الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي قِيمَتِهَا) عِنْدَ إرَادَةِ بَيْعِهَا، أَوْ اخْتَلَفَا فِي (أَجْرِ مِثْلِهَا) عِنْدَ إرَادَتِهِ إجَارَتَهَا (أُخِذَ) ؛ أَيْ: عُمِلَ (بِمَنْ يُصَدِّقُهَا الْحِسُّ) مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ (فَإِذَا اُحْتُمِلَ) مَا شَهِدَتْ بِهِ (أُخِذَ بِبَيِّنَةِ الْأَكْثَرِ، كَمَا لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ أَجَّرَ حِصَّةَ مُوَلِّيهِ) ؛ أَيْ: مَحْجُورِهِ (بِأُجْرَةِ مِثْلِهَا، أَوْ) شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ أَجَّرَهَا (بِنِصْفِهَا) ؛ أَيْ: نِصْفِ أُجْرَةِ مِثْلِهَا؛ فَيُؤْخَذُ بِمَنْ يُصَدِّقُهَا الْحِسُّ، فَإِنْ اُحْتُمِلَ فَبَيِّنَةُ الْأَكْثَرِ.
[كِتَابُ الشَّهَادَاتِ]
ِ (وَاحِدُهَا شَهَادَةٌ) مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ؛ لِإِخْبَارِ الشَّاهِدِ عَمَّا شَاهَدَهُ، يُقَالُ: شَهِدَ الشَّيْءَ إذَا رَآهُ، وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ لِمَحْضَرِ النَّاسِ مَشْهَدٌ، لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ فِيهِ مَا يَحْضُرُونَهُ وقَوْله تَعَالَى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] أَيْ: عَلِمَهُ بِرُؤْيَةِ هِلَالِهِ أَوْ إخْبَارِ مَنْ رَآهُ وَنَحْوِهِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ الشَّهَادَةِ فِي الْجُمْلَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] الْآيَةَ وَقَوْلِهِ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَقَوْلِهِ: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] وَحَدِيثِ: «شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ» . وَتَقَدَّمَ وَغَيْرِهِ، وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا، لِحُصُولِ التَّجَاحُدِ. قَالَ شُرَيْحٌ: الْقَضَاءُ جَمْرٌ فَنَحِّهِ عَنْك بِعُودَيْنِ يَعْنِي الشَّاهِدَيْنِ، وَإِنَّمَا الْخَصْمُ دَاءٌ، وَالشُّهُودُ شِفَاءٌ، فَأَفْرِغْ الشِّفَاءَ عَلَى الدَّاءِ.
وَهِيَ؛ أَيْ: الشَّهَادَةُ (حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ) لِمَا تَقَدَّمَ (تُظْهِرُ الْحَقَّ) الْمُدَّعَى بِهِ؛ أَيْ: تُبَيِّنُهُ وَلِهَذَا سُمِّيَتْ بَيِّنَةً (وَلَا تُوجِبُهُ) ؛ أَيْ: الْحَقَّ، بَلْ الْحَاكِمُ يُلْزِمُ بِهِ بِشَرْطِهِ.
(فَهِيَ) أَيْ: الشَّهَادَةُ بِمَعْنَى الْأَدَاءِ (الْإِخْبَارُ بِمَا عَلِمَهُ) الشَّاهِدُ (بِلَفْظٍ خَاصٍّ) كَشَهِدْتُ أَوْ أَشْهَدُ وَيَأْتِي. .
(تَحَمُّلُ) الشَّهَادَةِ عَلَى (الْمَشْهُودِ بِهِ فِي غَيْرِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى) مَالًا كَانَ حَقُّ الْآدَمِيِّ كَالْبَيْعِ وَالْقَرْضِ وَالْغَصْبِ أَوْ غَيْرِهِ كَحَدِّ قَذْفٍ (فَرْضُ كِفَايَةٍ) إذَا قَامَ بِهِ مَنْ يَكْفِي يَسْقُطُ عَنْ غَيْرِهِ وَقَدْ يُعَيَّنُ التَّحَمُّلُ فِيمَا إذَا لَمْ يُوجَدْ إلَّا مَنْ يَكْفِي فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ عَبْدًا، وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ: الْمُرَادُ بِهِ التَّحَمُّلُ لِلشَّهَادَةِ وَإِثْبَاتُهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ فِي إثْبَاتِ الْحُقُوقِ وَالْعُقُودِ كَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَلِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى امْتِنَاعِ النَّاسِ مِنْ تَحَمُّلِهَا فَيُؤَدِّيَ إلَى ضَيَاعِ الْحُقُوقِ. .
