الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: وَهُوَ تَقْيِيدٌ حَسَنٌ يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ. وَكَذَلِكَ قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ " وَهُوَ حَسَنٌ.
(وَإِنْ أَخْبَرَ حَاكِمٌ حَاكِمًا) آخَرَ (بِحُكْمٍ أَوْ ثُبُوتٍ وَلَوْ فِي غَيْرِ عَمَلِهِمَا) أَوْ أَخْبَرَ أَنَّهُ فِي عَمَلِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ (قَبِلَ الْخَبَرُ، وَعَمِلَ بِهِ) الْمُخْبَرُ بِفَتْحِ الْبَاءِ إذَا بَلَغَ عَمَلَهُ، كَمَا لَوْ أَخْبَرَهُ بِحُكْمٍ بَعْدَ عَزْلِهِ، وَلَا يَقْبَلُ الْمُخْبَرُ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَلَا يَعْمَلُ إذَا أَخْبَرَهُ بِأَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ كَذَا وَلَمْ يَحْكُمْ بِهِ (مَعَ حُضُورِ مُخْبِرٍ) بِكَسْرِ الْبَاءِ (وَهُمَا بِعَمَلِهِمَا) إذَا أَخْبَرَهُ بِالثُّبُوتِ عِنْدَهُ بِلَا حُكْمٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ كَنَقْلِ الشَّهَادَةِ، فَاعْتُبِرَ فِيهِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ (وَكَذَا إخْبَارُ أَمِيرِ جِهَادٍ وَأَمِينِ صَدَقَةٍ وَنَاظِرِ وَقْفٍ مُتَبَرِّعَيْنِ) فَيُقْبَلُ إخْبَارُ كُلٍّ مِنْهُمْ بَعْدَ عَزْلِهِ بِأَمْرٍ صَدَرَ مِنْهُ حَالَ وِلَايَتِهِ، كَمَا يُقْبَلُ فِي وِلَايَتِهِ. وَكُلُّ مَنْ صَحَّ مِنْهُ إنْشَاءُ أَمْرٍ؛ صَحَّ إقْرَارُهُ بِهِ قَالَهُ فِي " الِانْتِصَارِ ".
[بَابُ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ]
ِ أَيْ: كَيْفِيَّةِ الْحُكْمِ (طَرِيقُ كُلُّ شَيْءٍ) حُكْمٍ أَوْ غَيْرِهِ (مَا تُوُصِّلَ بِهِ إلَيْهِ) أَيْ: الشَّيْءِ.
وَالْحُكْمُ لُغَةً الْمَنْعُ وَاصْطِلَاحًا (الْفَصْلُ) وَقَدْ لَا يَكُونُ خُصُومَةً كَعَقْدٍ دُفِعَ إلَيْهِ لِيَحْكُمَ بِهِ؛ فَهُوَ إلْزَامٌ لِلْعَمَلِ بِهِ؛ وَسُمِّيَ الْقَاضِي حَاكِمًا؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الظَّالِمَ مِنْ ظُلْمِهِ.
(إذَا أُحْضِرَ إلَيْهِ) أَيْ: الْقَاضِي (خَصْمَانِ) اُسْتُحِبَّ أَنْ يَجْلِسَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد: (لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «قَضَى أَنْ يَجْلِسَ الْخَصْمَانِ بَيْنَ يَدَيْ
الْحَاكِمِ» ) .
وَقَالَ عَلِيٌّ حِينَ خَاصَمَ الْيَهُودِيَّ دِرْعَهُ إلَى شُرَيْحٍ: لَوْ أَنَّ خَصْمِي مُسْلِمٌ لَجَلَسْتُ مَعَهُ بَيْنَ يَدَيْكَ.
