ بَيْنَ كَافِرَيْنِ وَلَيْسَ بِمُرْتَدٍّ نَصًّا (وَ) يَجُوزُ (إقْرَارُهُ عَلَى كُفْرِهِ) إذَا كَانَ كِتَابِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا (بِجِزْيَةٍ) كَأَوْلَادِ الْحَرْبِيِّينَ؛ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي جَوَازِ الِاسْتِرْقَاقِ.
[فَصْلٌ فِي السِّحْرِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]
ِ يَحْرُمُ تَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيمُهُ وَفِعْلُهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْأَذَى (وَالسِّحْرُ كَبِيرَةٌ) مِنْ الْكَبَائِرِ الْعِظَامِ، وَهُوَ عُقَدٌ وَرُقًى وَكَلَامٌ يَتَكَلَّمُ بِهِ فَاعِلُهُ أَوْ يَكْتُبُهُ أَوْ يَعْمَلُ شَيْئًا يُؤَثِّرُ فِي بَدَنِ الْمَسْحُورِ أَوْ قَلْبِهِ أَوْ عَقْلِهِ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ لَهُ (وَلَهُ حَقِيقَةٌ) فَمِنْهُ (مَا يَقْتُلُ وَ) مِنْهُ مَا (يُمْرِضُ وَمِنْهُ) مَا (يَأْخُذُ الرَّجُلُ عَنْ زَوْجَتِهِ فَيَمْنَعُهُ وَطْأَهَا وَ) مِنْهُ مَا (يُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَيُبَغِّضُ أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ، أَوْ يُحَبِّبُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] إلَى قَوْله تَعَالَى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة: 102] وَمَا كَانَ مِثْلُ فِعْلِ لَبِيدِ بْنِ الْأَعْصَمِ حِينَ سَحَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ - بِضَمِّ الْمِيمِ فِيهِمَا - مَا يَسْقُطُ مِنْ الشَّعْرِ
عِنْدَ مَشْطِهِ.
رَوَتْ عَائِشَةُ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُحِرَ حَتَّى إنَّهُ لَيُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ»
(فَسَاحِرٌ يَرْكَبُ الْمِكْنَسَةَ فَتَسِيرُ بِهِ فِي الْهَوَاءِ أَوْ يَدَّعِي أَنْ الْكَوَاكِبَ تُخَاطِبُهُ كَافِرٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] وَقَوْلِهِ {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] ؛ أَيْ: لَا تَتَعَلَّمْهُ فَتَكْفُرْ بِذَلِكَ (كَمُعْتَقِدِ حِلِّهِ) لِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِهِ؛ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
وَ (لَا) يَكْفُرُ وَلَا يُقْتَلُ (مَنْ يُسْحِرُ بِأَدْوِيَةٍ وَتَدْخِينٍ وَسَقْيِ شَيْءٍ يَضُرُّ) لِأَنَّ الْأَصْلَ الْعِصْمَةُ، وَلَمْ يَثْبُتْ مَا يُزِيلُهَا (وَيُعَزَّرُ) سَاحِرٌ بِذَلِكَ (بَلِيغًا) لِيَنْكَفَّ هُوَ وَمَنْ مِثْلُهُ (بِحَيْثُ لَا يَبْلُغُ بِهِ الْقَتْلَ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ لِارْتِكَابِهِ مَعْصِيَةً (وَقِيلَ) لَهُ تَعْزِيرُهُ (بِالْقَتْلِ) وَيُقْتَلُ السَّاحِرُ إنْ كَانَ مُسْلِمًا بِالسَّيْفِ؛ لِمَا رَوَى جُنْدُبٌ مَرْفُوعًا، قَالَ:«حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَهُ، وَقَالَ: الصَّحِيحُ عَنْ جُنْدُبٍ مَوْقُوفٌ وَعَنْ بَجَالَةَ بْنِ عَبْدٍ قَالَ: كُنْت كَاتِبًا لِجُزْءِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَمِّ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ فَأَتَانَا كِتَابُ مُعَاوِيَةَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ: أَنْ اُقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ وَسَاحِرَةٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَسَعِيدٌ. وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَتَلْنَا ثَلَاثَةَ سَوَاحِرَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ.
وَقَتَلَتْ حَفْصَةُ جَارِيَةً لَهَا سَحَرَتْهَا. رَوَاهُ مَالِكٌ. وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ وَابْنِ عُمَرَ.
(وَلَا) يَكْفُرُ (مَنْ يُعَزِّمُ عَلَى الْجِنِّ، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ يَجْمَعُهَا وَتُطِيعُهُ) وَلَا يُقْتَلُ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَى قَتْلِهِ بِالسِّحْرِ؛ وَيُعَزَّرُ تَعْزِيرًا بَلِيغًا دُونَ الْقَتْلِ، لِارْتِكَابِهِ مَعْصِيَةً عَظِيمَةً.