(وَتُطْلَقُ الشَّهَادَةُ عَلَى التَّحَمُّلِ وَعَلَى الْأَدَاءِ) فَيَكُونُ الْأَدَاءُ أَيْضًا فَرْضَ كِفَايَةٍ، قَدَّمَهُ الْمُوَفَّقُ، وَجَزَمَ بِهِ جَمْعٌ، وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَنَصُّهُ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ.
قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " وَهُوَ الْمَذْهَبُ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] ، خَصَّ الْقَلْبَ بِالْإِثْمِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْعِلْمِ بِهَا.
(وَيَجِبَانِ) ؛ أَيْ: التَّحَمُّلُ وَالْأَدَاءُ (عَلَى الْعَدْلِ إذَا دُعِيَ إلَيْهَا) ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الشَّهَادَةِ لَا يَحْصُلُ مِمَّنْ لَيْسَ كَذَلِكَ (لِدُونِ مَسَافَةِ قَصْرٍ) عِنْدَ سُلْطَانٍ لَا يُخَافُ تَعَدِّيهِ، نَقَلَ مُهَنَّا أَوْ حَاكِمٍ عَدْلٍ (وَقَدَرَ) عَلَى التَّحَمُّلِ أَوْ الْأَدَاءِ (بِلَا ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ فِي أَهْلٍ وَمَالٍ أَوْ بَدَنٍ أَوْ عِرْضٍ) فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي التَّحَمُّلِ أَوْ الْأَدَاءِ فِي بَدَنِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ أَهْلِهِ، أَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَقْبَلُ الْحَاكِمُ شَهَادَتَهُ، أَوْ يَحْتَاجُ إلَى التَّبَذُّلِ فِي التَّزْكِيَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة: 282] وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَضُرَّ نَفْسَهُ لِنَفْعِ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ غَيْرَ عَدْلٍ فَقَالَ أَحْمَدُ: كَيْف أَشْهَدُ عِنْدَ رَجُلٍ لَيْسَ عَدْلًا لَا يَشْهَدُ.
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أُمَرَاءُ ظَلَمَةٌ، وَوُزَرَاءُ فَسَقَةٌ، وَقُضَاةٌ خَوَنَةٌ، وَفُقَهَاءُ كَذَبَةٌ، فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ ذَلِكَ الزَّمَانَ، فَلَا يَكُونَنَّ لَهُمْ كَاتِبًا وَلَا عَرِيفًا وَلَا شُرْطِيًّا» .
(وَيَخْتَصُّ الْأَدَاءُ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ) لِأَنَّ السَّمَاعَ بِغَيْرِهِ لَا يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُ الشَّهَادَةِ (وَلَوْ أَدَّى شَاهِدٌ وَأَبَى الْآخَرُ) الشَّهَادَةَ (وَقَالَ) لِلْمَشْهُودِ لَهُ (احْلِفْ بَدَلِي؛ أَثِمَ) اتِّفَاقًا، قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " (وَلَا يُقِيمُهَا) ؛ أَيْ: الشَّهَادَةَ (عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ بِكَافِرٍ) قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَظَاهِرُهُ يَحْرُمُ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ عِنْدَ مَنْ يَقْتُلُهُ بِهِ.
(وَمَتَى وَجَبَتْ الشَّهَادَةُ وَجَبَتْ كِتَابَتُهَا) عَلَى مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ، لِئَلَّا يَنْسَاهَا.
(وَإِنْ دُعِيَ فَاسِقٌ لِتَحَمُّلِهَا) ؛ أَيْ: الشَّهَادَةِ (فَلَهُ الْحُضُورُ مَعَ عَدَمِ غَيْرِهِ) إذْ التَّحَمُّلُ يُعْتَبَرُ لَهُ الْعَدَالَةُ، فَلَوْ لَمْ يُؤَدِّ حَتَّى صَارَ عَدْلًا، قُبِلَتْ (وَلَا يَحْرُمُ أَدَاؤُهُ) ؛ أَيْ: الْفَاسِقِ الشَّهَادَةَ (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِسْقُهُ ظَاهِرًا) لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ صِدْقَهُ، وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ مَنْ بَانَ فِسْقُهُ.