وَلِأَنَّهُ أَمْكَنُ لِلْحَاكِمِ فِي الْعَدْلِ بَيْنَهُمَا فَإِذَا جَلَسَا (فَلَهُ أَنْ يَسْكُتَ حَتَّى يَبْتَدِئَا) أَيْ: الْخَصْمَانِ بِالدَّعْوَى (وَلَهُ أَنْ يَقُولَ: أَيُّكُمَا الْمُدَّعِي) لِأَنَّهُ لَا تَخْصِيصَ فِي ذَلِكَ لِأَحَدِهِمَا (وَمِنْ سَبَقَ بِالدَّعْوَى مِنْهُمَا نُطْقًا؛ قُدِّمَ) أَيْ: قَدَّمَهُ الْحَاكِمُ عَلَى خَصْمِهِ لِتَرْجِيحِهِ بِالسَّبَقِ؛ فَإِنْ قَالَ خَصْمُهُ أَنَا الْمُدَّعِي لَمْ يَلْتَفِتْ الْحَاكِمُ إلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: أَجِبْ عَنْ دَعْوَاهُ ثُمَّ ادَّعِ بَعْدُ مَا شِئْتَ (ثُمَّ) إنْ ادَّعَيَا مَعًا قُدِّمَ (مَنْ قُرِعَ) أَيْ: خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ؛ لِأَنَّهَا تُعَيِّنُ الْمُسْتَحِقَّ (فَإِذَا انْتَهَتْ حُكُومَتُهُ) أَيْ: الْأَوَّلِ (ادَّعَى الْآخَرُ) لِاسْتِيفَاءِ الْأَوَّلِ حَقَّهُ.
(وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى مَقْلُوبَةٌ) لِأَنَّ الْأَصْحَابَ عَرَّفُوا الْمُدَّعِيَ بِأَنَّهُ الَّذِي يُطَالِبُ غَيْرَهُ بِحَقٍّ يُذْكَرُ اسْتِحْقَاقًا عَلَيْهِ، وَلَا يَنْطَبِقُ هَذَا التَّعْرِيفُ عَلَى مَنْ ادَّعَى دَعْوَى مَقْلُوبَةً، وَهِيَ (بِأَنْ يَدَّعِيَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ لِيَأْخُذَ حَقَّهُ أَوْ لِيَسْتَحْلِفَهُ) سُمِّيَتْ مَقْلُوبَةً؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ فِيهَا يَطْلُبُ أَنْ يُعْطِيَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالْمُدَّعِي فِي غَيْرِهَا يَطْلُبُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ فَانْقَلَبَ فِيهَا الْقَصْدُ الْمُعْتَادُ.
(وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى حِسْبَةٍ بِحَقِّ اللَّهِ) تَعَالَى كَعِبَادَةٍ مِنْ صَلَاةٍ وَزَكَاةٍ وَحَجٍّ وَنَحْوِهَا وَحَدِّ زِنًا أَوْ شُرْبٍ (وَعِدَّةٍ وَكَفَّارَةٍ وَنَذْرٍ وَطَلَاقٍ وَنَحْوِهِ) كَيَمِينٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَجَزَاءِ صَيْدٍ قَتَلَهُ مُحْرِمًا أَوْ فِي الْحَرَمِ (وَتُسْمَعُ) بِلَا دَعْوَى (بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ، وَيَعْتِقُ، وَلَوْ أَنْكَرَ مَعْتُوقٌ) الْعِتْقَ الْمَشْهُودَ بِهِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَتُسْمَعُ بَيِّنَةٌ بِلَا دَعْوَى (بِحَقٍّ غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَوَقْفٍ) عَلَى فُقَرَاءَ أَوْ مَسْجِدٍ (وَوَصِيَّةٍ عَلَى فُقَرَاءَ أَوْ مَسْجِدٍ) أَوْ رِبَاطٍ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ مُسْتَحِقُّهُ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لَمْ يَتَعَيَّنْ بِوَاحِدٍ بِعَيْنِهِ، أَشْبَهَ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى. وَتُسْمَعُ بَيِّنَةٌ بِلَا دَعْوَى بِوَكَالَةٍ (وَاسْتِنَادِ وَصِيَّةٍ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ خَصْمٍ مُسَخَّرٍ) وَلَوْ كَانَ بِالْبَلَدِ.