(وَلَا يَكْفُرُ كَاهِنٌ) ؛ أَيْ: مَنْ (لَهُ رَئِيٌّ مِنْ الْجِنِّ يَأْتِيه بِالْأَخْبَارِ، وَلَا عَرَّافٌ وَهُوَ الْخَرَّاصُ، وَلَا مُنَجِّمٌ يَسْتَدِلُّ بِنَظَرِهِ فِي النُّجُومِ عَلَى الْحَوَادِثِ، فَإِنْ أَوْهَمَ قَوْمًا أَنَّهُ يَعْلَمُ الْغَيْبَ فَلِلْإِمَامِ قَتْلُهُ؛ لِسَعْيِهِ بِالْفَسَادِ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ:
التَّنْجِيمُ كَالِاسْتِدْلَالِ بِالْأَحْوَالِ الْفَلَكِيَّةِ عَلَى الْحَوَادِثِ الْأَرْضِيَّةِ مِنْ السِّحْرِ وَيَحْرُمُ إجْمَاعًا؛ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يَدْفَعُ عَنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ وَالدُّعَاءِ بِبَرَكَتِهِ مَا زَعَمُوا أَنَّ الْأَفْلَاكَ تُوجِبُهُ، وَأَنَّ لَهُمْ مِنْ ثَوَابِ الدَّارَيْنِ مَا لَا تَقْوَى الْأَفْلَاكُ أَنْ تَجْلُبَهُ.
(وَلَا يُقْتَلُ سَاحِرٌ كِتَابِيٌّ نَصًّا وَنَحْوُهُ) كَمَجُوسِيٍّ إلَّا أَنْ يَقْتُلَ بِسِحْرٍ يَقْتُلُ غَالِبًا؛ فَيُقْتَلُ قِصَاصًا؛ لِأَنَّ لَبِيدَ بْنَ الْأَعْصَمِ سَحَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَقْتُلْهُ، وَلِأَنَّ كُفْرَهُ أَعْظَمُ مِنْ سِحْرِهِ، وَلَمْ يُقْتَلْ بِهِ، وَالْأَخْبَارُ فِي سَاحِرِ الْمُسْلِمِينَ إذَا كَفَرَ بِسِحْرِهِ.
(وَلَا) يَكْفُرُ (مُشَعْبِذٌ وَ) لَا (قَائِلَ بِزَجْرِ طَيْرٍ وَلَا ضَارِبٌ بِحَصَى وَشَعِيرٍ وَقِدَاحٍ) ؛ أَيْ: سِهَامٍ.
زَادَ فِي الرِّعَايَةِ " وَالنَّظَرُ فِي أَلْوَاحِ الْأَكْتَافِ (إنْ لَمْ يَعْتَقِدْ إبَاحَتَهُ) ؛ أَيْ: فَعَلَ مَا سَبَقَ (وَ) لَمْ يَعْتَقِدْ (أَنَّهُ يَعْلَمُ بِهِ الْأُمُورَ الْمُغَيَّبَةَ، وَيُعَزَّرُ) لِفِعْلِهِ مَعْصِيَةً، وَيُكَفُّ عَنْهُ، (وَإِلَّا) بِأَنْ اعْتَقَدَ إبَاحَتَهُ وَأَنَّهُ يَعْلَمُ بِهِ الْأُمُورَ الْمُغَيَّبَةَ (كَفَرَ) فَيُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ.
(وَيَحْرُمُ طَلْسَمٌ وَحِرْزٌ وَرُقْيَةٌ) وَعَزِيمَةٌ (بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ) إنْ لَمْ يَعْرِفْ مَعْنَى ذَلِكَ، لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ سَبًّا وَكُفْرًا (وَ) وَكَذَا تَحْرُمُ (رُقْيَةٌ بِاسْمِ كَوْكَبٍ وَمَا وُضِعَ عَلَى نَجْمٍ مِنْ صُورَةٍ أَوْ غَيْرِهَا.)
وَفِي نُسْخَةٍ (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (إنَّ رُقَى الْبَخُورِ، وَرُقَاهُ - يَعْنِي بِاسْمِ كَوْكَبٍ - هُوَ دِينُ النَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ) انْتَهَى.
(وَيَجُوزُ الْحَلُّ) ؛ أَيْ؛ حَلُّ السِّحْرِ بِالْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ وَالْأَقْسَامِ وَالْكَلَامِ الْمُبَاحِ، وَيَجُوزُ حَلُّهُ أَيْضًا (بِسِحْرٍ ضَرُورَةً) ؛ أَيْ: لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ.
قَالَ فِي " الْمُغْنِي " تَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِي الْحَلِّ وَهُوَ إلَى الْجَوَازِ أَمْيَلُ، وَسَأَلْتُ مُهَنَّا عَمَّنْ تَأْتِيه مَسْحُورَةٌ فَيُطْلِقُهُ عَنْهَا؟ قَالَ: لَا بَأْسَ؛ قَالَ الْخَلَّالُ: إنَّمَا كُرِهَ فِعَالُهُ وَلَا يَرَى بِهِ بَأْسًا كَمَا بَيَّنَهُ مُهَنَّا، وَهَذَا مِنْ الضَّرُورَةِ الَّتِي تُبِيحُ فِعْلَهَا، وَالْمَذْهَبُ جَوَازُهُ ضَرُورَةً
(وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " وَمِنْ السِّحْرِ السَّعْيُ بِالنَّمِيمَةِ وَالْإِفْشَاءُ بَيْنَ النَّاسِ وَهُوَ غَرِيبٌ) وَوَجْهُهُ أَنَّهُ يَقْصِدُ الْأَذَى بِكَلَامِهِ وَعَمَلِهِ عَلَى وَجْهِ الْمَكْرِ وَالْحِيلَةِ أَشْبَهَ السِّحْرَ، وَلِهَذَا