(وَيَحْرُمُ أَخْذُ أُجْرَةٍ) عَلَى شَهَادَةٍ (وَأَخْذُ جُعْلٍ عَلَيْهَا، وَلَوْ لَمْ تَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَمَنْ قَامَ بِهِ فَقَدْ قَامَ بِفَرْضٍ، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ، وَلَا الْجَعْلِ عَلَيْهِ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ (لَكِنْ إنْ عَجَزَ) الشَّاهِدُ عَنْ الْمَشْيِ إلَى مَحَلِّهَا (أَوْ تَأَذَّى بِهِ) ؛ أَيْ: الْمَشْيِ (فَلَهُ أَخْذُ أُجْرَةِ مَرْكُوبٍ) مِنْ رَبِّ الشَّهَادَةِ (وَفِي " الرِّعَايَةِ ") فَأُجْرَةُ مَرْكُوبٍ وَالنَّفَقَةُ عَلَى رَبِّهَا، ثُمَّ قَالَ: قُلْت: هَذَا إنْ تَعَذَّرَ حُضُورُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، إلَى مَحَلِّ الشَّاهِدِ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ
جَاهٍ أَوْ خَفْرٍ، وَقَالَ أَيْضًا (وَكَذَا مُزَكٍّ وَمُعَرِّفٍ وَمُقِيمِ حَدٍّ وَقَوَدٍ) وَحَافِظِ بَيْتِ الْمَالِ (وَمُحْتَسِبٍ) وَالْخَلِيفَةِ انْتَهَى، لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي الْمُفْتِي تَفْصِيلٌ.
(وَ) يُبَاحُ (لِمَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ بِحَدِّ اللَّهِ) تَعَالَى كَزِنًا وَشُرْبٍ (إقَامَتُهَا وَتَرْكُهَا) لِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ، وَلَا ضَرَرَ فِي تَرْكِهَا عَلَى أَحَدٍ، وَالسَّتْرُ مَأْمُورٌ بِهِ قَالَ صلى الله عليه وسلم:«أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ» .
وَلِذَلِكَ اُعْتُبِرَ فِي الزِّنَا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ وَشُدِّدَ فِيهِ عَلَى الشُّهُودِ مَا لَمْ يُشَدَّدْ عَلَى غَيْرِهِمْ؛ طَلَبًا لِلسَّتْرِ، وَاسْتَحَبَّ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَغَيْرُهُمْ تَرْكَهُ لِلتَّرْغِيبِ فِي السَّتْرِ، وَيُتَوَجَّهُ لِمَنْ عُرِفَ بِالشَّرِّ وَالْفَسَادِ أَنْ لَا يُسْتَرَ عَلَيْهِ.
(وَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُعَرِّضَ لَهُمْ) أَيْ: الشُّهُودِ (بِالتَّوَقُّفِ عَنْهَا) ؛ أَيْ: الشَّهَادَةِ (كَتَعْرِيضِهِ لِمُقِرٍّ) بِحَدِّ اللَّهِ لِيَرْجِعَ عَنْ إقْرَارِهِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ لَمَّا شَهِدَ عِنْدَهُ الثَّلَاثَةُ عَلَى الْمُغِيرَةِ بِالزِّنَا، وَجَاءَ زِيَادٌ لِيَشْهَدَ، عَرَّضَ لَهُ بِالرُّجُوعِ، وَقَالَ مَا عِنْدَك يَا سَلْحَ الْعُقَابِ، وَصَاحَ بِهِ، فَلَمَّا لَمْ يُصَرِّحْ بِالزِّنَا وَقَالَ: رَأَيْتُ أَمْرًا قَبِيحًا فَرِحَ عُمَرُ وَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى، وَكَانَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكَرْ.
وَقَالَ عليه الصلاة والسلام لِلسَّارِقِ: «مَا إخَالُكَ سَرَقْتَ» مَرَّتَيْنِ. وَأَعْرَضَ عَنْ الْمُقِرِّ بِالزِّنَا حَتَّى أَقَرَّ أَرْبَعًا. .
(وَتُقْبَلُ) الشَّهَادَةُ (بِحَدٍّ قَدِيمٍ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ بِحَقٍّ؛ فَجَازَتْ مَعَ تَقَادُمِ الزَّمَانِ كَالشَّهَادَةِ بِالْقِصَاصِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَعْرِضُ لِلشَّاهِدِ مَا يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ حِينَهَا، وَيَتَمَكَّنُ مِنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ.
(وَمَنْ قَالَ) لِرَجُلَيْنِ (اُحْضُرَا لِتَسْمَعَا قَذْفَ زَيْدٍ لِي؛ لَزِمَهُمَا) ذَلِكَ، وَإِنْ دَعَا زَوْجٌ أَرْبَعَةً لِتَحَمُّلِهَا بِزِنَا امْرَأَتِهِ؛ جَازَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} [النساء: 15] الْآيَةَ.
(وَمَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لِآدَمِيٍّ يَعْلَمُهَا لَمْ يُقِمْهَا حَتَّى يَسْأَلَهُ) رَبُّ الشَّهَادَةِ إقَامَتَهَا؛ لِحَدِيثِ: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَأْتِي قَوْمٌ يَنْذِرُونَ وَلَا يُوفُونَ، وَيَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَلِأَنَّ أَدَاءَهَا حَقٌّ لِلْمَشْهُودِ لَهُ، فَلَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِرِضَاهُ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ، وَإِلَّا يَعْلَمْ رَبُّ الشَّهَادَةِ بِأَنَّ الشَّاهِدَ تَحَمَّلَهَا (اُسْتُحِبَّ) لِمَنْ عِنْدَهُ الشَّهَادَةُ (إعْلَامُهُ) قَبْلَ إقَامَتِهَا، وَلَهُ إقَامَتُهَا قَبْلَ إعْلَامِهِ.
(وَفِي الْإِنْصَافِ وَيَجِبُ) عَلَيْهِ إعْلَامُهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهَا، وَهَذَا مِمَّا لَا يُشَكُّ فِيهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي رَدِّهِ عَلَى الرَّافِضِيِّ: إذَا أَدَّاهَا قَبْلَ طَلَبٍ قَامَ بِالْوَاجِبِ، وَكَانَ أَفْضَلَ كَمَنْ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ أَدَّاهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ انْتَهَى. .
(وَيَحْرُمُ) عَلَى مَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ بِحَقِّ آدَمِيٍّ لَا يَعْلَمُهَا (كَتْمُهَا) لِلْآيَةِ (فَيُقِيمُهَا) أَيْ: الشَّهَادَةَ (بِطَلَبِهِ) أَيْ: الْمَشْهُودِ لَهُ (وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْهَا حَاكِمٌ) مِنْهُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَا يَقْدَحُ) أَدَاءُ الشَّهَادَةِ بِلَا طَلَبِ حَاكِمٍ وَبِلَا طَلَبِ مَشْهُودٍ لَهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ (فِيهِ كَشَهَادَةِ حِسْبَةٍ) بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ دَعْوَى.
(وَيَجِبُ إشْهَادُ) اثْنَيْنِ (عَلَى نِكَاحٍ) لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِيهِ، فَلَا يَنْعَقِدُ بِدُونِهَا، وَتَقَدَّمَ.
(وَيُسَنُّ الْإِشْهَادُ فِي كُلِّ عَقْدٍ سَوَاءٌ) مِنْ بَيْعٍ وَإِجَارَةِ صُلْحٍ وَغَيْرِهِ، وَلِقَوْلِهِ:{وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] وَحُمِلَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: 283] .
(وَيَحْرُمُ أَنْ يَشْهَدَ أَحَدٌ إلَّا بِمَا يَعْلَمُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] .
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ هُنَا: وَهُوَ يَعْلَمُ مَا شَهِدَ بِهِ عَنْ بَصِيرَةٍ وَإِيقَانٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:«سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الشَّهَادَةِ قَالَ: تَرَى الشَّمْسَ؟ عَلَى مِثْلِهَا فَاشْهَدْ أَوْ دَعْ» . رَوَاهُ الْخَلَّالُ فِي جَامِعِهِ "
، وَالْمُرَادُ الْعِلْمُ الَّذِي تَقَعُ بِهِ الشَّهَادَةُ يَكُونُ (بِرُؤْيَةٍ أَوْ سَمْعٍ غَالِبًا لِجَوَازِهَا) ؛ أَيْ: الشَّهَادَةِ (بِبَقِيَّةِ الْحَوَاسِّ) كَالذَّوْقِ وَاللَّمْسِ (قَلِيلًا) كَدَعْوَى مُشْتَرِي مَأْكُولٍ عَيْبَهُ لِمَرَارَتِهِ وَنَحْوِهَا
فَتَشْهَدُ الْبَيِّنَةُ بِهِ (وَيَشْهَدُ بِدَيْنٍ) مَنْ رَأَى شَخْصًا اقْتَرَضَهُ مِنْ آخَرَ، أَوْ سَمِعَهُ يَقُولُ بِهِ مَعَ جَوَازِ دَفْعِ الْمَدِينِ لَهُ، وَيَشْهَدُ (بِثَمَنِ) مَبِيعٍ (وَأُجْرَةِ) عَيْنٍ اُسْتُؤْجِرَتْ، وَهُوَ حَاضِرٌ أَوْ أَقَرَّ بِهَا الْمُسْتَأْجِرُ، وَيَشْهَدُ (بِعَقْدٍ) جَرَى بِعِلْمِهِ (بِالِاسْتِصْحَابِ وَإِنْ اُحْتُمِلَ دَفْعُهُ) ؛ أَيْ: الدَّيْنِ، (وَالْإِقَالَةِ) مِنْ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ؛ فَالْمُعْتَبَرُ الْعِلْمُ فِي أَصْلِ الْمُدْرَكِ، لَا فِي دَوَامِهِ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْقَرَافِيُّ. .