وَلَا تُسْمَعُ (بَيِّنَةٌ) بِحَقِّ (آدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ قَبْلَ دَعْوَاهُ) بِحَقِّهِ وَتَحْرِيرِهَا (وَلَا) تُسْمَعُ (يَمِينُهُ) أَيْ: الْمُدَّعِي (إلَّا بَعْدَهَا) أَيْ: الدَّعْوَى (وَبَعْدَ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ إنْ كَانَ) حَيْثُ يَقْضِي بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ (وَأَجَازَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَالْحَنَفِيَّةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ سَمَاعَ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ لِحِفْظِ وَقْفٍ وَغَيْرِهِ بِالثَّبَاتِ بِخَصْمٍ مُسَخَّرٍ) أَيْ: يُنَصَّبُ لِيُنَازَعَ صُورَةً، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا سَمَاعَهُمَا لِذَلِكَ بِلَا خَصْمٍ. قَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ ": الثُّبُوتُ الْمَحْضُ يَصِحُّ بِلَا مُدَّعًى عَلَيْهِ. وَقَدْ ذَكَرُهُ قَوْمٌ مِنْ " الْفُقَهَاءِ "، وَفَعَلَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْقُضَاةِ انْتَهَى.
وَأَمَّا فِي الْعُقُودِ وَالْأَقَارِيرِ وَغَيْرِهَا فَأَجَازَهُمَا الْحَنَفِيَّةُ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِخَصْمٍ مُسَخَّرٍ يُظْهِرُ النِّزَاعَ، وَلَيْسَ مُنَازِعًا فِي الْحَقِيقَةِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَأَمَّا عَلَى أَصْلِنَا وَأَصْلِ مَالِكٍ فَإِمَّا أَنْ تُمْنَعَ الدَّعْوَى عَلَى غَيْرِ خَصْمٍ مُنَازِعٍ؛ فَتَثْبُتُ الْحُقُوقُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. وَإِمَّا أَنْ تُسْمَعُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ وَيُحْكَمُ بِهَا بِلَا خَصْمٍ. وَذَكَرُهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ فِي مَوَاضِعَ؛ لِأَنَّا نَسْمَعُهُمَا عَلَى غَائِبٍ وَمُمْتَنِعٍ وَنَحْوِهِ كَمَيِّتٍ، وَكَذَا عَلَى الْحَاضِرِ فِي الْبَلَدِ فِي الْمَنْصُوصِ، فَمَعَ عَدَمِ خَصْمٍ أَوْلَى؛ فَإِنْ الْمُشْتَرِي مَثَلًا قَبَضَ الْمَبِيعَ وَسَلَّمَ الثَّمَنَ؛ فَلَا يَدَّعِي وَلَا يُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالْمَقْصُودُ سَمَاعُ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ وَحُكْمُهُ بِمُوجَبِهَا مِنْ غَيْرِ وُجُودِ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَمِنْ غَيْرِ مُدَّعٍ عَلَى أَحَدٍ، لَكِنْ خَوْفًا مِنْ حُدُوثِ خَصْمٍ مُسْتَقْبَلٍ وَحَاجَةِ النَّاسِ خُصُوصًا فِيمَا قَالَ فِيهِ شُبْهَةٌ أَوْ خِلَافٌ لِرَفْعِ مَا ذُكِرَ مِنْ الشُّبْهَةِ أَوْ الْخِلَافِ انْتَهَى. الْمُنَقَّحُ: وَعَمَلُ النَّاسِ عَلَيْهِ أَيْ: عَلَى مَا قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَا يَقَعُ مِنْ عُقُودِ الْبُيُوعِ وَالْإِجَارَاتِ وَالْأَنْكِحَةِ وَغَيْرِهَا حَيْثُ يُرْفَعُ لِلْحَاكِمِ وَتَشَهَّدُ بِهِ الْبَيِّنَةُ؛ فَيَحْكُمُ بِهِ بِلَا خَصْمٍ، وَهُوَ قَوِيٌّ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " قُلْتُ: وَإِذَا حَكَمَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَإِنْ كَانَ مُقَابِلًا لِمَا قَدَّمُوهُ؛ لَمْ يُنْقَضْ حُكْمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ نَصًّا وَلَا إجْمَاعًا.