(وَيُجْزِئُ عَنْ اسْمِ وَنَسَبِ) مَشْهُودٍ عَلَيْهِ (حَاضِرٍ) بِالْمَجْلِسِ (الْإِشَارَةُ إلَيْهِ) فَقَطْ لِمَعْرِفَةِ عَيْنِهِ (كَعَكْسِهِ)، أَيْ: كَمَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى مَنْ يُعَرِّفُهُ بِعَيْنِهِ وَاسْمِهِ وَنَسَبِهِ بِذِكْرِهِمَا مَعَ حُضُورِهِ وَغَيْبَتِهِ، مِثَالُ الشَّهَادَةِ بِالْإِشَارَةِ كَقَوْلِهِ (أَشْهَدُ أَنَّ لِهَذَا عَلَى هَذَا كَذَا) دَرَاهِمَ أَوْ غَيْرِهَا.
(وَإِنْ كَانَ) الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ (غَائِبًا) وَجَهِلَ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ؛ فَلَا يَشْهَدُ حَتَّى يَعْرِفَ اسْمَهُ، فَإِنْ (عَرَّفَهُ) ؛ أَيْ: الشَّاهِدَ (بِهِ) ؛ أَيْ: الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ (مَنْ يَسْكُنُ) ؛ أَيْ: يُطَمْئِنُ الشَّاهِدُ (إلَيْهِ - وَلَوْ وَاحِدًا - جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ) عَلَيْهِ (وَلَوْ عَلَى امْرَأَةٍ) لِحُصُولِ الْمَعْرِفَةِ بِهِ (وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ مَعْرِفَتَهَا؛ لَمْ يَشْهَدْ مَعَ غَيْبَتِهَا) لِلْجَهَالَةِ بِهَا وَبِمَا يُعَرِّفُهَا بِهِ لِلْحَاكِمِ.
(قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا يَشْهَدُ عَلَى امْرَأَةٍ) حَتَّى يَنْظُرَ إلَى وَجْهِهَا، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الشَّهَادَةِ عَلَى مَنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ مَعْرِفَتَهَا، فَأَمَّا مَنْ تَيَقَّنَ مَعْرِفَتَهَا، وَعَرَفَ صَوْتَهَا يَقِينًا؛ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا؛ لِحُصُولِ الْمَعْرِفَةِ بِهَا.
وَقَالَ أَيْضًا: لَا يَشْهَدُ عَلَى امْرَأَةٍ (إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا) وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ أَمْلَكُ لِعِصْمَتِهَا (وَهَذَا) ؛ أَيْ: نَصُّ الْإِمَامِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ (لَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا بَيْتَهَا إلَّا بِإِذْنِهِ) ؛ أَيْ: زَوْجِهَا؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ حَقُّهُ، فَلَا يَدْخُلُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ.
(وَمَنْ شَهِدَ بِإِقْرَارٍ بِحَقٍّ لَمْ يُعْتَبَرْ) لِصِحَّةِ الشَّهَادَةِ (ذِكْرُ سَبَبِهِ) ؛ أَيْ: الْحَقِّ أَوْ الْإِقْرَارِ، كَمَا يُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ الشَّهَادَةِ بِالْإِقْرَارِ ذِكْرُ اسْتِحْقَاقِ الْمَالِ بِأَنْ يَقُولَ أُقِرُّ لَهُ بِهِ، وَهُوَ يُسْتَحَقُّ عِنْدَهُ؛ اكْتِفَاءً بِالظَّاهِرِ (وَلَا) يُعْتَبَرُ بِشَهَادَةٍ بِإِقْرَارٍ (قَوْلُهُ) ؛ أَيْ: الشَّاهِدِ (طَوْعًا فِي صِحَّتِهِ مُكَلَّفًا؛ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ) ؛ أَيْ:
ظَاهِرِ الْحَالِ، لِأَنَّ مَنْ سِوَى ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى تَقْيِيدِ الشَّهَادَةِ بِذَلِكَ الْحَالِ (وَأَنْ يَشْهَدَ) الشَّاهِدُ (بِسَبَبٍ يُوجِبُ الْحَقَّ) كَتَفْرِيطِهِ فِي أَمَانَةٍ.
(أَوْ شَهِدَ بِاسْتِحْقَاقِ غَيْرِهِ) كَقَوْلِهِ: أَشْهَدُ أَنَّ زَيْدًا يَسْتَحِقُّ بِذِمَّةِ عَمْرٍو كَذَا (ذَكَرَ الْمُوجِبَ) لِلِاسْتِحْقَاقِ، لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَعْتَقِدُهُ الْحَاكِمُ مُوجِبًا (وَالرُّؤْيَةُ تَخْتَصُّ بِالْفِعْلِ كَقَتْلٍ وَسَرِقَةٍ وَغَصْبٍ وَشُرْبِ خَمْرٍ وَرَضَاعٍ وَوِلَادَةٍ) وَعُيُوبٍ مَرْئِيَّةٍ فِي نَحْوِ مَبِيعٍ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الشَّهَادَةُ عَلَى ذَلِكَ قَطْعًا، فَلَا يُرْجَعُ إلَى غَيْرِهِ.
(وَالسَّمَاعُ ضَرْبَانِ)(الْأَوَّلُ سَمَاعٌ مِنْ مَشْهُودٍ عَلَيْهِ كَعِتْقٍ وَطَلَاقٍ وَعَقْدٍ) مِنْ بَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ وَنَحْوِهِمَا وَإِقْرَارٍ بِمَالٍ أَوْ حَدٍّ أَوْ نَسَبٍ أَوْ قَوَدٍ أَوْ رِقٍّ أَوْ غَيْرِهِ.
(وَحُكْمِ حَاكِمٍ وَإِنْفَاذِهِ) حُكْمَ غَيْرِهِ (فَيَلْزَمُهُ) أَيْ: الشَّخْصَ (الشَّهَادَةُ بِمَا سَمِعَ) مِنْ قَائِلٍ عَرَفَهُ يَقِينًا، كَمَا فِي " الْكَافِي "(سَوَاءٌ) وَقَّتَ الْحَاكِمُ بِأَنْ قَالَ حَكَمْت بِكَذَا فِي وَقْتِ كَذَا أَوْ لَمْ يُوَقِّتْ (أَوْ أَشْهَدَهُ مَشْهُودٌ عَلَيْهِ أَوْ لَا) لِئَلَّا يَمْتَنِعَ ثُبُوتُ الْغَصْبِ وَسَائِرِ مَا يَتَضَمَّنُ الْعُدْوَانَ فَإِنَّ فَاعِلَهَا لَا يَشْهَدُ بِهَا عَلَى نَفْسِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الشَّاهِدُ مُسْتَخْفِيًا حِينَ تَحَمُّلِهِ الشَّهَادَةَ، كَأَنْ يَكُونَ لِإِنْسَانٍ عَلَى آخَرَ حَقٌّ وَهُوَ يُنْكِرُهُ بِحُضُورِ مَنْ يَشْهَدُ عَلَيْهِ، فَيَسْمَعُ إقْرَارَهُ مَنْ لَا يَعْلَمُ بِهِ الْمُقِرُّ فَإِنَّهُ يَشْهَدُ عَلَيْهِ بِمَا سَمِعَهُ مِنْهُ، لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ بِالشُّهُودِ فِيهِ كَمَا لَوْ رَآهُ يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ الْفَاعِلُ أَنَّ أَحَدًا يَرَاهُ (أَوْ قَالَ الْمُتَحَاسِبَانِ: لَا تَشْهَدُوا عَلَيْنَا بِمَا يَجْرِي بَيْنَنَا فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ الشَّهَادَةَ) بِمَا جَرَى بَيْنَهُمَا، وَلَا يَمْنَعُ (لُزُومَ إقَامَتِهَا) لِأَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ عَلِمَ مَا يَشْهَدُ بِهِ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْأَدِلَّةِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي (سَمَاعٌ بِالِاسْتِفَاضَةِ) بِأَنْ يَشْتَهِرَ الْمَشْهُودُ بِهِ بَيْنَ النَّاسِ فَيَتَسَامَعُونَ بِهِ بِإِخْبَارِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَلَا تُسْمَعُ شَهَادَةٌ بِالِاسْتِفَاضَةِ إلَّا (فِيمَا يَتَعَذَّرُ عِلْمُهُ غَالِبًا بِدُونِهَا) أَيْ: الِاسْتِفَاضَةِ (كَنَسَبٍ) إجْمَاعًا، وَإِلَّا لِاسْتِحَالَةِ، مَعْرِفَتِهِ بِهِ، إذْ لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ قَطْعًا بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا يُمْكِنُ الْمُشَاهَدَةُ فِيهِ، وَكَوِلَادَةٍ (وَمَوْتٍ وَمِلْكٍ مُطْلَقٍ) ، إذْ الْوِلَادَةُ قَدْ لَا يُبَاشِرُهَا إلَّا
الْمَرْأَةُ الْوَاحِدَةُ، وَالْمَوْتُ قَدْ لَا يُبَاشِرُهُ إلَّا الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ مِمَّنْ يَحْضُرُهُ وَقَدْ يَتَوَلَّى غُسْلَهُ وَتَكْفِينَهُ، وَالْمِلْكُ قَدْ يَتَقَادَمُ سَبَبُهُ.
فَتَوَقُّفُ الشَّهَادَةِ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ يُؤَدِّي إلَى الْعُسْرِ خُصُوصًا مَعَ طُولِ الزَّمَنِ، وَخَرَجَ بِالْمُطْلَقِ كَقَوْلِهِ: مَلَكَهُ بِالشِّرَاءِ مِنْ فُلَانٍ أَوْ الْإِرْثِ أَوْ الْهِبَةِ؛ فَلَا تَكْفِي فِيهِ الِاسْتِفَاضَةُ (وَكَعِتْقٍ) بِأَنْ يَشْهَدَ أَنَّ هَذَا عِتْقُ زَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ (وَوَلَاءٍ كَذَلِكَ وَكَوِلَايَةٍ وَعَزْلٍ) لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْضُرُهُ غَالِبًا آحَادُ النَّاسِ، وَلَكِنَّ انْتِشَارَهُ فِي أَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَوْ الْقَرْيَةِ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِحَّتُهُ عِنْدَ الشَّاهِدِ، بَلْ رُبَّمَا قَطَعَ بِهِ، لِكَثْرَةِ الْمُخْبِرِينَ، وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (وَكَنِكَاحٍ) عَقْدًا وَدَوَامًا (وَخُلْعٍ وَطَلَاقٍ) نَصًّا فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُشْرَعُ وَيَشْتَهِرُ غَالِبًا، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ (وَكَوَقْفٍ) بِأَنْ يَشْهَدَ أَنَّ هَذَا وَقْفُ زَيْدٍ، لِأَنَّهُ أَوْقَفَهُ (وَكَمَصْرِفِهِ) ؛ أَيْ: الْوَقْفِ (وَشَرْطِهِ) قَالَ الْخِرَقِيِّ: وَمَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ وَاسْتَقَرَّتْ، مَعْرِفَتُهُ فِي قَلْبِهِ شَهِدَ بِهِ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ أَشْبَهَتْ النَّسَبَ، وَكَوْنُهُ يُمْكِنُ الْعِلْمُ بِمُشَاهَدَةِ سَبَبِهِ لَا يُنَافِي التَّعَذُّرَ غَالِبًا.
وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ (أَنْ يَشْهَدَ بِاسْتِفَاضَةٍ إلَّا) إنْ سَمِعَ مَا يَشْهَدُ بِهِ (عَنْ عَدَدٍ يَقَعُ بِهِمْ) ؛ أَيْ: بِخَبَرِهِمْ (الْعِلْمُ) لِأَنَّ الِاسْتِفَاضَةَ مَأْخُوذَةٌ، مِنْ فَوْضِ الْمَاءِ لِكَثْرَتِهِ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى " وَيَكُونُ ذَلِكَ عَدَدُ التَّوَاتُرِ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ؛ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَا مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] .
(وَيَلْزَمُ الْحُكْمُ بِشَهَادَةٍ لَمْ يُعْلَمْ تَلَقِّيهَا مِنْ الِاسْتِفَاضَةِ وَمَنْ قَالَ شَهِدَتْ بِهَا) ؛ أَيْ: الِاسْتِفَاضَةِ (فَفَرْعٌ) ذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَ " الْإِنْصَافِ " وَ " التَّنْقِيحِ " وَ " الْإِقْنَاعِ "" وَالْمُنْتَهَى " وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ إنْ شَهِدَ أَنَّ جَمَاعَةً يَثِقُ بِهِمْ أَخْبَرُوهُ بِمَوْتِ فُلَانٍ، أَوْ أَنَّهُ ابْنُهُ، أَوْ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ، فَهِيَ شَهَادَةُ الِاسْتِفَاضَةِ، وَهِيَ صَحِيحَةٌ، وَكَذَا أَجَابَ أَبُو الْخَطَّابِ
وَيُقْبَلُ فِي ذَلِكَ، وَيُحْكَمُ فِيهِ بِشَهَادَةِ الِاسْتِفَاضَةِ، وَأَجَابَ أَبُو الْوَفَاءِ إنْ صَرَّحَ بِالِاسْتِفَاضَةِ، وَاسْتَعَاضَ بَيْنَ النَّاسِ؛ قُبِلَتْ فِي الْوَفَاةِ وَالنَّسَبِ جَمِيعًا، وَفِي " الْمُغْنِي " شَهَادَةُ أَصْحَابِ الْمَسَائِلِ يَعْنِي عَنْ الشُّهُودِ شَهَادَةُ اسْتِفَاضَةٍ لَا شَهَادَةٌ عَلَى شَهَادَةٍ فَيُكْتَفَى بِمَنْ شَهِدَ بِهَا كَبَقِيَّةِ شَهَادَةِ الِاسْتِفَاضَةِ (وَذَكَرَ الْقَاضِي الشَّهَادَةُ بِالِاسْتِفَاضَةِ خَبَرٌ لَا شَهَادَةٌ، فَتَحْصُلُ بِالنِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ، وَأَنَّ الْقَاضِيَ يَحْكُمُ بِالتَّوَاتُرِ، وَإِذَا شَهِدَ بِالْأَمْلَاكِ بِتَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ، فَعَمَلُ وُلَاةِ الْمَظَالِمِ بِذَلِكَ أَحَقُّ. انْتَهَى) . كَلَامُ الْقَاضِي. .
(وَمَنْ سَمِعَ إنْسَانًا يُقِرُّ بِنَسَبٍ نَحْوِ أَبٍ أَوْ ابْنٍ فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ) جَازَ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِهِ؛ لِتَوَافُقِ الْمُقِرِّ الْمُقَرَّ لَهُ عَلَى ذَلِكَ (أَوْ سَكَتَ) الْمُقَرُّ لَهُ (جَازَ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِهِ) نَصًّا؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ فِي النَّسَبِ إقْرَارٌ، لِأَنَّ مَنْ بُشِّرَ بِوَلَدٍ، فَسَكَتَ لَحِقَهُ، كَمَا لَوْ كَانَ أَقَرَّ بِهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ عَلَى الْإِنْسَانِ الْبَاطِلِ غَيْرُ جَائِزٍ، وَلِأَنَّ النَّسَبَ يَغْلِبُ فِيهِ الْإِثْبَاتُ، لِأَنَّهُ يَلْحَقُ بِالْإِمْكَانِ فِي النِّكَاحِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِالنَّسَبِ (إنْ كَذَّبَهُ) الْمُقَرُّ لَهُ، لِبُطْلَانِ الْإِقْرَارِ بِالتَّكْذِيبِ.
(وَمَنْ رَأَى شَيْئًا بِيَدِ إنْسَانٍ يَتَصَرَّفُ فِيهِ مُدَّةً طَوِيلَةً كَتَصَرُّفِ مَالِكٍ مِنْ نَقْضٍ وَبِنَاءٍ وَإِجَارَةٍ وَإِعَارَةٍ؛ فَلَهُ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ) لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ فِيهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِلَا مُنَازِعٍ دَلِيلُ صِحَّةِ الْمِلْكِ (كَمُعَايَنَةِ السَّبَبِ) ؛ أَيْ: سَبَبِ الْمِلْكِ (مِنْ بَيْعٍ وَإِرْثٍ) وَلَا نَظَرَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْبَائِعِ وَالْمُوَرِّثِ لَيْسَ مَالِكًا (وَإِلَّا) يَرَهُ يَتَصَرَّفُ كَمَا ذُكِرَ، فَإِنَّهُ يَشْهَدُ (بِالْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ) لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ غَالِبًا (وَهُوَ) أَيْ: كَوْنُهُ يَشْهَدُ لَهُ بِالْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ (الْوَرَعُ فِي الْأَوْلَى) .